مؤتمر " الحرية والمواطنة...التنوع والتكامل"... البحث عن العالم المفقود

الثلاثاء 28/فبراير/2017 - 12:50 م
طباعة مؤتمر  الحرية والمواطنة...التنوع
 
يشارك البابا تواضروس الثاني بطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس والبطريرك إبراهيم إسحق بطريرك الكرسي الاسكندري للأقباط الكاثوليك والبطريرك غريغوريوس الثالث بطريرك انطاكيا وسائر المشرق واورشليم والاسكندرية للروم الملكيين الكاثوليك والبطريرك بشارة الراعي بطريرك انطاكيا للموارنة والعديد من بطاركة الشرق وبمشاركة وفود أكثر من 50 دولة وتحت رعاية السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية يتواجدون في مؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين " الحرية والمواطنة...التنوع والتكامل".
ويبحث المؤتمر أربعة محاور يتضمن الأول: المواطنة، وبه الموضوعات التالية: خصائص المواطنة وشروطها فى عالم اليوم، الأوضاع الحاضرة لعلاقات المواطنة فى العالم العربى فى النصوص، والنفوس، والوقائع، رابطة المواطنة: أبعادها ومستقبلها، الأزهر وسؤال المواطنة.
كما يتضمن المحور الثانى: الحرية والتنوع، ويتضمن الموضوعات التالية: حرية الأفراد وهوية الجماعات، الحرية فى الممارسة واحترام التنوع، الأديان والحريات، دور الدولة فى صون الحريات وحماية التنوع. 
أما المحور الثالث فسيدور عن: التجارب والتحديات، ويتضمن الموضوعات التالية: مبادرات الأزهر، المبادرات المسيحية، الكلمة السواء، المبادرات المشتركة.
والمحور الرابع: المشاركة والمبادرة، ويتضمن الموضوعات التالية: العمل مًعا لدرء مخاطر التفكك والانقسام، العمل معا فى مواجهة التعصب والتطرف والإرهاب، العمل مًعا فى ترسيخ شراكة القيم وتفعيلها، العمل مًعا للحيلولة دون توظيف الدين فى النزاعات، العمل مًعا من أجل مشاركة أوسع فى الحياة العامة.
كلمة الامام 
وألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كلمة تاريخية فى المؤتمر الدولى "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل"، الذى يعقده الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، بمشاركة وفود أكثر من 50 دولة.
وجاء نص الكلمة كالتالى:
فباسم الأزهر الشريف، وباسم مجلس حكماء المسلمين أُرَحِّب بحضراتكم أيتها السيدات والسادة!، وترحب بكم مصر الكنانة، وتُعرب معى عن سعادتها بهذا المؤتمر البالغ الأهمية، والذى يُعْقَد فى ظروفٍ استثنائيةٍ وفترة قاسية تمرُّ بها المنطقة، بل العالَمُ كلّه الآن، بعد أن اندلعت نيران الحروب فى منطقتنا العربية والإسلامية، دون سبب معقول أو مُبرِّر منطقى واحد يتقبله إنسان القرن الواحد والعشرين.
ومن المدهش، بل من المحزن والمؤلم، تصويرُ الدِّين فى هذا المشهد البائس وكأنه ضِرام هذه الحروب، وزُيِّن لعقولِ الناس وأذهانهم أن الإسلام هو أداة التدمير التى انقضت بها جدران مركز التجارة العالمى، وفُجِّر به مسرح الباتاكلان ومحطات المترو، وسُحِقَت بتعاليمه أجساد الأبرياء فى مدينة نيس وغيرها من مدن الغرب والشرق، إلخ ما نأسى له من هذه الصور الكارثية المُرعبة التى تزداد اتساعًا وقَتامًا، مع تنامى التطرُّف وتقلص الحَيِّز الصحيح فى فهم حقيقة الأديان الإلهية، ومغزى رسالات الأنبياء التى تصطدم اصطدامًا مدويًا، بكل التفسيرات المغشوشة التى تتنكَّب بها طريق الأديان، بل وتُخطف بها النصوص المقدسة لتصبح فى يد القِلَّة المُجرمة الخارجة عليها، وكأنها بندقية للإيجار، لِمَن ينقد الثمن المطلوب من سماسرة الحروب وتُجَّار الأسلحة، ومُنظِّرى فلسفات الاستعمار الجديد.
