دراسة توضح استراتيجية الولايات المتحدة للتعامل مع المقاتلين العائدين من سوريا

الأحد 07/مايو/2017 - 03:11 م
طباعة دراسة توضح استراتيجية
 
نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في نهاية شهر أبريل الماضي 2017، تقريرا بعنوان "بعد الجهاد: رد الولايات المتحدة على مشكلة المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، والذي يأتي ضمن فعاليات المنتدى السياسي للمعهد، وكجزء من سلسلة محاضرات برنامج "ستاين" لمكافحة الإرهاب. 
التقرير الذي أعده جاكوب واليس، المستشار السابق لشؤون المقاتلين الأجانب في "مكتب وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف العنيف"، ألقى فيه الضوء على سياسة الولايات المتحدة تجاه المقاتلين الأجانب، حيث أكد أن الولايات المتحدة من ركزت على مشكلة المقاتلين الأجانب جاء في عام 2012، قبل ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» بشكل كامل، وذلك بهدف منع الأفراد من الانضمام إلى المعارك في العراق وسوريا، ولكن مع انخفاض تدفق المقاتلين إلى مناطق الصراع في هذين البلدين بشكل حاد، حوّلت واشنطن وحلفاءها مسار اهتمامها في التعامل مع قضية المقاتلين الذين عادوا أو سيعودون إلى بلدانهم. 
تواجه السلطات التونسية صعوبةً في رصد العدد المرتفع من العائدين من تنظيم "الدولة الإسلامية"، حيث تعد تونس أكبر مصدر للمقاتلين إلى العراق وسوريا؛ أما في الاتحاد الأوروبي، فإن حرية السفر ضمن منطقة "شنغن" تجعل القارة الأوروبية بأكملها أكثر عرضةً للمخاطر.
ويؤكد جاكوب واليس في تقريره أنه من أكثر أوجه القصور التي شابت التعامل مع المقاتلين الأجانب أو المقاتلين العائدين، وإهمال المتطرفين المحليين، خاصة وأن معظم الهجمات الأخيرة في أوروبا تن تنفيذها على يد متطرّفين محلّيين، وهو الأمر بالنسبة لجميع الهجمات المتعلقة بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في الولايات المتحدة.
ويوضح واليس أن العائدون من الحرب يتميزون عن أولئك المحليين بأنهم مدرّبون وأن المعارك الميدانية عززت قواهم، ولذلك فهم عادةً ما تكون عملياتهم أكثر دقة وشراسة؛ الأمر الذي أثبتته الهجمات الجماعية في باريس عام 2015 وبروكسل في عام 2016.

أوجه التعاون بين الولايات المتحدة وأوروبا فيما يتعلق بالمقاتلين العائدون:

 أوجه التعاون بين
أولا: التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات:
تعد برامج تبادل المعلومات الاستخباراتية والقضاء على التطرف، بين الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من أدوات التعامل مع العائدين، وهي نفس الأدوات المستخدمة في إدارة التطرّف العنيف المحلي.
قامت إدارة مكافحة الإرهاب بالولايات المتحدة بتقسيم برامج معالجة المقاتلين الأجانب إلى فئتين واسعتين: الأولى هي البرامج متعددة الأطراف، أما الثانية فهي البرامج الثنائية. وتجري الجهود المتعددة الأطراف بشكل خاص داخل "الائتلاف العالمي لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا"، ولكن أيضاً ضمن "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب"، وهو مجموعة منفصلة كانت قائمة قبل تكوين الائتلاف. 
ويفرق الباحث واليس بين كل من "الائتلاف العالمي" و"المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب"، فالأول يتكون بشكل رئيسي من حلفاء الولايات المتحدة المستعدين للمشاركة في العمليات من دول الشرق الأوسط وأوروبا، في حين يتمتع "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب" بعضوية أوسع، وتقتصر معظم مساهمات التحالف على ساحة المعركة، حيث يمكن للجيوش استهداف قادة الإرهابيين. وفي المقابل، يمكن للوكالات المدنية التصدي داخليا لهم، للتحدي الذي يفرضه العائدون بشكل أفضل ضمن إطار ثنائي، مما يوفر المجال اللازم لتبادل المعلومات الاستخبارية وتحسين أمن الحدود ومنع التطرف عند الجبهة الأمامية.
تتجسد المبادئ التوجيهية لمكافحة المقاتلين الأجانب في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2178، والذي يقضي بأن تتخذ الدول الأعضاء إجراءات في أربعة مجالات واسعة هي: 
- إنشاء دوريات حدودية فعالة.
- تبادل المعلومات في مجال العمليات.
- التعاون على منع التطرف والتجنيد.
- اعتماد قوانين محلية تجرّم السفر والتجنيد والتمويل الجهادي. 
وكان هجوم باريس عام 2015 قد حوّل تركيز الولايات المتحدة نحو أوروبا، انطلاقاً من تخوّف هذه الأخيرة من قدرة المقاتلين العائدين حاملي جوازات السفر الأوروبية على السفر إلى الولايات المتحدة دون تأشيرات دخول، وساهم هجوم سان برناردينو في العام نفسه في إثارة جو الذعر السائد في أمريكا، الأمر الذي دفع الكونغرس مباشرة بعد ذلك بالتشديد على متطلبات التنازل عن تأشيرة الدخول الأوروبية.
أثمر التعاون بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية من تحديد نقاط ضعف نظام "شنغن" وأوجه القصور في تبادل المعلومات داخل أوروبا. وصاغت وزارة الخارجية الأمريكية مبادرة "فريق الحالات الطارئة المتعلقة بالمقاتلين الأجانب" (FFST) وساعدت الاتحاد الأوروبي على وضع خارطة طريق العمل البيني [التشغيل البيني] الخاصة به.

