"البطرسية" ونصف قرن من العنف الديني.. الهدف ترحيل المسيحيين من الشرق

الخميس 15/ديسمبر/2016 - 12:51 م
طباعة البطرسية ونصف قرن
 
ما زالت الجريمة البشعة التي هزت وجدان مصر والعالم والتي وقعت في الكنيسة البطرسية بحي العباسية بالقاهرة تحظي بالعديد من التحليلات والقراءات المهمة التي تحاول توضيح الصورة الغامضة فقد أنشأت صحيفة "رأي اليوم" الألكترونية، التي يرأس تحريرها الأستاذ عبد الباري عطوان، افتتاحيتها في أعقاب التفجير الإرهابي الدنيء والخسيس، الذي وقع في الكنيسة البطرسية في قلب العاصمة المصرية القاهرة، وأوقع 28 قتيلًا وأكثر من 50 جريحًا معظمهم من الأطفال والنساء، الذين كانوا داخل الكنيسة يؤدون صلاة الأحد.
واعتبرت الافتتاحية أن هذه الجريمة الجديدة بحق معلم ديني مسيحي وبجمهور المسيحيين، يأتي ضمن مخطط ترحيل المسيحيين العرب في الشرق، كما يجري في سوريا والعراق، وأن هذا يبدأ بعمليات إرهابية تدفع بالمسيحيين للهجرة، وقد تحقق جزء من هذا المخطط فعلا، وهو ما زال يضرب وينفذ... حتى يصل لهدفه.
هدف واحد:
يعيدنا التفجير الأخير في الكنيسة البطرسية في القاهرة، ست سنوات إلى الوراء حين تم تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، وفي الفترة ذاتها عشية الاحتفال بالأعياد المجيدة. حينها ثبت ان أحد أعوان الرئيس المخلوع مبارك، كان متورطا في حادث تفجير الكنيسة وذلك للضغط على بابا الأقباط المرحوم شنودة،
واليوم بعدما دخلت "داعش" وأخواتها من الحركات الإرهابية التكفيرية في أزمة بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، لجأت إلى تفجير الكنيسة في القاهرة، وقد اعترفت داعش بمسؤليتها عن التفجير، الذي تم بالتنسيق مع "جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية"، كما أكد اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية الأسبق الذي أضاف "وكُلِّف تنظيم داعش بتنبى الحادث للحفاظ على ماء وجه الجماعة في الغرب"، كما ورد في موقع "اليوم السابع" المصري.
نعم، مخطط تفريغ الشرق من أهله المسيحيين لم يتوقف وحقق بعض الإنجازات. رأينا ذلك في العراق ونراه اليوم في سوريا، وهناك مخطط معد لفلسطين وآخر للبنان، أما في مصر فالمخطط يجري تنفيذه منذ سنوات وعهود طويلة تعود إلى أيام السادات فمبارك. تختلف المسميات هنا وهناك، أو في هذه الفترة أو تلك، لكن الأدوات هي ذاتها والأسياد هم ذاتهم. تفجيرات للأماكن المقدسة، قتل، حرق، نهب، تشريد وغيرها من الأساليب الشيطانية، وبعضها يتم تحت غطاء تسميات دينية وهتافات دينية، حين يعتبرون المسيحيين من أهل التكفير، وليس من أصحاب الكتاب.
هيبة الدولة الغائبة ومطلب تعديل القوانين
كالعادة جاء رد الكنيسة حكيما ومترويا، رغم قساوة ووحشية الجريمة وحجم الخسارة معنويا وماديا، حيث أكد القس بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية أن كنيسته لن يهزها الإرهاب، مضيفًا "نحن نفتخر إننا كنيسة الشهداء وهذا هو سر قوتنا". والحكمة تتجلى في قوله "التفجير ليس المستهدف به الأقباط فقط، بل كل مصري على أرض الوطن هو هدف للإرهاب لأن التطرف لا دين له".
