شهادات جديدة من مقرات داعش تكشف عن آليات التنظيم لتجنيد مقاتليه

السبت 11/مارس/2017 - 12:09 م
طباعة شهادات جديدة من مقرات
 
لازالت عمليات تحرير الموصل تكشف عن المزيد من الوثائق والشهادات عن آليات  تنظيم  داعش لتجنيد مقاتليه  فى الموصل حيث كشفت وثيقة عثر عليها فى شرق الموصل نص رسالة  تركها احد مقاتليه  فى احد مقرات التنظيم قبل تنفيذه عملية انتحارية حيث استغلوا صِغَرَ سنه وسطحية تفكيره ووعدوه بلقاء الحوريات في الجنة ولقنوهُ كيف يكون مسلماً جيداً، ولو أن أحدهم كان قد أغراه لتعاطي الكحول والمخدرات لربما  كان قد سلك هذا الطريق بدلاً من الجهاد.
وقالت الرسالة "أهلي الأعزاء أرجوكم سامحوني، و لا تحزنوا وترتدوا الأسود حداداً عليَ  طلبت منكم أن تُزَوجوني، لكنكم لم تفعلوا ولهذا سأتزوج بإذن الله 72 حورية من حوريات الجنة”، تقول الرسالة المكتوبة بخط اليد والمرمية في القاعات المُغبَرة في إحدى معسكرات التدريب التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية شرقي مدينة الموصل العراقية.
كانت هذه آخر كلمات التلميذ علاء عبد العكيدي قبل أن يفارق الحياةـ إذ انطلق من المعسكر لوضع حدٍ لحياته ونَفَذَ عملية انتحارية ضد قوات الأمن العراقية عام 2016م  وكانت الرسالة مكتوبة وفق نموذج للتنظيم وداخل مغلفٍ مكتوب عليه :قسم المقاتلين- لواء الشهداء، وتحمل عنوان منزل والدا العكيدي غربي مدينة الموصل.
كان العكيدي يبلغ من العمر خمسة أو ستة عشر عاماً عندما التحق بصفوف التنظيم لأول مرة، وكان واحداً من عشرات المجندين الشباب الذين اجتازوا بنجاح فترة التدريب خلال العامين أو العام والنصف الماضيين، وصاروا متأهبين لشن عمليات جهادية. وفي حالات عدة تضمن إعلان الجهاد هذا تنفيذ هجمات انتحارية ـــ وهي السلاح الأكثر فعالية لدى التنظيم ـــ  ضد قوات الحملة العسكرية التي تقودها واشنطن لاستعادة مدينة الموصل آخر كُبرى معاقل تنظيم الدولة في العراق.
ولكن في واقع الأمر، لم تصل رسالة العكيدي إلى أسرته أبداً  بل تُرِكَت مع عدد من مثيلاتها من رسائل الانتحاريين الآخرين إلى أقربائهم، لدى انسحاب تنظيم الدولة من المعسكر في وجه هجوم عسكري شنه الجيش العراقي كان قد تمكن من استعادة أكثر من نصف مدينة الموصل في أكتوبر 2016م  و تَرَكَ مُسلحو التنظيم أيضاً خلفهم سجلاً مكتوباً بخط اليد ويحتوي على معلومات شخصية خاصة بحوالي خمسين مجنداً. لم تكن تواريخ ميلاد جميع المجندين مدرجة في السجل، أما بيانات العناصر التي كانت مرفقة بصور شخصية لهم، فلم تتجاوز العشرة، غير أن الكثير منهم كانوا في سن المراهقة أو أوائل العشرينيات من العمر.
كانت هذه الوثائق التي عُثِرَ عليها خلال رحلة إلى القسم الشرقي من مدينة الموصل، بعد بسط قوات الجيش سيطرتها على المنطقة، تتضمن بعضاَ من أولى الأحاديث المأخوذة عن انتحاريي التنظيم من أجل نشرها وتعميمها وكشف عقلية المجندين الشباب في صفوف التنظيم المستعدين للموت دفاعاً عن فِكر التنظيم الموغل في التطرف.
