فيلم مولانا.. والكشف عن الصراع الديني في المجتمع

الإثنين 09/يناير/2017 - 04:09 م
طباعة فيلم مولانا.. والكشف
 
مع بداية عرض فيلم "مولانا" للفنان عمرو سعد، عن قصة الكاتب ابراهيم عيسى، بدأت الجماعات الاسلامية والأزهر في تحسس أسلحتها واشهارها في وجه الابداع، ورغم ان هذه ليست هي المرة الأولى التي يتحالف فيها الأزهر مع الجماعات الاسلامية وخاصة السلفية منها الا اننا نتمنى ان تكون الأخيرة، ولكن الغريب في الأمر هذه المرة ان هناك من يؤيد الفيلم من رجال الدين، ويطالب بمناقشة الفكر بالفكر والحجة بالحجة.
ولقد ظهرت مطالبات مؤخرا من قبل بعض الدعاة ونواب البرلمان لوقف عرض فيلم "مولانا" بطولة عمرو سعد بدور السينما، بدعوى أنه يشوه صورة الأئمة، بل طالب البعض بعرض الأعمال التي تتناول مضمونا دينيا على اللجنة الدينية بالمجلس لإبداء الرأي فيها.

فيلم مولانا.. والكشف
وردا على هذه الدعوات قال المخرج مجدى أحمد على: المطالبون بوقف العمل هم السلفيون لأنهم يكرهون السينما وحكموا على الفيلم بدون رؤيته، مشيرا إلى أن الفيلم إذا لم يصطدم بالمتخلفين يكون فيلما فاشلا ومطالبات وقفه دليل نجاحه، مؤكدا أن الفيلم إذا لم يُغضب أحدا يكون فيلما منافقا، مشددا لم ننافق أحدا وأظهرنا الحقيقة كاملة ولذلك لم يعجب الفيلم البعض.
وأضاف في تصريحاته أن الدعاة يريدون أن يتعاملوا كالأنبياء وأن يكونوا مقدسين ولا يقرب إليهم أحدا بالنقد، مشيرا إلى أن المشهد الذى يظهر أغلب المشايخ يحبون الأكل هو واقعى وحقيقي وليس عيبا، لافتا إلى أنه ذكر ما لهم وما عليهم في الفيلم فشخصية حاتم ظهرت متواضعة ومتكلمة وذكية ولكن لديه جانب إنساني وليس معصوما من الخطأ.
وتابع أنه تلقى الكثير من ردود الأفعال الإيجابية حول العمل، موضحا أن أهم شيء أنه نال إعجاب الجمهور الذى أقبل على مشاهدته بالسينمات بدليل تحقيق العمل إيرادات وصلت لمليون ونصف جنيه في أقل من أسبوع من عرضه، لافتا إلى أنه لا يجوز المقارنة بين الرواية التي كتبها إبراهيم عيسى والفيلم لأن لكل منهما إيقاع معين ونوعية جمهور مختلفة.

فيلم مولانا.. والكشف
وفى سياق متصل، قال الناقد الفني طارق الشناوي إن مطالبات وقف عرض الفيلم مرفوضة تماما كما أنها "فئوية" واعتدنا على رؤيتها في الكثير من الفئات سواء أطباء أو سجانات أو ممرضات وغيرهم، موضحا أن هذه الدعوى من المنتظر أن يتبناها محامون من حيث إجراءات قانونية، مؤكدا أنه يجب التصدي لها لأنه لا يجوز منح فئات المجتمع قدسية وإلا فلن يكون هناك فن من الأساس.
وأوضح أن اقتراح عرض أي عمل فنى يتناول مضمونا دينيا على مؤسسة دينية سواء مسلمة أو مسيحية بشكل مباشر أو غير مباشر هو أمر ممنوع تماما لأنها أعمال اجتماعية، مبينا أن حالة الجدل التي أثارها الفيلم لن تضره على الإطلاق، وإنما سوف تصب في صالحه لأنه سيساهم في المزيد من الانتشار والتداول بين الشباب.
والعمل تدور أحداثه حول تلاعب الحكومة بداعية إسلامي واستخدامه لتحقيق مصالحها، لافتًا إلى أن "حاتم الشناوي" هو داعية متزوج من "أميمة" التي تجسدها درة ولديه طفل يدعى "عمر"، ويعانى في حياته الشخصية بسبب دخول ابنه في غيبوبة إثر حادث في حمام السباحة، فيبدأ "حاتم" يركز أكثر في عمله ويذيع صيته إلى أن يتلقى مكالمة هاتفية من ابن الرئيس ويدعى "جلال" يخبره فيها بأن "حسن" أحد أقربائه أصبح مسيحيا وأطلق اسم "بطرس" على نفسه ويخبره أن هذه الفضيحة قد تسبب أزمة بين العائلة الحاكمة والشعب ومن هنا تتطور الأحداث.