وهذا هو موقف كل الكنائس في مصر وكل أقطار العرب حيث يتواجد المسيحيون، دائما رأوا أن الوطن هو المستهدف وليس كنيسة أو ديرا، وأن الشعب برمته مقصود وليس المسيحيين لوحدهم والمطلوب تفتيت الوحدة الوطنية وتمزيق النسيج الاجتماعي. موقف الكنيسة نابع من تعاليم الانجيل والسيد المسيح، له المجد. وهذا الموقف الثابت يجب ألا يجعل الدولة أو السلطة تنام بعد كل تفجير. على الدولة فرض هيبتها وتحقيق المواطنة الكاملة وفي مصر بالذات، وأمام ما يظهره الأقباط من ولاء للدولة المصرية، على الدولة –ممثلة في الرئاسة- أن تبادر إلى تعديل بعض القوانين والأحكام الدستورية، بحيث تزيل أي غبن يقع على الأقباط وتحولهم إلى مواطنين متساوين مع اخوتهم المسلمين، وبذلك تساهم الدولة في تقوية البناء الداخلي للوطن من خلال المواطنين المتساوين وتعمل على حماية ذلك البناء أمام الأخطار التي تهدده.
نصف قرن من العنف الديني والسياس : من جبانة أخميم 1970 إلى البطرسية 2016
تحت هذا العنوان كتب الباحث سمير مرقس في جريدة المصري اليوم تحليلا مهما جاء فيه 
أفهم وأتفهم، وكتبت مبكرا، عن طبيعة الصراع الذي نشأ مطلع السبعينيات بين جماعات العنف الديني والدولة المصرية. وكيف أن هناك ثلاث مساحات صراع مفتوحة تخوضها هذه الجماعات للنيل من الدولة الحديثة المصرية. الأولى: الأقباط. والثانية: الأجانب بشكل عام، والسياح بشكل خاص. والثالثة: المصالح الاقتصادية. إلا أن ما لا أستطيع أن أفهمه، أو أقبل تفهمه، هو اقتصار منهج التعاطى مع هذه الجماعات في الإطار الأمني دون غيره، على أهميته القصوى. خاصة في العمليات التي تجرى في داخل الوطن. لأن ما يجرى على حدودنا يتكفل به جيشنا الوطني بكل حسم. إلا أن نمطية وبيروقراطية التعاطى مع عمليات الداخل قد سمحت باستمرار وتجدد هذه الموجات على مدى نصف قرن تقريبا من 1970 إلى يومنا هذا، خاصة الموجه إلى الأقباط. أخذا في الاعتبار أن الخمسين عاما السابقة على سنة 1970، وتحديدا ما بين 1919 و1969 لم تشهد مصر خلال هذه الفترة إلا واقعتى عنف ديني. الأولى: قبل 1952. والثانية بعدها. فيما عرف بكنيستى الزقازيق والسويس.
(2)
وهنا علينا أن نبحث عن الأسباب. ما الذي كثف عمليات العنف وجعلها ظاهرة ممتدة وحصيلتها مستمرة تقترب من الـ400 عملية عنف ديني تم توجيهها، على مدى نصف قرن تقريبا، إلى الأقباط في مواقع حياتهم من جهة. وإلى الكنائس من جهة أخرى. أخذا في الاعتبار أننا قمنا بدراسة مطولة لتعريف وتصنيف وتحديد طبيعة عمليات العنف وتحديد أسبابها. (أقول هذه الملاحظة لأن هناك وقائع ذات طبيعة جنائية أو مجتمعية تحولت إلى دينية بفعل المناخ العام أو ظروف معينة ترتبط بأسباب عدة. وهذه الوقائع أخرجناها من العمليات الأربعمائة التي ذكرناها). ودون الدخول في تفاصيل تناولناها كثيرا في كتبنا ومقالاتنا، أنا وغيرى. نشير إلى عدة أمور أسهمت في استمرارية الأحداث. الأول: هو القبول ـــ ببساطة ـــ بانطلاق فتاوى تعيد النظر في الوضع القانونى للمصريين من غير المسلمين. الثاني: النظر إلى الأقباط كطائفة/ جماعة دينية، والتعامل مع الأقباط عبر القيادة الدينية بمنطق نظام الملة العثمانى. وقد تم إطلاق هذه الممارسة في الفترة السبعينية. وباتت حقيقة ثابتة مع امتدادات هذه الفترة. ولم تتحرر مصر ـــ نسبيا ـــ منها إلا بعد 25 يناير مع انفراجة المجال العام ببعديه: السياسي والمدنى. ومن ثم حضور الأقباط بصفتهم المواطنية في هذين المجالين. إلا أن البيروقراطية عادت إلى نهجها القديم. في ظل مظلة دينية فقهية متشددة مطلوب.. كيف؟.
