حركات الاسلام السياسي وخدمة المشروع الصهيوني

الثلاثاء 25/أبريل/2017 - 05:24 م
طباعة حركات الاسلام السياسي
 
ربما يكون العنوان صادما للبعض لكنه في النهاية يظل حقيقة برهنها الزمن منذ انشاء الدولة الصهيونية وحتى الان، ومنذ ظهور جماعة الاخوان في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى الان ونحن نسمعها ونشاهدها ترفع شعار القضية الفلسطينية الا انها لم تتخذ موقفا جديا واحدا تجاه هذه القضية، وكان من بين اهم شعاراتها "على القدس رايحين بالملايين" الا انهم لم يحركوا ساكنا حينما تصدروا السلطة في مصر، ليس الاخوان المسلمين فقط ما ينطبق عليه هذا القول، بل كافة الجماعات والحركات الاسلامية، على اختلاف الوانها وراديكاليتها، فهذه هي القاعدة لم توجه ضربة واحدة للداخل الاسرائيلي وكذلك ما يطلق عليه تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" لم توجه هي ايضا ضربة واحدة للداخل الاسرائيلي، ورغم ما تحاط به اسرائيل من بلدان ملتهبة ويعمل بها الارهاب الا انها تظل الدولة الوحيدة الأمنة في الشرق الأوسط، وهذا ما سوف نحاول في هذا التقرير مقاربته خصوصا انه في الوقت الذى تتجه فيه الإدارة الأمريكية، إلى وضع جماعة الإخوان على قائمة التنظيمات الإرهابية، رفض وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق «شلومو بن عامي» إدراج الجماعة على القائمة، مطالبا الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بالتخلي عن هذا الأمر. وساق الوزير الإسرائيلي عدة أسباب في مقاله المنشور بموقع «project-syndicate»، من بينها أن وصول تيارات الإسلام السياسي للسلطة في المنطقة العربية مفيد للكيان الصهيوني ومهم لاستقرار إسرائيل. وضرب «بن عامي» مثالين لذلك أولهما: تجربة تل أبيب مع إخوان مصر، «وصفهم بالتيار المعتدل بعد وصول محمد مرسى للرئاسة في عام ٢٠١٢»، موضحا أن مرسى احترم اتفاقية السلام مع تل أبيب ولعب دورا رئيسيا في وقف إطلاق النار خلال النزاع بين إسرائيل وحماس عام ٢٠١٢. وكشف «بن عامي»، أن مرسى كان عازما على دعم مصر كقوة ضامنة للاستقرار الإقليمي، وشدد على أن الإخوان تخلوا عن مواقفهم الراديكالية تجاه تل أبيب، وهاجم الوزير الإسرائيلي موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي الرافض لعودة الإخوان للعمل السياسي، ووصف خروج المصريين ضد الإخوان في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بـ«انقلاب ٢٠١٣» زاعما أن ذلك تسبب في ظهور التيارات الجهادية واستخدامها للعنف فقال نصا: «معالجة أوجه القصور- يقصد رفض الإخوان للديمقراطية- عن طريق نبذ الخيارات السياسية المشروعة، لا يعزز سوى حجة المجندين الجهاديين، بأن العنف هو السبيل الوحيد لتأمين الإصلاح»، هذا ما حدث عندما اعتمد عبدالفتاح السيسي-خليفة مرسى بعد انقلاب عام ٢٠١٣- نهجا صفريا في جماعة الإخوان المسلمين». المثال الثاني الذى أشار إليه «بن عامي» هو تجربة إسرائيل مع حماس في غزة بعد وصولها للسلطة في انتخابات ٢٠٠٦، وكيف أن الحركة تخلت عن موقفها المعادي لإسرائيل مما تسبب في حدوث انشقاقات داخل الحركة لكن ظل التيار المسيطر على الحركة هو من يعترف بإسرائيل. وأوضح «بن عامي»، أن حماس