المسيحيون في أذربيجان ... أقلية تبحث عن العيش المشترك

الثلاثاء 24/يناير/2017 - 01:51 م
طباعة المسيحيون في أذربيجان
 
بمناسبة ذكري زيارة  البابافرنسيس الاول  إلى الأراضي الأذربيجانية، كان في استقباله الأب فلاديمير فيكيت، البالغ من العمر 62 عامًا، وهو من الإرسالية السلوفاكية الرسولية لأذربيجان ورئيس بعثة السالزيان في باكو. تضم البعثة ستة كهنة، وثلاثة من العلمانيين المكرسين، واثنتين من بنات مريم لمعونة المسيحيين. وفتحت بعثات خيرية في العاصمة الأذرية أيضًا مركزًا لمساعدة المحتاجين. هؤلاء هم فقط الكهنة والكاثوليك المؤمنون الموجودون في بلد يبلغ عدد سكانه عشرة ملايين نسمة. فقطيع الكاثوليك في باكو صغير. ففي  عام 1900، كان هناك حوالي عشرة آلاف كاثوليكي. لكن عندما تسلم النظام الشيوعي السلطة كل شيء تغير. تم تحويل الكنائس إلى ركام، وجرى اضطهاد الكهنة وقتلهم. اليوم هناك فقط ثلاثمئة كاثوليكي يحملون الجنسية الأذرية ونحو ألف كاثوليكي من الأجانب. وفي بقية البلاد لا يوجد سوى أفراد أو أسر."آمل بصدق أن تستمر أذربيجان باتباع طريق يؤدي إلى التعاون بين مختلف الثقافات والجماعات الدينية. يوجد لدينا الرغبة في حماية تراث الأديان، وفي الوقت نفسه السعي نحو انفتاح أعمق يحمل ثمارًا أكثر. فعلى سبيل المثال، تجد الكنيسة الكاثوليكية مكانًا لها للعيش في وئام بين الديانات الأخرى التي لديها الكثير من الأتباع، مما يدل بشكل ملموس أن ذلك ليس معارضة ولكنه تعاون يسهم في بناء مجتمعات أفضل وأكثر سلمًا".
العيش المشترك
يقول الأب فيكيت: "كان السالزيان متواجدين هنا منذ عام 2000. وقد أرسلهم الكرسي الرسولي بناء على دعوة من الحكومة الأذرية، التي طلبت إرسال كهنة من أجل مرافقة الجماعة الكاثوليكية الصغيرة". ويضيف: "إن العلاقات بين الكاثوليك والمسلمين جيدة، كما أشار البابا فرنسيس. كانت هذه الأرض مملكة مسيحية لفترة طويلة منذ القرن الأول. وعندما وصل المسلمون، تحول جزء كبير من السكان بصورة تدريجية إلى العقيدة الإسلامية، لكن على مدى قرون كانت هناك دائمًا مجتمعات من المسيحيين واليهود الموجودين حاليًا، كما لم يشكل العيش المشترك مشكلة. يشكل الماضي الجذور الجميلة التي يرعاها الرئيس والحكومة بعناية. فالنشاط السياسي يرمي لدعم العلاقات السلمية والإنتاجية وتشجيعهما. ويتم اعتبار الإسلام بصورة عامة كدين ذات صبغة واحدة، إلا أنه في الوإقع متعدد الأوجه. يتميز المسلمون الأذريون بالإنفتاح والاحترام والتسامح. يتم عقد اجتماعات شهرية مع ممثلي الأديان التقليدية في أذربيجان لسنوات عديدة استمرت لحد الآن مع شيخ من المسلمين في منطقة القوقاز اللهشوكور باشازاده، ورئيس الأساقفة الأرثوذكسي الإسكندر، وممثل عن الديانة اليهودية ميليك يفداييف. فنحن نتبادل الحديث عن حياة إخواننا المؤمنين، ونقدم النصح لبعضنا البعض. إنها فرص مفيدة جدًا لتبادل الخبرات. كما في الغالب نشارك أيضًا في الاجتماعات التي تنظمتها الحكومة".
