السلفيون ومعركة السياسة والديمقراطية

الإثنين 01/مايو/2017 - 04:40 م
طباعة السلفيون ومعركة السياسة
 
أصبحت السياسة هي المحك الكاشف لكذب فصائل الاسلام السياسي وبرجماتيته، فتحول المواقف السياسية وعدم الثبات على موقف حسب متغيرات المصالح دوما ما يضع الفصيل السلفي في مواقف سيئة خصوصا قيادات هذا الفصيل، والاكثر خطورة هو لعب هذه القيادات بالفتاوى الدينية للتأكيد على صحة موقفه ومن هنا نجد حالة كبيرة من التناقض بين الفتاوى السلفية بين الحين والأخر، فمرة يرفضون ترشح الاقباط للبرلمان ويصدرون الفتاوى التي تؤيد هذا الموقف، وحينما يحتاجون للأقباط نجدهم يصدرون فتاوى اخرى تؤيد ترشحهم في البرلمان، وهكذا مع المرأة، وغيرها من الفتاوى المتناقضة حتى مع قروض صندوق النقد الدولي فقد رفضوها ايام مبارك، وايام محمد مرسي ووافقوا بها الأن. حتى اشتعلت الازمة والمعارك داخل الفصيل السلفي نفسه الى ان بعض قيادات الفصيل السلفي يطالبون الدعوة السلفية باستماته أن تنسحب من المشهد السياسي بأكمله، بعلة أن مشاركتها" لاتسمن ولا تغنى من جوع"، بينما يعتبر مشايخ الدعوة السلفية وأقطابها، أن مطالباتهم باعتزال العمل السياسي مكايدة لا فائدة منها.
كما اعتبرت الدعوة السلفية، إن استمرارها في الحياة السياسية، جزء من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بينما كذبت قيادات سلفية تصريحات الدعوة، مؤكدين ان الدعوة السلفية هي من تقوم بالمنكر.

السلفيون ومعركة السياسة
وبداية المعركة التي تجددت الأن، عندما، كشف غريب أبو الحسن، القيادي بالدعوة السلفية، أنهم تلقوا دعوات للاعتزال عن العمل السياسي، زاعما إن بقاءهم في العمل السياسي جزء من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وأضاف أبو الحسن، في مقال مطول نشر على الموقع الرسمي للدعوة السلفية: "المعتزل الذي يلومك أنك لم تعتزل المشهد أو تعتزل الفتنة، ثم حينما تتأمل في حاله، تجد إن اعتزاله  امتد حتى للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فهو يطبع تطبيعًا كاملاً مع الواقع مِن حوله بكل ما فيه مِن منكراتٍ، ويعتزل كل ما مِن شأنه أن يسبب له أي نوع مِن أنواع الأذى "ولو صغر!"؛ إلا أنه يحافِظ -وبانتظام- على اتهام غيره بالعمالة والخيانة، وتضييع الأمانة في جلساته الخاصة، وكأن إنكاره ودعوته انحصرت في تلك التهم المُعَلَّبة والجاهزة، فتواجدنا جزء من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر".
وتابع أبو الحسن: ستجد مَن يدعوك لاعتزال العمل السياسي، ويقول لك بملء فيه: ماذا كسبتَ مِن العمل السياسي؟ أو متى تتركون العمل السياسي؟!، ولو تأمل في حاله، لوجد نفسه معتزلاً للعمل السياسي مِن أمدٍ بعيدٍ، ولم يقدِّم اعتزاله له -ولا لأُمَّتِه- أي فائدة!، بل ربما هو معتزل للعمل السياسي عندما كان إخوانه يحتاجون مساعدته، وعندما كان للمشاركة السياسية فائدة مباشرة وواضحة للجميع!.