تتصرف وفق المنطق «البراجماتى» ومن ثم ستعترف بحل الدولتين وستقطع علاقتها بإخوان القاهرة من أجل مصالحة مع النظام المصري وبقية الأنظمة العربية، وطالب «بن عامي» الحكومة الإسرائيلية تشجيع هذا التوجه المتصالح مع إسرائيل عبر رفع الحصار عن غزة بل والتعامل مع غزة كدولة مستقلة والعمل على تعزيز استقرارها، وفى سياق تبريره الرافض توجه الإدارة الأمريكية إعلان الإخوان جماعة إرهابية، استشهد الوزير الإسرائيلي بتجربة الإسلاميين في المغرب العربي. وأشار إلى تجربة حزب العدالة والتنمية في المغرب، وحركة النهضة في تونس، حيث كان مفهوم «الأسلمة» هو قلب حملتهما الانتخابية إبان دخولهما معترك السياسة، من خلال الاعتماد بصورة كبيرة على إرث الثورة الإيرانية التي اندلعت في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وكذلك الأفكار الراديكالية المناهضة للقيم الغربية التي تبناها مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم سيد قطب، والتي ظهرت بصورة كبيرة في كتاباتهم في الخمسينيات. إلا أنهما، بحسب الكاتب الإسرائيلي، قد تبنيا أفكارا أكثر اعتدالا بعد وصولهما إلى سدة السلطة في بلديهما في عام ٢٠١١، بل إنهما كانا أكثر ميلا للأفكار العلمانية، موضحا أن تلك الأحزاب اتجهت إبان وجودها في الحكم إلى دحض الأفكار الراديكالية التي شكلت المنحى الرئيسي لتوجهاتهم، ليحل محلها المبادئ المتعلقة بالديمقراطية العلمانية، من بينها التعددية الثقافية وحرية التعبير. ففي عام ٢٠٠٣، هكذا يستطرد الكاتب في مقاله، اتجه حزب العدالة والتنمية في المغرب إلى الفصل بصورة واضحة بين الحزب السياسي من جانب والحركة الدينية المؤسسة له من جانب آخر، حيث أعلن الحزب عن إدانته الكاملة للعمل الإرهابي الذى ضرب مدينة الدار البيضاء في ذلك الوقت، على عكس الحركات الجهادية التي كانت تميل إلى الاحتفاء بمثل هذه الأعمال.  وأضاف أن حركة النهضة التونسية سارت على نفس الدرب في عام ٢٠١٥، عندما قامت بالفصل بين الحركة التي تروج للمبادئ الدينية، والحزب السياسي الذى يقوم على فكرة الالتزام باللعبة السياسية ومبادئ الديمقراطية العلمانية. وأضاف الكاتب أن هناك من يرى أن تلك السياسات ما هي إلا مناورات تكتيكية، وهو الأمر الذى قد يكونوا محقين فيه تماما، إلا أن مثل هذه المناورات ربما تقود إلى تحولات استراتيجية وأيديولوجية ربما لم تعتدها مثل هذه الأحزاب في السياسات التي تتبناها منذ عقود طويلة من الزمن.

الاخوان والموساد

الاخوان والموساد
سوف لا نعود بالماضي كثيرا حتى نؤكد على علاقة جماعة الاخوان بالموساد الاسرائيلي، كما وضحها "بن عامي" في مقاله وان مستندات الموساد الحديثة تعرف الاخوان المسلمين بالآتي: "جماعة دينية شعبية مسلمة سنية تستخدم الدين الإسلامي سياسيا تأسست في مصر عام 1928 وهي جماعة تسعي لدمج الدين بالدستور وصولا لقلب أنظمة الحكم العربية لإخضاعها للشريعة الإسلامية وشعارها الإسلام هو الحل، وللجماعة أهداف سرية وهي تستخدم منذ 11 سبتمبر 2000 سياسة نبذ العنف وشجب الأعمال الإرهابية حتي تصل للحكم وقد وصلت إليه ... وهناك بدايات للاتصال معها" وذلك علي حد تعبير آخر تحديث لمعلوماتهم عن الجماعة عقب ثورة 25 يناير 2011.
