السلفيون واعلان الحرب على اذاعة القرآن الكريم

الإثنين 27/مارس/2017 - 06:04 م
طباعة السلفيون واعلان الحرب
 
تعد اذاعة القرآن الكريم، هي الاعلى من حيث نسبة الاستماع مقارنة ببقية الإذاعات الأخرى، حتى إذاعة الأغاني لم تبلغ درجة السيطرة على وجدان على المستمعين التي بلغتها إذاعة القرآن الكريم ، وهذا موثق في تقارير وحدة بحوث المستمعين والمشاهدين التابعة لأمانة اتحاد الاذاعة والتليفزيون التي تصدر عقب نهاية كل دورة اذاعية «مدة الدورة ثلاثة شهور»، وهذه الاذاعة المسموعة في الريف المصري ،دخلت حياة المصريين يوم 25 مارس سنة 1964، ومعها دخلت في العام نفسه اذاعة الشرق الأوسط ، ولكن التاريخ ،تاريخ إنشاء إذاعة القرآن الكريم من المهم التوقف أمام دلالته التاريخية ، فقد سبقه صدور قانون تطوير الازهر الذى كان محاولة لتحديث الازهر وإخراجه من عصور الظلام العثمانية التي جمدت المناهج المدروسة في الجامع العريق.
الا ان هذه الاذاعة تتعرض من وقت لأخر لهجوم من قبل التيار السلفي الوهابي بفصائله المختلفة، ومؤخرا جدد بعض قيادات التيار السلفي هجومهم على إذاعة القرآن الكريم، والتي تعد الإذاعة الأم للشعب المصري، تزامننا مع احتفالها بعيدها الثالث والخمسين، حيث وصف الشيخ أبو أسلم السلفي برنامج "دقيقة فقهيه" والذي يذاع على موجات إذاعة القرآن الكريم، بأنه "ضلال في ضلال"، منتقدا مقدم البرنامج، قائلا أن المسمى مجدي عاشور الذي يقدم البرنامج ويغير ويبدل في أحكام الشريعة تملقا ونفاقا، لا جزاه الله خيرا، وعامله الله بما يستحق، وحسبنا الله ونعم الوكيل في كل مبدل مغير للشريعة، ومدلس على الناس أمور دينهم.
ويعد هجوم القيادي السلفي أبو أسلم، ليس الأول من نوعه، فقد سبقه القيادي السلفي الهارب خارج البلاد، الشيخ خالد سعيد، المتحدث باسم الجبهة السلفية، والتي كانت ضمن مكونات تحالف الإخوان، وانشقت عنها، ودعت لانتفاضة الشباب المسلم، من خلال رفع المصاحف في مظاهراتهم.
وقد وصف السلفي خالد سعيد، إذاعة القرآن الكريم، هجوما حادا في العام 2015، واصفا إياها بأنها تشوه الدين، وتسعى للتدليس في أمور الدين، مشيرا إلى أن ما تقوم به إذاعة القرآن الكريم منذ ثورة 30 يونية هو تشويه للدين الإسلامي، ولشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم على حد مزاعمه، وتم تسييسها لتساند القوات المسلحة وقياداتها.
السلفيون واعلان الحرب
وأكد محمد عويضة رئيس شبكة القرآن الكريم حينها، أن الهجوم الذي شنته الجبهة السلفية على الإذاعة، زاعمة أن المحطة تهاجم الإسلام أكاذيب وافتراءات اعتاد عليها الجميع من جماعات الإرهاب والمتاجرين بالدين.
وأضاف رئيس شبكة القرآن الكريم، أن الاتهام من قبل الجبهة السلفية بموالاة المحطة للقوات المسلحة ودعمها لقادتها وسام على صدره والعاملون بالإذاعة، مشيرًا إلى أن الإذاعة لا تعمل بالسياسة، ولكنها تقدم مبادئ وأخلاقيات أساسية أولها دعم الوطنية وحب الوطن.
وقال عويضة: إن دور إذاعة القرآن الكريم يتمثل في تقديم صورة الإسلام المعتدل الوسطي، ولا يقل دورها عن دور الأزهر الشريف، موضحًا أن جماعات الإرهاب لن تنال من قدر ومكانة الشبكة مهما حاولت بشائعات وأقاويل مغلفة بالكذب والتضليل.
السلفيون واعلان الحرب
ومن جانبه كشف رئيس شبكة إذاعة القرآن الكريم حسن سليمان سر الهجوم السلفي على الإذاعة، مؤكدا على أن هذا الهجوم يعكس حقيقة ما تقدمه الإذاعة من برامج دينية وفقهية، وعلمية، تستقي آرائها من الفكر الإسلامي الوسطي، ومنهج الاعتدال، الذي يتميز به الدين الإسلامي بعيدا عن الإفراط والتفريط، والتشديد، مؤكدا على أن كافة البرامج الدينية التي تقدم على موجات الإذاعة تستضيف فقهاء علماء من كبار علماء الأزهر الشريف، المتخصصين في العلوم الدينية والشرعية، في مختلف التخصصات الدينية، من فقه وشريعة وحديث وتفسير، وعقيدة وفلسفة إسلامية.