واستطرد: ستجد بعض مَن توقف بالزمن عند لحظة معينة "لحظة فارقة" أو هكذا قيل له، وإنه إن اغتنمها سيحيا "كريمًا"؛ فقط كل ما عليه أن يتبرأ مِن الجميع؛ مِن العمل السياسي، والأحزاب والبرلمان، ويدعم مُلْهِمَه لرئاسة البلاد، وكأن الانتخابات الرئاسية تختلف عن النيابية، ثم بعد أن مرَّت لحظات وشهور وسنون، ولم تأتِ تلك اللحظة "الفارقة"، توقف الزمان عنده، وأصبح لا يشتبك مع أي مِن قضايا أمته، ولكن لا يمر حدثٌ حتى يقلِّب فى فيديوهات تلك اللحظة الفارقة يجتر ذكراها ويبكى أطلالها ويحمل الجميع مسئولية تضيعيها!.
في المقابل، شن تامر عزت، الداعية السلفي، هجوما على الدعوة السلفية، واصفا تصريحات غريب أبو الحسن بـ"التهريج"، متابعا: اين تقليل المفاسد التي ذكرها الحزب والدعوة من جراء مشاركتهم في العمل السياسي.
وتابع القيادي السلفي: سلفية الإسكندرية يجب أن يسموا بالسلفيين الحزبيين، لتميزهم عن رافضي التحزب والمعارضين لهم.
وفى السياق ذاته قال محمود عباس، القيادي السلفي، إن المنكر هو وجود أشباه غريب أبو الحسن على رأس العمل السياسي ، والمعروف أن أمثاله يتركون العمل السياسي و يرجعون إلى مساجد ليتعلموا من  جديد، حيث أنهم نسوا المبادئ والأخلاق التي تعلموها من صغرهم في الدعوة السلفية.
وأضاف القيادي السلفي: نسوا الصدق والأمانة و توقير شيوخهم، ونسوا خلق الشهامة والشجاعة، ونسوا خلق الحياء و اكرام الكبير و العطف على الصغير، فمنذ أن دخلوا في السياسة لا تعلموا سياسة و لا استفادت منهم السياسة إلا الحروب الخفية على الكراسي في الحزب و طعن من يخالفهم في ظهره، و خطف ما لا يستحقون.
السلفيون ومعركة السياسة
وتعليقا على هذه المعركة، قال الدكتور يسرى العزباوى، الباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الدعوة السلفية لديها خلط واضح بين ما هو ديني بالدعوى، وتصريحاتهم  دليل على عدم الفهم واستمرار في نفس الممارسات الإخوانية، وهو ما ستدفع مصر ثمنه إذ لم يقوم الأزهر وكل التيارات المدنية بمهامهم.
وأشار إلى إن تصريحات غريب أبو الحسن، دليل على ضعف حزب النور، وكل هذه الأمور ستؤدى إلى تأكل الحزب إلا إذا قام بعمل مراجعة شاملة والفصل بين الديني والسياسي.
المواقف المضطربة من الديمقراطية وآلياتها:
من الآليات الديمقراطية التي تسمح الأنظمة الديمقراطية بالقيام بها المظاهرات كشكل من أشكال الاحتجاج على السلطة الحاكمة والمطالبة بالحقوق والحريات، وحول هذه الآليات والمطالب قد اضطرب موقف السلفيين المصريين في جملة من القضايا، منها: 
قولهم في المظاهرات وفي ثورات الربيع العربي:
 إذا كانت الغالبية العظمى من علماء السعودية الذين يعدون المرجعية الفقهية للدعوة السلفية في مصر يحرمون الخروج في المظاهرات، فإن علماء التيار السلفي المصري، اتفقت فتاواهم بتحريمها قبل ثورة 25 يناير، واضطربت اضطرابا شديدا بعدها.

السلفيون ومعركة السياسة
ونذكر من أقوالهم وفتاواهم: 
فتوى الشيخ مصطفى العدوي على موقع الشبكة الإسلامية: سئل: ما الحكم في المظاهرات التي تحدث في الجامعات، مع العلم أن البعض يستدل على ذلك بخروج سيدنا عمر في أول إسلامه في صف من المسلمين أمام الكفار، وأن هذه المظاهرات هي كلمة حق عند سلطان جائر؟ فكان جوابه: " الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فالظاهر لي - والله أعلم- أن المظاهرات وسيلة محدثة، ما درج عليها سلفنا الصالح - من الصحابة- في القرون المفضلة، بل حتى بعد القرون المفضلة، فلم نعهد الإمام الشافعي قام بمظاهرة ولا الإمام مالك ولا الصحابة ولا التابعون، أما القصة المشار إليها ألا وهي قصة خروج حمزة على صف وعمر على صف، فالذي يحضرني الآن أن إسنادها ضعيف، ثم هي لا تصلح أن تكون دليلاً على التظاهرات المزعومة، والله أعلم ". 