وسعي الموساد لفتح الحوار مع الجماعة طبقا للمفاهيم الإسرائيلية فهو ما يعني أن الجماعة تشكل خطرا علي إسرائيل من وجهة نظر الموساد بشكل خاص والمخابرات الإسرائيلية بوجه عام ولابد أنهم سيحاولون الاتصال بها وهنا سنقفز ربما لأحدث محاولات للموساد الإسرائيلي للاتصال بالإخوان المسلمين في مصر وفي المستندات نجد أن مؤتمرا باسم (المؤتمر اليهودي المسلم) قد عقد في 12 مايو 2011 بمدينة كييف في أوكرانيا ووجه هذا المؤتمر الدعوة علي حد ما ذكرته المستندات الإسرائيلية لعدد من جماعة الإخوان المسلمين في مصر وكانت الدعوات تحمل اسم الحاخام مارك شناير مؤسس ورئيس مؤسسة نبذ العنصرية ورئيس الكونجرس اليهودي العالمي وفي المؤتمر دعا ذلك الحاخام للتآخي بين اليهود والمسلمين ونبذ العنف والعنصرية بين الطرفين وكما دعا للاتحاد بين اليهود والمسلمين لمواجهة الطائفية والراديكالية في كل الأديان ، غير أن ذلك المؤتمر كما تشير المستندات كان واجهة مناسبة للقاءات جانبية عقدت بين الطرفين الإسرائيلي والإخوان وأكدت المستندات أن اجتماعات أخري مماثلة عقدت في بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وهولندا وإيطاليا وسويسرا وألمانيا وأستراليا خلال عام 2010 - 2011 ودارت كلها حول فكر الإخوان الحديث حول ثوابت التعامل مع إسرائيل وفكرتهم عن السلام والسياسة في مصر والشرق الأوسط، وأشارت المستندات إلي أن ممثلي الجماعة حملوا معهم خطابا قديما لمرشد الجماعة التاريخي مهدي عاكف وفيه يعلن عن تأييد الجماعة منذ وقت طويل للديمقراطية الإسلامية غير أن جملة إسلامية تلك هي ما أقلقت إسرائيل بشكل مباشر.
وتكشف المستندات التي نشرت في روز اليوسف اليومية يوم 18 - 05 – 2011، عن أن أهم اتصالات للمخابرات الإسرائيلية وأكثرها علانية قد كانت تلك التي قام بها الحاخام الإسرائيلي مناحم فرومان، وفيها كلفت الأجهزة الإسرائيلية الحاخام بالعمل علي التقارب مع الفلسطينيين والمسلمين والسعي لكسب ود حماس حتي إنه عقد لقاءات عدة بينه وبين الشيخ أحمد ياسين وعن طريق منظمة حماس جري العديد من الاتصالات علي حد تعبير المستندات التي أشارت إلي توقف تلك الاتصالات مع الإخوان عقب اغتيال الشيخ ياسين، غير أن اختطاف الجندي جلعاد شاليط أعاد الحاخام فرومان للصورة، حيث حمل ورقة اتفاق سرية للإخوان فرع غزة مطالبا إياهم بطلب المعونة من إخوان مصر للمساعدة في إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المختطف في غزة، المستندات تكشف عن أن همزة الوصل بين الإخوان والحاخام الذي كان رسولا لأجهزة المخابرات الإسرائيلية قد كان صحفيا فلسطينيا يدعي "خالد العمري" وأنه منذ عام ونصف العام حدث اتصال بين الطرفين، وتكشف الأوراق أن الموساد حاول الوصول للإخوان في مصر ليس عن طريق الحاخام فرومان فقط بل عن طريق فرع الإخوان المسلمين في تركيا وأن الموساد يومها فتح عدة اتصالات سرية مع الإخوان المسلمين ليس في مصر وحدها بل في تركيا وغزة أيضا وأن تلك الاتصالات علي حد تأكيد المستندات لم تكن كلها بشأن الجندي المختطف إذ قامت إسرائيل بمناقشة عدة قضايا مع الجماعة كانت منها مخططاتهم السياسية في مصر تحديدا وكما هو واضح في المستندات يفتحون النقاط ولا يذكرون فحوي الاتصالات في حالة فريدة من السرية، والجدير بالذكر أن تلك بصراحة تعد من المرات ربما النادرة التي طالعنا فيها مستندات سربت من الموساد عن اتصالات كانت السرية فيها بهذه الدرجة من الغموض حتي إن كاتب تلك المستندات بالموساد يكاد يخفي ما يسجله من وقائع رسمية، وربما كانت استمرارية اتصالاتهم أو حتي محاولات اتصالهم بالإخوان قد وصلت لديهم لتلك الأهمية فراحوا يخفون حتي ما يسجلونه.