 وأجرت شبكة رويترز لقاءات مع أقارب ثلاثة من مقاتلي التنظيم من بينهم العكيدي وذلك للمساعدة في تحديد الأماكن التي ينحدرون منها ومعرفة سبب اختيارهم الجهاد. وتتحدث شهادات نادرة أدلت بها عوائل انتحاريي التنظيم، عن مراهقين كانوا قد انضموا للجهاديين لرعبهم وارتباكهم وقُتِلوا في غضون أشهر ولم تستطع رويترز أن تتأكد باستقلالية  من المعلومات حول المجندين الآخرين الواردة أسماؤهم في السجل، إذ إن تنظيم الدولة يوصد كل الأبواب في وجه وسائل الإعلام المستقلة ولهذا فإنه يصعب الاتصال به للحصول على تعليق على الرسائل أو السجل أو ظاهرة  انتشار الانتحاريين المراهقين في صفوفه.
 واستقطب تنظيم الدولة عشرات آلاف المجندين الشباب في الموصل، كُبرى مدن الخلافة المُعلَنة في عام 2014 فوق أراضٍ سيطر عليها في سوريا والعراق. ونفذ التنظيم مئات الهجمات الانتحارية في الشرق الأوسط ناهيك عن أنه خطط لعشرات الهجمات أو كان المصدر المُلهمَ لها على الأقل  والتي طالت الدول الغربية أيضاً. كان مُعسكر التدريب عبارة عن ثلاث فيلات تمت مصادرتها من أهالي الموصل، وتم إحداث فجوات في الجدران الخارجية بحجم إنسان من أجل سهولة التنقل بينها وكانت الطوابق السفلية مليئة بملصقات التنظيم وكتيباته التي تراوحت مواضيعها بين الدين والسلاح بالإضافة إلى اختبارات حول فن الحرب، والقرآن. حجبَ الطلاء الأخضر وبطانيات الأسِرة، المشهد من الخارج وأضفى على الغرف توهجاً مخيفاً وغريباً وكانت إحدى الغرف مليئة بالستر الواقية من الطيران، وأهدافاً على شكل جسم الإنسان للتدرب على الرِماية، بينما تبعثرت في الأخرى الأدوية والحقن فيما بدا أنها كانت تستخدم كعيادة أما غرف الطابق العلوي فكانت تتكدس فيها الأسِرَة المثبتة في الجدران وتتسع لحوالي مئة عنصر. وأظهرت لوحات مطبوعة، القوانين الداخلية الصارمة، إذ كان نص إحداها ما يلي:  “الإخوة المجاهدون، احترموا الهدوء والنظافة”.
 وكان معظم المجندين الواردة أسماؤهم في السجل يحملون الجنسية العراقية، إضافة إلى عدد قليل من الأمريكيين والإيرانيين والمغاربة والهنود. ويوضح قيد العكيدي أن الأخير أقسم على الولاء للتنظيم في مطلع  ديسمبر من العام 2014 أي بعد أشهر قليلة من سيطرته على الموصل وفي اتصال هاتفي مع رويترز، قال أحد أقارب العكيدي، إن والده كان يشعر بالحزن العميق تجاه قرار ابنه الالتحاق بالتنظيم، غير أنه كان يخشى العقاب إذا ما حاول إخراجه من صفوف التنظيم وثنيه عن قراره.
بعد التحاقه بالجهاديين، كان العكيدي نادراً ما يزور أسرته. وفي آخر زيارة له إلى المنزل، أخبر والده أنه كان ينوي تنفيذ عملية انتحارية في بيجي ــ وهي بلدة فيها مصفاة للنفط وتقع جنوب مدينة الموصل ــ حيث كان مقاتلو التنظيم يحاولون صدّ هجمات متكررة يشنها الجيش العراقي و قال قريبه الذي رفض الكشف عن اسمه خشية  تعرضه للانتقام من جانب  تنظيم الدولة أو القوات العراقية التي تستعد لاقتحام المنطقة،  إن العكيدي تحدث إلى والده قائلا: “أنا أسعى  للشهادة"  وبعد أشهر قليلة، عَلِمت أسرته عن طريق مسلحي التنظيم، أن العكيدي نجح بمهمته “الاستشهادية”.