صوت المسلمين
يقول احد أصدقاء الأب فيكيت، وهو جوندوز باباييف البالغ من العمر اثنان وخمسون عامًا والمتزوج ولديه ثلاثة أطفال ويرأس إدارة مسلمي القوقاز: "لا يستطيع المؤمنون الحقيقيون تقبل الخوف، بما في ذلك الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا). فيجب أن يكونوا مثالاً يحتذى بتعليم الحب واحترام الآخرين علمًا أن لكل دين صحيح هذا الواجب. في أذربيجان، الانتماء الديني الحقيقي ليس سببًا للإنقسام، فكل شخص يعيش بموجب إيمانه، إنما نؤمن جميعًا بخالق واحد. فأنا شخصيًا لا أجري تمييزًا مبنيًا على الإيمان، إنما احترم أولئك الذين يؤمنون بإله واحد ويسعون لفعل الخير. بلادنا فخورة بالتسامح القائم بين سكانها وأنا مقتنع بأنه يستطيع الكاثوليك أن يسهموا بتعزيز هذا الجانب الفريد من نوعه في أذربيجان".
وردد الصحفي قاسم تاليبوف البالغ من العمر ثلاثًا وعشرين عامًا كلمات جوندوز باباييف قائلاً: "يعيش المؤمنون أتباع مختلف الديانات في حالة وفاق ولا يشهدوا أية مشاكل. أعتقد أنه من المهم تعزيز التفاهم المتبادل بحيث يمكننا أن نكون على نحو متزايد أكثر قربًا وانفتاحًا تجاه الآخرين. وكمسلم، فإنني أظهر تسامحًا تجاه كل شخص. وأعتقد أن الكاثوليك يعزيزون التنمية في البلاد من خلال مساعدة كبار السن، والمشردين، والمحتاجين". أما راسم مسفرالي البالغ من العمر ثمانية وخمسين عامًا، وهو متزوج ولديه ابنتان ويعمل محررًا، فيقول بأنه في حالة وئام مع الكاثوليك. ويضيف: "أعتقد أنه بإمكان المتدينين حقًا (أتباع الديانات المختلفة) الذين يعيشون جنبًا إلى جنب بسلام مساعدة الآخرين على فهم أن هناك إله واحد. برأيي إن التعايش بين المؤمنين في أذربيجان قادر على المساهمة في تقدم البلاد، والمساعدة على تحرير الأراضي المحتلة".
الحياه في المجتمع الكاثوليكي
عندما وصل الآباء السالزيان في العام 2000، تمت إقامة كنيسة صغيرة مخصصة للمسيح الفادي. وبعد زيارة البابا يوحنا بولس الثاني عام 2002، قدمت الحكومة قطعة أرض تم عليها بناء كنيسة الحبل بلا دنس. أما الشيخ، الذي وصفه الأب فيكيت بأنه "رجل منفتح جدًا"، فإنه أراد المساهمة في بنائها من خلال تقدمه شخصية بقيمة عشرة الآف دولار. وعلى مر السنين، تم إضافة إلى الكنيسة مركز راعوي حيث يتم الاحتفال بالقداديس الإلهية بصورة يومية.
مشاريع اجتماعية وتربوية
قال الأب فيكيت: "كما نسعى إلى تطوير مشاريع اجتماعية وتعليمية. فالمجتمع يتفهم ببطء أن الكنيسة الكاثوليكية لا تسعى لمصالح خاصه "لكنها تسعى لخدمة الجميع أينما وجدت جيث أنها تظهر اهتمامًا خاصًا للفئات الأكثر ضعفًا. ونحن نقدم حاليًا المساعدة للفقراء الذين يلجأون إلى بيت الإرساليات الخيرية طلبًا للمساعدة. وتم أيضًا افتتاح مدرسة تأهيل يعمل فيها مدرسون، منهم مسلمون أيضًا، يدرس فيها أربع مئة شاب. كما تم إطلاق برنامج يتم متابعته عن بعد لبنات نساء غير متزوجات أو الأزواج الذين في أمس الحاجة إليها".
تشجيع البابا فرنسيس
يتابع الأب فيكيت قائلاً: "جلبت زيارة البابا فرنسيس فرحة كبيرة إلى المؤمنين الكاثوليك الذين سارعوا بغبطة للقائه. كان هناك مستوى عالٍ من الحضور في القداس المهيب. وبأسلوبه البسيط والمحب، شجعنا البابا على المضي قدمًا بالإيمان دون خوف. كانت كلماته حافزًا مهمًا بالنسبة لنا. تحدث راسم مسفرالي بإيجابيه حول نتائج زيارة البابا فرنسيس، في حين ينهي جوندوز باباييف حديثه بالقول إن وجود البابا في أذربيجان كان حدثًا تاريخيًا. فقد زار البابا بلدًا مسلمًا، وخاطب المؤمنين في المسجد. إنه مثال رائع لحوار الأديان".
