صحيفتان أمريكيتان ترصدان حال "مسيحيو الموصل" بين الأمل والآلام

الخميس 20/أبريل/2017 - 01:41 م
طباعة صحيفتان أمريكيتان
 
يحتل المسيحيون في الشرق الاوسط مساحة مهمة حاليا في الصحف الامريكية وخاصة بعد الوضع الخطير الذى يعيش فيه مسيحي سوريا والعراق  وفي هذا التقرير نرصد مقالتين نشرتا بصحيفة "ذا كريستيان بوست" واخر ب صحيفة " نيويوركر" حول الوضع بالموصل  ومسيحية الشرق 
وسجلت ذا كريستيان تجربة الواعظ  " فرانكلين جراهام " بالموصل وجاء فيها امضى الانجيلي فرانكلين غراهام عطلة عيد القيامة بالتجول في الكنائس والبلدات المدنسة والمدمرة من قبل داعش الارهابي في شمال العراق وادعى ان حوالي سبع اسر فقط تبقت في البلدة التي كانت اكبر مدينة مسيحية في العراق.
وفي يوم احد القيامة كتب جراهام في منشور على الفيسبوك "بالأمس ذهبنا الى مدينة قرقوش في العراق والتي كانت موطنا لحوالي 50 الف مسيحي والذين اجبروا على الفرار لإنقاذ ارواحهم في عام 2014. وألان لم يتبقى الا القليل منهم, سبع عائلات فقط.
واضاف " لقد زرت كنيسة كانت قد تعرضت للحرق والتدمير من قبل داعش والتقيت مع احد الكهنة, وبشكل لا يصدق عثرنا بين الرماد والحطام على احد صناديق الهدايا التي كنا قد منحناها للأطفال ضمن برامجنا الخيرية. لا يسعني إلا ان اتساءل عن مكان تواجد الطفل صاحب هذا الصندوق".
وفي الكنيسة المحترقة, اكتشف غراهام برفقة مراسلة ان بيس ي نيوز "غريتا فان سيستيرن" ان مسلحي داعش استخدموا الاسلحة الرشاشة لإسقاط الصلبان من على الجدران وان المذبح قد استخدم كهدف للرماية مضيفا ان المسلحين فجروا قبة الكنيسة بالمتفجرات.
كما ووجد غراهام صفحات محترقة من الكتاب المقدس.
وكتب جراهام "التقطت جزءا من الورقة يحتوي على (يوحنا 20-27) "ثم قال يسوع لتوما 'هات اصبعك الى هنا وأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولاتكن غير مؤمن بل مؤمن'. لا يزال يسوع يقول ذات الكلام للعالم اليوم _ في احد القيامة هذا_ كن مؤمن.
وكما ذكر سابقا بان داعش قد حول عددا من الكنائس في شمال العراق الى مراكز لتدريب الشرطة الدينية وغرف للتعذيب, انتجت حملة "محفظة السامريين" مقطع فيديو قصير يسلط الضوء على الدمار الذي سببه تنظيم الدولة الاسلامية في سهل نينوى.
وفي شريط الفيديو يقول جراهام ان مسلحي داعش قد كتبوا شعارات على جدران الكنيسة التي زارها في قرقوش. واستشهد غراهام بشعارات مكتوبة على جدار الكنيسة "انت تحبون الحياة, نحن نحب الموت" , "لقد اتينا لنشرب دمكم".
وعرضت فان سيستيرن في مقطع الفيديو مكان خارج الكنيسة حيث احرق فيه الارهابيون كتب الانجيل وغيرها من الكتب المسيحية المحظورة من قبل الشريعة الاسلامية الصارمة.
وسلط الفيديو الضوء على عملية انقاذ الارواح التي يقوم بها الكادر الطبي للمنظمة والمتطوعين ايضا في المستشفى الميداني للمنظمة قرب الموصل, حيث يتم معالجة المصابين من المدنيين وقادة التحالف بقيادة العراق وحتى مسلحي التنظيم الذين اصيبوا في عمليات تحرير ثاني اكبر مدينة عراقية.