وأوضح سليمان بأن البرنامج الديني "دقيقة فقهية" يعرض مسألة دينية، تتناول حكما من الأحكام الشرعية المتعلقة بحياتنا اليومية، ومن ثم يتم عرض آراء الفقهاء حولها من المذاهب الإسلامية، مؤكدا على أن مقدمي البرامج الدينية والفقهية، لا يتحدثون في المسائل الفقهية دون الاستناد إلى رأي فقهي حولها، من المذاهب الأربعة ويراجع بمعرفة علماء الأزهر المتخصصين.
السلفيون واعلان الحرب
ويوضح الدكتور أحمد زارع أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، أن الهجوم السلفي على إذاعة القرآن الكريم، والذي جاء على مراحل، يكشف حقيقة التيار السلفي الذي يتبنى المنهج المتشدد، ويريد أن يضع أحكاما فقهية تتماشى مع هذا المنهج، مؤكدا على أن إذاعة القرآن الكريم تقدم مجموعة من البرامج المتخصصة في خدمة الإسلام والمسلمين.
وأضاف أستاذ الإعلام الإسلامي أن إذاعة القرآن الكريم تقدم فكر الوسطية والاعتدال من خلال علماء الأزهر، المتخصصين في مختلف المجالات، مع تنوع تلك البرامج، فهي تستضيف علماء في الفقه والشريعة والتفسير والعقيدة والفلسفة، موكدا على أن ما يشغل بال مقدمي البرامج والضيوف في الإذاعة هو استقاء آرائها من مصادر موثقة ومؤكدة، وبخاصة الفتاوى التي تقدمها، لأن الشعب المصري لا يستمع سوى لهذه الإذاعة الغراء.
السلفيون واعلان الحرب
أما الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، اكد على أن منهج المتسلفة هو منهج متشدد، ولا خلاف على هذا الأمر، وهذا المنهج المتشدد ينظر إلى ما سواه على انه منهج مخالف، ولهذا ينظر التيار السلفي لإذاعة القرآن الكريمة، والتي تنشر الفكر الديني والرأي الشرعي، الذي يعكس جوهر وحقيقة الدين الإسلامي الوسطي، والذي يرفض التشدد والغلو وهو منهج المتسلفة.
وأوضح كريمة، بأن المضمون المقدم بإذاعة القرآن الكريم يأتي من خلال علماء الأزهر، المتخصصين في العلوم الشرعية والدينية، ولهذا يهاجم السلفية الإذاعة، فلو استضافت منهم أحدا لما هاجموها، مشددا على أن الهجوم السلفي لم يكن الأول، ولن يكون الأخير، فقد سبقهم الإخوان، وأرادوا تحويل الإذاعة لنشر فكرهم، ولم ينجحوا، مبينا ان علماء الأزهر جميعهم يدعمون ما تقدمه إذاعة القرآن الكريم، فهو المنهج الديني الوسطي الصحيح.
ومنذ البدايات في العهد الناصري تم وضع خريطة برامج اذاعة القرآن الكريم واصبح ضيوفها ومذيعوها ومنشدوها يقومون بدور مؤثر في نقل الرؤية الأزهرية الوسطية للعالم الإسلامي والعربي ،وكان من رموزها الكبار، شيخ الازهر، الشيخ محمود شلتوت والشيخ أحمد حسن الباقوري ،وكثيرون من العلماء الكبار، وكان الموقف الأيديولوجي للإذاعة هو النظر للدين الإسلامي على انه دين رعاية الفقراء والحض على التعاون والتكافل الاجتماعي والنهى عن احتكار المال والثروة واعتبار المال مال الله له وظيفة اجتماعية ،ومع تغلغل الاخوان والجماعات المتفرعة عنها في نسيج المجتمع المصري ،حدث تحول في العقيدة الدينية للطبقة الحاكمة في مصر وبالتالي أجهزة الدولة ،فتم تقليل الجرعة الصوفية التي كانت تقدمها اذاعة القرآن الكريم من خلال تواشيح وادعية الشيوخ محمد الفيومي ومحمد الطوخي ومحمد عمران والنقشبندى وتلاوات كبار الشيوخ «على محمود وطه الفشنى» و«مصطفى اسماعيل» و«محمد صديق المنشاوي» وزادت مساحة البرامج الكلامية والحوارات التي تخدم الجمعيات السلفية وجماعة الاخوان ،وتحولت رسالة اذاعة القرآن الكريم من رسالة تتضمن الرؤية الدينية المتسامحة التي يعتنقها الشعب المصري إلى رسالة هدفها الدفاع عن المشروع الإسلامي ،قبل أن يظهر الاخوان على الساحة ويطالبوا بالحكم والسلطة ،وكأن الخلايا النائمة لجماعات التكفير