اتصال آخر بين الموساد والإخوان نقل بعده الإخوان لخالد مشعل علي حد تعبير المستندات، عرضاً إسرائيليا لإطلاق سراح شاليط مقابل إطلاق سراح آلاف الفلسطينيين غير أن ذلك الاتصال فشل علي حد تعبير المستندات بعد دخول الرئيس المصري السابق علي خط الاتصال وأنه حذر مشعل بسبب اتصاله بالإخوان بمصر دون علمه وربما كان ذلك علي حد تعبير المستندات أحد أسباب تدهور العلاقة بين مشعل والحكومة المصرية وقتها.
وكانت الأوراق قد كشفت رفض الإخوان في مصر استكمال نفس الاتصالات بسبب تداخل عملهم مع فرع الإخوان في تركيا، وأنهم طبقا للمسجل في المستندات الإسرائيلية نقلوا للموساد رفضهم لاستخدام الموساد لهم بتلك الطريقة وعلي طريقة المصريين قالوا للموساد: "خلي فرع تركيا ينفعكم" .
أما الحاخام فرومان الذي يعمل كهمزة وصل في تلك الاتصالات منذ أكثر من 40 عامًا علي حد تعبير المستندات فالغريب أن الأوراق تؤكد أن تقريباً كل من اتصل به من إخوان فلسطين وطلب منه توصيله بإخوان مصر قد قتلته إسرائيل بعدها وهو ما دفع الإخوان في مصر منذ عام 2000 للتأني في السماح للموساد الإسرائيلي بفتح قنوات جديدة للاتصال، وكانت الجماعة في مصر قد رأت أن الإخوان في فلسطين يقتلون واحدا تلو الآخر تقريبا عقب كل لقاء مع الحاخام فرومان الذي كان يقوم بعد قتل أي عضو بالجماعة في فلسطين بتقديم هدية تذكارية علي شكل مصحف لأسرة القتيل.
اتصال آخر مسجل لديهم كان في بداية عام 2010 عندما هاجم البابا بنديكت بابا الفاتيكان بعض المفاهيم الإسلامية وجاء التعليق السخيف من فنانين بالدنمارك، فقد أرسلت المخابرات الإسرائيلية الحاخام شلومو عامار مقرر الإفتاءات اليهودية وتقابل مع ممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين وعن طريقهم قابل علي حد تعبير المستندات ممثلين عن الجماعة في مصر وقدم لهم فتوي إسرائيلية تحرم الهجوم علي النبي محمد علي أساس أنه نبي من عند الله ويحرم الهجوم عليه مثله مثل سائر أنبياء الله وأنه طلب حواراً في ذلك اليوم.
المستندات أشارت إلي أن تلك الفتوي كان من شأنها أن ساهمت في تحديث الاتصالات من جديد، فقد أحدثت الظروف قناة اتصال معتدلة بين الطرفين لأول مرة منذ عشرات الأعوام حيث تغير فكر الإخوان في مصر وباتوا أكثر إنفتاحا في سياساتهم ورؤيتهم لإسرائيل، غير أنهم لايزالون يتعاملون معها بحذر، وتشير المستندات إلي أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية منفتحة علي الجماعة في مصر وتحركاتها مما زال الكثير من الغموض بين الطرفين وخلق حالة من استقرار الاتصالات بينهم حالياً كانت ذروتها في فتوي إسرائيلية ربما مدفوعة من الموساد الإسرائيلي بشرعية صلاة اليهود في مساجد المسلمين، وهي تلك الفتوي التي صدرت عن طريق حاخامات عملوا بين الطرفين كهمزات وصل في العامين الماضيين وتحديدا منذ عام 2009 علي حد تعبير المستندات نفسها.

