مبادرة الجماعة الاسلامية والانتقال التكتيكي بين العنف والمهادنة

الإثنين 24/أبريل/2017 - 01:14 م
طباعة مبادرة الجماعة الاسلامية
 
الذين مارسوا العنف بالأمس من الجماعة الاسلامية يتقدمون بمبادرة لوقف القتل في سيناء، خوفا على الجيش المصري أم خوفا على أبنائهم القتلة الإرهابيين في ولاية سيناء؟ أم هو تراجع تكتيكي لكسر العزلة التي تعرضوا ويتعرضون لها منذ 30 يونيو 2013؟ هذا ما سوف نحاول مقاربته في هذا التقرير.
الدكتور نصر عبد السلام
الدكتور نصر عبد السلام
والبداية من تصريحات الدكتور نصر عبد السلام، القائم بأعمال رئيس حزب البناء والتنمية الذراع السياسي للجماعة الإسلامية والتي جاءت ردا على عدم اهتمام الحكومة المصرية بمبادرة للجماعة الاسلامية لوقف القتل في سيناء حيث قال فيها: إن عدم الاستجابة لكافة مبادرات القوى السياسية التي طرحت في أعقاب ثورة 30 يونيو سببه أمر غير معروف حتى الآن.
وأضاف عبد السلام: طرحنا العديد من المبادرات آخرها مبادرة وقف العنف في سيناء ووقف المطاردات الأمنية والجلوس مع مشايخ القبائل لوضع حد للعنف، وذلك من أجل مصلحة البلد والمواطن وهذا دورنا إلى جانب العديد من المبادرات الأخرى.
وقد اثارت هذه المبادرة ردود افعال العديد من السياسيين والخبراء  بسبب ما مطالبتها الجماعات المسلحة في سيناء والجيش المصري، على حد سواء، بوقف إطلاق النار، وإطلاق مؤتمر للمصالحة الوطنية يخلص إلى إطلاق سجناء وإصدار عفو عن محكومين.
وأوضحت الجماعة في المبادرة أنه «في ظل تفاقم الأزمة في سيناء وتداعياتها على سائر أنحاء القطر المصري، ومع تشابك الكثير من المشكلات وتداخل العديد من العوامل وتعقّدها، ترى من خلال هذه المبادرة أن تفكيك هذه الأزمة ينبغي أن يمر بأربع مراحل. وطالبت بـ «إعلان المجموعات المسلحة في سيناء وقفاً للعمليات يبدأ الثلاثاء المقبل، وقيام الحكومة المصرية بوقف المداهمات والملاحقات في التوقيت نفسه، والدعوة والإعداد إلى مؤتمر وطني يضم القبائل في سيناء وكل الأطراف المؤثرة للدخول في حوار مفتوح لدراسة مشكلات أهل سيناء وطرق حلها، ورفع حالة الطوارئ وتخفيف الإجراءات الأمنية المشددة مع تماسك حال وقف العمليات المسلحة، اضافة الى تخفيف حالة الاحتقان في شكل أكبر من خلال الإفراج عن غير المتورطين وإعادة المهجّرين من أهل سيناء إلى ديارهم، قبل إعلان إسقاط التهم عن كل من يلتزم مخرجات الحوار، على أن يصل الأمر إلى إتمام عملية المصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي من خلال إصدار عفو شامل. ودعت الجماعة الإسلامية الأزهر الشريف إلى قيادة تحرك وطني جامع يتبنى هذه المبادرة أو يعدلها أو يستبدل بها ما يراه حلاً مناسباً للخروج من هذه الأزمة.

