السلفية المصرية بين صراع الفصائل ومحاولات السيطرة على الواقع

الأربعاء 08/فبراير/2017 - 01:52 م
طباعة السلفية المصرية بين
 
الفصيل السلفي داخل تيار الاسلام السياسي يموج بالكثير من الحركات الداخلية التي تتصارع فيما بينها في محاولة لكل حركة من حركاتها فرض سيطرنها على الواقع الاجتماعي والسياسي، وقد قدمنا في بوابة الحركات الاسلامية من قبل العديد من وجهات النظر والنقد للخطاب السلفي على اختلافه وتنوعه، الا ان معرض القاهرة الدولي للكتاب قد اوضح سطوة هذا الفصيل السلفي على الواقع الثقافي والاجتماعي وفرض سيطرته على هذا الواقع رغم تبادل الاتهامات بين مكونات هذا الفصيل السلفي فقد تبادل قيادات سلفية الهجوم الذى وصل إلى السب والقذف، وكان للشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية النصيب الأكبر من هذه الاتهامات، في الوقت الذى ردت فيه الدعوة السلفية بأنها ذات النصيب الأكبر من الأتباع من بين باقي التيارات السلفية الأخرى.
مصطفى البدرى
مصطفى البدرى
البداية عندما شن مصطفى البدرى، عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية، هجوما عنيفا على السلفية المدخلية، قائلا إن السلفي المدخلي لا يرى في الحركات الإسلامية المعاصرة خيرا يُذكر، ومنهجه هو الجرح والتشهير بكل جماعة أو داعية لا يسير على دربه.
وأضاف في مقال له نشره على أحد المواقع التابعة للإخوان، أن أشهر رموز هذا التيار في مصر على الإطلاق هو محمد سعيد رسلان الذى يخطب ويُدرّس في إحدى مساجد المنوفية، ويليه محمود لطفى عامر ومحمود الرضوانى وحسن عبد الوهاب البنا، حيث ترفض هذه المدرسة كل صور المشاركات السياسية، وتنقم على كل الحركات الإسلامية التغييرية.
وأوضح البدرى أن تيار البراهمة – نسبة إلى ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية-  اختصارا لما يسمونه "الدعوة السلفية بالإسكندرية" ويمثلها حزب النور، وسببها أن شيخهم ياسر برهامي هو الأكثر حديثا في الشأن السياسي، وهو المسيطر، منفردا بدعم تلاميذه، على القرارات المصيرية داخل الدعوة والحزب، رغم وجود أسماء أخرى بارزة، مثل الشيخين محمد إسماعيل المقدم وأحمد فريد، وقد تركهم الشيخ سعيد عبد العظيم بعد مواقفهم .
وأشار إلى أن العجيب في شأن هذه المدرسة البراهمة أنها مدرسة متناقضة، فمنهجهم يقول شيء وأفعالهم شيء أخر.
ياسر برهامي
ياسر برهامي
وفى السياق ذاته شن قيادي سلفي، هجوما عنيفا على ياسر برهامي، مشيرا إلى أنه يحب الظهور كثيرا على وسائل الإعلام، وكشف محمود عباس، القيادي السلفي، أن والد الشيخ ياسر برهامي وعمه كانا من الإخوان المسلمين، وأن صدامات حدثت بينهما كانت السبب وراء عداء برهامي للإخوان – على حد قوله -.
وأضاف عباس في تصريحات له عبر صفحته على "فيس بوك" :"دكتور ياسر برهامي من وجهة نظري المتواضعة وقع في أمرين، الأول هو كره الإخوان وهذا لا شعوري ترسخ عنده منذ أن حملوه بالقوة خارج المسجد مع العلم أن والده وعمه كانوا من الإخوان وقد يكون هناك صدامات بينهما عزز هذا الشعور .
وتابع عباس :"الثاني حب الظهور فقد كان قبل الثورة رغم علمه لا يعلم عنه الناس العوام شيئا إلا الملتزمين بالمنهج السلفي وليس كلهم بل جزء منهم وظهوره المتواضع على الفضائيات ولكن بعد الثورة وارتفاع أسهم حزب النور أصبحت نفسه تتوق لهذا الزخم الإعلامي الذى راه يصل إليه من لا يوازيه في العلم فأصبح يخرج في قنوات كانت تلعن أمثاله".