الإخوان وثورة 25 يناير أمام الكونجرس

الإخوان وثورة 25
ذلك التقارب بين الموساد وجماعة الإخوان وحالة الهدوء الحذر وتبادل الفتاوي المفيدة للطرفين في العلاقات بينهما علي حد تعبير المستندات  التي تناولتها روز اليوسف، هو ما ساعد في تبرئة ساحة الإخوان أمام الكونجرس الأمريكي في 16 فبراير 2011، ففي خلال جلسة استماع الكونجرس الأمريكي لشهادات المخابرات الأمريكية حول أحداث الثورة في مصر قال رئيس المخابرات الأمريكية "ليون بانيتا" عين في 5 يناير 2009 رئيسا للسي أي أيه- للكونجرس ردا علي سؤال محدد من الكونجرس كان: "هل جماعة الإخوان المسلمين في مصر جماعة إرهابية متشددة؟"، فما كان رد الرجل المسجل إلا أن قال: "إن الواقع يدفعنا أن نشهد بأنه من الصعب فعلاً تقييمهم كجماعة متشددة دينياً حيث إنهم في اتصالات مستمرة بيننا وبينهم وبين أجهزة مخابرات إسرائيل وأن كل الاتصالات تؤكد يوماً بعد يوماً أنهم جماعة سياسية منفتحة تسعي لإثبات نفسها كجماعة سياسية يمكن الاعتماد عليها" وأشار الرجل في شهادته إلي أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر علي حد تعبيره في الشهادة المسجلة ربما كانت من بين أذكي الجماعات السياسية الدينية بالعالم حاليا، لأنها، علي حد قوله، قد طورت أفكارها في فترة وجيزة لتتفاعل مع محيطها السياسي والجغرافي لتحقيق أهدافها الخاصة.
وكان بانيتا قد رد في سؤال آخر للكونجرس الأمريكي حول "هل يوجد متشددون في الجماعة لا تعرف المخابرات الأمريكية عنهم معلومات بعد؟"، بقوله: "في الواقع كل الاتصالات بيننا وبينهم وكذلك اتصالات الموساد معهم والتي نقدم منها نسخة مفصلة بالتواريخ والبيانات لم نستطع تحديد حقيقة وجود متشددين أو فصيل متشدد بينهم وربما يكشف الرجل دون قصد في جملة مسجلة قوله: "إن الإخوان المسلمين في مصر لا يتصلون بنا وحدنا في السي آي إيه وأن تلك المعلومات التي نقدمها لكم اليوم أمام الكونجرس الأمريكي ليست ثمار اتصال منفرد بين السي آي إيه والإخوان في مصر، لأن الإخوان عملياً يتصلون منذ أعوام بأكثر من 16 جهاز مخابرات بالعالم ومعلوماتنا تعد خلاصة بيانات أجهزة مخابرات العالم عن رأيهم فيما أسفرت عنه اتصالاتهم بالإخوان في مصر ونهاية برأينا نحن في السي آي إيه فيمكننا أن نقطع بأن الجماعة قد نبذت العنف حالياً وأنها تسير بكل طاقتها للسيطرة علي مقاليد الأمور السياسية في مصر" ، وذلك علي حد تعبير شهادة رئيس المخابرات الأمريكية أمام الكونجرس الأمريكي في 16 فبراير2011.
هناك الكثير من الارتباطات بين جماعة الاخوان والعديد من الجماعات بالمصالح الصهيونية فبالعودة للسؤال الملح لماذا لا تهاجم تلك الجماعات الاسلامية والراديكالية منها الداخل الاسرائيل؟ سوف لا نجد اجابة محددة في غالب الامر وان كانت جماعة الاخوان تربطها مصالح مع الدولة الصهيونية تمنعها من المواجهة فلا شك ان حركة حماس كما اشرنا واشار "بن عامي" مثل الحركة الام في برجماتيتها فلديها مصالح مع اسرائيل تخشى عليها، لكن الشيء الذي ربما يكون محيرا تلك الحركات الاسلامية الراديكالية واكبر مثالين لهما تنظيم القاعدة وداعش.