فيلم مولانا.. والكشف
وقد عقب الدكتور عبدالمنعم فؤاد، أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، على انتقاد المخرج خالد يوسف، عضو مجلس النواب، لمهاجمي فيلم "مولانا"، بأن خالد يوسف يعارض نفسه بقوله إن الفيلم عمل حر يملكه صاحبه، وفي نفس الوقت يعتبر معايير انتقادي للفيلم عبثية، فهو بذلك يعصم نفسه ويتهم الآخرين وهذا ضد الحرية التي يتشدق بها.
وأضاف "فؤاد"، خلال اتصال هاتفي مع الإعلامي وائل الإبراشي ببرنامج "العاشرة مساء" عبر فضائية "دريم"، أن العمل الفني يملكه صاحبه قبل أن يسطره على الورق، لكن حال تسطيره على الورق من حق المتلقي أن يبدي وجهة نظره، وحال كونه عمل عبثي يضر بالمجتمع فلا بد أن نقول له قف، لافتًا إلى أن إبراهيم عيسى لم يقدم سوى الصور السلبية التي ذكرها ناقلي ومنتقدي الفيلم، وهذه الصور تجعل الشباب لا يذهب للمسجد نهائيًا.
وتابع، أن فيلم "مولانا" يقدم نماذج لمشايخ صناعة أمنية وتلفزيونية ومشايخ زنا وكذب وهذه نماذج في المجتمع، متسائلًا: "هل هذا وسيلة لتقويم الشباب والتصدي للفكر المتطرف، هل الطالب الذي نسعى لاحتضانه لعدم وجود دين في المدارس سيتقبل الخطاب الديني الصحيح من المشايخ، وهو يراهم بهذه الصورة، فلماذا لم يأت الفيلم بالصورة الأخرى للمشايخ؟".

فيلم مولانا.. والكشف
أما الدكتور منصور مندور كبير الأئمة بوزارة الأوقاف قد طالب بمنع الفيلم ووقفه لأنه يعرض الأئمة للسخرية والاستهزاء.
مندور لم يشاهد سوى الإعلانات الدعائية للفيلم ولكن بالنسبة له فأن تجسيد عمرو سعد والذي سبق وجسد شخصيات مختلفة في أفلام وصفها مندور "بالساقطة" كان أمر مرفوض.
وعبر حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك  كتب مندور موجها رسالته إلى شيخ الأزهر ومفتي الديار وكل المسؤولين مطالبا بمنع الفيلم.
وفي مداخلة هاتفية له عبر برنامج "90 دقيقة" كرر مندور مهاجمته للفيلم ولعمرو سعد وأنه سبق وقدم فيلم "دكان شحاتة" وكيف يقدم شخصية إمام، كما قال إن رواية إبراهيم عيسى لم تحقق أي نجاح.

فيلم مولانا.. والكشف
ومندور ليس الوحيد الذي شن هجوما على الفيلم، فالنائب شكري الجندي عضو مجلس النواب وعضو اللجنة الدينية بالمجلس طالب هو الأخر بوقف الفيلم فهو يرى أنه لابد من عرض الدراما الدينية على لجنة من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف قبل عرضها على الشاشات.
ومن الجدير بالذكر ان النائب شكري أيضا لم يشاهد الفيلم وحكم عليه من خلال الإعلانات الدعائية، وفي مداخلة هاتفية مع برنامج "هنا العاصمة" قال إنه يجب أن يكون للأزهر الشريف حصانة عند الجمهور المتلقي.
وحاولت الإعلامية لميس الحديدي الدفاع عن الفيلم وأنه ليس فيلما دينيا يتحدث عن رسول أو شخص لا يمكن تجسيده، ولكن النائب شكري يرى أن الفيلم يشوه أئمة الأزهر ولا يمكن تشويههم أو التحدث عنهم فهم مكانتهم من مكانة مصر. وقد رد عليه المخرج مجدي أحمد علي في مداخلة هاتفية عبر البرنامج، وقال إن من يطالب بمنع الفيلم يعتدي على القانون لأنهم سلكوا الطريق الصحيح وعرضوا الفيلم على الرقابة وتم السماح به.
وتابع أن النائب شكري يطالب بدولة دينية عندما يقول إن الأفلام يجب أن تعرض على الأزهر وهو الأمر الذي رفضه الشعب المصري في كل مرة خرج فيها في ثورة أو تظاهر.