وجدير بالذكر أن غيرهما من شيوخ السلفية المصرية ؛ كأبي إسحاق الحويني ومحمد حسان وحسام المصري ومحمد بن حزام وغيرهم، قد قالوا بتحريم الخروج في المظاهرات. 
أما بخصوص موقف السلفية المصرية من الثورة، بمدارسها المختلفة ورموزها المتعددة، فإن المركز العربي للدراسات الإنسانية أعد دراسة قيمة عن ثورة 25 يناير 2011 وورد في هذه الدراسة ما يلي: 
1- موقف تأييد الثورة ودعم ناشطيها: من المدارس السلفية التي أيدت الثورة منذ البداية المجموعات السلفية في القاهرة؛ إذ شارك العديد من رموزها، كالشيخ محمد عبد المقصود والشيخ نشأت أحمد والشيخ فوزي السـعيد، وشارك أتباع هذا التيار في المظاهرات والاعتصامات إلى حين تنحي مبارك يوم 11 فبراير 2011. ويمكن إدخال الداعية الشهير الشيخ محمد حسان في صف الدعاة السلفيين المؤيدين للثورة، وإن كانت مواقفه قد تبلبلت في البداية عندما حاول إمساك العصا من الوسط، ولكنه عاد في النهاية فنزل إلى ميدان التحرير . 
2- مواقف معارضة للثورة: ويمثلها الشيخ محمود المصري ومصطفى العدوي الذي نفا صفة الشهادة عن ضحايا الثورة، وكذلك الشيخ محمد حسين يعقوب الذي سمى الثورات بـ"هيشات الأسواق"، واستخدم عددا من أحاديث الفتن وأسقطها على الثورة المصرية . 
3- مواقف ملتبسة: وتمثلها الدعوة السلفية في الإسكندرية، وهي أكبر تجمع سلفي بمصر، وجاء رفضها لثورة 25 يناير عبر فتوى للدكتور ياسر برهامي جاء فيها: " انطلاقا من تمسكنا بديننا وشعورنا بالمسؤولية تجاه بلادنا، وحرصا على مصلحتها، وتقديما وتغليبا لأمن البلاد والعباد في هذه الفترة العصيبة، وتفويتا لمقاصد الأعداء التي تهدف إلى نشر الفتن، نرى عدم المشاركة في تظاهرات الخامس والعشرين من يناير "، وبعد ذلك تطور الموقف؛ فوقع أقطاب السلفية السكندرية على بيان اللجنة الشرعية الأول الذي أيد المظاهرات، وهو الأمر الذي بدا فيه التناقض واضحا مع الموقف الأول . وفي سعيه للتبرير قال: المشاركة في المظاهرات غير تأييدها. 

السلفيون ومعركة السياسة
قولهم في الانتخابات: أما في مصر فقد تبنى مجمل التيار السلفي المصري موقفا رافضا للانتخابات قبل الثورة . وفيما يلي أقوال المنتسبين إليه: 
الدعوة السلفية في الإسكندرية: يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم: " نرفض خوض الانتخابات والمشاركة فيها ؛ لأننا لا نستطيع أن ندفع الضريبة المقابلة لها، وهي التنازل عن أمور من صميم منهجنا ؛ كمسألة الولاء والبراء مثلا . وحين تتوفر لنا ضمانات وتزول حتمية دفع ضريبة المشاركة فسنشارك، وخلافنا مع المشاركين في الانتخابات خلاف ناتج عن خلاف فقهي ونظر مصلحي ." 
السلفية الحركية: سئل أحد شيوخ هذا التوجه السلفي قبل الثورة عن حكم الترشح لمجلس الشعب فقال: " هذا المجلس يتحاكم إلى غير شريعة الله، ويجعل الدستور الذي وضعه حاكما على شريعة الله، والداخل لهذا المجلس يقسم على أن يحترم الدستور . واستشهد بقوله تعالى:" أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ". وأضاف: " لو أن الناس صوتوا على تحكيم الشريعة ما كان هذا إسلاما أبدا، ولو أن المجلس صوت على تطبيق الشريعة واستجاب لكان هذا كفرا مجردا بإجماع المسلمين." 
