شهادة حراس الاراضي المقدسة عن الوضع الحالي لـ "حلب "

الإثنين 20/فبراير/2017 - 01:50 م
طباعة شهادة حراس الاراضي
 
حراس الاراضي المقدسة  هم مجموعة دينية في الكنيسة الكاثوليكية،وينتمون الي  رهبنة "الإخوة الأصاغر"، الفرنسيسكان. يتجلى لدى القديس فرنسيس والفرنسيسكان، حب تجسد المسيح في قلوبهم، ولهذا أحبوا الأرض المقدسة منذ نشأتهم. ويقولون ان حب هذه الأرض يعني لنا حب المسيح، لأن التجسد لايمكن أن يتم بدون مكان. ولا نستطيع أن نفكر بالمسيح دون أن نحبه ونحب أرضه أيضًا .وبسبب تعلق الفرنسيسكان بإنجيل المسيح وتجسده، فإن كنيستنا الكاثوليكية أوكلت إلينا مهمة المحافظة على أماكن خلاصنا .
ثمة وسائل ملموسة للسهر على الأماكن المقدسة مثل: إحياء الأماكن المقدسة من أجل الحجاج والكنائس المحلية، وذلك من خلال العبادة و الترحيب بالزوار الذين يفدون من أنحاء العالم، للصلاة، والتجمع هنا، والمحافظة على الأبنية في هذه الأماكن نظرا لفعاليتها وقدسيتها . 
تعيش الكنائس المسيحية المحلية جنبا إلى جنب في الأراضي المقدسة. وتتألف الكنائس المحلية من أبرشيات ذات طقوس وتقاليد دينية مختلفة (غربية وشرقية). ونحن الفرنسيسكان، نتولى مسؤولية خاصة حيال الأبرشيات المختلفة التي يعيش قلبها ومركزها في الأماكن المقدسة .
ويدفعنا حب الحجارة التي تحافظ على ذكرى يسوع إلى حب الحجارة الحية، أبناء الكنائس المسيحية، والتي تعيش هنا منذ قرون. وتمارس حراسة الأرض المقدسة كثيرا من الأنشطة التكوينية والاجتماعية، والتي تهدف إلى تدعيم الوجود المسيحي في الأرض المقدسة، مثل: المدارس، تشييد المنازل، مساعدة المحتاجين على أشكالهم.
تم تحضير مرشدين روحيين وتجهيز بيوت للضيافة، لخدمة الحجاج المسيحيين الوافدين من كل أنحاء العالم. فضلا عن الصلاة لضمان النعمة، والقدرة على الاحتفال بأسرار الخلاص في الأماكن المقدسة وفي هذا التقرير يقدمون شهادتهم عن وضع " حلب " الان 
ها نحن في ثاني أكبر مدينة سورية، نجول وسط البيوت والشوارع المدمّرة. المشهد مؤلم للغاية، لكنه لا يمنع من تمييز بعض الأسباب التي تحمل على الرجاء. فالحياة تزهر، حتى تحت الأنقاض. أنقاض. وبيوت وشوارع مدمّرة على مدى كيلومترات طويلة. إنها المرحلة الأشد ألماً من جولتنا في سوريا، والتي تتطلب جهداً مضاعفاً لضبط المشاعر.
أهلاً وسهلاً بكم في حلب! تبدو اللوحة التي تنذر بالدخول إلى عاصمة الشمال القديمة، وكأنّها فكاهة. إن العلامات التي خلّفتها المعركة الدمويّة التي أدت، قبل عدّة أسابيع، إلى طرد قوّات المعارضة من حلب، لا تزال هي الجرح الأكثر وضوحاً في جسد هذه المدينة الكبيرة. ولكن حتى الحرب، لم تنجح في تدمير الإنسان. لقد وجدت وجوه السكان في حلب من جديد الإبتسامة، وبدأت المركبات بالتحرّك من جديد. شرع بعض التجار أيضاً بممارسة نشاطهم، وفي الليل، تلوح من بعيد الأنوار المنبعثة من نوافذ بيوت سكان حلب المضاءة. حركة السير تغلق من جديد المدينة، وزمامير السيارات ترفع صوتها كما في أي مدينة عربية تحترم تقاليدها.