وحسبك أن تمعن النظر فى هذه الشرذمة وفى أمرها العجيب حين ترفع راية واحدة هى راية الإسلام، ثم لا تلبث أن يكرَّ بعضه على بعض بالتخوين والتكفير، لتعلم أن القضية برُمَّتها ليست من الدين لا فى كثير ولا قليل، وأنَّ المسألة هى توظيف الإسلام فى هذه الدماء توظيفات شتَّى تذهب فيه من النقيض إلى النقيض.
وأمر آخرٌ يضع أيدينا على مكمن الزيف فى هذه الدعوات الدموية، هو: أن المسألة عند أصحابها لم تكن مسألة تصويب لدين زعموا أنه انفرطَ عِقدُه، وأن عليهم تصحيحه وتصويبه، فى إطار من الاجتهاد النظرى والتجديد الفكرى، بل كانت مسألةَ أرواحٍ وإهدار دماء كالأنهار، واجتراءٍ على منجزات الإنسان وهدمها حيثما كانت، ومتى قدر على تدميرها.
إن هذه الشرذمة الشاردة عن نهج الدين كانت إلى عهد قريب محدودة الأثر والخطر، وكانت من قلة العُدَّة وضعف العتاد عاجزة عن تشويه صورة المسلمين، إلَّا أنَّها الآن، أوشكت على أن تُجيِّشَ العالَم كُلَّه ضِدَّ هذا الدِّين الحنيف، وحَسْبُنا ما يُسمَّى بظاهرة الإسلاموفوبيا فى أقطار الغرب الشمالية والجنوبية، والتى انعكست آثارها البالغة السوء على المواطنين المسلمين فى هذه الأقطار.
ولسنا الآن بصدد البحث فى ظاهرة الإسلاموفوبيا، ولا فى الإرهاب الذى يرعى هذه الظاهرة ويُرضعها كلَّ يوم لِبان الكراهية للإسلام والمسلمين، وهل الإرهاب صناعة محلية، أو صناعة عالمية، أُحِكمَت حلقاتُها، ثم دُبِّرت بليل فى غفلة، أو فى تواطئ مع كثير من الساهرين على حقوق الإنسان، ومن رُعاة السلام العالمى والعيش المشترك والحريَّة والمُسَاواة وغير ذلك مما جاء فى المواثيق الدولية التى نحفظها عن ظهرِ قلب.
فى اعتقادى أنَّ البحث فى كل ذلك هو أوجب ما تُعقد له الندوات، وألزم ما يلزم رجال الدين والمُفكِّرين، وأحرار العالَم وعُقلاءه لتعرية هذا الوباء الحديث، وتحديد المسؤول عنه، وعن الدِّماء والأشلاء التى تُراق كل يوم على مذابحه وتقدم قرابين لأوثانه وأصنامه.
على أن المتأمل المنصف فى ظاهرة الإسلاموفوبيا لا تخطئ عيناه هذه التفرقة اللامنطقية، أو هذا الكيلَ بمكيالين بين المحاكمة العالمية للإسلام من جانب، وللمسيحية واليهودية من جانب آخر، رُغم اشتراك الكل فى عريضة اتهام واحدة، وقضية واحدة هى قضية العنف والإرهاب الدينى، فبينما مرَّ التطرُّف المسيحى واليهودى بردًا وسلامًا على الغرب دون أن تُدنَّس صورة هذين الدينين الإلهين؛ إذا بشقيقهما الثالث يُحبَسُ وحده فى قفص الاتهام، وتجرى إدانتُه وتشويه صورتهِ حتى هذه اللحظة.
نعم! لقد مرت بسلام أبشع صور العنف المسيحى واليهودى فى فصلٍ تامٍ بين الدِّين والإرهاب، ومنها على سبيل المثال: اعتداءات مايكل براى بالمتفجرات على مصحات الإجهاض، وتفجير فى تيموثى ماكْفى للمبنى الحكومى بأوكلاهوما، وديفيد كوريش، وما تسبب عن بيانه الدينى من أحداث فى ولاية تكساس.. دع عنك الصراع الدينى فى أيرلندة الشمالية، وتورط بعض المؤسسات الدينية فى إبادة واغتصاب ما يزيد على مائتى وخمسين ألفًا من مسلمى ومسلمات البوسنة.
