زيارة ميركل لتونس..وتساؤلات حول ملفات الهجرة وانضمام الشباب لداعش

السبت 04/مارس/2017 - 07:16 م
طباعة زيارة ميركل لتونس..وتساؤلات
 
بدت الحفاوة الرسمية التى قوبلت بها المستشارة أنجيلا ميركل في تونس فتحت باب مزيد من التعاون المثمر بين البلدين،  وهو ما يجعل زيارة ميركل تأتي في زمن صعب بالنسبة للتونسيين مواطنين وطبقة سياسية، وقد يفوت ذلك عليها فرصة الحصول على زخم كبير، تبدو هي بأشد الحاجة إليه في عام انتخابي عصيب

زيارة ميركل لتونس..وتساؤلات
ويري مراقبون أن حكومة يوسف الشاهد تواجه واحدا من أكبر التحديات التي اصطدمت بها ثلاث من أصل خمس حكومات منتخبة بعد الثورة، ويتمثل في إدارة العلاقة مع مركزية الاتحاد العام التونسي للشغل. اذ تخوض الحكومة التونسية امتحان قوة صعب مع المركزية النقابية النافذة على خلفية إقالة وزير مقرب منها واعتراضاتها على اصلاحات اقتصادية واجتماعية يريد الشاهد المضي فيها كسبيل للخروج من الأزمة الاقتصادية.
ويري محللون أن التوتر في علاقة الحكومة بالمركزية النقابية وتداعياته، قد يعصف بالتوافق الوطني الذي تأسست عليه "حكومة الوحدة الوطنية"، وهو ما قد يحمل سوء طالع للمستشارة ميركل، التي تشدد في خطاباتها، على أن حكومتها تساعد تونس باعتبارها "مشروعا واعدا" ونموذجا فريدا، من ضمن بلدان الربيع العربي، في الحوار والتوافق كأسلوب لإدارة الأزمات، وبفضله نال الاتحاد العام التونسي للشغل ضمن رباعي هيئات المجتمع المدني التونسية، جائزة نوبل للسلام. وهو ذاته الرباعي الذي خطف من ميركل جائزة نوبل عندما كانت في عز شعبيتها عالميا، في غمرة أجواء الترحيب باللاجئين.

زيارة ميركل لتونس..وتساؤلات
ومن يتابع نقاشات الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج الحوارية في القنوات التلفزية التونسية، يرصد متاعب الطبقة السياسية وضعف مصداقيتها لدى الرأي العام، فهي في نظر الكثير من المعلقين تتسم بعدم الكفاءة، وقد تكون تفتقد إلى الرسالة الواضحة التي يمكن أن تقدمها للزائرة الكبيرة المستشارة ميركل، التي يعد بلدها من أكبر داعمي تونس ما بعد الثورة، لحثها على تقديم دعم أكبر لبلد يواجه تحديات على جبهات كثيرة، كالاستثمار والسياحة والأمن والتعليم والتكوين والحكم الرشيد.
وتشير التقارير إلى اهتمام الطبقة السياسية التونسية يغرق في القضايا المحلية. وحتى ملفات السياسة الخارجية غالبا ما يتم تناولها في وسائل الإعلام وخطب السياسيين في سياق الصراعات الداخلية أو النظرة المحلية، ويكاد يُختزل الحديث عن زيارة ميركل في موضوع الهجرة، وحتى اسمها ينطقه بعضهم بلكنة فرنسية "ميركال" رغم أن نطقه بالألمانية هو أقرب للغة العربية.
وقبل يوم واحد من وصول ميركل إلى تونس، استضافت القناة الوطنية التونسية الأولى  السياسي والوزير السابق لزهر العكرمي، وهو من مؤسسي حزب نداء تونس الحاكم والمنقسم على نفسه، وتساءل بمرارة عما إذا كانت المستشارة ميركل لو طُلب منها إدارة دفة الحكم في تونس ستنجح في المهمة، على غرار ما فعلت طيلة سنوات حكمها في بلدها بالاعتماد على سياسة التوافق بين الحزبين الكبيرين المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي.