لماذا لم تهاجم القاعدة، إسرائيل وإيران؟

لماذا لم تهاجم القاعدة،
هذا السؤال وجه لأيمن الظواهري في مؤتمره الصحفي الالكتروني في 7 ابريل 208، ونشر الرد في جريدة الشرق الاوسط 8 ابريل من نفس العام وزعم الظواهري بأنه مشغول في الحرب في العراق، وبعدها سيتوجه الى ضرب اسرائيل. إجابة غير مقنعة حينها ولم ينفذ وعده حتى الان! لأن التنظيم نفذ عشرات العمليات في باكستان، وأحبطت عمليات خطيرة خططتها في السعودية استهدفت مناطق البترول ومكة المكرمة. لا يمكن أن نكن نصدق حينها وحتى الأن، أن القاعدة عاجزة، وكنا نرى قدراتها العجيبة في الوصول الى أصعب الاماكن، كما فعلت في هجماتها المتزامنة في شرق افريقيا، والطائرات ـ القنابل في الولايات المتحدة، او تخطيها كل الحمايات باغتيالها بي نظير بوتو في باكستان. معظم عملياتها العسكرية تميزت بالدراسة، والتخطيط الصبور، والوصول الى الهدف مهما بَعُد وصعُب. وهذا يعيدنا الى السؤال لماذا استثنت القاعدة إسرائيل وإيران رغم ان الهدفين يعطيانها شعبية بين المتطرفين اكثر من استهداف الصومال او الفلبين؟ وضرب اسرائيل ليس مستحيلا، بدليل نجاح الفلسطينيين وحزب الله، أما ايران فاستهدافها أسهل بكثير. القاعدة تبدو كوحش فالت من عقاله، لكنها في الحقيقة تنظيم سياسي بالدرجة الاولى، ويفكر قادتها كأي سياسي يريد استخدام أدواته لأهدافه العليا.
أما امتناعها عن اسرائيل فالتفسير المعقول ان القاعدة لا تريد التورط في حرب مع دولة لا تعرف حدودا في الرد ولا تبالي بالنتائج.
والتفسير الأخير هو أن القاعدة مجرد وسيلة تستخدم لمن استطاع إليها سبيلا، كما كان يفعل تنظيم أبو نضال في السبعينيات والثمانينيات، مجرد بندقية مؤجرة ترفع شعارات مزورة.

داعش واسرائيل:

داعش واسرائيل:
في 26 أغسطس 2014 نشرت شبكة الاعلام العربي قول الكاتب الأمريكي “جيمس هنري فتسر” إن الجنرال “مارتن ديمبسي” رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي تراجع عن فكرة شن ضربات جوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا بعد أن كان قد ألمح إلى احتمال قوي بالقيام بتلك الخطوة، مبررًا ذلك بأن الخطر الذي يمثله تنظيم داعش ما زال إلى الآن في نطاق إقليمي ولم يتطور لتهديد الحدود الأمريكية أو الأوروبية.
وأضاف الكاتب الأمريكي في مكالمة هاتفية لشبكة أخبار “بريس تي في” الإيرانية ، إن تصريحات مسئولي الجيش والمخابرات الأمريكية جاءت في الآونة الأخيرة على قدر كبير من التناقض.
وأرجع “فتسر” عدول قائد الجيش الأمريكي عن فكرة ضرب داعش في سوريا إلى أن الغرب هو من وراء فكرة وجود هذا التنظيم الذي يأتي ضمن مخطط لإقامة دولة إسرائيل الكبرى كما تريدها الحركة الصهيونية والتي تتمتع بنفوذ واسع داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
وأيّد خبراء هذا القول مضيفين أن وجود هذا التنظيم الدموي يأتي وفقًا لرؤية الأمريكيين من المحافظين الجدد والإسرائيليين للتمهيد لاحتلال الدول العربية والإسلامية عن طريق إشعال الصراعات والحروب فيما بينهم.
ومن الملاحظ سلفاً أن سعي التنظيمات الإرهابية إلى إقامة ما تسمّى “خلافة إسلامية” في كل من سورية والعراق، ما هو إلا مسوّغ لإعلان “إسرائيل” دولة يهودية، فالكيانات المصطنعة في المنطقة على أساس ديني تشكل مسوّغاً لغيرها للقيام بذلك، وهذه التنظيمات التي ستشكل في النهاية “دولة الخلافة المزعومة” يتم استجلاب مقاتليها من كل أصقاع الأرض بالطريقة ذاتها التي تم فيها إنشاء الكيان الصهيوني عبر عصابات من المرتزقة قامت بتهجير السكان الأصليين وقتلهم في فلسطين المحتلة وأسكنت محلّهم مجموعة من المرتزقة جاؤوا من كل جهات الأرض، وقيام مثل هؤلاء بتشكيل دويلة في هذه المنطقة يجعل وجود “إسرائيل” فيها طبيعياً، كما أن سيطرة هذا التنظيم “داعش” على نهر الفرات في كل من الإقليمين يجعل الجزء الثاني من النظرية الصهيونية الأصلية “من النيل إلى الفرات” محققاً، بعد أن تمكّنت “إسرائيل” من تأمين حماية لها من جهة النيل عبر دعم الجماعات الإرهابية الموجودة في سيناء لتكون حاجزاً حقيقياً أمام أي تفكير مصري مستقبلي بمواجهة “إسرائيل” أو بتهديد وجودها.