الحضـور المهيب الجليــل
ما قصدت -علم الله- من هذه المقدمة التى طالت ربما أكثر مما ينبغى، أن أنكأ جراحًا، أو أُذكى صِراعًا بين الإنسان وأخيه الإنسان، فما هذه رسالة الأديان ولا رسالة الأزهر الشريف، ولا رسالة الشرق المتسامح، بل ولا رسالة الغرب المُتحضِّر المُتعقِّل، ولكن أردت أن أقول: إن الإسلاموفوبيا إذا لم تعمل المؤسسات الدينية فى الشرق والغرب معًا للتصدى لها، فإنها سوف تطلق أشرعتها نحو المسيحية واليهودية إن عاجلاً أو آجلاً، ويومها لا تنفع الحكمة التى تقول: "أُكِلْتُ يومَ أُكِلَ الثَّورُ الأَبيَض"، فالمتربصون بالأديان من الملحدين والمعلنين موت الإله والمروجين للفلسفات المادية والآتين من أقبية النازية والشيوعية، والداعين لإباحة المخدرات، وتدمير الأسرة، وإحلال نظام "الجنس الاجتماعى"، وقتل الأجنة فى بطون أمهاتها، والتشجيع على الإجهاض وحق التحول إلى ذكر وأنثى حسبما يريد المتحول ومتى يشاء، والعاملين على إحلال العولمة محل القوميات، والداعين للعولمة، وإزالة الفوارق بين الشعوب، بعد القضاء على ثقافاتها، والقفزِ على خصائصها الحضارية والدينية والتاريخية، وهو نداء ينمو اليوم ويتطور مطالبًا بأن يكون ذلك من سلطات الاتحاد الأوروبى.. كل هذه الدعوات وغيرها كثير، قادمة بقوة، وسوف تكتسح فى طريقها أول ما تكتسح الأديان الإلهية، لأنها فى نظرهم مصدر الحروب، فالمسيحية ولَّدت الحروب الصليبية، والإسلام ينشر الإرهاب والدماء، ولا حل إلَّا إزالة الدين من على وجه الأرض.. وهؤلاء يصمتون صمت القبور عن قتلى الحروب المدنية التى أشعلها الملحدون وغلاة العلمانيين، فى مطلع القرن الماضى ومنتصفه، ولم يكن للدين فيها ناقة ولا جمل، مع أن أى تلميذ فى مراحل التعليم الأولى لا يعييه أن يستعرض قتلى المذاهب الاجتماعية الحديثة ليتأكد من "أن التاريخ لم يَحْصر من ضحايا الأديان منذ أيام الجهالة إلى العصر الحاضر عُشر معشار الضحايا الذى ضاعوا بالملايين قتلًا ونفيًا وتعذيبًا فى سبيل نبوءات كاذبة لم تثبت منها نبوءة واحدة، بل ثبت بما لا يقبل الشك أنها مستحيلة على التطبيق".
أيها الحفل العلمى الكبير
أظنكم تتفقون معى فى أن تبرئة الأديان من الإرهاب لم تعد تكفى أمام هذه التحديات المتوحشة، وأن خطوة أخرى يجب علينا أن نبادر بها، وهى: النزول بمبادئ الأديان وأخلاقياتها إلى هذا الواقع المضطرب، وأن هذه الخطوة تتطلَّب -من وجهة نظرى-تجهيزاتٍ ضرورية، وأولها إزالة ما بين رؤساء الأديان وعلمائها من بقايا توترات وتوجسات لم يَعُد لوجودها الآن أى مُبرِّر، فما لم يتحقق السلام بين دُعاته أوَّلًا لا يمكن لهؤلاء الدُّعاة أن يمنحوه للناس، وأنى لفاقد شيء أن يمنحه لغيره! وهذه الخطوة بدورها لا تتحقَّق إلَّا مع التعارف الذى يستلزم التعاون والتكامل، وهو مطلب دينى فى المقام الأول، والإسلام الذى أعتز بالانتساب إليه ينبهنا إلى ذلك فى آية قرآنية يحفظها المسلمون والمسيحيون معًا من كثرة ما تردَّدت على الأسماع فى المحافل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ {الحجرات:13}.
