مطران بيروت " كيرلس سليم ": هناك تفسير إرهابي للدين

الثلاثاء 28/مارس/2017 - 12:35 م
طباعة مطران بيروت  كيرلس
 
يهرب كثيرين من مواجهة الحقيقة ويعشقون المجاملة لاقصي درجة فيبتعدون بذلك عن الواقع وعكس هولاء جاءت تصريحات مهمة وصريحة ادلي بها مطران  بيروت وجبيل وتوابعهما للروم الملكيين الكاثوليك المطران كيرلس سليم بسترس  علي هامش المؤتمر المسيحي الإسلامي الثالث بلبنان وجاء فيها إن "الإرهاب التكفيري يدخل في دائرة الدين، وجذوره هي جذور دينية. لذلك لا بد لنا من السؤال، هل يتضمن الدين ما يدعو الى الارهاب؟ للاجابة عن هذا السؤال لا بد من تحديد الدين. الدين في أصله هو التعبير البشري عن علاقة الانسان بالله، وعن الطريق التي يسلكها الانسان للوصول الى الله. لذلك لا علاقة للدين في الأصل بالإرهاب. لكن هناك تفسير إرهابي للدين. فاذا اعتبر أتباع اي دين انهم وحدهم مالكو الحقيقة، وان الله قد أوكلهم بان يزيلوا من العالم كل كفر وكل ضلال، حينئذ يصير الدين سببا في نشأة الإرهاب التكفيري. فالكافر، في نظر هؤلاء، لا حق له بالحياة".
وأضاف في المؤتمر المسيحي الإسلامي الثالث بلبنان: "تاريخ الاديان التوحيدية القديم، أعني اليهودية والمسيحية والاسلام، مليء بأحداث من هذا النوع، حيث أبيدت جماعات برمتها بسبب كفرها او ضلالها، منذ احتلال اليهود لأرض الكنعانيين حيث أبادوا كل السكان الأصليين بحجة ان هؤلاء السكان هم عابدو أصنام، وبالتالي نجسون، ولا يجوز ان تبقى نجاسة في أرض القداسة، الى محاكم التفتيش في القرون الوسطى في الغرب المسيحي، حيث كان يسجن ويقتل كل أصحاب البدع والهرطقات، الى الفتوحات الاسلامية حيث كان يقتل المشركون اذا رفضوا اعتناق الاسلام، استنادا الى بعض النصوص القرآنية كالآيتين التاليتين اللتين وردتا في سورة التوبة: الآية 5: فاذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، والآية 29: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرمه الله ولا يدينون بدين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. فالارهاب التكفيري يقرأ اليوم هذه النصوص قراءة حرفية، بدل ان يقرأها ويفسرها في سياقها التاريخي، الذي هو سياق حروب وفتوحات وغزوات. وأفصح مثال عن ذلك ما قامت به الدولة الاسلامية "داعش"، التي لدى احتلالها الموصل وسهل نينوى في العراق، راحت تقتل اليزيديين على أساس انهم مشركون، وتخير المسيحيين "اهل الكتاب" بين الإرتداد الى الاسلام او الهجرة او دفع الجزية. وهكذا عادت الى زمن الغزوات. وكذلك عندما هاجمت القاعدة برجي نيويورك في 11/9/2001، دعت هجومها: غزوة نيويورك".
وتابع: "أود الكلام بكل صراحة على نوع آخر من الارهاب، في معظم الدول الاسلامية، وهو يقوم على تهديد اي مسلم بالقتل ان ارتد الى دين آخر، وذلك استنادا الى قراءة حرفية للحديث المشهور: من ارتد منكم عن دينه فاقتلوه. في حين ان هذا الحديث تجب قراءته في سياقه التاريخي، أي في أثناء الحروب بين المسلمين وأعدائهم. فالمرتد عن دينه كان يعد مرتدا الى مخيم العدو، فيقتل ليس بسبب تغيير دينه بل بسبب خيانة أمته. أما في