"العائدون" من داعش.. أزمة تونسية بين تردد الحكومة وتحقيقات البرلمان

الثلاثاء 31/يناير/2017 - 08:39 م
طباعة العائدون من داعش..
 
تصاعدت أزمة العائدين التونسيين من القتال فى صفوف الجماعات الارهابية، فى ضوء رفض الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية لمقترح دمجهم فى المجتمع، مع ترحيب من حركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي بهذا المقترح وتبنيه، وسط تردد حكومى فى التعامل مع الأزمة، ما بين بين سجون جديدة لإعادة تأهيل هؤلاء فكريا، وبين الضغوط الأوروبية بضرورة ترحيل التونسيين المرتبطين بجماعات ارهابية وإلا سيتم وقف كل أشكال المساعدات المالية والسياسية للحكومة التونسية.

العائدون من داعش..
من جانبه أعلن البرلمان التونسي أن 132 نائبا صوتوا في جلسة عامة على "إحداث لجنة تحقيق برلمانية حول شبكات التجنيد التي تورطت في تسفير الشباب التونسي إلى مناطق القتال" في حين عارضها نائب واحد وامتنع آخر عن التصويت.
يأتى ذلك بعد أن انضم أكثر من 5500 تونسي تتراوح أعمار معظمهم بين 18 و35 عاما إلى تنظيمات إرهابية في سوريا والعراق وليبيا بحسب تقرير نشره العام 2015 "فريق عمل الأمم المتحدة حول استخدام المرتزقة" في حين تقدر الحكومة التونسية عددهم بأقل من 3000 شخص.
كانت ليلى الشتاوي، النائبة عن حزب نداء تونس الذي يقود الائتلاف الحكومي، ونائبة رئيس لجنة الدفاع والأمن بالبرلمان، اقترحت تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية. وقالت الشتاوي لفرانس برس إن مقترحها جاء بسبب الجدل "الكبير" الذي تعيشه تونس حول "عودة الإرهابيين من بؤر التوتر" في إشارة بالأساس إلى سوريا وليبيا والعراق.

العائدون من داعش..
وتفجر هذا الجدل عندما صرح الرئيس الباجي قائد السبسي لوسائل إعلام فرنسية في ديسمبر الماضي بأن "خطورة الإرهابيين أصبحت من الماضي، كثير منهم يريدون العودة، لا يمكننا منع تونسي من العودة إلى بلاده". كما احتدم الجدل لاحقا بعدما صرح راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية صاحبة أغلبية المقاعد في البرلمان بأنه لا يمكن "فرض" هؤلاء "على الدول الأخرى". وبسبب هذين التصريحين انهالت انتقادات حادة على قائد السبسي والغنوشي ما اضطرهما إلى التوضيح بأنهما ليسا مع عودة "الإرهابيين".
أضافت ليلى الشتاوي بأن هناك "أطرافا داخلية وخارجية" ضالعة في إرسال التونسيين إلى "بؤر التوتر". وردا عن سؤال حول هوية هذه الأطراف، قالت إنها "منظمات ودول وجمعيات خيرية" و"وجوه دينية" دُعاة تونسية وأجنبية من دون أن تسميها. وأفادت أن لجنة التحقيق البرلمانية ستقوم بعملها بالتعاون مع القضاء ووزارت الداخلية والدفاع والعدل والخارجية والمجتمع المدني، وستنشر تقريرا للرأي العام.
وفى سياق متصل أكد الخبير التونسي حمزة المؤدّب أن حالات مثل أنيس العامري أو محمد لحويج بوهلال، مُنفِّذ هجوم نيس 2016، تكشف عن الكثير، لأنَّ هؤلاء الأشخاص لم تكن لهم أية علاقة مع إرهابيين في تونس. وتطرُّفهم حدث في أوروبا، وهذا التطوُّر يجبرنا على أن ننظر إلى التطرُّف العنيف في جميع تعقيداته، فهنا لا يتعلق الأمر فقط بأشخاص أصبحوا متطرِّفين في تونس وجرائمهم في أوروبا جاءت كاستمرار لهذا التطرُّف، بل إنَّ الأمر يتعلق بأشخاص لهم مسارات وطرق حياة مختلفة تمامًا، لم تكن لديهم في البداية أية علاقة بالإرهاب، ولكنهم فيما بعد انزلقوا إلى العنف الجهادي.
شدد على أن بعض المدن الأوروبية لها دورًا خاصًا، مثل مدينة ميلانو الإيطالية، حيث توجد منذ التسعينيات شبكات كبيرة من الجهاديين التونسيين، وأنيس العامري كان هو الآخر هناك ومن ثم عاد إلى هناك أيضًا بعد الهجوم، وكذلك توجد في كلّ من بلجيكا وفرنسا شبكات منذ فترة طويلة. ومسارات منفِّذي هذه الهجمات وطرق حياتهم المعولمة تُظهر أنَّ التطرُّف ظاهرة عالمية.
وشدد على انه من أجل فهم هذه الظاهرة، يجب علينا أن ننظر قليلاً إلى الماضي في العقد الأوَّل ابتداءً من عام 2000، أي العقد الأخير من حكم زين العابدين بن علي. في تلك الفترة حدث تطوُّران مهمان. أولاً: لقد وقعت سلسلة من الأحداث، التي أفضت إلى تسييس الشباب التونسي: الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2002 والحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني في عام 2006 وكذلك حرب غزة في عام 2008 - مع كلِّ الأهمية التي تمثِّلها فلسطين في معاداة الإمبريالية في المنطقة، وكذلك قد كان غزو العراق لحظة مهمة، لأنَّ عدة مئات من الجهاديين التونسيين قد ذهبوا في تلك الأيَّام إلى العراق، على الرغم من القمع وحضور الشرطة القوي لدى نظام زين العابدين بن علي، وهذه الدينامية الأولى رافقتها دينامية ثانية، يجب ألَّا ننساها: فهذا العقد كان عقد الأزمة الاجتماعية الكبيرة مع ارتفاع معدَّلات البطالة، خاصة بين خرّيجي الجامعاتن وكان كذلك عقد الاحتجاجات الاجتماعية، التي تجاوز انتشارها المعارضة السياسية التقليدية، وذلك لأنَّ النظام لم يكن قادرًا على منح الشباب آفاقًا مستقبلية.

