أسيا الوسطي.. المخزون الاستراتيجي للتجنيد في داعش

الأحد 22/يناير/2017 - 03:45 م
طباعة أسيا الوسطي.. المخزون
 
بعد اعتقال الأوزبكي المشتبه بقيامه بالاعتداء الإرهابي في إسطنبول ليلة رأس السنة، تتوجه الأنظار الآن إلى منطقة آسيا الوسطى. إذ يبدو أن الجمهوريات السوفيتية السابقة باتت تحت مجهر تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي.
الآن تم التأكيد على أن المشتبه بتنفيذ اعتداء إسطنبول الإرهابي ليلة رأس السنة ينحدر من آسيا الوسطى. فقد تمكنت الشرطة يوم الاثنين الماضي 16 يناير 2017، من اعتقاله بأحد أحياء المدينة، كما ذكرت وسائل إعلام تركية. ويتعلق الأمر بشخص يدعى عبد القدير م. مولود عام 1983 في أوزبكستان. وقد تلقى تدريباته في أفغانستان، حسب والي إسطنبول واصب شاهين. وقد وُجد عند المشتبه به قدر كبير من الأموال والأسلحة.
وفي البداية اعتبرت صحف تركية أن الرجل، الذي قتل 39 شخصا بالرصاص في ناد ليلي، هو من قرغيزستان أو أوزبكستان. وذكرت وكالة أنباء إنترفاكس أن السلطات الأمنية بصدد تقييم التقارير التركية في هذا الشأن.