ردود الأفعال حول المبادرة

الخبير الأمني خالد
الخبير الأمني خالد عكاشة
وكما قلنا ان هذه المبادرة قد اثارت انتباه الخبراء والسياسيين واحدثت حالة من حالات الجدل الواسع فمن جانبه، رأى الخبير الأمني خالد عكاشة أن المبادرة "إعلامية تستهدف إعادة الجماعة إلى واجهة المشهد"، وقال: "من الغريب أن تصدر تلك المبادرة من الجماعة الإسلامية التي توجه كثير من أعضائها إلى سيناء وكانوا نواة للتنظيمات الإرهابية هناك، بالإضافة إلى قادتها الذين عادوا من الخارج في أعقاب ثورة يناير2011، كما أن الكثير من أعضائها تورط في مهاجمة المنشآت المسيحية، خصوصاً في محافظة المنيا بعدما انقلبت الجماعة على مبادرة وقف العنف في أعقاب عزل جماعة الإخوان من الحكم".
وأضاف: «هذه المبادرة شيء من العبث، اذ تم استخدام مجموعة من العبارات المفخخة، وكأنهم يساوون بين الجماعات الإرهابية والجيش، مطالبين إياهم بوقف إطلاق النار، ويطالبون الجيش بعدم القيام بدوره الوطني في عدم ملاحقة الإرهابيين... لا فوارق كبيرة بين الجماعة الإسلامية وداعش على الصعيدين الفكري أو التنظيمي»، مؤكداً أن الحلول في سيناء «بعيدة كل البعد من تلك المبادرة التي تهدف بالأساس إلى إعادة تدوير النفس».
الباحث في شؤون الجماعات
الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي
ويتفق الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي مع حديث عكاشة، في كون تلك المبادرة «عديمة الأثر»، مشيراً إلى أن الجماعة الإسلامية «لم يعد لها دور، وبالتالي تسعى إلى إثبات الوجود من ناحية، وتوجيه رسائل لاختبار الدولة من ناحية أخرى». واعتبر انها «أطلقت خلال السنوات الثلاث الماضية عشرات المبادرات التي لم تلق أي صدى»، مضيفاً: «المبادرة استخدمت عبارات عبثية، فكيف يتم المساواة بين الجيش والجماعات الإرهابية في سيناء، ويطالبون الطرفين بوقف إطلاق النار؟ هذا عبث ومبادرة فاشلة»، مشيراً إلى أن التنظيمات الإرهابية في سيناء «لن تستمع إلى مثل تلك المبادرات».