فيلم مولانا.. والكشف
فيما أشاد الشيخ خالد الجندي، من علماء الأزهر الشريف، بالفيلم قائلاً: هذا ما كنت أبحث عنه وأنادى به وهو تأكيد احترام الدراما للعالم الأزهري، والحفاظ على هيبة الزى الأزهري داخل الأعمال الفنيّة مع وقار المضمون، فكم كانت شخصية الشيخ رائعةٌ بحق، لقد رأيت شيخاً متمكّناً خفيف الظل سريع البديهة ظريف الألفاظ استطاع الفنان عمرو سعد تقديمه بغير تقعر ولا تكلف وبسلاسة كانت مفاجئة لي شخصياً نظراً لتشابك نواحي الشخصية للغاية، فهو المقاتل الداعية الذى لا يتنازل عن ثوابته، وهو الزوج الرومانسي الرقيق، وهو الأب الحنون الذى أبكانا إشفاقاً على فلذة كبده، وهو الإعلامي الذى يتسم بالثبات الانفعالي، وهو ابن البلد الذى يحاور البسطاء ويعشقونه، وهو المنفتح على الآخرين بغير توتّر حتى اكتسب ثقة الجميع، وهو الذكي الذى يوازن دائماً بين جماهيريته العريضة والحفاظ على المبادئ، وهو الوطني الغيور الذى له طرحٌ مقبول للمشاكل الأمنيّة.
وأضاف الشيخ خالد الجندي، في تصريحات صحفية، لعلى من أقرب المعاصرين لما قدمه الفيلم من أحداث حقيقية، أجاد المخرج مجدى محمد على، تقديمها ببراعة واقتدار وعدم تصنّع جعلتني شخصيّاً استرجع في ذاكرتي هذه الأحداث وأكاد أنطق بأسماء أبطالها الحقيقيين، وفى تقديري فإن إبراهيم عيسى وضع من خلال الرواية ثم الفيلم يد المجتمع على حقيقة ما يسمى بأزمة الخطاب الديني، وأنه لا أمل في تجديد الخطاب الديني دون تجديد عقل المتدين نفسه، وبخاصة بعض من يتحملون مسئولية هذا الملف من الدعاة، وإن كنت أختلف معه في بعض المسائل التي أشار إليها في ثنايا طرحه لها، والتي أؤكّد عدم وضوحها عنده كقضية تدوين السنة والتشيع وفرقة المعتزلة.
وتابع "الجندي"، أما عن استخدام بطل الفيلم للمصطلحات الدينية فقد كنت أتمنّى أن يستعين صنّاع الفيلم بمصحح للتلاوة القرآنية، فقد نطق الشيخ آيتين من القرآن الكريم بشكل خاطئ، فعندما قرأ قوله تعالى "أمسك عليك زوجك" نطقها بكسر الهمزة والصواب فتحها، وعندما نطق قوله تعالى "لمن كان يرجو الله واليوم الآخِر" قالها بفتح (الخاء) وليس بكسرها، وأيضاً قرأ قوله تعالى "فمن شاء فليؤمن" بالواو بدلاً من (الفاء) في كلمة (فليؤمن)، كما لاحظت أنه حصر مصادر الشرع في ثلاثة فقط؛ هي الوجوب والندب والإباحة، ووجدته تغافل عن الكراهة والتحريم.
وأضاف الشيخ خالد الجندي، ولم يعجبني اتهامه لنبي الله إبراهيم - عليه السلام - بأنه مرّ بمرحلة الشك قبل نبوّته، وهذا كلام مغلوطٌ ومرفوض عن نبي كريم كان مثالاً لليقين الإيمانى الراسخ، وبالمناسبة.. فإن قول الخليل إبراهيم عن القمر "هذا ربّى" خرج منه سخريةً لمن عبدوا الكواكب من دون الله وليس مشاركة لهم في معتقدهم الفاسد ولا شكّاً في عقيدته، ولا أنسى الإشادة بنظافة الفيلم من المشاهد الجارحة باستثناء مشهد قبلة الفتاة المباغتة للشيخ، والتي كان من الممكن الاستغناء عنها، كما أن الشيخ الذى لا يسمح بالمصافحة كما رأيناه لن يسمح بخلوته مع الفتاة مع غلق باب المكتب عليهما مهما كانت الأسباب. 
 وتابع "الجندي"، أما عن إيجابيات الفيلم فكثيرة؛ ومنها تأكيده سماحة الإسلام وقبول الآخر، تأكيده أن (الرّق) نظام اجتماعي كان موجوداً في كل الديانات السماوية قبل أن تتخلص منه الحضارة الإنسانية، وتأكيده عدم انتصار الدين بانضمام أفراد جدد، وكذلك أن معظم حالات الردة ما هي إلا حالات نفسية، وأن الفتنة الطائفية ما هي إلا مؤامرة ضد الجميع في مصر، وتأكيده قدرة البعض على فبركة اللقطات المسيئة للعلماء الذين يُراد إسكاتهم.
واختتم الشيخ خالد الجندي، تصريحاته قائلاً: دعونا ننتهز فرصة هذا العمل الفني البارع لتأكيد أن قضية تجديد الخطاب الديني ليست مهمة الأزهر وحده، بل هي مسئولية قومية ووطنية ملقاة على عاتق كل أفراد المجتمع بالطرح الجاد والتناول الوقور والسليم لهذا الملف الخطير، وقد خرجت من الفيلم أشد سعادة من غيرى بأنني أنتمى لهذه المؤسسة المباركة "الأزهر الشريف".

شارك