بعد حادثة "برلين".. "داعش" يهدد مستقبل "ميركل" السياسي

الخميس 22/ديسمبر/2016 - 12:52 م
طباعة بعد حادثة برلين..
 
أعادت حادثة الدهس في برلين إلى الأذهان ظاهرة برزت منذ سنوات قليلة: استخدام المركبات، وخصوصاً الشاحنات الكبيرة، كأداة في تنفيذ العمليات الإرهابية. مقارنة بغيرها من أدوات العمليات الإرهابية، كالمفخخات والأحزمة الناسفة والأسلحة النارية، تعتبر الشاحنات وسيلة سهلة؛ فيمكن تقريباً لأي شخص الحصول على سيارة لتنفيذ العملية، سواء سيارته الخاصة أو سيارة مستأجرة أو حتى أخرى مسروقة. فمنفذ عملية نيس الإرهابية استأجر سيارة الهجوم.
وتمثل أسواق عيد الميلاد تقليدا قديما في ألمانيا يلجأ إليها الناس لنيل قسط من الراحة ونسيان متاعب الحياة اليومية. وسوق عيد الميلاد هو فضاء للفرحة والاحتفال، و"الابتعاد عن مشاغل الحياة اليومية". كما يؤكد ذلك مانفريد بيكر هوبرتي، المتحدث الرسمي باسم أبرشية كولونيا لدويتشه فيله. وتفيد إحصائيات اتحاد منظمة المعارض بألمانيا أن نحو 85 مليون شخص يزورون سنويا أسواق عيد الميلاد بحثا عن الترفيه، وأقيمت في ألمانيا عام 2013 نحو 1.450 سوق لعيد الميلاد.
استهداف مكان للفرحة والمشاعر الجميلة كان بالتحديد هو الهدف من الاعتداء الذي طال سوق عيد الميلاد في قلب العاصمة برلين، كما يرى بيكر هوبرتي، ويوضح ذلك بالقول "أعتقد أن ذلك هو أيضا هدف الاعتداء، أي إظهار أننا عرضة للهجوم في هذا المكان الذي لا تُستعرض فيه القوة، بل فقط المشاعر، وتوجيه الضربة في هذا المكان الحساس هو الجانب الحقير في هذا الاعتداء". ويشير هوبرتي، إلى أن أسواق عيد الميلاد ليس لها في الحقيقة أصلا علاقة بالدين المسيحي.
وحسب المعلومات القليلة المتوفرة عن المشبته به الجديد، فإنه طالب لجوء وقد رفض طلبه وحملت السلطات الألمانية تونس مسئولية عرقلة ترحيله من ألمانيا، ومن مواليد سنة 1992. يستخدم أربعة أسماء على الأقل وهويات مختلفة ويفترض أن له محل إقامة في برلين وآخر في ولاية شمال الراين وستفاليا. وحسب مصادر إعلامية ألمانية فإن المشتبه به معروف لدى السلطات الألمانية الأمنية، وصرح وزير داخلية ولاية شمال الراين وستفاليا اليوم أنه كان من قبل مشتبها به في الإعداد لتنفيذ عمل إجرامي يشكل خطرا على الدولة.
ورغم أن الشرطة لم تتمكن بعد من إلقاء القبض على المشتبه به كما لم يتأكد حتى الآن تورطه بالفعل في الحادث، إلا أن مجرد الإعلان عن جنسيته خلف استياء كبيرا وتخوفات في أوساط الجالية التونسية المقيمة في ألمانيا. خلف الإعلان عن جنسية المشتبه به الأول حاليا في هجوم برلين خيبة واستياء كبيرا في أوساط المهاجرين التونسيين في ألمانيا بعد أقل من عام على هجوم نيس الذي نفذ بطريقة مشابهة وتورط فيه تونسي أيضا.
