صلوات وندوات ودموع.. في الذكري 102 لإبادة الارمن

الثلاثاء 25/أبريل/2017 - 01:01 م
طباعة صلوات وندوات ودموع..
 
الدماء لاتبرد  والتاريخ لاينسي  لذلك احيات دول العالم ذكري ابادة الارمن بمناسبة مرور 102 عامًا على الإبادة الأرمنية، ففي الأردن اقيم قداسًا إلهيًا في كنيسة القديس طاطيوس، حي الأشرفية، وسط عمان، ترأسه الأب اواديس ايبراجيان، حيث شدد في عظته على ضرورة استمرارية الحياة رغم المعاناة، وعدم نسيان اللغة والتاريخ.
وبعد القداس توجه الحضور إلى باحة الكنيسة لإضاءة الشموع أمام نصب يخلد الإبادة، من ثم زرعت ثلاث شجرات تمثل الجمعيات الأرمنية الموجودة في عمان. تلاه احتفال في النادي الوطني الأرمني، بالتعاون مع إدارة المدرسة يوزبشيان وإدارة نادي هومنتمن، بحضور عدد من الشخصيات العامة وجمع من الحضور.
وقدم الكاتب والباحث الأردني محمد عطاالله المعاني كتابه حول الأرمن في مدينة معان، حيث قال: "لم يأتِ كتابي لنيل جائزة أو حصول لشهرة، بل جاء تجاوبًا مع تشخيص حياة إنسانية قوامها التنوير على جزء من تاريخنا الأردني الأغر ضمن معايير الرحمة والتلاحم". وقدم خلال الاحتفال بعضًا من اللوحات الفنية والموسيقية تجسد الفلكلور والتاريخ والثقافة الأرمنية.
وتابع الاحتفال بكلمة الباحث الأرمني القبرصي هاكوب كازانجيان، مسطرًا أهمية اتفاقية سان اسطفان بعد المعركة بين الأتراك والروس، وفيها ذكر لأول مرة عن الإبادة الأرمنية. وقال: "ومن حينها، ونحن نطالب بحقوقنا من الأراضي المسلوبة من قبل الدولة العثمانية، ولولا استمرارنا لإحياء تراثنا وثقافتنا وأبجدياتنا في الشتات لما كنا اليوم نتحدث لغتنا بطلاقة ونعرف العالم عن معاناتنا وشهدائنا المليون ونصف مليون".
لبنان 
ترأس كاثوليكوس الارمن الأرثوذكس لبيت كيليكا آرام الاول كيشيشيان، يعاونه مطران الارمن الارثوذكس المطران شاهيه بانوسيان، قداسًا في كاثوليكوسية الأرمن لبيت كيليكيا، في أنطلياس بلبنان، لراحة أنفس مليون ونصف مليون شهيد في ذكرى الإبادة الأرمنية.
وألقى الكاثوليكوس عظة امام النصب التذكارى لشهداء الابادة، توجه فيها إلى الحاضرين مذكرا بأن "كل يوم من حياة الشعب الأرمني هو ذكرى لشهداء الإبادة الأرمنية وكل يوم هو يوم مطالبة لإحقاق العدالة"، مشددًا على أنه "بعد قرن وعامين على الإبادة الجماعية ضد الشعب الأرمني سنستمر في مسيرتنا النضالية وفي مطالبتنا بحقوقنا بزخم أكبر وباندفاع أقوى، هذه هي رسالتنا إلى شعبنا وإلى العالم أجمع".
ورأى "ضرورة إيجاد جسور وساحات حوار مع مثقفي ومفكري الأوساط التركية المؤيدة للعدالة ولحقوق الإنسان والإنفتاح على المواطنين من جذور أرمنية". واعتبر ملحًا "نقل القضية الأرمنية والمطالبة بالإعتراف وبالتعويض بالإبادة إلى محافل القانون الدولي والمحاكم الدولية"، لافتًا الى "وجوب تحضير الملف القانوني الكامل للأملاك الوقفية والكنسية كما وكافة الأراضي والأملاك الفردية والجماعية مع تقويم دقيق لهذه الأملاك".
وذكر بـ"العراقيل التي وضعت أمام المسار القضائي لإسترجاع المقر الرسمي لكاثوليكوسية بيت كيليكيا في سيس (قوزان حاليًا) إن بالتهديدات أو بإعتقال المحامي المكلف عن هذا الملف"، وقال: "على رغم الصعوبات والعراقيل، سنستكمل المسار القانوني". وفي الختام، وضع ممثلو الأحزاب والجمعيات الأرمنية أكاليل ورود أمام النصب.