بالارقام 
المسيحية هي ثاني أكبر الأديان في أذربيجان. وتترواح نسبة المسيحيون بين 3% إلى 4.8% من السكان (حوالي 450,000)، وفقًا لدراسة قامت بها مركز بيو للأبحاث عام 2010 يعيش في أذربيجان حوالي 280,000 مسيحي،في حين أنَّ 150,000 مسيحي أرمني يعيش في جمهورية مرتفعات قرة باغ وهي جمهورية مستقلة غير معترف بها.
أبرز الكنائس المسيحيَّة في البلاد هي الكنيسة الروسيَّة الأرثوذكسيَّة والكنيسة الجورجيَّة الأرثوذكسيَّة والكنيسة الرومانيَّة الكاثوليكيَّة والكنيسة اللوثريَّة الپروتستانتيَّة، وأغلب المسيحيين في أذربيجان ذوي أصول روسيَّة أو جورجيَّة أو أرمينيَّة. في الآونة الأخيرة هناك أعداد متزايدة من المسيحيين من العرقيَّة والإثنيَّة الآذريَّة وهم في الغالب من المتحولين من الإسلام الى المسيحية.
يعود الوجود المسيحي في الأراضي الأذربيجانيَّة الى العصور المسيحيَّة المبكرة، وفي عام 252 م حوَّل الساسانيون ألبانيا القوقازية إلى دولة تابعة بينما اعتنق الملك أرناير المسيحية رسمياً كدين الدولة في القرن الرابع. على الرغم من الفتوحات العديدة من طرف الساسانيين والبيزنطيين ظلت ألبانيا القوقازية كياناً في المنطقة حتى القرن التاسع. طردت الخلافة الأموية الإسلامية كلاً من الساسانيين والبيزنطيين من منطقة القوقاز وحولت ألبانيا إلى دولة تابعة بعد مقاومة مسيحية قادها الأمير جافانشير والتي قمعت في سنة 667.
كنيسة المخلص في مدينة باكو.
يتبع أغلب المسيحيين في أذربيجان الكنيسة الروسية الأرثوذكسية والكنيسة الجورجية الرسولية الأرثوذكسية وكنيسة الأرمن الأرثوذكس (تقريباً جميع الأرمن يعيشون في مقاطعة ناغورني قرة باغ).
الكنيسة الروسية الأرثوذكسية
بُنيت أول كنيسة روسية أرثوذكسية في مدينة باكو في عام 1815،بعد عامين من الحرب الروسية الفارسية (1804-1813) انتصرت الإمبراطورية الروسية على الدولة القاجارية وكانت نتيجتها تنازل الدولة القاجارية عن نساحات من أراضيها في القوقاز لروسيا، التي وشملت باكو. وتم بناء الكنائس الأرثوذكسية الروسية المختلفة في المدن الكبيرة، لخدمة المستوطنين الروس. وفي عام 1905، تأسست أبرشية باكو، والتي تدعى في الوقت الحاضر بإسم أبرشية باكو. تعرض المسيحيين الأرثوذكس لحملات إضطهاد خلال الحكم السوفييتي. في عام 1944 أعيد فتح الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في باكو. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، عادت ممتلكات الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في أذربيجان، وأسترجعت الكنيسة مكانتها في المجتمع.
المولوكانيون
لدى أذربيجان أحدى عشر مجتمع من المولوكانيين وهي جماعات مسيحية شرقية تعارض التسلسل الهرمي للكنيسة و تعتمد الدعوة المسيحية السلمية وهي نظرة لاهوتية وأخلاقية مسيحية على العنف الغير المتوافقة مع الإيمان المسيحي، ويدعون الى دولة مسيحية سلمية وألتي تستمد أخلاقها من يسوع وألتي قالها في موعظة الجبل.
لدى المولوكانيين تجمعات مسجلة رسميًا في مدينة باكو وشاماخي في مقابلة يوم 21 يوليو سنة 2005، قال الممثل عن مجتمع المولوكانيين في أذربيجان، أنه لا يوجد صراع بين السكان من أصول روسيَّة وأذريَّة في أذربيجان وأنه "لا يوجد أي تعصب معادي للغة والثقافة والشعب الروسي".
وأدَّى النزاع حول إقليم قره‌ باغ بين أرمينيا وأذربيجان بدايةً من شهر يناير عام 1990م، أدَّى إلى قيام البرنامج المناهض للوجود الأرمني في البلاد، فتمَّ التعامل مع الأرمن بحزم وصرامة شديدة، وطُردوا إينما وجدوا، وكان من ضمنهم بطبيعة الحال جمهرة باكو، فرُحِّل جميع أبناء المدينة من الأرمن إلى أرمينيا.