المجموعة الأكبر من قرغيزستان وأوزبكستان

المجموعة الأكبر من
وفيما يبدو أن الجمهوريات السوفياتية السابقة مثل كازاخستان وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان أضحت بالنسبة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مناطق واعدة لاستقطاب مقاتلين من هناك. فقد أعلن التنظيم مسؤوليته عن ذلك الهجوم في اسطنبول. كما شارك أشخاص من قرغيزستان ومن مناطق أخرى بآسيا الوسطى في عمليات أخرى سابقا كتلك التي حدثت في مطار اسطنبول في يونيو عام 2016.
وليست هناك أرقام معروفة عن عدد المقاتلين من آسيا الوسطى داخل صفوف تنظيم الدولة "داعش" في سوريا والعراق. ولكن قبل عام تقريبا  قدرت "مؤسسة صوفان" للاستشارات السياسية في نيويورك أن عدد أعضاء التنظيم الإرهابي من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة يقدر بـ 4700 فرد، وأن أكثر من نصف عددهم يحمل الجنسية الروسية، خصوصا من المناطق الشمالية للقوقاز مثل الشيشان وإنغوشيا وداغستان. كما يشكل المقاتلون من أوزبكستان وقرغيزستان العدد الأكبر من المقاتلين المنحدرين من آسيا الوسطى بحدود 500 مقاتل من كل جمهورية.
وتتحدث مصادر أخرى عن نفس العدد تقريبا في طاجيكستان. ومن هذه الجمهورية ينحدر المسؤول الأمني الرفيع المستوى شاليموف الذي انضم لتنظيم "الدولة "، حيث رحل إلى سوريا عام 2015. وقد كان قائدا لإحدى الوحدات القتالية في وطنه. وقد أصدرت وزارة الداخلية لطاجيكستان مذكرة اعتقال دولية بحقه.
ومنذ الهجمة الأخيرة التي يقوم بها التحالف الدولي في سوريا وفي العراق  ضد تنظيم "الدولة " يبدو أن عددا كبيرا من المقاتلين من آسيا الوسطى لقوا هناك مصرعهم. ويعتبر خبراء روس مثل آندري سيرنكو من مركز الدراسات الأفغانية أن العديد من هؤلاء في طريق العودة إلى بلدانهم عبر تركيا. وهو ما أكده أيضا الخبير ليف كورولكوف الذي يصفه الإعلام الروسي بأنه كان يعمل للاستخبارات الروسية في السابق، حيث قال لـ DW: "إن العديد من المقاتلين الذي كانوا مع أسرهم هناك وأصبحوا في وضع محرج انتقلوا إلى تركيا وانتشروا فيها"، أما البعض الآخر فقد رحل إلى وطنه أو إلى بلدان أخرى مثل ليبيا وأفغانستان.
أسيا الوسطي.. المخزون
وتحدث كورولكوف في هذا السياق عن توجه آخر، معتبرا أن التحاق هؤلاء بصفوف تنظيم "الدولة " يشكل "نوعا من الهجرة بحثا عن عمل". وأضاف قائلا: الخبراء يرون أن العديد من المواطنين يغادرون آسيا الوسطى لأسباب مادية أكثر منها لأسباب إيديولوجية وجهادية". وأشار كورولكوف إلى أن العديد من شباب آسيا الوسطى الذين كانوا يعملون سابقا في روسيا عادوا الآن إلى أوطانهم  وأصبحوا فريسة للاستقطاب من طرف  تنظيم "الدولة الإسلامية"، حيث أن روسيا تنهج حاليا سياسة صارمة لمواجهة الهجرة إليها. وقد ازدادت صعوبة العيش في مناطق آسيا الوسطى المسلمة بشكل مستمر، حيث ساءت الأوضاع الاقتصادية وارتفعت الأسعار و نسبة العاطلين عن العمل.
تتحدث الأخبار في جمهوريات آسيا الوسطى وفي روسيا تقريبا في كل شهر عن اعتقالات ومتابعة إرهابيين وعن أحكام بحق أشخاص يعملون على استقطاب الناس للخدمة في تنظيم "الدولة الإرهابية". فقد حكمت محكمة في طاجيكستان بداية شهر ديسمبر الماضي على رجل بـ 17 عاما سجنا. إذ كان يعمل على تشجيع مواطنين للمشاركة في الحرب في سوريا ويزودهم بتذاكر للسفر بالطائرة إلى تركيا. وفي ديسمبر أيضا تم الحكم في مدينة روستوف على نهر الدون في الجنوب الروسي على مواطن روسي وآخر قرغيزي بالسجن لسنوات طويلة، حيث حصل أحدهما على تدريبات من التنظيم في سوريا وفي العراق، حسب التهم الموجهة إليهما. وفي روسيا تم اعتقال أفراد مجموعات بتهمة التخطيط للقيام بهجمات، بما في ذلك في موسكو، حسب السلطات الأمنية. وينحدر أغلب هؤلاء من طاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان
أسيا الوسطي.. المخزون
وفي السياق ذاته  قال تقرير أمريكي في 18 يناير الجاري إنه إذا واصلت سلطات دول آسيا الوسطى تجاهل حياة شعوبها المريرة فمواطنيها سينخرطون في صفوف "داعش" أكثر فأكثر.
حيث أشارت مجلة "ذا ناشيونال انتريست" الأمريكية إلى مشاركة مواطنين من دول آسيا الوسطى، وخاصة من أوزباكستان وقرغيزستان في هجمات إرهابية في اسطنبول، من بينها الهجوم على مطار أتاتورك وعلى الملهى الليلى في رأس السنة.
ولفتت المجلة إلى أنه يتعذر في الوقت الحالي تحديد عدد مواطني قرغيزستان وأوزباكستان والدول الأخرى بالمنطقة، الذين يقاتلون في صفوف تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، مشيرة إلى أن موقع "The Diplomat" الإخباري يفيد بأن هؤلاء يستخدمون أساسا بمثابة قنابل متفجرة في تنفيذ الأعمال الإرهابية الانتحارية.
وذكر التقرير أنه بتجنيد مواطني أوزبكستان وقرغيزستان لتنفيذ أعمال إرهابية في تركيا، يستغل تنظيم "داعش" ميزة أن شعوب تلك المنطقة ذات الأصول التركية لها قواسم لغوية وثقافية مشتركة ويصعب تمييزهم داخل المجتمع التركي، على النقيض من العرب.
ومن ناحية أخرى قال التقرير أن دول آسيا الوسطى، بما إنها شهدت قلاقل واضطرابات عاصفة بعد انحلال الاتحاد السوفيتي، فقد أصبحت تربة خصبة لنشاط "داعش" التجنيدي.
ورأت المجلة الأمريكية أن انهيار الاتحاد السوفيتي أسهم في اندلاع مرحلة الحرب الأهلية الأخيرة في أفغانستان وأدى إلى بدء نزاع في طاجيكستان، وان تلك الأعمال العسكرية قامت بها حركة طالبان والحركة الإسلامية الأوزباكستانية، التنظيم الأقل شهرة، معددة مظاهر الصراع بين هذه الدول حديثة النشأة، وممارسات أنظمتها التي قالت إنها فاقمت من سوء الأوضاع المعيشية ومن انهيار الخدمات الأساسية وخاصة التعليم.
أسيا الوسطي.. المخزون
وشدد التقرير على أن إحجام دول آسيا الوسطى عن إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، وعدم رغبتها في تخفيف قبضتها على الأحزاب الإسلامية، يمكن أن يسهم في تعزيز الصراع الذى يؤججه تنظيم "داعش" في المنطقة، وزيادة حصيلة الهجمات الإرهابية التي يقوم بها مواطنو هذه الدول في الخارج، لافتا إلى أن أحداث إسطنبول الأخيرة تظهر بشكل واضح أن مواطني دول آسيا الوسطى الذين يجندهم "داعش" ينتقلون من المنطقة إلى الحرب في سوريا والعراق.
واختتمت المجلة تقريرها بالتأكيد من جديد أن تنظيم "داعش" سيجد الكثيرين لتجنيدهم في صفوفه من دول آسيا الوسطى طالما بقيت أوضاعها الهشة الحالية قائمة.
التقرير استشهد بمقولة للصحفي الباكستاني أحمد رشيد صدرت عنه قبل 17 عاما وجاء فيها "مستقبل آسيا الوسطى يمكن أن يؤثر على مستقبل بقية العالم"، مشيرا إلى أن هذه المقولة صائبة في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، و"اسألوا عن ذلك سكان اسطنبول".

شارك