ندوة  في سوريا 
الذكرى لا يمكنها أن تمحي أي فكرة أو حتى شعور، لا بل تستحضرها الأيام بمناسبتها، كي توقظ شعور الأنين والألم الممزوجين بالمرارة السوداء، كلها ضمن بوتقة واحدة تغلي وتفور، لتؤكد أن المآسي لن تُنسى مهما توالت عشرات السنين، فكيف إذا كانت المأساة ذكراها تخطت مئة عام وارتبطت بحدث مرعب وبإبادة لعرق كامل. بمناسبة الذكرى الثانية بعد المئة لجريمة الإبادة الأرمنية أقيمت ندوة حوارية قُدمت بعنوان «العثمانيون خلال قرن»، وجرت في قاعة رضا سعيد للمؤتمرات في جامعة دمشق، بمشاركة الباحث الدكتور خاتشادور كاسباريان، والباحث في الشؤون التركية الدكتور سركيس بورنزسيان، والعميد عدنة خيربيك. بدأت الندوة بعرض فيلم وثائقي بعنوان «الجريمة العظمى» من إعداد الإعلامية بيرادو كريكوريان، الذي وثقت خلاله أحداث الإبادة الأرمنية وعدد ضحايا الأرمن على يد العثمانيين، الذي وصل إلى مليون ونصف المليون إنسان، هذا بالإضافة إلى تهجير الملايين منهم إلى ما يعرف بدول الشتات الأرمني.
في الإبادة سرقة موصوفة
تحدث الباحث في الشؤون التركية الدكتور سركيس بورنزسيان في مداخلته أثناء الندوة، عن شروع العثمانيين منذ عام 1894 بتشكيل قوات غير نظامية من الخارجين عن القانون لارتكاب المجازر بحق الأرمن الذين كانوا يشكلون قوة بشرية واقتصادية كبيرة في الدولة العثمانية حيث تمّ اعتقالهم والتنكيل بهم وتعذيبهم ومن ثم إعدامهم، بعد مصادرة أموالهم المتروكة وغير المتروكة، مستعرضا في البداية أسباب الإبادة «علينا في البداية أن نعرف متى حدثت هذه الإبادة، ونعرف كيف كانت الظروف السياسة والاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في الإمبراطورية العثمانية. فعندما وصل الأتراك الشباب أو حزب الاتحاد والترقي التركي إلى السلطة، كان هدف هذه الفئة الحاكمة الجديدة تحويل الدولة العثمانية التي كانت عبارة عن إمبراطورية متعددة الإثنيات إلى شكل آخر، وخاصة أن الشباب الذين كانوا يدرسون في أوروبا تأثروا بالقومية السائدة في تلك الفترة في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وأتوا معهم بفكرة «دولة الأمة» أي يجب أن يكون في تركيا عنصر واحد هو التركي ويجب أن يكون هو المسيطر على كل شيء، فكان مطلوباً خلال اجتماعات الهيئة المركزية لحزب الاتحاد والترقي اتخاذ مجموعة من القرارات، صدرت في عام 1910 وفي عام 1911 بتتريك تركيا، وفي وقتها كان التفكير جادا بالوسيلة لتحقيق ذلك، فكان القرار أنه يجب أن تنظّف تركيا من كل الأورام اللاتركية، وذلك من خلال مخطط مجانسة عنصرية إثنية، فمن خلال هذه الفكرة كان يجب اقتلاع كل الأورام اللاتركية، أي الشعوب التي ليس لها أصول تركية منها العرب والأرمن والسريان والكلدان، بغرض تتريك الشعب والأرض، وأنا أرى أنه تمت الإبادة الأرمنية من خلال تنفيذ هذا المخطط الذي وضع منهاجاً وخطة كاملة لاقتلاع هذه الجذور، ومن الصعب فهم سبب الإبادة الأرمنية بالذات إلا إذا نظرنا إلى البعد الإستراتيجي للموضوع، والبعد الفكري للموضوع، الأتراك الشباب كانوا يحلمون بإقامة إمبراطورية تركية تصل إلى أقاصي آسيا، وإذا نظرنا إلى هذه الرقعة الجغرافية، نجد أن شعوبها كانت ناطقة بالتركية وذات أصول تركية، وبالمقابل كان يوجد ضمن البحر التركي جزيرة صغيرة تدعى أرمينيا، وهي العائق الوحيد من أجل توحيد الطوران، فهم طرحوا آنذاك النظرية الطورانية، وهي نظرية بامتياز توازي النظرية الصهيونية ولإنجاح هذا المشروع كان يجب اقتلاع الأرمن من جذورهم وترحيلهم هذا من جانب، ومن جانب آخر يجب ألا ننسى أن الأرمن كانوا مسيطرين سيطرة شبه تامة على الاقتصاد التركي، فهذه كانت عبارة عن سرقة موصوفة، حيث تمت مصادرة كل أموال الأرمن المتروكة وغير المتروكة التي تقدر بحوالى خمسة مليارات دولار ذهبي».