في فبراير 1988، أقدمت السلطات الاذرية على الإبادة العرقية ضد المواطنين الارمن في العاصمة باكو ومدينة سومكاييت. وقد أتت مجزرة الارمن في سومكاييت كأول حادث من نوعه داخل الاتحاد السوفياتي السابق. وتعرض المواطنون الارمن في مدينة سومكاييت الصناعية لأعمال عنف لمدة ثلاثة ايام.
كانت الجاليّة الأرمنيّة الأرثوذكسيّة في باكو تشكل إحدى المراكز الثقافيّة والإقتصاديّة والسياسيّة في القوقاز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. حيث كان غالبيّة مالكين حقول النفط من الأرمنوقد صنف أرمن باكو خلال القرن التاسع عشر كأقلية وسيطة في الإمبراطورية الروسية.
معظم السكان الأرمن في أذربيجان يقطنون في جمهورية مرتفعات قرة باغ ويدين معظمهم بالمسيحية المنتمية إلى الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية التي تتبع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية. هناك أيضاً بعض الطوائف الأرثوذكسية الشرقية والإنجيليَّة.
المسيحيون في أذربيجان
الكنيسة الرومانية الكاثوليكية
تاريخيًا ضمت عدد من قرى أذربيجان مجتمعات آشورية منها قرية ياقوت والتي أعتبرت القرية الكلدانيَّة الكاثوليكيَّة الوحيدة في جنوب القوقاز في حدود الإمبراطورية الروسية. في أوائل عام 1880 عين راهب من القرية كمطران كاثوليكي.
خلال الحكم الروسي قطنت في أذربيجان خصوصًا في مدينة باكو مجتمعات كاثوليكية أوكرانيَّة وأرمنيَّة وجورجيَّة. أشارت الإحصائيات لعام 2003 على وجود 250 شخص من أتباع المذهب الروماني الكاثوليكي.
يُقطن في أذربيجان 2,000 مواطن أذربيجاني من أصول بولنديّة. تعود أصول الجالية البولنديّة إلى القرن التاسع عشر، ويعتنق أغلب الجاليّة البولندية الديانة المسيحية على مذهب الروماني الكاثوليكي. وتمتلك الجالية كنيسة تاريخيّة وهي كنيسة الحبل بلا دنس في باكو. ولعبت الجاليّة البولنديّة أدورًا ثقافيّة هامّة في التاريخ الأذربيجاني الحديث.
في 22 مايو سنة 2002 زار البابا يوحنا بولس الثاني باكو في مستهل جولة شملت كل من أذربيجان وبلغاريا والتي أستمرت لمدة خمسة أيام. وفي 2 أكتوبر سنة 2016 قام البابا فرنسيس في زيارة أذربيجان حيث أقام قداسًا للأقلية الكاثوليكية في البلاد والتي يبلغ عددها حسب الإحصائيات حوالى 570 شخصًا، وقد حث البابا فرنسيس الأقلية الكاثوليكية، "على التمسك بإيمانها كما أحيا ذكرى المضطهد ين اثناء الحقبة السوفياتية".
المسيحيون في أذربيجان
كنيسة ألبانيا القوقازية
يقطن أذربيجان مجتمع مسيحي من عرقيّة الأودي وهي من بين اقدم شعوب القوقاز و احتفظوا بتقاليدهم ولغتهم التي تعود إلى عهد ولاية ألبانيا القوقازيَّة الرومانيَّ، وينتمون إلى إلى فرع من الأرثوذكسية المشرقية وهي الكنيسة الألبانية في أذربيجان وهي جزء من كنيسة الأرمن الأرثوذكس في ظل القيادة الروحية للكنيسة الأرمنيّة؛ وتتراوح أعداد هذا المجتمع المسيحي ما بين 6,0000-10,0000 نسمة؛ وتعتبر قرية نيج المركز الديموغرافي والحضاري والثقافي لعرقيّة الأودي المسيحيّة.
الكنائس البروتستانتية
توجد طوائف مسيحية أخرى وفقاً لإحصائيات سنة 2002 منها اللوثريون والمعمدانيون. وتملك الكنيسة اللوثريَّة الپروتستانتيَّة عدد من الكنائس منها كنيسة المخلص في باكو. أغلب أتباع الكنيسة اللوثريَّة الپروتستانتيَّة هم من أصول عرقيَّة ألمانيَّة.
هدت في الآونة الأخيرة نمو ملحوظ في أعداد ونسب المذهب الإنجيلي وقد أشارت بعض التقارير إلى ظاهرة نمو المسيحية في البلاد، إذ تحوّل 5,000 أذربيجاني من العرقيَّة والإثنيَّة الآذريَّة من الإسلام إلى الديانة المسيحية في الآونة الأخيرة.

شارك