الإرهاب..إستراتيجية متجددة

الأربعاء 04/يناير/2017 - 02:46 م
طباعة الإرهاب..إستراتيجية
 
خاص بوابة الحركات الاسلامية - رسالة تونس
أنبثق تنظيم داعش من تنظيم القاعدة في العراق الذي أسسه وبناه أبو مصعب الزرقاوي في عام 2004.وابتداءً من عام 2014، وتحت قيادة زعيمها أبو بكر البغدادي، انتشر التنظيم بشكل ملحوظ،وتم له وجود كبير في المحافظات السورية من الرقة وإدلب ودير الزور وحلب بعد الدخول في الحرب الأهلية السورية.
وفي 29 يونيو 2014 أعلن أبو محمد العدناني، المتحدث باسم تنظيم الدولة الإسلامية، عن قيام ما أسماه بالدولة الإسلامية ومبايعة أبو بكر البغدادي لقيادة الدولة، ليبدأ التنظيم من "العراق والشام" قبل أن تنتشر له جيوب في مناطق عدة حول العالم،على غرار شبه جزيرة سيناء المصرية،التي أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس فيها مبايعته لتنظيم الدولة تحت اسم ولاية سيناء،وليبيا التي أعلن فيها تنظيم "أنصار الشريعة" الليبي،في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، قيام إمارة إسلامية في مدينة درنة الواقعة في شرق البلاد ثم مدين سرت الساحلية التي سيطر عليها في شباط/فبراير 2015،وجماعة بوكو حرام النشطة في مناطق شمال نيجيريا والتي تسيطر على مساحة تصل إلى 40 ألف كيلومتر مربع.
وبعد تشكيل تحالف من عدة دول لمحاربة التنظيم شمل دولًا عربية وإسلامية وأجنبية ،بدأ "داعش"في التراجع وخسارة مناطق نفوذه.وواجه التنظيم ، هزائم متتالية ، حيث نشر التحالف الدولي تقريرا رصد فيه خسائر داعش في سوريا والعراق في شهر تشرين الثاني 2016.وذكر التقريرأن داعش خسر خمسة بالمائة إضافية من المناطق التي كان يحتلها في العراق في شهر تشرين الثاني الماضي ليبلغ مجموع الأراضي التي خسرها داعش بالعراق منذ شهر آب لعام 2014 حوالي 61% أما في سوريا فقد خسر واحدا بالمائة من الأراضي التي كان يحتلها ليصبح مجموع الأراضي التي خسرها 28% وذلك بعد الهزائم المتتالية على أرض المعركة.بالاضافة الى خسارة التنظيم لمعقله في مدينة سرت الليبية الي نجحت قوات "البنيان المرصوص"التي شكلتها حكومة الوفاق بمساعدة القصف الأمريكي في اعلان تحرير المدينة ،الاثنين 5 كانون اول 2016، بعد أشهر من المعارك الحامية.
وشهدت نهاية العام 2016،بوادر القضاء على تنظيم داعش بحلول العام الجديد،لكن تصاعد الهجمات الإرهابية، التي ضربت العديد من الدول، منها هجمات فرنسا ونيس، التي أودت بحياة المئات من الفرنسيين، ثم هجمات بروكسل، وألمانيا وأميركا، ومصر والسعودية والعراق واليمن وتركيا، وبالطبع بؤرة الصراع سوريا والعراق بددت مشاعر التفاؤل التي انتشرت في أنحاء العالم وخاصة في ظل التصريحات الصادرة عن المسؤولين العسكريين الأميركيين التي تتحدث عن حربٍ طاحنة تستمرعدة أعوام مع التنظيم.
وتبدو التفجيرات الانتحارية المتصاعدة الاستراتيجية الأكثر حضورا في الاجندة الداعشية لهذا العام،حيث وجه زعيم "الدولة الإسلامية" ابو بكر البغدادي تعليماته الى قادته من المهاجرين (خارج حدود الدولة) لاحياء الخلايا النائمة، في الدول العربية والأوروبية، وتنفيذ هجمات نوعية على المدنيين، ردا على هجمات التحالف الدولي على "ارض الخلافة "، وخص بالذكر "المنشآت النفطية والمصالح الأجنبية التابعة للدول المشاركة في التحالف، وايقاع اكبر عدد ممكن من القتلى والخسائر البشرية".بحسب ما جاء في قناة "السومرية العراقية".
