البطريرك 63 فيلوثاؤس..النهاية السيئة

الخميس 13/أبريل/2017 - 04:07 م
طباعة البطريرك 63  فيلوثاؤس..النهاية
 
ظل الكرسى السكندرى خالياً لمدة ستة شهور بلا بطريرك وفى شهر طوبة من تلك السنة فى عهد الخليفة الفاطمى عبد العزيز بن المعز خلف الراهب فيلوثاؤس من دير أبى سيفين وقيل أنه من دير أبى مقار فإجتمع السنودس ( المجمع المقدس) فى مصر القديمة كما جرت العاده وذكر البعض أن هناك راهباً تقياً إسمه يوحنا بدير أبى مقار فى منشوبية تعرف بذكر قفرى فأرسلوا فى طلبه فلما وصل يوحنا وجدوه شيخاً كبيراً طاعناً فى السن ولا يصلح للرعاية ولكنهم رأوا تلميذه فيلاتاوس طويل القامة جميل المنظر فجعلوه بطريركاً حتى أنهم لم يتكلفوا مشقه السؤال عنه والبحث عن شخصيته , وإتبع العادة الرديئه فى أخذ المال عن رسامة الأساقفة .
اختير من بين رهبان دير أبى مقار.جلس على الكرسي المرقسي أكثر من أربع وعشرين سنة ونصف.انتهى نهاية سيئة وذلك لأنه لم يكن يحيا الحياة النسكية التي تليق بطقسه كراهب وبطريرك… فقد دخل إلى كنيسة مارمرقس بالإسكندرية ومعه جماعة من الأساقفة ودخل الهيكل ليقدس الأسرار فلما رفع القربان سكت ولم يقدر أن ينطق بكلمة فجلس وأكمل القداس الأنبا مرقس أسقف البهنسا وحملوا البطريرك إلى بيت أحد الأقباط وظل صامتاً تسع ساعات من النهار… ثم سأله المقربون عما حدث له، فقال: قبل أن أرشم القربان انشقت شرقية الهيكل وخرجت يد صلبت على القربان… وظل مريضاً إلى أن مات.وكانت عائلة من القبط تتمتع بنفوذ واسع ومركز فى الحكومة ووصلت إلى غنى وثراء لم يصله أحداً من قبلهما وإسم هذه العائلة بنى مطيع , وإستغلت هذه العائلة نفوذهم وسلطانهم فإمتد إلى الكنيسة نفسها وفرضوا سطوتهم علي البابا الإسكندرى فإشترطوا عليه أن لا يرسم أسقفاً على أيه إيبراشية من غير موافقتهم , ومع ما فى هذا الشرط من غرابه ومن خروج على قوانين الكنيسة فقد نزل الأنبا فيلوثينوس على رغبتهم ربما لأن شخصيته تسمح بذلك أو لأنهم كانوا يسهلون امور الكنيسة إلا أن بنى المطيع لم يكن لهم هدف إلا تكديس المال , فكانوا لا يقيسون المرشح لمنصب الأسقفية إلا بمقدار ما يستطيع تقديمه لهم من مال وهكذا أهانوا كرامة الكهنوت إذ جعلوا السيمونية قاعدة للتعامل وأساس الوصول إلى المواهب فتركتهم البركة .
وكان هناك سلاماً فى مصر فى زمن الخليفة المعز لدين الله الفاطمى وكذلك أيام إبنه العزيز بالله وكان فى أيامه جماعة الكتاب الأقباط يتولون إداره البلاد ومنهم قوم عرفوا ببنى المطيع إتفقوا مع البطريرك أن لا يقسم (يرسم) أسقفاً إلا بعد أخذ رأيهم حتى لا يأخذ مالاً عند رسامتهم 
وكان بمنوف العليا أسقف إسمه مقارة كان كاتب السنودس ( المجمع) وأخوه أسقف طانه وأسمه مينا مقيم فى دمروا وكان البطريرك يسكن فى محلة دانيال فتنيح أنبا مينا أسقف أسقف طانة فقال اخوه أنبا مقارة أسقف منوف للبطرك الأنبا فيلاتاوس : ” إن أنت سمعت منى أشرت عليك بمشورة جيدة ” قال له : ” وما هى ؟ ” قال أنبا مقارة : ” كرسى اسقفية طانة الذى كان لأخى هو كرسى يدر ربحاً وفيراً وهو مكان والدك – ولأخى فيه مسكن جيد بدمروا فخذ الآن أبيك الراهب الذى فى قلايتك وإرسمه عليه أسقفاً , وأسكن بمسكنه فى دمروا ويصبح الكرسى تحت إمرك أيضاً ” فإستصوب رأيه وأخذ أباه الراهب الذى إسمه يوحنا وكان وشيخاً طاعناً فى السن ورسمه أسقفاً وإستولى على ربح الأسقفية والمسكن وسمع الأراخنة بمصر بما فعل فإشتكوه للوزير فقبض عليه وطرحه فى السجن وأفرج عنه عندما أخذ منه ثلاثة الآف دينار لبيت المال 
