الرسائل المشفرة في خطاب داعش .. "صاعقات القلوب"

الأربعاء 12/أبريل/2017 - 04:06 م
طباعة الرسائل المشفرة في
 
نشر تنظيم داعش الإرهابي، ولاية سيناء، فيديو جديد له بعنوان "صاعقات القلوب"، والذي يصور على مدار 17 دقيقة هي طول مدة الفيديو كيفية استهداف التنظيم في سيناء لجنود القوات المسلحة البواسل، وبغض النظر عن ما يحتويه الفيديو من مشاهد توضح استهداف العناصر المتطرفة لجنودنا البواسل، فإن الملاحظ في هذا الفيديو بالتحديد تحول الخطاب الإرهابي لداعش المصاحب للقطات الفيديو المنشور.
اعتمد التنظيم الإرهابي في خطاباته السابقة على كلمات من عينة "جيش السيسي المرتد"، الجيش المصري الكافر، جيش النظام الكافر ... إلخ، ولا ينفك يردد باستهدافه لضباط الجيش المصري لأنه كفر عن شرع الله، ولكن هذه المرة تبنى التنظيم خطابا يبدوا في ظاهره الرحمة والتعاطف مع المجندين من جنود القوات المسلحة، ولكن في باطنه يحمل تحريضا لهؤلاء البواسل للانقلاب على النظام المصري وعلى قواته المسلحة.
تناقض الخطاب الإعلامي المصاحب للفيديو حيث حملت الصورة رسالة تختلف تمام الاختلاف عن مضمون الرسالة الصوتية، حيث اعتمد الخطاب الإرهابي هذه المرة في توجيه رسالته للجنود بشكل غير مباشر، حيث وصف الفيديو هؤلاء الجنود بـ"فئران" القوات المسلحة وكلاب جيش "السيسي"، وأن القوات المسلحة تستخدمهم كدروع بشرية لا تساوي أعمارهم ولا حيواتهم ثمنا لديهم، وأن القوات المسلحة على استعداد بدفع أضعاف حيوات هؤلاء الجنود الذين يتم استهدافهم، قائلين: "أن حياة الجنود مثلها مثل الكلاب لا قيمة لها عند جيش السيسي، فما أرخصهم وما أكثر الحمقى الذين يذهبون لجيش الردة بأرجلهم.... إلخ".
يتضح من تعليق الفيديو والذي أوردنا جزء منه أن التنظيم يحرص في إرسال رسالة أخرى ليس فقط ولكن قبل أن نكشف أسباب هذا الطرح المختلف للرسالة الصوتية، دعونا نتتبع الخطاب الإعلامي للتنظيم الإرهابي وتحليله وأهدافه من أذرعه الإعلامية المتعددة والمتفرعة.
من جانبه يقول دكتور عبد الحميد أبوزرة، في مقال تحليلي له نشر على موقع "الرأي اليوم"، أن تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» اهتم مبكرا بالجانب الإعلامي فمنذ ظهور أول نواة لهذا التنظيم، والتي سميت «جماعة التوحيد و الجهاد» والتي أسسها أبو محمد المقدسي وأبو مصعب الزرقاوي أسس هذا التنظيم موقعا على شبكة الانترنيت يحمل اسم «منبر التوحيد و الجهاد» الذي يُعتبر من أول المواقع الجهادية والتي لا تزال تعمل إلى اليوم، مع انتشار موقع Youtube الشبكة الاجتماعية للفيديوهات، استغلت كافة التنظيمات الجهادية هذا الموقع لنشر تسجيلاتها المرئية و بث رسائلها المسجلة، إذا كانت أركان الدولة في القانون الدولي هي الحدود و الأرض و السكان و السيادة، فكذلك إعلام تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» شكل هو الآخر تحولا جديدا نوعيا وكميا في إعلام التنظيمات الجهادية.
أما الباحث محمد الراجي، الباحث المتخصص في الخطاب الإعلامي، أوضح في ورقة بحثية له بعنوان "أبعاد أيديولوجيا الخطاب الإعلامي لتنظيم الدولة الإسلامية"، نشرت على موقع الجزيرة للدراسات والأبحاث، أن خطاب داعش الإعلامي له أبعاد أيديولوجية وسيلةً ونصًّا ولغةً وصورةً، ترتبط بقضايا فرعية يمكن إجمالها في النظام القيمي والتمثيلات المدركة في الرسالة الإعلامية لتنظيم الدولة، ورؤيته القائمة بالاتصال إلى محيطه والعالم، ومدى توافق هذه الرؤية مع المحددات الفكرية والثقافية للمتلقي أم إنها تتناقض معها، ثيمات السرد البصري للرسالة الإعلامية وبناؤه، ووظيفته وأهدافه.
وأشار أن هذه الأبعاد الأبعاد تستمد أهميتها انطلاقًا مما تمثله الأيديولوجيا والخطاب في علاقتهما بوسائل الإعلام؛ فالخطاب يُجسِّد الإرادة والقوة والسلطة "سلطة الخطاب"، مثلما يؤكد الفيلسوف والمفكر الفرنسي ميشيل فوكو كما سنرى في تعريفه للمصطلح. فتنظيم الدولة لا يكتفي بالقوة العسكرية وحدها لبسط نفوذه على الأرض وتثبيت سلطان "دولته"، بل يلجأ إلى الدعاية لعرض ممارساته الكلية (القوة أو السلطة الأيديولوجية لتحقيق الهيمنة) عبر الخطاب.
ومع تطور وسائل الإعلام والفضائيات وانتشار شبكة الانترنيت وتوسُع استخداماته ظهرت معه ساحة حرب جديدة وهي حروب «الهاكر» المخترقين للمواقع ولتتحول شبكة الإنترنت لفضاء حروب حقيقية أسلحتها حواسيب وبرامج وجنودها مهندسون معلوماتيون وخبراء حاسوب أو شباب متحمس وأهدافها هي اختراق مواقع العدو على شبكة الإنترنت إلى جانب الدعاية الإعلامية لأفكارهم وترويج وجهات نظر ودحض مواقف الطرف الآخر.
يمكن تصنيف مؤسسات إعلام تنظيم «داعش» إلى:
1- مؤسسات رسمية:
•مؤسسة «الفرقان » التي أصدرت أكثر من 160مادة مرئية و مسموعة لقيادات التنظيم.
•مؤسسة «الاعتصام » التي أصدرت أكثر من 100 مادة مرئية و بلغات متعددة.
•مؤسسة «الحياة للإعلام » التي أصدرت العديد من الإنتاجات أغلبها باللغة الانجليزية .
•مؤسسة «أجناد » التي أنتجت اصدارات صوتية عالية الجودة مثل نشيد " يا ربي أسألك" و نشيد "صليل الصوارم" وغيرها، وهي مسؤولة بتزويد غيرها من المؤسسات بالمواد الصوتية والأناشيد الخاصة بالتنظيم.