وقال الممرض تيم موشر في الفيديو "نحن نقدم خدمات طبية وجراحية على اعلى مستوى في شمال العراق" واضاف "عملنا مهم حقا, لان المصابين في القتال حالاتهم معقدة جدا ويصلنا ناس مع حالات لا يمكن ابدا تصورها". وبين موشر انه وبقية اعضاء كادر المستشفى الميداني مندهشون بعدد النساء والاطفال الذين يستهدفهم داعش.
وكما ذكرت صحيفة "ذا كريستيان بوست" مسبقا, فقد جاء اطباء وخبراء طبيون من مختلف انحاء العالم للعمل في المستشفى الميداني الذي يعتبر اقرب مؤسسة طبية للخطوط الامامية للقتال.
وقال الدكتور اليوت تينبيني, احد اطباء المستشفى الميداني, لصحيفة كريستيان بوست في كانون الثاني الماضي ان كل خبير طبي قرر الخدمة في المستشفى الميداني يجب عليه العمل لمدة لاتقل عن ثلاث اسابيع ولكن كثيرون منهم يبقون لمدة اطول. ويوضح غراهام في الفيديو ان ما يميز هذا المشفى هو ان كل من يأتي للخدمة فيه يقوم بذلك بسبب ايمانه بالمسيح.
ويقول الدكتور كينت برانتلي في الفيديو "هؤلاء اناس عاديون مثلي ومثلكم, هم لم يفعلوا شيئا لينالوا هذا الشئ وهم بحاجة لمعرفة حب ورحمة ونعمة ربنا يسوع المسيح. وهم بحاجة لنظهر لهم التعاطف مثلما نفعل انا وانت".
يشكل المسيحيون الآن نحو 4% من مجموع سكان منطقة الشرق الأوسط، البالغ عددهم اكثر 400 مليون نسمة او ربما اقل.وشهد العراق وسوريا موجات من الهجرة الجماعية للطائفة المسيحية في البلدين، حيث كانوا عرضة للاضطهاد وأعمال قتل وحشية على ايدي مجاميع ارهابية وعمليات تهجير عرقية واثنية اجبرتهم على ترك مواطنهم ومناطقهم.
 وكانت اكبر عملية هجرة جماعية للمسيحيين قد حصلت في العراق، حيث وقعت هذه الاقلية الدينية في فترة من الفترات في شرك الحرب الطائفية الأهلية بين المسلمين السنّة والشيعة، وتم استهدافهم اولاً من قبل تنظيم القاعدة ثم اجبرهم مسلحو تنظيم "داعش" بعد ذلك، على الهروب .ويذكر المطران بشار وردة، رئيس اساقفة ابراشية أربيل الكلدانية في مقابلة مع مراسلة مجلة نيويوركر الاميركية روبن رايت، انه "في عام 2003 كان هناك حوالي 1.3 مليون مسيحي في العراق، ونحن الآن اقل من ذلك العدد بنحو مليون منذ ذلك التاريخ"، مؤكدا استمرارية مغادرة المئات من المسيحيين العراق شهريا .
وأضاف وردة قائلا "من الصعب جدا الحفاظ على وجود مسيحي الأن. العوائل لديها عشرات الاسباب التي تدفعها للمغادرة ولا سبب واحد للبقاء. نحن نمر بوقت حرج جدا ضمن تاريخنا في هذه الارض. نحن يائسون جدا ."
وتقول المراسلة رايت انها زارت الشهر الماضي الموصل، التي تضم أقدم تواجد للمسيحيين في العالم منذ أكثر من الفي عام، حيث عمد مسلحو "داعش" بعد ايام من احتلالهم المدينة، الى اصدار انذار للمسيحيين هناك، اما ان يعتنقوا الاسلام او يدفعوا الجزية من مبالغ طائلة، او يواجهوا الموت بقطع الرأس.
 كانت بيوتهم قد أشرت بعلامة حرف (ن ) في اشارة لعبارة نصراني . اكثر من 35 ألف مسيحي غادروا مناطقهم في الموصل في ذلك الحين، وأغلب منازلهم نهبت وأضرمت فيها النيران .
وتقول المراسلة رايت، انها اثناء سفرتها باتجاه الموصل مرّت بقرى ومناطق مسيحية اخرى، مثل برطلة التي تم تفريغها بالكامل، وانه حتى شواهد قبور الموتى في المقبرة المحلية للقرية لم تسلم من اطلاقات النار والعبث بها.