في المقابل رد سامح عبد الحميد، عضو مجلس شورى الدعوة السلفية، على الاتهامات الموجهة للمدرسة البرهامية قائلا :"لو تكلمنا عن التيارات السلفية وقوتها وأعداد أعضائها وتأثيرهم على الواقع المصري، فالمداخلة وزعيمهم محمد سعيد رسلان لا يُمثلون أي نسبة، ورسلان له بعض التلاميذ في قريته بمركز أشمون بالمنوفية، ومحمود لطفى عامر والرضوانى وحسن عبد الوهاب البنا مجرد أشخاص وليس له شعبية.
وأضاف عبد الحميد أن أحزاب سلفية مثل (حزب الأصالة وحزب الإصلاح والجبهة السلفية) مجرد أسماء إعلامية لا وجود لها في أرض الواقع، أين مقرات حزب الأصالة أو الإصلاح..؟، من هم أعضاء الهيئة العليا للحزبين..؟، كم عدد أعضاء الحزبين..؟، والجبهة السلفية عبارة عن خالد سعيد المختفي عن الأنظار، وأحمد مولانا وبعض أفراد مختفون، وكذلك حسام أبو البخاري هو مجرد شخص ليس له أتباع منتظمون في جماعة أو جمعية أو حزب".
وتابع عبد الحميد :"عندما نتكلم عن التيارات السلفية القوية المؤثرة في المجتمع المصري فهناك الدعوة السلفية، الممثلة للتيار الإسلامي، حيث أن الإخوان تم تفتيتها كجماعة، وتم حل حزب الحرية والعدالة، وأغلب قادتها في السجن أو هاربون في الخارج أو مختفون في الداخل، والقوة الباقية الآن والتي حافظت على نفسها وعلى أبنائها هي الدعوة السلفية ".
ورغم تناولنا في بوابة الحركات الاسلامية للعديد من الجوانب الخطاب التكفيري والطائفي الذي تستخدمه هذه الحركات داخل الفصيل السلفي الا انه كأنه لا حياة لمن تنادي فلا تستطيع مؤسسات الدولة سواء كانت دينية ام مدنية الوقوف في وجه هذا الفصيل او تيار الاسلام السياسي بشكل عام هذا بجانب اخفاق المؤسسات الدينية في تقديم منهج واضح لتجديد الخطاب الديني فما زال التخبط والتوتر هو السائد في هذا الملف الحيوي والمهم وعودة الى انتشار ظاهرة الطائفية التي تسللت الى دول المنطقة بما فيها مصر كانت عن طريق اشخاص يعدون على اصابع اليد الواحدة، الا انهم كانوا يمتلكون موارد مالية ضخمة، جعلتهم يتكاثرون وينفذون الى جسد الدولة والمجتمع والمؤسسات والمراكز الحساسة كالجامعات والجوامع واسسوا لهم منابر اعلامية ضخمة، وساعدهم في ذلك ان حقيقتهم لم تكن مكشوفة حينها كما هي اليوم، فلم يكونوا يتدخلون في اي شان من شؤون المجتمع السياسية والاجتماعية، وكل همهم كان نشر دعوتهم في هدوء ودون استفزاز، وهذا بالضبط ما يحدث اليوم في مصر، حيث انتقلت الجهات التي كانت ترفع لواء “الدفاع عن الصحابة والسلف ” من مرحلة الدعوة، الى تنفيذ هذه الدعوة، وتمكنت في تسميم بعض العقول، التي بدات بتنفيذ ما تراه واجبا دينيا، ولما كان هذا الواجب في العقيدة السلفية، لا يعني البناء والعلم والتطور الاقتصادي والاجتماعي، بل التكفير وزرع الاحقاد والكراهية وتقسيم عباد الله بين مسلم (سلفي) و كافر ومرتد ومشرك (غير سلفي ) ، فكانت التفجيرات والاغتيالات التي شهدتها مصر منذ عقود وتضاعفت في السنوات الاخيرة، واستهدفت جنودا ومسيحيين واتباع اهل البيت عليهم السلام، وكل ما يخالفهم من المسلمين السنة.