السلفيون المستقلون: وهم الشيوخ الذين شاركوا بقوة في تأسيس الإعلام السلفي في مصر، حين سمح النظام السابق لهم بذلك بشروط معروفة ؛ حيث ظهر هؤلاء على قناة الرحمة والناس والحافظ، وصاروا نجوما لديهم كثير من المحبين والمشاهدين والمعجبين، ومنهم: محمد حسان ومحمد حسين يعقوب وأبو إسحاق الحويني ومصطفى العدوي وأسامة عبد العظيم . ويجمع بينهم التأثر بالمحدّث ناصر الدين الألباني وعلماء السعودية: ابن باز ومحمد العثيمين وعبد الله بن جبرين ومحمد الأمين الشنقيطي . وكان شأن هؤلاء السلفيين المستقلين عموما مقاطعة الانتخابات، وعدم تشجيع أتباعهم ومحبيهم على الترشح أو التصويت ؛ فقد سئل محمد حسان عن انتخابات مجلس الشعب فذكر قولين لأهل العلم، ورجح عدم جواز الاشتراك في المجالس النيابية ؛ لأن الإصلاح لا يكون بالانتخابات، وإنما يكون بمنهج الأنبياء القائم على إعداد الجماعة المسلمة بالدعوة والتربية 
لكن فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة في المجال السياسي، خصوصا ما يتعلق منه بالنظر في المستجدات السياسية، سيتغير. ففور تنحي الرئيس حسني مبارك وانتصار الثورة سارع شيوخ السلفية المستقلون محمد حسان وأبو إسحاق الحويني ومحمد يعقوب ومصطفى العدوي وأبو بكر الحنبلي ووحيد عبد السلام بالي وسعيد عبد العظيم ومعهم رئيس جمعية أنصار السنة عبد الله شاكر وجمال المراكبي إلى تأسيس مجلس شورى العلماء ؛ فأصدر البيان الأول في 10 مارس 2011 يدعو إلى الموافقة على التعديلات الدستورية، ويرحب بالمشاركة في الانتخابات التشريعية، مع عدم ترشح العلماء والدعاة
كما عقد السلفيون مؤتمرات حاشدة في الإسكندرية ومرسي مطروح والمنصورة لمناقشة الأوضاع بمصر بعد ثورة 25 يناير، تحدث فيها محمد حسان عن ضرورة مراجعة الاجتهادات السلفية فيما يتعلق بالدخول إلى الحلبة السياسية والمشاركة في الانتخابات التشريعية والبرلمانية. أما الدعوة السلفية السكندرية فقد حسمت موقفها ودعت إلى تأسيس حزب النور الذي تم الترخيص له رسميا بتاريخ 8 يونيو 2011. 
والملاحظ أن الدعوة السلفية بالإسكندرية كانت تبرر مقاطعتها للانتخابات بمبررات أغلبها لم يرتفع بعد عن الواقع الجديد، منها أن المشاركة في السياسة تجعلهم يتنازلون عن أمور من صميم المنهج السلفي، منها قبولهم لفكرة الديمقراطية وتوابعها . وهذا أمر محير؛ إذ إن هذا الموقف غير منسجم تماما مع تصوراته السابقة .علاوة على ذلك فقد تم القبول بقانون الأحزاب المخالف للشريعة الإسلامية- في نظرهم-، وتم تجويز المظاهرات وقبول النساء في الحزب وترشيحهن في مجلس الشعب، وكانوا يعتبرون ذلك من الولايات المحرمة على المرأة، بل إن ياسر برهامي سنة 2010 قال إن ترشيحها لا يجوز . وفي 2011 قال إن وجودها في مجلس الشعب ينصر الشريعة، وحزب النور الذي ينتمي إليه يرشح 58 سيدة
تلك هي اشكاليات الفصيل السلفي مع السياسة والديمقراطية والتي تؤكد على تخبطهم بين الديني والسياسي.

شارك