عدو جدك لا يودك
تحدثت العميد عدنة خيربيك خلال مداخلتها في هذه الندوة عن تآمر الأتراك على سورية من خلال المجازر التي ارتكبوها في الشمال السوري والتسليح للمجموعات الإرهابية، قائلة «جرائم العثمانيين لم تتوقف عند قتل الأرمن وإبادة الشعب الأرمني ثقافيا وحضاريا وتشريده من أرضه، فالسنوات الست الحالية التي ظهرت في سورية هي الدليل على استمرار هذه السياسة، ممثلة بأردوغان الذي يمثلهم، وهو خليفة لهذه السياسة الإرهابية العثمانية التي قتلت الأرمن منذ مئة وسنتين وعادت للقتل اليوم في سورية، والأمر واضح من خلال تدريبه للمسلحين واحتوائه لهم وإمدادهم المباشر بالمعدات والأسلحة على أراضينا، وهنا لابد لي من الاستشهاد بهذه المقولة «عدو جدك لا يودك» وهنا لابد لي من قول أمر واحد، الإسلام هو دين رحمة «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وكذلك الآية «وإنك لعلى خلق عظيم» ولكن ما يفعلونه وما يفعله الوهابيون على أرضنا السورية الإسلام بريء منه ولا يمت للإسلام بصلة، بل هو يد صهيونية وراء هؤلاء المدّعين الذين يقومون بعمل خطير وهو تشويه الإسلام، فهم بالنتيجة الأكثر عداوة للدين الإسلامي».
في الإبادة تطهير عرقي
كان سيادة المطران آرماش نالبنديان، مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية دمشق وتوابعها، حاضرا للندوة الذي صرح لنا قائلا «يوم 24 نيسان هو يوم ذكرى الشهداء الأرمن القديسين شهداء عام 1915، وكانت الغاية من هذه الإبادة، هي تطهيراً عرقياً في الإمبراطورية العثمانية، ومن خلال هذه السياسة الإجرامية تم قتل وتهجير الأرمن من أرمينيا التاريخية التي هي اليوم تحمل اسم الأناضول، نحن نركز على أن نصف هذه الجريمة بالإبادة وليس القتل بل هي مذابح، بهدف اقتلاع العرق الأرمني من جذوره تنفيذا للسياسة العالمية السائدة قبل مئة سنة بين ألمانيا وأوروبا وتركيا بالذات، بغرض أن يعطوا مجالا لتركيا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، وفي صياغة هذه السياسة تمت الكارثة بحق الشعب الأرمني».
ليس للمجرم هوية ولا دين
من بين الحضور في الندوة كان الشيخ عبد السلام الحراش منسق اللجنة التحضيرية في التيار العربي المقاوم، الذي قال حول المأساة الإنسانية في الإبادة الأرمنية: «نحن من تعاليم الدين السمحة ونذهب دائماً إلى تعزيز إنسانية الإنسان، وأن النفس المعصومة لها قداسة عند الله، من هذا المنطلق نحن ضد القتل، وضد الإجرام الذي يرتكب بحق أي شعب أو أي فرد، بل حتى الحيوان، ولقد وردت أحاديث أدانت امرأة أنها عذبت هرة فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض بعدما حبستها، إذاً هذا فيما يتعلق في الحيوان فكيف في الإنسان، الآن أنا أعتقد جازما أن المجرم ليس له هوية ولا دين ولا مذهب، وعندما نتحدث عن الإسلام فنحن نتحدث عن الشرائع التي قدست الإنسان وانسجمت تلقائياً حول وفاء عناوين الخير الدائمة، أنا أدين الأتراك الذين قاموا بإبادة ضد شعب مدني أعزل بريء، وأقول هذا وأنا الشيخ العربي السني، وأنا آسف لاستخدام هذا المصطلح، ولكن للدلالة أنني أجرّم هؤلاء بعد مئة عام وبعد ألف عام سوف تجرمهم الأجيال القادمة».

شارك