لما كانت التنظيمات السلفية، معروفة بنفورها من اي راي يخالف عقيدتها حتى في ابسط الاشياء، ويتضاعف هذا النفور اذا كان الاخر يحمل عقيدة اهل البيت عليهم السلام، فعندها سيجن جنونها، وهو ما ظهر جليا في الدعوة التي اطلقها رئيس ما يسمى ائتلاف “الدفاع عن الصحب والآل” علاء سعيد، الذي طالب فيها برفع دعاوى قضائية بسبب عرض كتب تتناول عقيدة اتباع اهل البيت عليهم السلام في معرض القاهرة الدولي في دورته الحالية التي بدات في 26 يناير وتستمر حتى 10 فبراير الجاري.
سطوة التنظيمات السلفية التكفيرية في مصر تكشفت بالتزامن مع معرض القاهرة، فتهديدات السلفي الوهابي علاء سعيد نُفذت على الارض وبسرعة حيث تفاجأ بعض المسؤولين عن دور النشر اللبنانية في المعرض، بظاهرة فريدة من نوعها تمثلت بقيام عناصر من الأمن المصري على توقيف أحد الموظفين اللبنانيين على خلفية وجود كتاب يتناول مذهب اهل البيت عليهم السلام، قبل أن يتم الإفراج عنه بعد ساعات، كما أغلقت الهيئة المصرية العامة للكتاب، المنظمة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، داري نشر هما “دار القدس” و”دار آل ياسر” ،  بعد أن حررت شرطة المصنفات بلاغا ضدهم لبيعهم كتبا عن اهل البيت عليهم السلام، في وقت أكد مدير إدارة مكافحة جرائم المطبوعات بالإدارة العامة لمباحث المصنّفات أشرف مأمون، أن الإدارة “ضبطت كتبا شيعية” داخل الجناحين، مشيراً إلى أنهم قاموا بهذا الإجراء الإداري لـ ”عدم نشر الفكر الشيعي داخل مصر”!!.
 الطامة الكبرى، ان السلفية التكفيرية برموزها المعروفة في مصر، جاهلة حتى بالتراث الروحي والفكري لمصر، فهذا وليد إسماعيل، منسق ما يعرف ائتلاف الصحب وآل البيت، شن هجوما على معرض القاهرة للكتاب لأنه تجرأ وعرض كتاب “نهج البلاغة”  للإمام علي عليه السلام ، وكتاب “بحار الانوار” للعلامة المجلسي، وكتاب “تفسير الميزان” للعلامة محمد حسين الطباطبائي،
السلفية المصرية بين
بينما حتى جهلاء هذه الامة يعلمون ان مفتي الديار المصرية الشيخ محمد عبده كتب تفسيرا لكتاب “نهج البلاغة” قبل ان تتسلل الوهابية الى مصر.
السلفية التكفيرية لم تحصر نشاطها في معرض القاهرة، فقد عممت نشاطها على عموم مصر، حيث اعلن وليد إسماعيل عن بدء حملة جديدة باسم ائتلاف المسلمين للدفاع عن الصحب، مهمتها القيام بزيارة المكتبات على مستوى الجمهورية “للبحث عن كتب الشيعة” وأي كتب سيتم العثور عليها سيتم إبلاغ السلطات عنها لمصادرتها، وانه سيكون هاشتاج الحملة “مصر خالية من الكتب الشيعية!!.
هذا الموقف المرتعد والخائف والمرعوب للسلفية التكفيرية امام عقيدة اهل البيت عليهم السلام، لا يكشف تهافت العقيدة  الوهابية فحسب، بل يكشف دورها المشبوه في ضرب كل عناصر القوة في الامة وفي مقدمتها “الوحدة الاسلامية ”، فالسلفية لا ترى في الصهيونية خطرا يهدد الامة، بل ترى في “الوحدة الاسلامية” خطرا داهما يتهدد عقيدتها الفاشلة، فهذا السلفي التكفيري سامح عبد الحميد، القيادي بالدعوة السلفية، يعلن جهارا نهارا رفضه لأي تقريب بين المذاهب الاسلامية،
الشيخ  أحمد كريمة
الشيخ أحمد كريمة
وشن هجوما على الدكتور الجليل الشيخ  أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، لدعوته للتقريب بين السنة والشيعة، فهو يرى : “ان الكثير من دعوات التقريب بين السنة والشيعة، هدفها تشييع أهل السنة، وغزو المجتمع السني .. ولا يوجد حل وسط بين السنة والشيعة .. وأن الحل يكمن في ضرورة اتباعهم القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، معتبرا أن الوحدة بين السنة والشيعة، لن تكون إلا بنهي الشيعة عن معتقداتهم الباطلة”، ترى اليس ما تفعله “داعش” اليوم في ديار المسلمين، الا تطبيقات عملية لهذا الفكر التكفيري الالغائي الاقصائي، والداعي الى اشعال الحروب والصراعات في المجتمعات الاسلامية لصالح الصهيونية العالمية؟.
