توترات المرجعية الشيعية والعلاقة مع امريكا ترامب

الثلاثاء 14/فبراير/2017 - 02:43 م
طباعة توترات المرجعية الشيعية
 
هل تختلف المرجعية الشيعية في قم عن المرجعة الشيعية في النجف سؤال مهم وخاصة عندما يطرح في ظل العلاقة المتوترة حاليا مع امريكا وفي هذا المجال كتب كل من علي المعموري وسوزان مالوني منتدى سياسي في معهد واشنطن. والمعموري هو محرر من مكتب نبض العراق في موقع "المونيتور" وأستاذ العلوم السياسية في "جامعة سيدني". ومالوني هي نائبة مدير "برنامج السياسة الخارجية" في "معهد بروكينجز" والعضو السابق في "فريق تخطيط السياسات" بـ "وزارة الخارجية الأمريكية". وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما".
علي المعموري
يعمل المركزان الرئيسيان للمرجعية الشيعية، مدينتا قُم في إيران والنجف في العراق، انطلاقاً من نموذجين مختلفين إلى حد كبير. فيرتكز نموذج قم على "ولاية الفقيه"، العقيدة التي منحت المرشد الأعلى الإيراني سلطته، كما تم إنشاؤه على يد آية الله روح الله الخميني واستمر في عهد خلفه علي خامنئي. وفي المقابل، يُعتبر نموذج النجف الشكل التقليدي للمذهب الشيعي بقيادة آية الله علي السيستاني. وبالرغم من غياب العدائية الواضحة بين المركزين، لطالما تم الشعور بالتوترات وراء الكواليس، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول الكيفية التي سيؤثر فيها رحيل السيستاني الطاعن في السن في النهاية على النفوذ الإيراني في النجف.
منذ عام 2003، حاول السيستاني تأسيس نظام سياسي أكثر ديمقراطية في العراق. إلا أنّ خامنئي تدخل في ذلك النظام من خلال حشد نفوذه لدى الأحزاب السياسية الشيعية العراقية ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهي جهود حاربها السيستاني بدعمه رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الذي تبوّأ السلطة في عام 2014. واليوم، يظهر اصطفاف العبادي مع السيستاني والتزامه بالحد من النفوذ الإيراني على أفضل نحو من خلال جهود بغداد الرامية إلى وضع الميليشيات المعروفة باسم «وحدات الحشد الشعبي» تحت سلطتها المباشرة.
وقد سلطت الفتوى التي أصدرها السيستاني عام 2014 لحث المسلمين على محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» الضوء بشكل أوضح على التوترات القائمة بينه وبين خامنئي. ففي حين توافد العديد من المقاتلين إلى العراق استجابةً إلى نداء السيستاني، طوّع خامنئي ممثليه السياسيين والأمنيين في «وحدات الحشد الشعبي» لاجتذاب هؤلاء المحاربين إلى دائرة نفوذه. وعندما اتخذ السيستاني خطوات لضمان بقاء بعض فصائل «وحدات الحشد الشعبي» تحت نفوذه (على سبيل المثال: فصائل "المرجعية" و"العتبات" و"علي الأكبر")، ردّت طهران من خلال وقف دعمها العسكري والمالي لها.
وخلافاً لخامنئي، يتجنب السيستاني الخطابات الطائفية التي تتناول السلفيين، أو السنة أو الخصومة بين إيران والسعودية، بل يثبّط عزيمة مواطني دول الخليج والدول العربية عن دعم حركات التمرد ضد حكوماتهم. وبالمثل، حث أتباعه على عدم حمل السلاح على خلفية قضايا شيعية ساخنة مثل دعم بشار الأسد في سوريا أو معارضة الحكومة السنية في البحرين ذات الأغلبية الشيعية.
وإذا ما توفي خامنئي أو السيستاني، سيبرز فراغ في السلطة، ما سيسمح للطرف الآخر بتوسيع دائرة نفوذه. فعلى مر التاريخ، خلال السنوات الخمس إلى العشر التي تلي وفاة مرجع كبير، يتنافس المرشحون فيما بينهم على تأسيس قاعدة شعبية داعمة لهم. ومن الأمثلة السابقة على ذلك وفاة عبد الكريم الحائري اليزدي وحسين البروجردي ومحسن الحكيم وأبو القاسم الخوئي.
فإذا توفي السيستاني أولاً، سيطالب العراقيون على الأرجح بزعيم جديد بارز في النجف لتقديم المشورة الدينية والاضطلاع بدور في السياسات والحوكمة المحلية. وبدا عددٌ من المرشحين في الحوزة العلمية في النجف مهيأين لأن يخلفوه، لا سيما محمد باقر الإيرواني وعبد الأعلى السبزواري و(ابنه) محمد رضا السيستاني. وسيسعى خامنئي بلا شك إلى توسيع دائرة نفوذه في النجف أيضاً، إلا أنّ سلطته هناك ستكون مقيّدة بعدة عوامل. أولاً، تنبثق سلطته العظمى في إيران من مكانته السياسية في طهران أكثر من مكانته الدينية في قم. ثانياً، ليس لديه الكثير من الممثلين الذين يستطيعون ممارسة نفوذهم في النجف. فمحمود الهاشمي الشاهرودي، العضو في "مجلس خبراء القيادة" الإيراني من مواليد النجف، ليس لديه سوى مكتب صغير وبضعة تلاميذ هناك. أما كمال الحيدري، وهو مرجع [عراقي] درس في النجف ومقيم في مدينة قم، فينتمي إلى مذهب شيعي إصلاحي لا يحظى بشعبية بين الكثير من العراقيين.