ولكن، يكفي أن يميل المرء بطرفه قليلاً، كي يملأ عينيه بصور المباني التي أُفرِغَت من جراء سقوط القنابل والصواريخ عليها؛ والأطفال الذين يلعبون بمخلفات البيوت المدمّرة؛ والمسنين الذين يبحثون وسط الفضلات عما يأكلونه؛ والجنود المنهكين الجائعين، ينظرون بحسرة إلى ما تبقّى من "باريس الشرق الأوسط". والماء كالكهرباء ينقطعان ثم يعودان باستمرار. إن هذا كلّه يكسر الصمت المخنوق، الذي سادنا ونحن نتلمس طريقنا وسط بقايا شوارع الأحياء التي مررنا بها. من يعلم كم من الوقت يحتاج الأهالي لإعادة إعمار مدينتهم... من يعلم قدر العمل الذي يجب القيام به للتخفيف من ألم من فقدوا نسائهم وأولادهم وبيوتهم وأقاربهم الأعزاء عليهم.
حتى الأموات لم يعرفوا السلام وسط هذه الحرب. رافقنا كاهن رعيّة اللاتين، الأب ابراهيم الصبّاغ، إلى المقبرة، حيث أرانا قبوراً لأشخاص أجسادهم مكشوفة تماماً. وأوضح لنا قائلاً: "لحسن الحظ، لم تحدث أية أعمال تدنيس في المقابر، لكن كثيراً من اللصوص جاؤوا يسرقون ما ألبس به الأهالي أجساد موتاهم ساعة الدّفن."
في هذه المقبرة المدمّرة، يعمل شاب سوري، اسمه طارق، على اعادة طلاء الكنيسة التي دمّرتها القنابل. توجّهنا معه، يرافقنا أيضاً المهندس طوني، سيراً على الأقدام، لزيارة بعض البيوت التي دمّرتها القنابل وقد تمّت إعادة ترميمها بفضل المشروع الذي تدعمه جمعية الأرض المقدسة (pro Terra Sancta). يبدو الهدف من هذا المشروع طموحاً إلى الغاية، إذ يتطلّع إلى تمكين 29 عائلة من العودة للسكن في بيوتها، "وبهذا يتم تشجيع من هربوا من البلاد للعودة إليها".
يتم العمل باستمرار في رعية القديس فرنسيس. لا يزال بامكان الأشخاص الذين ليست لديهم الإمكانيات الكافية، الحصول على الماء الصالح للشرب من الأبيار. تنطلق في كل دقيقة عدّة حافلات محملة بالماء لتوزيعه خارج حدود حيّ العزيزية. أما يوم الخميس، فهو مخصّص لتوزيع الحزم الغذائية. وفي المركز المخصص للإستقبال، التقينا ببشير، وهو طفل له من العمر خمسة أعوام. اختفى والده في مكان ما ووالدته لا تعمل. أملُها الوحيد في البقاء مع ابنها على قيد الحياة، هي تلك المساعدات التي تزوّدهما بها الرعيّة أسبوعيّاً. بشير هو طفل خجول، لكنه يبتسم عندما يرانا. ومثله الكثيرون ينتظرون دورهم في الصالة. تعطى لكلّ شخص حسنة يستخدمها لشراء ما يحتاج إليه من الغذاء والدواء. ولكن قبل ذلك، يدعو الأب ابراهيم الجميع إلى المحافظة على لحظة من الصمت يصلّون خلالها من أجل عطية السلام التي تنتظرها سوريا منذ سنوات. فالخبز مهم، لكنّه ليس كل شيء.
في مشفى القديس لويس، التقينا بالطفلة جودي مع أمّها. لجودي من العمر 11 عامًا، وقد أصيبت بشظيتي قنبلة أصابتا رأسها وألحقتا ضرراً بالدماغ. أغلب الظنّ أنها لن تخرج من الغيبوبة العميقة التي ترقد فيها. تفتح ثم تغلق أجفانها. أمها، وهي مسلمة، تنظر إلى أيقونة العذراء المعلّقة على الحائط. وعندما يرسم ابراهيم اشارة الصليب على جبين الطفلة الصغيرة الناصع البياض، تلتفت الأم مبتسمة لطفلتها. فأهلاً وسهلاً بكم في حلب، حيث الأمل والألم متلازمان ويصعب الفصل بينهما، لكن الحياة قد عادت. أخيرًا، ولكن بعد زمن متأخر، بعد زمن متأخر جدًا.

شارك