وتقول احدث التقارير عن المتهم الرئيسي في هجوم برلين أنيس عامري قد أجرى بحثا عبر الانترنت حول كيفية صنع متفجرات وتواصل مع تنظيم "داعش"، وفق تقرير إخباري. كما أنه مدرج على قائمة الممنوعين من دخول الولايات المتحدة، وفق صحيفة نيويورك تايمز . 
ونقلت الصحيفة عن مسئول أمريكي طلب عدم الكشف عن هويته أن عامري (24 عاما) تواصل مع التنظيم المتطرف مرة واحدة على الأقل وكان مدرجا على القائمة الأمريكية للممنوعين من السفر.
ويُعتقد أن عامري، الذي له عدة أسماء مستعارة وكان يواجه الترحيل، قد فر من موقع الهجوم الذي وقع يوم الاثنين وخلف 12 قتيلا و48 مصابا. وتم العثور على وثائق إثبات هوية خاصة بعامري في الشاحنة. وكان يخضع للمراقبة خلال الفترة من آذار/مارس حتى أيلول/سبتمبر، ويشتبه في أنه خطط لسرقة أموال من أجل شراء سلاح آلي "ربما لتنفيذ هجوم في المستقبل"، بحسب سلطات التحقيق في برلين.
بعد حادثة برلين..
وقد أعلنت النيابة الألمانية عن مكافأة بقيمة 100 ألف يورو لمن يدلي بمعلومات تقود إلى القبض على التونسي، أنيس عامري، المشتبه به بتنفيذ اعتداء برلين. كما باشرت شرطة مكافحة الإرهاب في تونس استجواب عائلة عامري.
وقد أعلن تنظيم "داعش" وقوفه وراء اعتداء برلين، وفق ما أفادت وكالة "أعماق" المرتبطة بالتنظيم الإرهابي. وقالت الوكالة أن منفذ عملية الدهس هو جندي "للدولة" ونفذ العملية استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف الدولي".
ونقلت وكالة أعماق عن "مصدر أمني" مزعوم على تطبيق "تلغرام" أن "منفذ عملية الدهس في مدينة برلين الألمانية هو جندي للدولة الإسلامية ونفذ العملية استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف الدولي". وكان الإعلان بالمسئولية مطابقا للطريقة التي أعلن بها التنظيم المسئولية عن هجمات سابقة في أوروبا. هذا ولم يتسنَ التأكد من صحة ما نسبه التنظيم الإرهابي لنفسه.
وبقيت ألمانيا حتى الآن بمنأى من اعتداءات جهادية ضخمة، لكنها شهدت مؤخرا هجمات محدودة متفرقة.
وتبنى تنظيم "الدولة الإسلامية" في يوليو اعتداءين منفصلين نفذهما سوري في الـ27 من العمر وطالب لجوء في الـ17 يرجح أنه أفغاني، أحدهما بواسطة قنبلة والآخر بالسلاح الأبيض، وأوقعا عددا من الجرحى. ودأب تنظيم "الدولة الإسلامية" على دعوة عناصره إلى استهداف دول التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد التنظيم المتطرف في سوريا والعراق.
وجدير بالذكر التقارير الصادرة عن هيئة حماية الدستور الألمانية (جهاز الاستخبارات الداخلية)، يعيش في ألمانيا حوالي 44 ألف إسلامي متطرف، لكنهم لا يشكلون جميعهم "كتلة متجانسة"، حسبما جاء في تقرير لنفس الهيئة. وتجتمع المجموعات التي ينتمي إليها هؤلاء في "استغلال الدين الإسلامي لتحقيق أهداف سياسية وأغراض إسلاموية"، حسب نفس التقرير.
غير أن جهاز الاستخبارات الداخلي يشير إلى أن الخطر الأكبر تشكله المجموعات السلفية التي عرفت أعدادها تزايداً مضطردا في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة. فبينما كان عدد السلفيين لا يتعدى 3800 شخص عام 2011، وصل الآن إلى حوالي 8350 شخص، كما ذكر رئيس هيئة حماية الدستور هانس غيورغ ماسن لدويتشه فيله، الذي أعزى ذلك إلى الحرب الدائرة في سوريا وظهور تنظيم "داعش".