وهنا لا يمكن لنا إلا أن نلاحظ أن قيام دويلة تفصل سورية عن العراق يحقق إلى جانب إطالة عمر “إسرائيل” أهدافاً اقتصادية للقوى الاستعمارية الكبرى، فإلى جانب منع أي تواصل سوري عراقي إيراني من خلال محور المقاومة، هناك جهدٌ دؤوب سعودي قطري تركي لتمرير خطوط النفط والغاز من السعودية وقطر إلى تركيا عبر هذه الدويلة المصطنعة ومنها إلى أوروبا، وبالتالي حرمان الاتحاد الروسي من الاستفادة من عائدات غازه المصدّر إلى أوروبا، وهذا ما يفسّر استمرار الاستفزازات الأمريكية لروسيا، وذلك لإجبارها على معاقبة أوروبا بوقف تصدير الغاز إليها، ودفع الأخيرة إلى البحث عن مورّد آخر لهذا المنتج لن يكون إلا “دولة الخلافة” أو أسيادها في الخليج، وهذا سيحرم إيران أيضاً من تسويق نفطها وغازها عبر العراق وسورية إلى أوروبا، ومن هنا نفهم إصرار طائرات “التحالف الدولي” على قصف جميع المنشآت ذات العلاقة بالطاقة في كل من سورية والعراق، وذلك لإجبار “الحاكم الجديد المفترض لهذه الدولة” على الاعتماد على هذا التحالف مستقبلاً في تسويق نفطه وغازه وتحويله إلى كيان استهلاكي خدمي يعيش فقط على ما تدرّه مشاريع الطاقة أسوة بـ ”أذكياء الخليج”.
وفي المحصلة تكون الإدارة الأمريكية قد أعادت السيطرة على مكامن النفط والغاز في المنطقة ومنعت كلاً من الصين وروسيا وإيران من الاستفادة منها في إطار الإبقاء على النظام العالمي السابق، كما أنها تكون قد حققت الحلم الصهيوني الأصلي بـ ”دولة يهودية” تتحكم في هذه المنطقة من العالم وتعيش وتستمدّ أسباب بقائها من خيراتها.
وبالتأكيد فإن الضربات الأمريكية في الحقيقة تتم بالتنسيق مع “داعش” وما هي إلا محاولة لترسيخ منطقة حظر جوي يؤدّي تلقائياً إلى صناعة دويلة جديدة بين سورية والعراق بالطريقة ذاتها التي أشرفت فيها مناطق الحظر الجوي سابقاً في العراق على إنشاء “دويلة كردستان” وتكريسها لتصبح دولة فيما بعد تبرّر قيام “دولة الخلافة” التي ستشكل حزام أمان لـ”إسرائيل” من الشرق.
وطبعاً هذا الأمر “صناعة الدولة” عبر الحماية الجوية يستغرق وقتاً طويلاً، لذلك يصرّ أوباما في كل أحاديثه عن المدة التي سيستغرقها القضاء على “داعش” -وفي الحقيقة ترسيخه وتقويته- على الحديث عن خمس سنوات أو أكثر، وهي في الحقيقة ربمّا تكون الفترة التي يستغرقها بناء شبكة أنابيب تربط السعودية بتركيا عبر هذه المنطقة المحمية جواً ولكن شعوب المنطقة تقف بالتأكيد في مواجهة هذا المخطط “الشيطاني” والذي سيرتد على مصنعيه وداعميه لأن الإرهاب لا حدود له، وإن غداً لناظره قريب.

شارك