2-المؤسسات غير الرسمية والمناصرة والتي تم تزكيتها من التنظيم مثل:
•مؤسسة "ترجمان الأساورتي" التي ابتدأت كحساب شخصي على موقع "تويتر"،  وتم إغلاقه عشرات المرات من إدارة الموقع، كذلك نشرت هذه المؤسسة العديد من الإصدارت منها إصدار "كسر الحدود".
•مؤسسة "البتار" و مؤسسة "الخلافة".
•إذاعة البيان و هي أول إذاعة للتنظيم وتبث من مدينة الموصل.
•يعتمد التنظيم أيضا على حسابات مناصريه وأعضائه على شبكات التواصل الاجتماعي تويتر، الفيسبوك حيث يستغل أصحاب هذه الحسابات تقنية خدمة الهاشتاغ وغيرها من الخدمات التي تسهل البحث على الانترنت.
أهداف التنظيم:
أما أهداف التنظيم في تعدد أذرعته الإعلامية والاهتمام بجودة الخطاب الإعلامي له صوت وصورة مرئية سواء كانت صورة فوتغرافية أو فيديو، فهي:
1-وعي التنظيم الإرهابي بحاجته للوسائل الإعلامية، وخطابها للانتشار يكون باستطاعته ممارسة تأثيره في تجنيد عناصره سواء كان معرفيًّا أو عاطفيًّا أو سلوكيًّا ولهذا حرص التنظيم على إنشاء منظومة إعلامية خاصة به مرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الإعلام الجديد لخدمة أهدافه لما تتيحه هذه الوسائط من إمكانات اتصالية في نشر رسالته الإعلامية.
2-إيجاد دعاية جهادية جديدة يمكن تلخيص أهدافها في:
أ‌-كسب مظهر الصدق وكسب ثقة الجمهور المتلقي الذي هو بالأساس الطائفة السنية بالعراق وسوريا والمسلمين الممكن استقطابهم في بقية العالم، حيث تُظهر الأشرطة الدعائية وصفحات مجلة دابق المجتمع الداعشي الذي يعيش في استقرار وأمان وليس تحت الحرب أو القمع، والتركيز على إظهار تلاحم هذا المجتمع بين كل مكوناته من أهالي المناطق المحررة وعناصره من المهاجرين، سواء كانوا عرب أو عجم وأنصار.
ب‌-استخدام تقنية العنف المتمثلة في مشاهد الاعدام بقطع الرؤوس أو الاعدام الجماعي بالرصاص، بهدف ترسيخ فكرة تنظيم «داعش» في البقاء والتمدد وترسيخ الرعب والخوف في لاوعي وذاكرة خصوم الدولة قبل مؤيديها حتى يتراجعوا أو يهربوا خوفا من التنظيم وبدون قتال، وهو الأمر الذي رأيناه في مدينة الموصل حين انسحبت القوات النظامية قبل ساعات من وصول قوات التنظيم إلى المدينة، وبدون قتال تاركين مواقعهم والكثير من أسلحتهم تحت تأثير الخوف بمفعول هذه الدعاية المؤثرة.
أما عن أسباب تحول الخطاب الإعلامي للتنظيم في هذا الفيديو فيرى الباحث منير أديب، الخبير والمتخصص في شؤون الحركات الإسلامية والإرهاب الدولي، أنه على الرغم من ضعف التنظيم داخل مصر عسكريا، وأنه أضعف مما يصور نفسه، ولكنه يرى أن الآلة الإعلامية أحد أدوات الحرب النفسية لكسر الحالة المعنوية لكل من أهالي سيناء، وجنود القوات المسلحة، حيث يصور نفسه أنه أقوى من الدولة والنظام وقواته النظامية وأن لديه من القوة المسلحة التي من شأنها تتيح له السيطرة الجغرافية على الأرض، وبالتالي إخافة الناس وبث الرعب وإثارة الفوضى في أهالي سيناء، وأيضا النكاية بجنود القوات المسلحة، كسر الروح المعنوية لأهالي سيناء ولقوات الشرطة والقوات المسلحة.
ويضيف أديب، أن أحد هذه الأسباب أيضا على الجانب الآخر رفع الروح المعنوية لمقاتليه في ظل الحصار الدائم لهم من قبل القوات المسلحة والهزائم المتلاحقة التي لحقت بـ"ولاية سيناء".
لمشاهدة  الفيديو 



شارك