أربعين يوما علي " البطرسية "...القلوب مازالت تئن

الإثنين 23/يناير/2017 - 03:08 م
طباعة أربعين يوما علي
 
اربعين يوما مرت علي الحادث البشع لتفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة وتراس البابا تواضروس الثاني وعدد من الاساقفة قداس ذكري الاربعين  ومازالت الاجواء الحزينة تسيطر علي الاقباط الذين لم يلتئم الم قلبهم علي الشهداء حتى الان . والجريمة التى اعلن تنظيم داعش عن مسئوليته عنها وذهب ضحيتها اكثر من 29 قبطيا ومازال المصابين يتلقون العلاج بمصر والخارج كان الحادث الإرهابى الذى وقع فى كنيسة القديسين بطرس وبولس المعروفة باسم البطرسية- بالعباسية، وأودى بحياة 29 شخصا، غالبيتهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى عدد من الجرحى، فضلا عن الدمار الذى حاق بمبنى الكنيسة. تذكرت هذه الكنيسة العريقة، التى يزيد عمرها على المائة عام، والتى قامت  القوات المسلحة بترميمها واستقبلت المصلين ليلة عيد الميلاد، 
الكنيسة 
وضع تصميم الكنيسة البطرسية المهندس الإيطالى أنطونيو لا شاك (1856-1946)، وهو لم يكن مهندسا معماريا تقليديا، بل كان ذا موهبة فذة، شاعرا، وموسيقيا، ومبدعا له بصمته المعمارية فى منشآت فخمة عديدة فى القاهرة والإسكندرية، وقد وثقت مكتبة الإسكندرية منذ سنوات فى مجلد صخم الكنيسصة البطرسية، من حيث الطراز المعماري، والتقسيم الداخلي، والمحتويات، مشفوعة بصور مهمة عن هذه الكنيسة التى تجسد مرحلة مهمة من تاريخ مصر.
المجرم 
الحادث الإرهابى الذى جرح أفئدة المصريين جميعا، ارتكبه شاب فى مقتبل العمر، حيث التحف بحزام ناسف، وفجر نفسه وسط المصلين الذين كانوا يحضرون قداس الأحد. يثبت هذا الحادث مجددا أن المواجهة الجادة للتطرف والإرهاب، ليست فقط أمنية، ولكن أيضا فكرية، بالتأكيد أن الشاب الذى أقدم على هذا العمل الشائن يحمل أفكارا مهلكة، وفهما منحرفا، ومشاعر شديدة السلبية، وقد اقترف هذه الجريمة بدافع من اعتقاد خاطئ.فى خبرة التجنيد داخل الجماعات الإرهابية، وهى فترة إعداد ذهنى وتهيئة نفسية، يشعر الشاب الصغير بأن الجماعة التى ينتمى إليها تمنحه قوة لا يجدها فى الواقع، وتصبح الجماعة مصدر التغيير الرئيسى فى حياته، تزيف وعيه وإدراكه، لا يكتسب من الانتماء إليها أية خبرات أو مهارات، بل على العكس يكتسب غرورا شديدا، واستهانة بكل من لا ينتمى للجماعة، وبهذا فهى تقوى أسوأ أنواع الأنانية العرقية والدينية لديه، وباللغة الدارجة يعانى هذا الشخص من «غسيل الدماغ»، وتتم هذه العملية بشكل شامل، وتراكمي، وعميق مما يجعل الكثيرين من الشباب مستعدين للإقدام على الانتحار من أجل تحقيق قضية يؤمن بها، والأشد خطورة من ذلك إقدامهم على قتل كثير من الأبرياء الذين يعتبرونهم مذنبين لمجرد أنهم يخالفونهم المعتقد الديني، أو حتى لا ينتمون لنفس الجماعة إذا كانوا يحملون نفس المعتقد الديني. إن الشباب دوما ينجذب لفكرة القضية، ويعرف ذلك جيدا القائمون على تجنيد الشباب، حيث يعمدون إلى ربطهم بقضية أشمل وأعم، ويشغلونهم بتحقيق هدف وقيمة فى الحياة، فى وقت لا يجد هؤلاء الشباب هدفا فى حياتهم، أو يعتصرهم الفقر والتهميش، أو لا يتطلعون إلى أمل فى المستقبل. ومما يجعل هناك إمكانية دائمة لتجنيد الشباب فى جماعات الإرهاب أن القضية التى تقدم لهم عادة ما تكون مغلفة برداء أخلاقي، وطوباوي، تخلو من المادة، أو المصلحة المباشرة، مما يجعلها سريعة النفاذ إلى عقول وأفئدة الشباب، الذين يميلون عادة إلى المثالية فى النظرة، وتنقصهم الخبرة الحياتية.
يدفعنا كل ما سبق إلى التفكير فى سبل تجفيف منابع التجنيد للشباب، والبداية تكون بتصحيح المفاهيم، ومواجهة الأفكار الخاطئة التى تجتذبهم، وتصور لهم الواقع على غير حقيقته، وتدفعهم دفعا إلى ارتكاب جرائم تحت زعم تحقيق غايات نبيلة. هذه أحد أهم مسئوليات الخطاب الديني، ولكن أيضا ينبغى أن تنصرف برامج التعليم إلى التأكيد على أهمية العلم، والتفكير النقدي، وبث ثقافة التسامح، والاهتمام بالفنون، والمواطنة، وقبول الآخر المختلف، فضلا عن إشراك الطلاب والطالبات فى مشروعات اجتماعية واسعة وهو ما يشعرهم بأهمية الإنسان، وقيمة حياة الإنسان، وروح العمل الجماعي، وضرورة مواجهة أمراض المجتمع من تهميش، وفقر، وبطالة، الخ.يبقي ان الكنيسة سارعت للتاكيد علي ان الحادث موجهه ضد مصر واطلقت لقب الشهداء علي الضحايا ورفضت اية مظاهرات غضب من شبابها واشادت بالسرعة التى تم التوصل بها علي الجاني 
فى هذه المناسبة لا يملك المرء إلا أن يترحم على أرواح الشهداء من زهور الوطن، ويتقدم بخالص عزائه لأسرهم. فقد فقدوا حياتهم فى بيت من بيوت العبادة، لم يرتكبوا ذنبا أو جرما، ولكن شاءت الأقدار أن يشتركوا فى دفع ثمن حرب مجتمع ضد التطرف والإرهاب، كما ندعوا للمصابين بالشفاء الكامل والسريع ونأمل أن يكون هذا الحادث الأليم آخر مثل هذه الأحزان.

شارك