كانت تحرث الارض وتمهدها لاستقبال «حكم الاخوان»! والمعروف لدى العاملين بوزارة الاعلام ،أن التيار الاخوانى السلفي التكفيري تغلغل في مبنى ماسبيرو واصبح متحكما في صياغات ومضامين الرسالة الاعلامية وهذا بالتحديد منذ المصالحة المشهورة بين السادات وجماعة الاخوان وظهور الراحل مصطفى محمود وبرنامجه «العلم والايمان» فهذا البرنامج كان معبرا عن التحالف السلفي الإخواني الأمريكي ضد السوفييت والقوميين العرب والناصريين وكل من يرى في امريكا واسرائيل عدوا ،واذاعة القرآن الكريم تم توظيفها سياسيا وفى ارشيفها تسجيلات لشيوخ يهاجمون الاتحاد السوفيتى والشيوعية ويمدحون الرأسمالية باعتبارها النظام الاقتصادي المناسب للمجتمع المسلم ،ولما انقلب السحر على الساحر وحمل شباب الجماعات الارهابية السلاح ضد الدولة المصرية في تسعينيات القرن الماضي اضطرت الدولة ممثلة في وزارة الاعلام الى منع رموز التيار السلفي والاخوانى من الحديث على موجة اذاعة القرآن الكريم وقصرت الأمر على شيوخ الأزهر وأعضاء هيئة التدريس بالجامعة الأزهرية، ولكن للأسف كانت جماعة الاخوان والتيار السلفي قد سيطر على قطاعات واسعة من طلبة وطالبات الجامعة الازهرية ،وطوال سنة حكم الاخوان تحولت اذاعة القرآن الكريم الى اذاعة سياسية تهاجم الثوار وتكفر كل من يعترض على شرع الله والمشروع الإسلامي وهجرها الفلاحون الذين اعتادوا منها تقديم فتاوى تساعدهم في معرفة أصول الدين وتقديم تلاوات قرآنية بانتظام طوال اليوم والليلة، وذلك تحت رعاية «متولى صلاح عبدالمقصود» وزير الاعلام الاخوانى الذى كشف الغطاء عن الخلايا النائمة في مبنى ماسبيرو وتبين للجميع أن إذاعة القرآن الكريم كانت القاعدة التي انطلق منها الفكر الاخوانى للجمهور وللعاملين في مبنى ماسبيرو وسرت مقولة «الاذاعة تأخونت» والحقيقة هي أن وجود وزير اعلام إخواني سهل عملية ظهور الخلايا النائمة في اذاعة القرآن الكريم ،ومع تصاعد الغضب الشعبي ونجاح الموجة الثورية في 30يونيو في اقتلاع الاخوان من السلطة استطاعت الدولة المصرية أن تعيد لإذاعة القرآن الكريم روحها الوسطية وصارت برامجها الكلامية والحوارية لا تخرج عن التصور الأزهري وزادت المساحة المخصصة لتلاوة القرآن الكريم «ترتيلا وتجويدا» «،وعادت الاذاعة لتحتل مكانتها الجماهيرية خاصة بعد انكشاف خطط الاخوان والسلفيين وكراهية الشعب المصري لكل شيوخ هذا التيار، ولكنها مازالت في حاجة إلى تطوير يجعلها متوافقة مع تطورات العصر وهذا لن يحدث من دون تطوير الخطاب الديني وتخليص الأزهر من قبضة الاخوان والسلفيين . وهناك خطوة طيبة بدأتها اذاعة القرآن الكريم تتمثل في تخصيص مساحات من خريطتها لقراء جدد وهذه الخطوة تحتاج مسابقة تنظمها الاذاعة المصرية لاكتشاف القراء أصحاب الأصوات الجميلة وهم كثر ومتواجدون فى ربوع مصر وهذا يستلزم ميزانية خاصة ويجب أن تقوم به لجنة تضم في عضويتها شيوخا كبارا وملحنين حتى نستطيع الدفع بأصوات جديدة تثرى الوجدان المصري وتكون هذه الاصوات امتدادا للكبار من امثال الشيخ الحصري ومصطفى اسماعيل ومحمود على البنا ومحمود عبد الحكم وعبد العظيم زاهر والمنشاوي ومن قبلهم المعلم الاكبر الشيخ محمد رفعت .
السلفيون واعلان الحرب
ومن هنا يتضح ان الهجوم على اذاعة القرآن الكريم انما المقصود منه محاولات اعادة السيطرة عليها من خلال التشكيك في بعض العاملين فيها وغيرها من الاساليب والممارسات التي يمارسها التيار السلفي، ولا شك ان هنوك العديد من جوانب القصور لدى الاذاعة وان هناك بعض الاحكام الفقهية يجب مراجعتها ولكن ليس كما يطالب السلفيون بل كما يطالب الواقع او ان شئنا الدقة فقه الواقع.

شارك