كما ينبهنا الإسلام إلى حق أصيل فطر الله الإنسان عليه، وهو حق الحرية والتحرر من الضغوط، وبخاصة: ما يتعلق بحرية الدين والاعتقاد والتمذهب: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ {البقرة: 256}، ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ {يونس: 99}، ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ {الغاشية: 22}، ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ﴾ {الشورى: 48}.
وكان من بين البنود التى اشتمل عليها كتاب رسول الله ﷺ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ، وأنه: "مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ مِنْ يَهُودِى، أَوْ نَصْرَانِى، فَإِنَّهُ لَا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، إلى آخر كل هذه النصوص الدينية المُؤسِّسَة لحقِّ الحُريَّة والتحرُّر.
هذا.. والأزهر حين يدعو إلى نشر مفهوم «المواطنة» بديلًا عن مصطلح «الأقلية والأقليات»، فإنما يدعو إلى مبدأ دستورى طبقه نبى الإسلام -ﷺ-على أول مجتمع مسلم فى التاريخ، وهو دولة المدينة، حين قرر المساواة بين المسلمين من مهاجرين وأنصار، ومِن اليهود بكل قبائلهم وطوائفهم بحسبان الجميع مواطنين متساوين فى الحقوق والواجبات، وقد حفظ لنا تراث الإسلام فى هذا الموضوع وثيقة مفصَّلة فى شكل دستور لم يعرفه التاريخ لنظام قبل الإسلام.
السـادة الأجـــلاء
أطلتُ عليكم وعُذرى أنَّ حُسْنَ استماعكم أغرانى بقراءةِ كل ما جاء فى هذه الورقة من همومٍ وآلامٍ. وختامًا أتقدَّم بخالص الشكر للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس جمهورية مصر العربية، الذى رحَّب بأن يرعى هذا المؤتمر برعايته الكريمة تقديرًا لدوركم الكبير فى الدعوة إلى السلام والحرية والمواطنة والتعايش المشترك بين الناس، كما أشكر ضيوفنا الكِرام والسَّادة الحضور وكل الإخوة والزملاء والطلاب والعاملين الذين سهروا من أجل إعداد المؤتمر إعدادًا أرجو أن يكون محل رضاكم وقبولِكم، وأعتذر لضيوفنا من الخارج ومن الداخل أيضًا عن أى تقصير من جانبنا فى خدمتكم على الوجه الأكمل.
ضرورة قصوي من اجل الحياة 
أكد البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية، أن التسامح والتعايش بين الأديان أصبح ضرورة قصوى من أجل ضمان الاستقرار، والأمان بين كل البشر.
جاء ذلك، خلال كلمته فى مؤتمر الأزهر الدولى حول "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل
وقال البابا، إن الفهم المخطئ للدين الإسلامى تسبب فى التطرف والإرهاب، مضيفًا: "قبلنا هدم الكنائس مقابل بقاء الوطن"، لافتًا فى الوقت نفسه إلى أن الدين حل للمشكلة وليس جزءًا منها.
وتابع البابا: "نحن نشجع ثقافة الحوار الدائمة ونريد أن نبنى القيم الجميلة المتمثلة فى الاختلاف، والتنوع، واحترام الآخر".
وتابع البابا: "الله خلق عقولنا لكى نبدع فى حياتنا على الأرض ونصنع الحضارة، ونحن فى حاجة ماسة إلى بناء الوعى الإنسانى"، مناشدًا مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى استخدامها فى مواجهة التطرف، ودعم دور المرأة فى التوعية والاهتمام بالأسرة، لأنها الركيزة الأساسية للحفظ من التطرف.
واستطرد: "إننا فى تعايش مستمر مع أبناء الوطن الواحد، وهذا يؤدى إلى الاستقرار والتقدم، متابعًا: "نصلى أن يبارك الله الجهود المخلصة وأن يحفظ بلدنا من كل سوء".
جدير بالذكر أن المؤتمر يُعقد على مدار يومين، ومن المُقرر أن يصدر عنه "إعلانِ الأزهرِ للعيش الإسلامى المسيحى المشترك"، والذى يقتضى العيش بين المصريين فى ظل المواطَنة، والحرية والمشاركة والتنوع.

شارك