وبعد موجة اللجوء الكبيرة التي شهدتها ألمانيا، خلال العام الماضي، أبدت هيئة حماية الدستور قلقها حيال المحاولات التي يقوم بها سلفيون وإسلامويون راديكاليون بين اللاجئين لاستقطاب معاونين جدد لهم. وقال رئيس الهيئة هانز-غيورغ ماسن لدويتشه فيله"إن هناك حتى الآن أكثر من 340 حالة معروفة بالنسبة لنا". وتابع المسئول الأمني الألماني "تلك فقط هي الحالات التي علمنا بها. وربما هناك حالات أكثر".
وشدد ماسن على أنه لا يتعين التركيز فقط على تنظيم "داعش" الذي من المحتمل أنه يرسل إلى أوروبا فرقا إرهابية، مثلما حدث في باريس وبروكسل. ولكن يمكن أن يكون هناك أيضاً جناة يعملون بصورة فردية ويميلون إلى التطرف فيتلقون مهاماً في هذه الخصوص.
وتحاول السلطات الألمانية منذ عدة أشهر تضييق الخناق على الجماعات الإسلامية المتطرفة، إذ شنت القوات الأمنية سلسلة مداهمات واعتقالات استهدفت الحركة السلفية أيضا. وقد نتج عن ذلك منع جمعية "الدين الحق" السلفية على خلفية حملة "اقرأ" التي نظمتها الجمعية ووزعت خلالها كتبا ومنشورات إسلامية.
وفي السياق نفسه نشرت الديلي تليجراف أمس موضوعا لمحرر الشئون الأوروبية بيتر فوستر تحت عنوان "أنجيلا ميركل انتهت، اليمين المتطرف الألماني يخطط لإسقاط المستشارة بعد هجوم برلين".
يعتبر فوستر أن ميركل تقضي حاليا "الوقت الإضافي" لها في منصب المستشارة الألمانية حسب التعبير الكروي وذلك بعد هجوم برلين الأخير حيث تلقت اللوم من المعارضة اليمينية خاصة حزب البديل لألمانيا.
ويضيف فوستر أن فراوك بيتري زعيمة الحزب المتطرف قالت إن السبب في هجوم برلين الأخير هو فشل ميركل في مواجهة الأخطاء التي نجمت عن سياستها الفاشلة بخصوص استقبال المهاجرين.
ويوضح فوستر أن ميركل أعلنت عام 2015 سياسة الباب المفتوح للمهاجرين واستقبلت أكثر من مليون مهاجر ما سبب ضغطا على المجتمع الألماني ورفع من حال التأهب الأمني بعد حالات التحرش الجنسي خلال احتفالات رأس السنة في مدينة كولون العام لماضي.
ويؤكد فوستر أن حزب البديل لألمانيا يواصل النمو واكتساب المؤيدين في ألمانيا بشكل سريع رغم الحرج الذي يتعرض له بشكل متكرر وأخر مرة قام أحد النواب التابعين للحزب في البرلمان بالاستقالة في رسالة قوية لقيادة الحزب قال فيها إن سياسات الحزب تذكره بسياسات النازي.
وينقل الكاتب عن عدد من الخبراء في الشأن السياسي الألماني قولهم إن الحزب قد لايشكل عقبة كبرى لميركل عندما تسعى لتجديد فترتها في منصب المستشارية العام المقبل لكن ذلك قد يتبدل سريعا إذا تمكن الحزب المتطرف من إقناع المواطنين بالربط بين سياسات ميركل بخصوص المهاجرين والمشاكل الأمنية التي تعاني منها البلاد.
وينقل فوستر عن بيتري زعيمة حزب البديل لألمانيا قولها: إن الصف الثاني وقطاع من قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه ميركل أصبحوا مقتنعين ان حقبة ميركل قد انتهت لكن المشكلة أنهم لا يمتلكون البديل. 

شارك