وفي المقابل، يملك السيستاني شبكة قوية تضم أكثر من 600 ممثل في كافة أنحاء العراق يمكنهم أن يشكلوا حصناً ضد نفوذ خامنئي. ومن شأن التلاميذ الناشطين في الحوزة العلمية في النجف أن يؤدّوا دوراً أيضاً في دعم معلميهم ليخلفوا السيستاني. بالإضافة إلى ذلك، تملك النجف مجموعة متنوعة من المصادر المالية المستقلة في جميع أنحاء العالم، بما فيها بريطانيا والولايات المتحدة ولبنان.
سوزان مالوني
خلال الأعوام الأربعين الماضية، حاولت الإدارات الأمريكية المختلفة أسلوبي الإقناع والضغط لدفع سياساتها تجاه إيران. أما الخيط المشترك بين هذه الجهود فهو أن تغيير طبيعة النظام الإيراني بقي يحتل الأولوية بالنسبة للمصالح الأمريكية.
واعتمدت إدارة أوباما على ممارسة الضغط أحياناً، لا سيما من خلال العقوبات الاقتصادية، ولكن التواصل كان نهجها المفضل. ولم تروج لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» كآلية لدعم التغيير في إيران. فالبيت الأبيض ووزارة الخارجية في عهد أوباما كانا يوردان بانتظام تعليقات مفادها أن الاتفاق النووي ليس مشروطاً بالتغيير السياسي. إلا أن الإدارة الأمريكية أكدت أيضاً على أن عوامل قوية أخرى، بما فيها زيادة الوصول إلى الاقتصاد العالمي واستمرار الانخراط الدبلوماسي، يمكنها أن تشجع الضغوط العملية داخل الحكومة الإيرانية.
وتبدو إدارة ترامب على استعداد لاتخاذ المسار المعاكس تماماً. فهي تعتبر أن جهود التكييف والتوفيق قد عززت الطموحات الإيرانية، وأن المواجهة ضرورية لتقييد هذه الطموحات. وسيقوم فريق الرئيس الأمريكي على الأرجح باستخدام «خطة العمل المشتركة الشاملة» كآلية ضبط صارمة لضمان عدم ارتكاب إيران لأي انتهاكات. وقد تتبنى الإدارة الأمريكية موقفاً أكثر تشدداً أيضاً تجاه التدخل الإيراني في سوريا واليمن. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية لن تنتهك بشكل صريح «خطة العمل المشتركة الشاملة»، إلا أنها ستعاود ممارسة الضغوط الاقتصادية التي مورست بين العامين 2010 و2013 وتبدي اهتماماً أكبر بالأنشطة التي تشير إلى تغير النظام الإيراني.
وفي حين أنّ مقاربة الرئيس ترامب القائمة على المزيد من المواجهة قد لا تساهم إلى حد كبير في التخفيف من سلوك طهران السلبي، إلا أن الاستمرار في انتهاج مقاربة أوباما، التي تسعى إلى تليين الموقف الإيراني من خلال مبدأ التواصل، كان يمكن أن يقود إلى فشل محتم. فمن غير المرجح أن يتغير سلوك النظام الإيراني ما لم يتغير موقف المرشد الأعلى، وحتى في هذه الحالة، ليس الأمر مضموناً. وبالرغم من الاهتمام الأمريكي بنتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وانتخابات "مجلس خبراء القيادة" في إيران، تبقى عملية الخلافة بعد خامنئي العامل الفعلي الحاسم للتغيير في طهران.
وفي هذا السياق، من المهم أن ندرك من هم اللاعبون الذين سيؤثرون على الخلافة من وراء الكواليس. ففي عام 1989، تولى أكبر هاشمي رفسنجاني وأحمد الخميني - الابن الأصغر لآية الله الخميني - قيادة هذه العملية، ولكن من الصعب توقع من سيضطلع بهذا الدور هذه المرة. وتصف واشنطن أحياناً إيران بالدكتاتورية العسكرية، غير أنها تبالغ بذلك بالدور الذي يقوم به «الحرس الثوري الإسلامي». ومن الصعب أيضاً معرفة نتيجة الخلافة. فقد يقع الاختيار على محمود الهاشمي الشاهرودي أو رئيس السلطة القضائية الإيرانية صادق لاريجاني أو ربما أحد أعضاء شبكة المحسوبية التابعة لخامنئي، مثل إبراهيم رئيسي، الرئيس الحالي لمؤسسة "آستان قدس رضوي" في مدينة مشهد.
أما بالنسبة إلى ما سيحدث داخل إيران بعد وفاة خامنئي، فيبقى الأمر مجهولاً. فبينما قد يتخذ النظام على الأرجح تدابير استباقية لمنع حدوث أي ردة فعل اجتماعية عارمة، من الصعب تنبؤ مسار الأمور، لا سيما في ضوء رد الفعل غير المتوقع على الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009.
وأخيراً، يملك حسن روحاني حظوظاً قوية بالفوز بولاية أخرى في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في أيار/مايو. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى التزامه بـ "ولاية الفقيه" بخلاف الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وثوار آخرين من الجيل الثاني.

شارك