(3)
القبول بانتشار فقه متشدد مضاد للأقباط يقول أولا: بتكفير القباط، وثانيا: بعدم جواز بناء الكنائس، وثالثا: عدم حق الأقباط بتولى مناصب الولاية العامة. ليس فقط المناصب العامة وإنما لما هو دونها مثل: مناصب مديرى المدارس. ورابعا: عدم التعييد على الأقباط في أعيادهم. وواكب ذلك الاستجابة العملية لهذه الفتاوى. ما يدفع بتبرير العنف تجاه الأقباط في النهاية.
(4)
وندلل على ما سبق بقبول السلفيين على مضض بقانون بناء الكنائس ولكن بوجود نص يؤكد على أن الأقباط طائفة. كما يقنن الشروط العشرة المنسوبة تاريخيا للعزبى باشا التي تتحكم في بناء الكنائس. وهي الشروط التي صدرت في ظل دستور إسماعيل صدقى باشا الاستبدادى. خاصة أنهم يعرقلون البناء في الواقع. كما أوجدوا مرجعية ما للدولة العثمانية التي تمردت عليها مصر محمد على من خلال مسار تاريخى: سياسي، وقانونى مختلف.(ولن أشير لما ورد في الدستور في إطار صفقة حول دينية الدولة لا مدنيتها فلقد ناقشته في حينها). كذلك قبول الإدارة التعليمية بالتراجع عن تعيين سيدة مديرة مدرسة لعدم شرعية ذلك. ولم يعد أمام البيروقراطية إلا أن تعيد التكنيكات القديمة من شراكة مع الكيان الديني في إدارة الأقباط وخاصة شبابهم. وهو وضع يعيد تقسيم المجتمع على أساس ديني. ولعل هذا جل ما تريده جماعات العنف لأنه ييسر تحقيق مشروعها على أشلاء المصريين.
(5)
لم تتنبه البيروقراطية إلى ما فعله الرئيس من مواقف تاريخية غير مسبوقة من أولا: تعييد على الأقباط ـــ كمواطنين ــــ في عيدهم بالذهاب إلى مكان عبادتهم. ثانيا: الاعتذار إلى سيدة المنيا العجوز. ثالثا: ترتيب جنازة عسكرية لشهداء البطرسية. فتستجيب لهذه الممارسات عمليا على أرض الواقع. ما يضعف مصر الوطن/الدولة أمام كل محاولات تغيير طبيعتها الحضارية المركبة التي تقوم على التعددية بغير خصومة مع الدين.. وأظن هذا ما تنبه إليه المصريون عقب الحادث. فمارسوا حالة تضامنية حضارية فيما بينهم لأن الخطر يتهدد الجميع. اللهم احفظ مصر الوطن بكل مكوناتها واجعل الحقيقة تطل، بكل وضوح. ولا يتحول الكلام الجد إلى طراطيش بحر كما يقول عمنا صلاح جاهين.

شارك