ثانيا: التشغيل البيني لخارطة الطريق الأوروبية:
أما مجال التعاون الرئيسي الآخر، فكان التشغيل البيني لخارطة الطريق الأوروبية، وهي مبادرة قام بها الهولنديون خلال رئاستهم للاتحاد الأوروبي في عام 2016، حيث يتّبع الاتحاد الأوروبي نظاماً معقداً لقوائم مراقبة الإرهاب - وأحد بنوده هو لمراقبة الحدود، وبند آخر لإنفاذ القانون، وثالث لطلبات اللجوء. وفي معظم الحالات، لا يوجد اتصال بين قواعد البيانات هذه، كما أن القوانين الأوروبية قد حالت أحياناً دون تقاسم المعلومات. 
وقد بدأت خارطة الطريق بمسألة قابلية العمل البيني في مجال تبادل المعلومات، إلاّ أنّها سرعان ما اتسعت لتتناول القواعد القانونية والتنظيمية التي تضبط خصوصية البيانات بشكل مُحكَم في أوروبا. وعملت الولايات المتحدة بشكل وثيق مع الهولنديين لدعم تطوير خارطة الطريق والموافقة عليها، وقد أذن بها مجلس الاتحاد الأوروبي رسمياً في عام 2016؛ ومنذ ذلك الحين ساعد الخبراء التقنيين الأمريكيين الاتحاد الأوروبي على تنفيذ مختلف القرارات المنبثقة عن ذلك الإذن، وبنَوا نظام سيستغرق تنفيذه بالكامل سنوات عديدة. وعموماً، كان التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فعالاً للغاية، كما أن العلاقات الثنائية لمكافحة الإرهاب قد تحسنت بشكل كيبير منذ هجوم باريس، وخاصة مع فرنسا.
التقرير أيضا رصد جهود الولايات المتحدة في مناطق شمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، حيث أكد الباحث أن العلاقات في هذه المناطق تتسم بالمساعدة أكثر من التعاون الفني، حيث انطوى الجزء الأكبر من عمل واشنطن هناك على دفع شركائها نحو تنفيذ قوانين مكافحة الإرهاب التي كانت قائمة بالفعل، إلاّ أنّ مستوى نجاحها في هذا الصدد كان متبايناً.
فدولة مثل تركيا تنظر إلى الجماعات الكردية كونها تشكل تهديدا أكبر لها من المقاتلين العائدون أو الأجانب، وعلى الرغم من محاولة الولايات المتحدة تنمية تعاون منظم ما بين الوكالات مع تركيا، إلاّ أنّ جهودها تبدّدت مع محاولة الانقلاب التي وقعت في تركيا في العام الماضي، نفس الشيئ تكرر في الجهود الأوروبية - التركية المشتركة بشأن المقاتلين الأجانب والعائدين عشوائية؛ الجانب الإيجابي في هذا التعاون جاء في أعقاب سلسلة من الهجمات التي شنّها تنظيم «الدولة الإسلامية» داخل تركيا، حيث شددت أنقرة سيطرتها على حدودها ، من الصعب جداً اليوم عبور سوريا أكثر مما كان عليه الوضع في الماضي.

ويرى الباحث جاكوب واليس أنه يتوجب على الولايات المتحدة مواصلة العمل عن كثب مع شركائها حول العالم بشأن مكافحة الإرهاب. ومن المرجح أن يتلاشى التركيز على الاتحاد الأوروبي، ليس لأن التهديد قد تضاءل في القارة، بل لأن القدرات الأوروبية قد تحسنت بشكل ملحوظ في العامين الماضيين، مشيرا إلى أن هذا النوع من التعاون مع الدول الأخرى يستلزم بالضرورة أموال المساعدات الخارجية من أجل مساعدة البلدان الأخرى على تنفيذ برامج اجتثاث التطرّف، ومراقبة الحدود، ونُظم الاتصالات الداخلية. ولم يتضح حتى الآن ما إذا كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب ستتيح االأموال اللازمة لمثل هذه البرامج المدنية. ومع ذلك، لن يمكن التوصل إلى حل لمشكلة المقاتلين الأجانب من خلال الوسائل العسكرية وحدها.

شارك