وقال إبن المقفع ) : ” أن سرور إبن جرجه أرشيدياكن الإسكندرية أنه حضر يوماً كنيسة مار مرقس الإنجيلى بالإسكندريه وكان البطرك مقيم فى دمروا فحضر هو أيضا لهذه الكنيسة ومعه جماعه من الأساقفه منهم أنبا مرقس أسقف البهنسى وأنبا ساويرس أسقف أبو صير وطلع البطرك إلى الهيكل ولما رفع الضورون ( الحمل ) سكت ولم ينطق بكلمه ولقنه الأسقفان الكلام فلم يقدر أن ينطق بكلمه واحده فجلس وطلع مكانه أنبا مرقس أسقف البهنسى فأكمل القداس وقرب الشعب من السرائر ثم خملوا البطرك إلى دار أبو مليح إبن قوطين عامل الخراج بالإسكندرية وهو والد إبو الفرج وعبيد وظل البطرك صامتاً حتى الساعة التاسعة من النهار ثم حضر الأطباء فاسقوه طين أبيض وماء ورد فأفاق من سكوته وسأله الأراخنه : ” ماذا حدث ؟ ” فحاول ألا يجيبهم ويعلمهم السبب ولما ألحوا عليه فقال يا أولادى : ” لما رفعت الضورون ( الحمل ) وقبل أن أصلب عليه رأيت الشاق إنشق فى يدى وخرجت منه يد من رأس الحنيه إلى أسفل – فصلبت اليد على الضورون وسكت من هذا الوقت – وفلما قال هذا جف عضوه وبقى جاف إلى أن مات .
وإزدهرت فنون عديدة فى ذلك الوقت كالنسيج , والحفر على الخشب والعاج والمعادن المختلفة , ونحت المرمر والرخام كذلك شيدت الكنائس والأديره فى أنحاء البلاد بمصر
أما المؤرخة أيريس حبيبالمصري فقد قالت عن هذا البطريرك : ” إذ أن الأنبا فيلوثيئوس الذى بدأ بالرضى على أعمال بنى مطيع إنتهى إلى مشاركتهم فى طمعهم ومكاسبهم وقنع بإقتناء الكماليات المريحة لجسمه دون أن يعبأ بما يعانيه بعض أبنائه من فقر وحاجه أو ما قد يواجهونه من مشاكل , ومثل ذا الإنذلاق أمر طبيعى : لأن من إعتاد أن يهادن الرزيله إنتهى به الأمر إلى إستحسانها ومن دأب على السعى وراء الفضيلة إزداد تعلقاً بها وسعياً ورائها “
وقال أيضاً إبن المقفع عن البطرك الأب فيلاتاوس: ” كان الأب فيلاتاوس البطرك مستمر على جمع المال والأكل والشرب وقيل أنه أمر ببناء حمام فى داره وكان يدخلها فى كل يوم وإذا خرج من الحمام بخر البخور شديد ثم يجلس على الكرسى يأمر وينهى طول أربعة ساعات من النهار ثم يترك مجلسه فى سادس ساعة حيث يهئ له الخدم الطعام والشراب وما يحتاج إليه من فواكه ثم يدخل داره ثانية وفى النصف الثانى من النهار يحضر عنده قوم تعودوا الحضور عنده كل يوم يجالسونه وينادموه وهؤلاء الناس من أهل دمروا ومن أهله وأقاربه فيأكل معهم ويشرب , ولا يستطيع أن يدخل إليه أحد من بقية الشعب بقيه يومه حتى اليوم التالى وأيام اخرى كان يجلس ويأكل ويشرب من باكر أو ثالث ساعة فى النهار ما عدا الأيام الواجب الصوم فيها فلما إستمر على هذا الإسلوب فى حياته أدبه الرب بضربه لأمر ما وذلك أنه فى يوم من الأيام دخل إلى الحمام كعادته وتلميذه يخدمه فخرج تلميذه ليأخذ جردل يملأه بالماء وعاد فوجده مطروحاً على الأرض لا يعى ولا يفوق( أى دخل فى غيبوبه) فحمله وأخرجه من الحمام وأحضروا له الأطباء وحاولوا مداواته فلم يقدروا على شفاءه لأن يد الرب ضربته وظل هكذا راقداً فى فراشه إلى يوم وفاته لا يعى شيئاً مما حوله ” وهكذا كان بطرك القبط فى هذه الأيام . وفى حاشية ص 18 من كتاب الإمة القبطية كتبت المؤرخة : ” إتفق كل من نييل ورنودوت المؤرخان على إلصاق بعض الذنوب بالبطريرك فيلوثاوس ولكن بفحص التهم بالتدقيق لم ير عليه شئ غير مقبول غير القول بأنه كان محباً للمآكل الفاخرة قليل الإعتناء بتقدم الكنيسة ويدخل الحمام مرتين فى اليوم . وأكد هذا الرأى القس المتنيح منسى يوحنا فقال : ” فقد ذكر التاريخ عنه أمور مذمومة فلم يكن يهتم بأى شئ غير نفسه وأرخى العنان للملاذ الجسدية ومحبة الأكل والشرب وإدخار المال ببيع مواهب الرب بدنانير فلم يكن أحد يرتقى إلى درجة الأسقفية فى عهده إلا بعد دفع مبلغ عظيم من المال ” 
وكانت مدة بطريركته أربعه وعشرين سنة وثمانية شهور وتنيح فى اليوم الثانى عشر من هاتور . سنة 716 ش 1004م
وإستولى أهل البطرك المتوفى على المال الذى جمعه طوال مده بطريركته من الكنيسة وقسموه فيما بينهم وكان المال لا يحصى ولا يعد وقد نقل إبن المقفع عن مخطوط كتبه إنسان إسمه ميخائيل (كاتب سيرته) فقال : ” ورأيت أنا ميخائيل واحد من أهل البطرك ( الذين إستولوا على مال الكنيسة ) فى زمان غلاء وهو يتسول ” .

شارك