يرى الكثيرون ان سبب الهجمة الشرسة ضد اتباع اهل البيت في مصر من قبل السلفية التكفيرية، هو الحصول على التمويل من الخارج، بمعنى انه كلما سمموا الاجواء الهادئة في مصر ونشروا الكراهية والحقد والبغضاء بين المسلمين وحاربوا كل جهد يصب في صالح زرع الوئام والمحبة بين المسلمين، كلما حصلوا على تمويل خارجي اكبر، وهذه الحقيقية كشفتها فضيحة السلفية التكفيرية في معرض القاهرة للكتاب هذا العام، فجميع الكتب التي اعتبرتها السلفية التكفيرية “ممنوعة” واستخدمت نفوذها في بعض اجهزة الدولة لمصادرتها، هي كتب كانت معروضة في معرض القاهرة في الاعوام السابقة، فهي ليست حديثة الإصدار، وفي اسوء الحالات حتى لو منعتها السلفية، عندها يتم مصادرة الكتاب المعني، وبالتالي لا يجب توقيف أحد للتحقيق معه وسؤاله عن مكان سكنه في لبنان أو طائفته، كما حصل هذا العام.
حجم التمويل الذي حصلت عليه الجماعات السلفية التكفيرية في مصر جعلها اكثر قوة وتاثيرا، وظهر ذلك جليا من خلال تصريحات رئيس الهيئة العامة للكتاب هيثم الحاج علي، عندما اكد أن الهيئة ليس لها أي صلاحية قانونية بمصادرة أو رفع بعض الكتب، فهذا الاجراء قد يعرضها لدعاوى وطلب تعويضات، وأنها  لا تملك صلاحية لرفع أي كتاب إلا بحكم قضائي” ، ولكن الوهابية التكفيرية فعلت ذلك، واثبتت انها فوق القانون.
ان على النخب المصرية ان تدق ناقوس الخطر، قبل ان تخرج الامور عن السيطرة، فالسلفية التكفيرية لا تستهدف اتباع اهل البيت حصرا، فاتباع اهل البيت هم اعداء ثانويين للسلفية التكفيرية، وعدوهم الرئيسي هو الاسلام، فما فعلته السلفية التكفيرية في ليبيا والصومال ومالي وفي سيناء مصر، حيث لا وجود لاتباع اهل البيت هناك، يؤكد هذه الحقيقة، فالسلفية التكفيرية هي معول لهدم الدول والمجتمعات، وكثيرا ما تستهدف في بداية تحركها الحلقات الاضعف في المجتمعات التي تنتشر فيها، مثل الاقليات المذهبية والدينية والعرقية، من اجل كسب الانصار، وعندما يستفحل امرها، تنقض على المجتمع برمته وتحوله الى ساحة للفوضى والدمار والخراب، لذا على النخب المصرية توعية الشباب المصري وتحذيره من الوقوع في فخ الطائفية، فامتناع اعضاء المنتخب المصري لكرة القدم من أداء صلاة الجمعة في مسجد للمسلمين الشيعة في “الجابون”، واشادة رموز السلفية  التكفيرية في مصر بموقفهم، هو عوارض لحالة مرضية خطيرة جدا، لا ترى في الكيان الصهيوني عدوا للعرب والمسلمين، وان بالإمكان اقامة علاقات رياضية وفنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وحتى عسكرية وامنية مع الصهاينة المجرمين مغتصبي القدس والمسجد الاقصى، ولكن ترى في صلاة الشاب المصري في مسجد لاخوانه المسلمين الشيعة كفرا وشركا، وصدق الاستاذ راسم النفيس عندما قال إن بعض الدول الخليجية أنفقت مليارات الدولارات في حملات إعلامية لشيطنة الشيعة، حتى يتحول الصراع في المنطقة من عربي-إسرائيلي إلى سني-شيعي، وأن الشعوب العربية تأثرت بهذه الحملات وأصبحت ترى الشيعة أشد خطرًا على الأمة العربية من الصهاينة.

شارك