صحيفة نيويوركر 

وجاء في تقريرها بشكل عام يقدر ان أكثر من مئة ألف مسيحي عبر منطقة سهل نينوى، هجروا مزارعهم وقراهم وبلداتهم بحثا عن ملجأ في منطقة كردستان او عبروا خارج حدود العراق .وكان بطريرك الكلدان الكاثوليك في العالم مار لويس روفائل الاول ساكو  ذكر لفرانس برس بعد احتلال داعش للموصل، انه " للمرة الاولى في تاريخ العراق تصبح الموصل الآن خالية من المسيحيين."ويعد غياب المسيحيين من المنطقة، له آثار أوسع على الشرق الوسط. حيث جاء في تقرير صدر عن مركز التقدم الاميركي للابحاث، انه "اذا استمر اجبار احد اهم المكونات الدينية في العالم على الخروج من منطقة الشرق الأوسط فان ذلك سيبشر بآثار سلبية على جانب التعددية والتسامح وقدرة شعوب المنطقة للتعايش مع بقية شعوب العالم".وأضاف التقرير قائلاً ان "الحالة التي عليها المسيحيون هي بمثابة مقياس ومؤشر يحدد فيما اذا ستستطيع مكونات من أديان ومعتقدات اخرى ان تعيش وتزدهر في الشرق الاوسط المستقبلي ."1500  عائلة مسيحية هُجرت من قبل تنظيم داعش تعيش الآن في معسكر اشتي – 2، المزدحم للنازحين في اربيل، داخل حاويات شحن تم تحويرها لمنازل مؤقتة.المراسلة رايت تقول التقيت خارج المخيم بمسيحي اشوري يدعى سلام ابلحد 35 عاما، وهو بائع خضار هرب من منطقة الحمدانية المسيحية قرب الموصل، في آب عام 2014، وهو يدير الآن "كشكاً في الهواء الطلق" يبيع خضار وفاكهة.
عائلة ابلحد المكونة من 26 شخصا، والتي تضم زوجته وأطفاله الثلاثة ووالديه وعوائل سبعة اشقاء اخرين، يعيشون على ما تقدمه الكنيسة الاشورية العراقية من معونات خيرية وما يدر عليه "كشكه الصغير" من مكسب .وتقول رايت انه "كغالبية المسيحيين الآخرين الذين التقت بهم فان ابلحد ليس لديه نية بالرجوع الى الحمدانية". ومنذ ان تحررت المدينة في تشرين الاول الماضي، زار ابلحد مرة المدينة ليتفقد بيته فوجد الاثاث قد ذهب وكذلك الشبابيك والابواب .وقال ابلحد للمراسلة "لا احد منا يريد الرجوع. نحن ما نزال نتخوف مما سيحصل بعد القضاء على تنظيم داعش ."هناك خوف شائع بين المسيحيين حول احتمالية ظهور مرحلة ثالثة من التطرف الاسلامي، فبعد ظهور جناح تنظيم القاعدة في العراق قبل عشرة أعوام تشكل تنظيم داعش خلال الثلاث سنوات السابقة. وكان شقيق ابلحد قد اختطف من قبل تنظيم القاعدة في العراق عام 2007، واطلق سراحه بعد ان سددت العائلة فدية ثقيلة جداً.وقال ابلحد "قبل العام 2003 كنا نعيش حياة مرفهة. لم أكن أفكر أبداً بالمغادرة. ولكننا الآن اقلية. وليس لدينا دعم او احد يوفر لنا الحماية لنا. المسيحون الآن ينتظرون فرصة ذهابهم للأردن ومن هناك الهجرة الى استراليا. 70% من اهالي الحمدانية غادرت العراق ."وقالت له المراسلة اذا كان يعتقد بان للمسيحيين مستقبل في الشرق الاوسط، فاجاب" لا لا، بحلول العام 2020 سيكون اغلب المسيحيين قد غادروا العراق ."ولكن المطران وردة كان اكثر تفاؤلا بقوله "علينا ان نبقى، ولكن كم من المسيحيين سيبقون في النهاية، أشك بان عددهم سيكون خمسين او مئة ألف عائلة. وبعد ألفيّ سنة من التواجد المسيحي علينا ان نتبنى دورا اخر، سنصبح أصحاب حملات تبشيرية".

شارك