بعد غياب 6 سنوات.. أول اجتماع للكاثوليك يناقش وضع المسيحيين في الصين

الثلاثاء 27/ديسمبر/2016 - 03:14 م
طباعة بعد غياب 6 سنوات..
 
وضع المسيحيين في الصين أصبح صعبًا للغاية، ومشاكل الصين مع الفاتيكان متعددة مع تغيب الأقلية المسيحية الصينية عن أهم وسائل الإعلام التي تتحدث باستمرار عن الأقليات المسيحية في الشرق؛ لذلك عندما أعلنت الكنيسة الكاثوليكية الرسمية في الصين أنها سوف تنظم بدءًا من اليوم أول اجتماع لها منذ ست سنوات، في بادرة حسن نية تجاه الفاتيكان في أوج عملية التقارب بين الطرفين- كانت فرصة لنا للحديث عن هذا التطور الجديد؛ فقد أعلنت الناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا شونيينغ أن الجمعية التاسعة للممثلين الكاثوليك ستعقد اليوم الثلاثاء حتى الخميس في بكين، وأضافت: "نعتقد أن هذه الجمعية يمكنها أن تدفع قدمًا دمج الأنشطة الكاثوليكية ضمن المجتمع والحضارة الصينية".
يتفاوض الفاتيكان والصين اللذان لا يقيمان علاقات دبلوماسية منذ 1951، حاليًّا على تقارب تاريخي. والجماعة الكاثوليكية التي تعد 12 مليون شخص تقريبا منقسمة بين "الرابطة الوطنية" التي يختار الحزب الشيوعي أعضاءها وكنيسة غير رسمية يعين أساقفتها من قِبل روما ولا تعترف بها بكين وإنما تتسامح معها.
وينص الاتفاق الذي يجري تحضيره على اعتراف البابا بأربعة أساقفة من "الرابطة الوطنية" من أصل ثمانية يرفض سيامتهم حتى الآن. ومن غير المرتقب أن يؤدي التقارب إلى إقامة علاقات دبلوماسية رغم أن البابا فرنسيس يرغب بزيارة الصين في أحد الأيام.
وسبق أن ندد الفاتيكان بمؤتمرات سابقة لأن أعضاء الكنيسة غير الرسمية التابعين لروما أرغموا على المشاركة فيه. لكن هذه المرة أعطى الفاتيكان موافقة ضمنية للأعضاء للمشاركة في المؤتمر بحسب ما أورد موقع كاثوليكي مطلع على الشئون الدينية في الصين.
ويمارس في الصين أكثر من 50 مليون مسيحي شعائرهم الدينية. وكثيرون منهم يفضلون ممارسة تلك الشعائر في أماكن سرية بدل الكنائس التي تراقبها السلطات الحكومية. إلا أن هؤلاء المسيحيين مهددون بالقمع والاعتقال.
عندما أُفرج عام 1988 عن القس يون من معتقل "لإعادة التأديب عن طريق العمل"، شاهد ابنه الذي كان آنذاك في سن الرابعة، لأول مرة، إذ إنه كان معتقلا لمدة أربعة أعوام يتهمة مناهضة الثورة. وفي عام 1991 اعتقل مرة أخرى بتهمة "الإخلال بنظام المجتمع". وتم اعتقاله عام 1997 للمرة الثالثة. إلا أنه نجح هذه المرة في الهرب ووجد في نهاية المطاف ملجأ له في ألمانيا.
ترأس القس يون جماعة بروتستانتية في محافظة هينان الواقعة في شمال الصين. وهي إحدى الجماعات المسيحية التي تعارض الكنائس البروتستانتية والكاثولويكية الحكومية التي تأسست في الخمسينيات من القرن الماضي تحت إشراف الحزب الشيوعي الصيني، فالحزب يحاول عزل الكنائس المسيحية عن الخارج لتأمين تحكمه التام بها.
كنائس سرية
إلا أن مسيحيين كثيرين يرفضون هذا التدخل السياسي. والقس يون أيضًا لم يوافق على إقامة علاقات مع الكنيسة الحكومية، ويفول يون في هذا السياق بأنه "لم يترأس مسيحيون هذه الكنيسة الرسمية، وإنما شيوعيون مؤيدون للماركسية اللينينية". وأسس يون مثل مسيحيين آخرين كنائس سرية في المنازل. وهذه الكنائس المنزلية ليست مسجلة لدى السلطات وغير معترف بها. ولذلك، فإنها غير شرعية.