زيارة ميركل لتونس..وتساؤلات
وركزت تقارير اعلامية على زيارة ميركل، على مواقف باتت معروفة مثل رفض تونس إقامة مراكز استقبال للاجئين أو إشكالية عودة المرحلين بسبب قضايا إرهاب، وهي قضايا يدرك الساسة التونسيون وفي مقدمتهم الحزبان الرئيسيان الداعمان لحكومة الشاهد "نداء تونس والنهضة" أن أي تنازل فيهما لميركل قد يكلفهم ثمنا باهضا، في وقت يتربص فيه خصومهم بهكذا أوراق سياسية لتوجيه ضرباتهم للحكومة التي تأتيها السهام من كل صوب
وما قد يخفف العبء على ميركل، هو أن الرأي العام التونسي، يبدو مهيئا لتقبل فكرة إعادة المهاجرين غير الشرعيين التونسيين. بيد أن المشككين -وهم ليسوا قليلين- يعمدون في كثير من الحالات إلى الخلط بين ملف الهجرة غير الشرعية وموضوع ترحيل الإرهابيين الذي يثير الجدل منذ أسابيع في البلاد، وبعد أقل من شهر على اعتداء برلين الإرهابي الذي نفذه التونسي أنيس العامري، تظاهر مئات من التونسيين في شارع الحبيب بورقيبة، ورفعوا لافتة كبيرة كتب عليها باللغة الألمانية: "السيدة ميركل..تونس ليست مكب نفايات لألمانيا". وأثارت تلك اللافتة جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي داخل ألمانيا، وفي تونس أيضا حيث كان النقاش محتدما حول مسألة عودة الإرهابيين من مناطق القتال مثل سوريا والعراق وليبيا.
من جانبها كشفت صحيفة "الصباح" المستقلة وإحدى كبريات الصحف التونسية، اختارت في عددها الذي يسبق وصول ميركل إلى تونس، صورة للمستشارة وهي تبدو مبتسمة وتشير بحركة أصبعي الإبهام والسبابة إلى ما يفيد "قليل" أو "محدود" ، واختارت كعنوان: "حاجتنا لبعضنا متبادلة.."، وهو عنوان ينطبق على حالة العلاقات بين البلدين، كما ينطبق على الظروف التي يجتازها الشاهد وميركل مع وجود الفارق.
بينما قالت صحيفة "الشروق" الواسعة الانتشار إن حضور ميركل إلى مجلس نواب الشعب سيتميز بإلقاء خطاب "تضع فيه النقاط على الحروف في الملفات الخلافية: ترحيل التونسيين وإقامة مراكز استقبال لمهاجرين غير شرعيين"، وذلك في محاولة من ميركل لإقناع نواب الشعب بما رفضه رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال زيارته الأخيرة إلى برلين، كما تقول الصحيفة التونسية.

زيارة ميركل لتونس..وتساؤلات
وقال شادي العبيدي وهو شاب كان من ضحايا أحداث الثورة حيث أصيب برصاصة في فخذه تسببت له في إعاقة جزئية لشبكة دويشته فيله:ميركل تشكل بالنسبة إليه نموذج قيادة لبلد له دور كبير في اقتصاد أوروبا، ويمكن أن تكون زيارتها لتونس مصدر "خير وفرص وخصوصا للشباب العاطلين عن العمل".
بالنسبة لشادي فإن التقاط صورة سيلفي مع ميركل "أمر جميل" لكن زيارتها تقتصر على العاصمة. هكذا يتحدث شادي بشكل مختلف عن نبرة التذمر التي لا يخفيها شبان تونسيون آخرون من السياسة "الصارمة" التي تعتمدها حكومة ميركل -الساعية لاعتبار تونس والمغرب والجزائر بلداناً آمنة- ضد الشبان المهاجرين المغاربيين مقارنة مع سياسة الترحيب باللاجئين السوريين التي اعتمدتها المستشارة الألمانية، وذلك في مقارنة غير متوازنة.
وبالنسبة لعلي سليمي، الخبير بإدارة الفلاحة "الزراعه" الجهوية في سيدي بوزيد، فإن صورة ميركل إيجابية عند التونسيين وزيارتها ترمز إلى تعاون اقتصادي واعد، وحبذا لو تم توجيهه في مجال دعم الزراعة التي يعتمد عليها الاقتصاد المحلي في سيدي بوزيد.
وقال الخبير الزراعي إلى أن مؤسسات حكومية وغير حكومية ألمانية ساهمت بالتعاون مع وزارة التشغيل وجمعيات من المجتمع المدني المحلي، في توظيف 1600 شابة وشاب. وفي المجال الفلاحي تم تقديم مساعدات في شكل تمويلات بنكية وتجيهزات، لمشاريع لفائدة نساء وشبان. واستفادت ولاية سيدي بوزيد، بعد الثورة، من 24 مشروعاً، وهي مشاريع نُفذت مع مؤسسات عمومية تونسية، برعاية مؤسسات ألمانية بنكية ووكالة التعاون التقني الألمانية، وبلغت قيمة هذه المشاريع 10,5 مليون يورو.
بينما قال شادي العبيدي، خبير الكمبيوتر بمقهى في مدينة سيدي بوزيد، على مقربة من مقر عمله في المعهد العالي للدراسات التكنولوجية، وهو مؤسسة جامعية أسست بعد الثورة، ولا يخفي شادي تذمره مما يعتبره "عقلية مركزية لدى الطبقة السياسية"، ويوضح فكرته بالانطلاق من مثال مشروع الجامعة الألمانية ومركز التكوين المهني للشباب الذي يعلن بمناسبة زيارة المستشارة ميركل إقامته في مرناق بالضاحية الجنوبية لتونس العاصمة، إذ كان يمكن أن يُقام في منطقة من المناطق المهمشة في البلاد والتي انطلقت منها الثورة مثل سيدي بوزيد أو القصرين أو جندوبة، وما زالت معدلات بطالة الشباب حاملي الشهادات الجامعية فيها بنسب تفوق 30 في المائة.

شارك