مراوغة تكتيكية

وهناك من يرى ان هذه المبادرة ما هي الا مراوغة تكتيكية لوقف او تخفيف حدة العمليات التي يقوم بها الجيش المصري ضد هؤلاء الارهابيون في سيناء. بعد أن تمكن الجيش والأجهزة الأمنية من فك طلاسم الإرهاب، ويوشكان على إلحاق الهزيمة النهائية بتشكيلاته، وتساءلوا أين كانت الجماعة الإسلامية في المراحل الأولى من الحرب على الإرهاب؟ ولماذا لم تتحرك إلا الآن؟
قوى وتيارات سياسية وفكرية تتهم فصائل الإسلام السياسي بمؤازرة بعضها البعض ضد الدولة المصرية، على اعتبار أن لديها جميعا خصومة مع مؤسسة الجيش وتسعى على اختلاف مواقفها وأساليبها لتصفية حسابات تاريخية مع الدولة المصرية.
وكشف خبراء في شؤون الحركات الإسلامية أن هذه الرسائل والإشارات التي تخرج بين وقت وآخر، من الجماعة الإسلامية أو من جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهما، تستهدف خدمة عدة أهداف، منها امتصاص غضب الشارع المصري بسبب تصاعد موجة العنف خاصة بعد تفجيري أحد الشعانين بكنيستي طنطا والإسكندرية في 9 أبريل الجاري، ومسايرة التحول الدولي بشأن تغير أسلوب التعامل مع الإسلام السياسي، خاصة الموقف الأميركي الجديد، ولم يستبعدوا فرضية تجهيز تلك الحركات لخوض انتخابات الرئاسة للبدء في فك عزلتها السياسية.
وقد قللت مصادر أمنية من أهمية هذه المبادرات المتتالية ورأت فيها امتدادا لمحاولات جماعة الإخوان الأخيرة، ومحاولات جماعات التيارات الإسلامية الأخرى، للخروج من مأزقها الراهن، ولفتت إلى ضعف الاستجابة الشعبية والمجتمعية لتلك المحاولات، على ضوء رسوخ الإيمان لدى المجتمع بأن تلك الجماعات لا يمكنها التخلي عن العنف، كونه المنهج الأساس لها.
الخبير في شؤون الحركات
الخبير في شؤون الحركات الإسلامية منير أديب
وأرجع الخبير في شؤون الحركات الإسلامية منير أديب هذا التراجع التكتيكي إلى يأس الجماعة من التغيير بوسائل العنف والإرهاب، خاصة بعد الكشف عن مخابئ الأسلحة وأماكن تصنيع المتفجرات في عدة مزارع مملوكة لقيادات إخوانية، وبعد القضاء على معظم رموز وقادة العمل المسلح.
وأوضح أديب في تصريح لـ ”العرب” أن الأجهزة الأمنية نجحت في خلخلة بنية الجهاز السري الجديد للإخوان المتمثل في مجموعتي “حسم” و ”لواء الثورة”، وباتت قيادة الجماعة عاجزة عن التعامل مع الموقف وهو ما دفعها إلى طرح جملة من التنازلات بغرض تخفيف الضغط عليها. وشدد على أن مسار العنف هو الغالب داخل جماعة الإخوان التي تعاني من الترهل وعدم السيطرة على القواعد، ملمحا إلى أن خطوة التراجع، سواء من الجماعة الإسلامية أو من جبهة محمود عزت الإخوانية، لا تعني نهاية للإرهاب، الذي يُدار من قبل مجموعة من القيادات الحركية المتصلة بمصادر دعم وتوجيه خارجي.
وفي تقرير للعرب اليوم يشير إلى أن جماعة الإخوان كانت قد أطلقت أخيرا وثيقة ناقشت فيها أدوارها في المستقبل وطرحت تصورها للفترة المقبلة بحسب التغيرات المحتملة والتي قد تؤدي إلى تحسين أوضاع الجماعة في ظل النظام القائم، بما في ذلك الاستعداد لسيناريو يؤدي إلى إعادة السماح لها بالعمل المجتمعي والعمل السياسي المقيد. الوثيقة لم تتناول أوضاع المسجونين أو آليات الضغط للإفراج عنهم، ووصفت لأول مرة السلطة الحاكمة في مصر بـ ”النظام” بدلا من “الانقلاب”، كما لم تذكر موقف الجماعة من محمد مرسي، وامتنعت للمرة الأولى عن ذكر مصطلح “عودة الشرعية”.
البعض من الخبراء ربط بين هذه الخطوة والحديث المتواصل عن مراجعات تلوح في الأفق لجماعة الإخوان، في إشارة إلى نداءات من داخل الجماعة ووساطات خارجية تدعوها إلى فك الارتباط مع الجماعات المسلحة وتفكيك جهازها الخاص الجديد، وفصل نشاطها الحزبي عن الدعوي، على أن تكتفي بالعمل الخيري والدعوي لمدة محددة مع فك ارتباط الجماعة في مصر بـ ”التنظيم الدولي”.
ورأى هؤلاء أن الإسلاميين لم يحافظوا على الحد الأدنى من مكاسبهم التي تحققت بعد 25 يناير 2011 في المشهد المصري، بسبب تاريخهم في الصدام مع الدولة وتورطهم في الاغتيالات والتفجيرات ما أدى إلى سفك دماء الكثير من أبناء الشعب سواء من الأقباط أو من الأجهزة الأمنية أو من السياسيين والمفكرين.
الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان تبادلا الأدوار بين الكمون المرحلي التكتيكي والمواجهة المسلحة الشاملة، ثم عادتا معا لنقطة البداية من جديد، طوال أشهر ما بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة باستدعاء خبرات الجهاديين الانفصالية التي مارسوها في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولم يبدأ بعض قادة الجماعة الإسلامية أخيرا في إظهار الرغبة في إنهاء عزلتها إلا بعد التيقن من هزيمة الإخوان أمام الدولة، ليضطر قادتها إلى الانسحاب التكتيكي على وقع الهزائم التي مُني بها تحالفهم مع الإخوان.
يمكن فهم مبادرة الجماعة الإسلامية في إطار هذا الانتقال التكتيكي بين العنف والمهادنة حيث تحاول تحديد موقعها في المشهد على المسطرة الإخوانية، تأسيسا على خبرة تعامل الإخوان المسبق مع إرهابها في الثمانينات والتسعينات، في ظل نظام كان لا يتردد في قبول دعم تيار إسلامي معين في مواجهة حركة التمرد التي تقودها تنظيمات مسلحة.

شارك