ويبلغ عدد أعضاء جماعة كنيسة شوفانغ المنزلية في بكين مثلًا أكثر من 1000 شخص. ورغم ذلك لم تتخذ السلطات الحكومية لسنوات عديدة أي خطوات ضدهم. إلا أن ذلك تغير عام 2011، فمنذ ذلك الحين يتعرض أعضاء الجماعة للترهيب والمضايقات. وفُرضت قبل أكثر من سنتين الإقامة الجبرية على قس الجماعة والمسئولين الآخرين فيها، كما يقول بوب فو مؤسس منظمة تشاينا إيد (China Aid) المناهضة لملاحقة المسيحيين والتي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًّا لها.
وتشمل ملاحقة المسيحيين حتى الكنيسة البروتستانتية المعترف بها رسميًّا، فمؤخرا تم اعتقال القس جانغ شاوييه رئيس الكنيسة الحكومية في مدينة بويانغ الواقعة في محافظة هينان، إذ إنه حاول حماية المؤمنين من تعسف السلطات المحلية، مما أثار استياءها وملاحقتها له، كما يقول بوب فو.
ازدياد عدد المسيحيين
رغم أن هناك مشاكل كثيرة، فإن عدد المسيحيين في الصين يتزايد. ويقدَّر عددهم بأكثر من 100 مليون شخص، إذ إن عدد البروتستانتيين المسجلين رسميا يقدَّر ب 23 مليون شخص وعدد أعضاء جماعات الكنائس البروتستانتية السرية بـ 45 مليون شخص. ويقدَّر عدد الكاثوليكيين في الصين بـ 12 مليون شخص، نصفهم من الكنيسة الرسمية ونصفهم من الكنيسة السرية.
هذا ولا تقيم الصين علاقات رسمية مع الفاتيكان. والكنيسة الكاثوليكية الرسمية في الصين لا تعترف بقيادة البابا لها. إلا أن الأب أنتون فيبر من مركز الصين الكاثوليكي في ألمانيا، لا يرى في ذلك إلا أمرًا نظريًّا، ويقول: إن جميع الكاثوليك في الصين تقريبا، يشعرون بأنهم مرتبطون بالبابا بشكل وثيق، ويضيف: "إنهم يصلون من أجل البابا. ولا ينطبق ذلك على أعضاء الجماعات السرية فقط، وإنما على أعضاء الجماعات الرسمية أيضا".
خطورة الإخلاص للبابا
يمكن أن يؤدي إظهار الإخلاص للبابا إلى صعوبات جدية. وتوضح ذلك قضية ماه داكين، ففي السنة الماضية نصبته الكنيسة الرسمية كأسقف في شانغهاي، واعترف الفاتيكان أيضا به. وعندما أعلن الأسقف انشقاقه عن الكنيسة الحكومية، فُرضت الإقامة الجبرية عليه.
فمن يتمرد، يتعرض للمضايقات، وخاصة القساوسة والأساقفة، كما يقول فيبر، بأنه: "يُحكم على بعضهم بالسجن لمدة بضع سنوات أو تتم إساءة معاملتهم أو تفرَض عليهم الإقامة الجبرية". ويشير الأب فيبر في هذا السياق إلى الأسقف ليو غواندونغ الذي توفى مؤخرًا وقد تجاوز التسعين، وكان قد قضى 30 سنة في السجن. ورغم الإفراج عنه عام 1981، إلا السلطات فرضت عليه مراقبة صارمة. ولذلك اختفى الأسقف منذ عام 1997، إذ إنه "رفض أي حل وسط مع السلطات"، كما يقول فيبر. ويضيف أن مصير غواندونغ يشبه مصير غيره من رجال الدين المسيحي.
"قفص كبير"
يقارن الكاردينال زين زيكيون من هونغ كونغ حرية الأديان في الصين بقفص، إذ يقول: "سواء أكان القفص صغيرًا أو كبيرًا أو حتى كبيرًا جدًّا، فإنه يبقى قفصًا. والطير في القفص ليس حرًّا". ورغم أن انفتاح جمهورية الصين الشعبية في سياق إصلاح اقتصادها أدى إلى بعض التسهيلات، إلا أن بوب فو لا يرى أن ذلك ترك آثاره على وضع الكنائس المسيحية في البلاد. وأما القس يون، فإنه يعيش الآن في مدينة فرانكفورت الألمانية، حيث يتواصل مع جماعته البروتستانتية في هينان بواسطة الانترنت، إذ لا يجوز له أن يعود إلى الصين.

شارك