الدين فيجب تطبيق النص القرآني الواضح: لا إكراه في الدين، وهذا النص يجب ان يكون أساس الحرية الدينية وحرية المعتقد في كل البلدان. فما الداعي اليوم الى الحكم بالموت على من يرتد عن دينه الى دين آخر اذا رأى بموجب ضميره ان هذا الدين الآخر يقربه الى الله أكثر من الدين الذي ورثه من أجداده. لذلك، فالقضاء على الارهاب التكفيري يجب ان يتخذ وجهين: وجها عسكريا بمحاربته، ووجها دينيا بإعادة تفسير النصوص الدينية تفسيرا يتلاءم مع شرعة حقوق الانسان العالمية، التي تدعو الى حرية الدين وحرية المعتقد. نأسف بأن تكون معظم الدول الاسلامية لم تقبل بكل بنود شرعة حقوق الانسان العالمية، اذ رأت في الدعوة الى حرية المعتقد ما يناقض الشريعة الاسلامية. ولكن من ناحية ثانية ما يدعو الى الرجاء هو التيارات الجديدة في الاسلام الذي يدعى اليوم "الاسلام المعتدل". وهذا ما ظهر في مؤتمر الأديان العالمي في الازهر في مصر الشهر الفائت، الذي دعا الى حرية المعتقد من خلال التركيز على المواطنة، أي على المساواة بين جميع المواطنين مهما كان دينهم او مذهبهم".
وقال: "واذا أردنا ان ندخل الى عمق موضوع الحقيقة الدينية، نسأل: ما معنى الدين الحقيقي؟ هل هناك دين حقيقي واحد أم يمكن ان تكون الحقيقة موجودة في أديان مختلفة؟ فالتكفيريون المسلمون مثلا يقولون ان هناك دينا حقيقيا واحدا وهو الاسلام، وكل من ليس بمسلم فهو "كافر". وهذا ما كان يقوله المسيحيون قبل المجمع الفاتيكاني الثاني، ولكن هذا المجمع قد أدخل ثورة في مفهوم الحقيقة وفي مفهوم الدين الحقيقي: اذ رأى في كل الاديان "قبسا من نور الحقيقة الكاملة". لذلك الفكر المنفتح يقول اليوم: لا أحد يملك الحقيقة الكاملة، بل الحقيقة هي التي تمتلكنا، وندخل فيها لكي توصلنا الى الله. لذلك هناك طرق مختلفة للوصول الى الله. فالدين الحقيقي هو الذي يوصلنا الى الله. لذلك يمكن ان تكون هناك أديان حقيقية مختلفة، لانها كلها توصلنا الى الله الواحد، وان بطرق مختلفة. وفي هذا السياق يحكى ان الخليفة هارون الرشيد دعا يوما مطران بغداد المسيحي وسأله: ما هو الدين الحقيقي في نظرك، الاسلام ام المسيحية؟ فأجابه المطران: الدين الحقيقي هو الذي يدعو الناس الى التخلق بأخلاق الله في المحبة والرحمة. فقال الخليفة: حسنا أجبت. فلو قلت لي: الدين الحقيقي هو الدين الاسلامي، لأرغمتك على اعتناق الاسلام. ولو قلت لي: الدين الحقيقي هو الدين المسيحي: لقطعت رأسك. لكنك أصبت عندما قلت: الدين الحقيقي هو الذي يدعو الناس الى التخلق بأخلاق الله. التخلق بأخلاق الله هذا هو جوهر الدين. والله الذي أمرنا في الوصية الخامسة من الوصايا العشر، قائلا: لا تقتل، لا يمكن ان يأمر بقتل الناس".
وختم المطران كيرلس سليم بسترس: "في هذا الموضوع يحضرني قول الصوفي ابن عربي: لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي، اذا لم يكن ديني الى دينه داني. فقد صار قلبي قابلا كل صورة: فمرعى لغزلان، ودير لرهبان، وبيت لأوثان، وكعبة طائف، وألواح توراة، ومصحف قرآن. أدين بدين الحب أني توجهت ركائبه. فالحب ديني وإيماني. والسلام عليكم".

شارك