كان السجل يضم أيضاً مجنداً آخر بنفس عمر العكيدي ويدعى أثير علي بصورته التي كانت بحجم صورة جواز السفر وتظهرُ صبياً ذا حاجبين كثيفين وعينين بُنِيَتين كَبيرتين ويرتدي سترة سوداء طويلة بلا ياقة، وغطاءً للرأس بُنِيَ اللون، وكانت تبدو عليه ابتسامة حَذِرة!. وقال والده المدعو أبو أمير أن ابنه كان طالباً مميزاً ومتفوقاً في مادة العلوم وكان دائماً ما يتابع قناة ناشيونال جيوغرافيك الفضائية. أَحَبَ أثير السباحة وصيد السمك في إحدى الأنهار المجاورة واعتاد بعد انتهاء دوامه المدرسي، مساعدة عمه في مزرعة الخضار التي يملكها.
وفي مقابلة معه في منزله شرقي الموصل  قال أبو أمير وهو يُقَلِبُ صُورَ عائلته: “كان أثير صبياً خجولاً ونحيفاً وتعوزه بنية المقاتل الجسمية والعقلي" ولهذا فقد تملك الرعبُ قلبَ والده  ذات يوم في مطلع عام 2015 عندما لم يرجع أثير كعادته من المدرسة إلى البيت، بل  تَبينَ أنه قد فَرَ مع سبعةٍ من زملاء صفه للالتحاق بصفوف تنظيم الدولة وعندما قَصَدَ والده مكاتب التنظيم المنتشرة في عموم أنحاء المدينة، لتَعَقب ابنهِ، تَلقىَ تهديدات بِسجنه إذا ما استمر بالبحث عنه ومنذ ذلك الحين، لم يرَ أبو أمير ابنه حياً قط.!!.
بعد أشهر قليلة، توقفت أمام منزل أبي أمير، سيارة تُقلُ ثلاثة من مقاتلي التنظيم وسلموه قصاصة ورقية تحمل اسم ابنه وتظهر أنه كان قد قُتِل!. واستردَ الوالد جثة ابنه من المشرحة. كان شَعرهُ يبدو طويلاً  لكن أثير كان لا يزال أصغر من أن ينبت في وجهِ شعر اللحية. كانت الشظايا القاتلة مستقرة في صدره وذراعيه وقال والد أثير إن المقاتلين أخبروه بتعرض ابنه لغارة جوية بينما كان يرابط في موقع سرية هاون في باشيقة شمال شرق الموصل، ووصفوه بأنه “بطل” على حد تعبيرهم.
وقال أقاربه المتجمعين في غرفة الجلوس في منزل عائلته، إن أثير كان ضحية تضليل وغسل للدماغ. هرب الكثير من رفاقه في المدرسة من الموصل بعد سيطرة تنظيم الدولة عليها، وصاحَبَ أثيرُ أناساً جُدد، بيد أن عائلته لم تلحظ أي تغير طرأ على سلوكه وتصرفاته!. وقال والده: “لا أزال مصعوقاً حتى اليوم ولا أدري كيف استطاعوا إقناعه بالانضمام إليهم، أنا سعيد فقط لأنه بإمكاننا دفنه ووضع حد لهذا الأمر برمته”.
كان المجند شيت عمر أيضاً في سن الخامسة أو السادسة عشرة عندما التحق بتنظيم الدولة الإسلامية في أغسطس من العام 2014 بعد أسابيع من السيطرة على المدينة. وبجانب قيده في السِجِل ،أُرفِقَت هذه العبارة المشؤومة: “نَفَذَ عملية استشهادية!”. وأكد لنا شلال يونس والد زوج شقيقة شيت أن الأخير قُتِلَ في هجوم انتحاري نفذه، غير أن يونس لم يكن متأكداً من تفاصيل الهجوم وقال يونس إن شيت المراهق الذي يعيش في منطقة الانتصار شرقي المدينة، كان غير مستقر وتحملَ في حياتهِ أكثر مما يطاق، وانضم إلى صفوف تنظيم الدولة بعد وفاة والده وأضاف:” كان تفكيره سطحياً وقد استغلوا ذلك ووعدوه بلقاء الحوريات  في الجنة ولقنوه كيف يكون مسلماً جيداً، ولو أن أحدهم كان قد أغراه لتعاطي المخدرات والكحول، لربما كان قد سلك هذا الطريق بدلاً من الجهاد.

شارك