قراءة في دلالات زيارة أردوغان إلى موسكو

السبت 11/مارس/2017 - 06:59 م
طباعة قراءة في دلالات زيارة
 
في تطور يعكس قوة التنسيق بين دولتي تركيا وروسيا الاتحادية، اتفق بوتين وأردوغان على تعزيز التنسيق الأمني والعسكري في سورية ، وذلك في أعقاب جولة محادثات مطولة حضرها وزراء الدفاع والخارجية، وقد وصف الرئيس الروسي تطوير العلاقات الثنائية بأنه "عودة إلى الشراكة الحقيقية بين البلدين"، فيما أكد أردوغان أن البلدين أنجزا عملية تطبيع العلاقات.
كانت العلاقات بين البلدين وصلت إلى منعطف خطير حينما قررت أنقرة إسقاط مقاتلة روسية من طراز سوخوي منتصف 2015 بعدما زعمت أن السوخوي اخترقت مجالها الجوي، الامر الذي اعترضت عليه روسيا بشدة لتنطلق بعد ذلك سلسلة من التلاسن الفج بين الطرفين حيث اتهمت موسكو أنقره بدعم الإرهاب وتسهيل عمليات بيع النفط السوري لصالح التنظيمات الإرهابية التي تُقاتل في سورية، كما نشرت روسيا على خلفية تلك الواقعة منظومة صواريخ S300. لكن تفاهمات جرت بين البلدين خلال الفترة الأخيرة أسفرت عن عودة العلاقات بين البلدين بعد اعتذار أردوغان الرسمي لموسكو عن عملية إسقاط المقاتلة إلى جانب التعهد بدفع تعويضات لأسرة قائد الطائرة وتقديم من أسقطها للمحاكمة.

قراءة في دلالات زيارة
وموسكو وأنقرة وإيران هم اللاعبين الأساسيين في الأزمة السورية، إذ تقود الدول الثلاث مفاوضات أستانة، بين ممثلين الرئيس السوري بشار الأسد وجماعات المعارضة المسلحة، وقد ساهمت أنقرة بعد التفهم مع روسيا بشكل كبير في تسوية الوضع في مدينة حلب التي كانت تقع تحت سيطرة الجماعات المسلحة، ما وصفه مراقبون بمثابة الانقلاب الجذري في سياسة تركيا تجاه الازمة في سورية.
ويبدو أن أنقرة قررت التخلي عن المعارضة السورية المسلحة والتخلي عن دعم الجماعات المتطرفة التي تقاتل على الأرض في سورية، بعدما أدركت ان روسيا بدأت في فتح قنوات اتصال مع الأكراد ألد اعداء أنقرة، إذ ترى تركيا أن إقامة دولة للأكراد في الشمال السوري تهديد حقيقي لأمنها القومي، ما دفعها إلى التقارب والاعتذار لروسيا.

قراءة في دلالات زيارة
القمة الروسية- التركية جاءت قبل أيام من جولة مفاوضات إضافية في آستانة، تستهدف تثبيت وقف النار في سورية ومناقشة خرائط انتشار الجماعات الإرهابية، إذ قال سيرغي رودسكوي قائد إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة الروسية إن جولة آستانة يومي 14 و15 ستشهد رسم الخريطة النهائية لمواقع تنظيمي داعش والنصرة في سورية، كما تزامنت القمة مع استمرار التصعيد الكردي- التركي في سورية.
كانت تركيا أعلنت قتل 71 عنصراً من "وحدات حماية الشعب" الكردية السورية خلال الأيام السبعة الماضية، فيما شددت "قوات سورية الديموقراطية" المدعومة من الأميركيين والتي يشكّل الأكراد عمادها، إن لديها القوة الكافية لتتمكن وحدها، بمساعدة التحالف، من طرد "داعش" من معقله في الرقة، في تأكيد جديد لرفض الأكراد مشاركة تركيا في عملية الرقة، ما يعني أن الأكراد في حال قيامهم بهذا العمل وحدها "تحرير الرقة" سيضعف النفوذ التركي في سورية، ولعل زيارة أردوغان لموسكو محاولة لقطع الطريق على الأكراد في ذلك السياق.