وتوحي العمليات الارهابية الاخيرة أن التنظيم سيحول نشاطاته إلى أعمال انتحارية في مناطق مختلفة من العالم في حال فقد الأراضي التي يسيطر عليها.ويرى مراقبون أن التنظيم نجح في الانتشار بعدد من دول أوروبا وأمريكا، مستندين إلى تفجيرات وقعت في تلك المناطق من العالم، كذلك إلى تحذيرات دولية، خاصة أوروبا، من استهداف مدنها.وكانت المخابرات البلجيكية حذرت في نوفمبر الماضي من موجة عاتية قادمة من العراق وسوريا، ممثلة في عودة مكثفة لمسلحي داعش الهاربين من الحرب، والباحثين عن الوصول إلى أوروبا، بعد الضربات القاسية التي طالت التنظيم في كل من العراق وسوريا.
فيما حذر تقرير لوكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول)،في ديسمبر/ كانون الأول 2016،من أن مسلحي ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية سوف يسعون إلى تكثيف الهجمات على أهداف أوروبية في ظل هزيمتهم في منطقة الشرق الأوسط.وأكد التقرير إن المزيد من المقاتلين الأجانب سيحاولون العودة إلى أوروبا حيث سيكون هناك "عدة عشرات" من هؤلاء المقاتلين القادرين على تنفيذ هجمات.مشيرا إلى أن "السيارات الملغومة وعمليات الخطف الشائعة في سورية قد تُصبح من الأساليب المتبعة في أوروبا"، بعد هزيمة داعش في سورية أو العراق.
وفي سياق متصل، حذّر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية في دراسة أصدرها مؤخراً،من "احتمالية هروب مقاتلين من تنظيم داعش إلى الدول الجوار هرباً من كثافة وقوة العمليات الموجهة ضدهم في سورية والعراق وليبيا".وأوضح أنه إذا فقد مناطق الارتكاز والتجمع، "فإنه يتحول إلى استراتيجية النكاية والإنهاك باعتبارها الأقل كلفة في المواجهة مع الجيوش والسلطات المحلية في المناطق التي يقبع فيها عناصر التنظيم".ويعني ذلك، بحسب الدراسة، تحوّل مقاتلي التنظيم من المواجهة المباشرة إلى الهرب والاختفاء بعيداً عن أعين السلطات تمهيداً لشن عمليات "أكثر أثراً وأقل كلفة".
ويخشى خبراء أن يحاول التنظيم،تشتيت عناصره حول العالم حيث سيذوبون في المجتمع ليمارسوا أنشطتهم بسرية من خلال خلايا نائمة تنتشر على مساحات واسعة وتقوم بعمليات إرهابية تستهدف تستهدف الحاق اكبر قدر من الخسائر.ويؤكد المرصد أن "استراتيجية النكاية والإنهاك تسبب خسائر فادحة للدول التي تتعرض لها، في ظل صعوبة تحديد هوية العناصر المقاتلة وأماكن اختفائهم والأماكن التي ستستهدفها العمليات الإرهابية، ما يضرب استقرار الدول ويهدد مواردها الاقتصادية، ويدفع الاستثمارات الأجنبية إلى الهرب".
وبرغم ما حمله عام 2016 من نزيف كبير للدماء ما تجعله صاحب أعلى عدد من الضحايا بسبب الهجمات الإرهابية التي أسفرت عن ضحايا عديدة،فإن العديد من المراقبين العام 2017 سوف يكون أشد إيلاما والأصعب على مستوى الإرهاب العالمي خاصة في منطقتي الشرق الأوسط وأوروبا في ظل قدرة الجماعات المتطرفة ،مثل داعش وتنظيم القاعدة،على تغيير استراتيجيتها والتكيف وفقًا لمتغيراتها.
رسالة تونس - عبدالباسط غبارة
صحفي وباحث تونسي

شارك