العائدون من داعش..
أوضح الخبير التونسي أن النظام رد على هذه الأزمة الاجتماعية الكبيرة بالقمع، وتمت مكافحة السلفية المتنامية بين الشباب بقانون مكافحة الإرهاب من سنة 2003: فقد تمت إدانة ألفي شخص على الأقل ومكثوا في السجن، وتحوَّلت السجون إلى بؤر التطرُّف، وهناك كان يتم تجنيد جهاديين جدد، بينما كان يزيد تطرُّف الآخرين أكثر. وهكذا فقد تحوَّلت السجون إلى نقطة التقاء لمختلف الأجيال، الذين لم يكونوا يعرفون بعضهم قبل ذلك قطّ وربما لم يكونوا سيتعرَّفون ببعضهم في الأحوال العادية مطلقًا.
أشار إلى انه بعد الثورة في عام 2011، تم الإفراج بموجب عفو عام عن آلاف الجهاديين. وفي الوقت نفسه بدأت النزاعات في ليبيا وفي سوريا. وبالإضافة إلى ذلك يجب علينا ألاَّ ننسى أنَّ الدولة قد فقدت شرعيتها وسيطرتها على المساجد من خلال الثورة في نهاية عام 2010 وبداية عام 2011، وبناءً على ذلك فإنَّ الدولة ليست قادرة على تقديم إجابة لأزمات الشباب التونسي الروحية، فعجلة الرقي الاجتماعي لم تعد تدور، والناس يدرسون ليصبحوا عاطلين عن العمل، وهم عاطلون عن العمل لأنَّهم غير قادرين على العمل، وذلك بسبب عدم وجود توافق مطلق بين سوق العمل والجامعات. لم يعد يوجد أي شيء يحرِّك الشباب ويمنحهم الأمل. أظهر وهنا نشأ جيل "اللامستقبل". وجيل "اللامستقبل" هذا اختار عنف "اللامستقبل" وفقاً لعبارة أوليفييه روا - ووقع في العدمية، في أعمال عنف ضدَّ المجتمع والدولة.
أشار إلى انه حسب العادة التطرُّف ليس نتيجة الالتزام الطويل بالدين. فالبعض يقعون في التطرّف العنيف خلال بضعة أشهر، ولا توجد لديهم معرفة كافية بالدين، يمكن أن تُفسِّر كيف يمكنهم أن يصلوا إلى مثل هذه الممارسة الدينية العنيفةن وكثيرًا ما يكون هناك أشخاص من صغار المجرمين، الذين ينزلقون، وبالنسبة لهم لا يكون الجهاد إلاَّ مجرَّد محاولة لإيجاد مخرج مشرِّف من حياة الإجرام، وهذا يتحوَّل إلى شبه مسار كلاسيكي، ولهذا السبب من المهم للغاية أن نفهم أزمة الشباب التونسي.
تمت الاشارة إلى أن 80% من المحكومين في تونس بسبب جرائم إرهابية تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر عامًا وأربعة وثلاثين عامًا، وجيل الشباب لم يعد أمامه أفق  للرقي الاجتماعي مثل آبائهم. ودولة بن علي الديكتاتورية كانت دولة بوليسية، لم يكن فيها أي شيء لملء الفراغ الروحي، وهكذا فقد تمكَّنت العقيدة الجهادية من الانتشار بسهولة. وبالتالي فنحن نتعامل مع تفسير في غاية العنف للإسلام، لا يتم تقديره على ما هو عليه، بل على ما يَسمح به للناس، لأنَّه يُضفي على العنف طابع الشرعية ويجعل حالة ضحاياه ذات قدسية.

شارك