قراءة في دلالات زيارة
وبجسب تقارير صحافية، فقد عقد الرئيسان بوتين وأردوغان جلسة محادثات ثنائية خلف أبواب مغلقة، تلت الجلسة الموسعة التي جرت بحضور وفدي البلدين، وطرحت خلالها كل ملفات العلاقات الروسية- التركية. وكان لافتاً أن المحادثات استغرقت وقتاً أطول بساعات عدة من الفترة المحددة، وفي مؤتمر صحافي مشترك أعقب المحادثات، أعلن بوتين أن روسيا وتركيا عادتا إلى الشراكة الحقيقية. وشدد على أن روسيا تعتبر تركيا شريكاً بالغ الأهمية، مؤكداً اتفاق الجانبين على مواصلة الحوارات المكثفة على أعلى المستويات.

قراءة في دلالات زيارة
وكشف بوتين اتفاقاً لتعزيز التعاون الاستخباراتي والعسكري بين البلدين، مشيراً إلى توجه روسيا وتركيا لنشاط مشترك بهدف ملاحقة المطلوبين في البلدين. كما شدد على إدانة موسكو أي أعمال إرهابية تستهدف تركيا مهما كانت محركاتها ودوافعها (ما اعتبره مراقبون إشارة إلى العمليات التي ينفذها الأكراد في تركيا) وزاد بوتين أن "موقف روسيا المبدئي حول هذا الموضوع لن يشهد أي تغيير". 
وبينما ركز بوتين على ملف مكافحة الإرهاب، وخصوصاً داعش والنصرة، تعمّد أردوغان أن يوجّه إشارات مباشرة إلى أن تركيا وروسيا متفقتان على أنه لا تمكن مواجهة الإرهاب باستخدام الإرهاب، وأشار إلى حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني أكثر من مرة خلال المؤتمر الصحافي المشترك. وأكدت مصادر أن ملف الداعية عبدالله غولن كان حاضراً عبر طلب مباشر من أردوغان بالمساعدة في ملاحقة نشاطه، ولفتت إلى أن بوتين أبدى مرونة في هذا الملف من خلال الإشارة إلى تعاون على ملاحقة المطلوبين من الجانبين.

قراءة في دلالات زيارة
ملف آخر أشار إليه مراقبون إلى أن تركيا تسعى للاستفادة من التقدم الروسي في مجالات التصنيع العسكري، خاصة أن إيران أكثر خصوم تركيا في المنطقة تحصل على منظومة صواريخ S300، حيث لفت أردوغان بدوره إلى الأهمية التي توليها أنقرة لتعزيز التعاون الأمني- العسكري مع روسيا في سورية، وأشار إلى اتفاق على آلية لتنسيق دوري منظم بين المؤسسات الأمنية والعسكرية في البلدين. حيث أفادت مصادر عسكرية أن ملف التعاون العسكري كان حاضراً بقوة من خلال طلب تركيا تزويدها أنظمة الدفاع الجوي "أس 400". وفي حال تم توقيع هذه الصفقة ستكون الأضخم لتركيا والأولى من نوعها لبلد عضو في حلف شمال الأطلسي.
وفيما يخص الدوافع الاقتصادية لزيارة أدروغان لروسيا، خاصة ان تركيا تشهد وضع اقتصادي مُعقد في أعقاب محاولة الجيش الانقلابية الفاشلة، حيث تراجعت العملية التركية إلى أقل مستوياتها، أعلن بوتين أن بلاده رفعت حظراً جزئياً على استيراد المواد الغذائية من تركيا، وتعهد برفع قريب للقيود المفروضة على قطاع الأعمال التركي في روسيا، فيما أشاد أردوغان بتسريع وتائر التعاون الروسي- التركي بشأن أهم المشاريع، مثل خط أنابيب "السيل التركي" ومحطة "أكويو" الكهرو- ذرية. وأن العناصر الأساسية للتعاون الروسي- التركي تشمل قطاعي الإنتاج الحربي والطاقة.

شارك