الأزهر الشريف وإشكالية الحفاظ على التراث

الإثنين 29/مايو/2017 - 03:47 م
طباعة الأزهر الشريف وإشكالية
 
نحن كعرب نصر دوما على وجود الصراع، فلابد ان يكون هناك آخر ديني أو حضاري للصراع معه، ورغم ان العديد من المفكرين والفلاسفة قدموا نقدا لهنتنجتون وكتابه "صدام الحضارات" الا ان شيخ الأزهر يصر على وجود هذا الصدام واقراره خوفا من الذوبان في الحضارة الغربية، رغم ان الحضارة سواء كانت غربية او شرقية فإنها في المقام الاخير منتج انساني من حق الانسانية جميعا الاستفادة منها بغض النظر عن مكان وبلد المنشأ، حيث قال الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الحديث عن أن مقوماتنا الحضارية أصبحت في ذمة التاريخ وعلينا البحث عن حضارة أخرى، هو مغالطة.
وتابع الطيب خلال حواره في برنامج "الإمام الطيب"، المذاع عبر فضائية "إكسترا نيوز": "مستعدين نقفل تراثنا الإسلامي، لكن ما البديل؟ ليس لديهم إلا أن نذوب في الحضارة الغربية، لا حل لديهم إلى أن ننبطح وننسحق للحضارة الغربية، البحث عن حضارة جديدة مغالطة، مثل واحد بيقول هأعدمك وشوف بعدها هأسكنك في قصر".
وأشار الطيب إلى أن قول قاسم أمين "إن العالم لا يحتمل إلا مدنية واحدة هي الأوروبية، وعلى الباقي يروح" يتفق مع نظرية صدام الحضارات لهنتنجتون، الذي قال "العالم يعيش صراع الحضارات، ونحن أمام ثلاث حضارات، الحضارة الغربية والشرق أوسطية أو البوذية، والحضارة الإسلامية"، ورأى أن "البوذية لا مشكلة فيها لأنها مستعدة للانزواء تحت الغربية، أما الإسلامية حضارة صراع يجب القضاء عليها".

الأزهر الشريف وإشكالية
وحول الأزهر وسؤال التجديد ومواجهة الفكر الغربي والحفاظ على التراث دار كتاب الراحل الدكتور علي مبروك استاذ الفلسفة بجامعة القاهرة "الأزهر وسؤال التجديد"، الصادر عن دار مصر العربية.
حيث طرح الدكتور علي مبروك في كتابه أسئلة عديدة، حول الأزهر والخطاب الديني، والحرية الدينية في الإسلام، والتطرف وأزمة الثقافة في مصر، محاولًا تفنيدها والإجابة عليها، ومنهم؛ هل يقدر أصحاب الفضيلة على إنجاز التجديد؟، لماذا أخفق الإصلاح الديني في الإسلام؟، التجديد بين "التقديس" و"التجريس"، الأزهر والتجديد.. من الخديو إسماعيل إلى الرئيس السيسي، والأزهر بين النص والمذهب / الخطاب، والخطاب الديني ومأزق التجديد.

ويقول الكاتب الراحل على مبروك في كتابه "الأزهر وسؤال التجديد": إن "بعد أكثر من قرن ونصف على طلب الخديوي إسماعيل من المؤسسة إصلاح الفقه، فإن الرئيس السيسي هو الذي يدعو الآن إلى ثورة في الموروث الديني. ورغم ما جرى من إعلان شيخ الأزهر وعلمائه للتجاوب مع هذه الدعوة إلى الثورة، وتجديد الخطاب الديني، فإنه يبدو - ولسوء الحظ - أنهم لا يملكون ما هو أكثر من مجرد إعلان النوايا الطيبة. ويرتبط ذلك بأنه إذا كانت الثورة في الدين وتجديد خطابه هي عملٌ معرفي في الأساس، فإن عملًا كهذا يستلزم ممن يتصدون له أن يمتلكوا المنهجيات والأدوات المعرفية التي يتمكنون معها على إنجازه. ولسوء الحظ، فإن ما يصدر عن رجال المؤسسة إنما يكشف عن أنهم قد اختاروا الأيسر؛ حيث اكتفوا بمجرد ترديد المفاهيم من دون أدنى وعيٍ بحمولاتها المعرفية التي يستحيل للمفاهيم أن تنتج في غيابها".
وكمثالٍ، فإنهم إذا كانوا لا يتوقفون عن ترديد مفهوم الخطاب - وهو أحد أكثر المفاهيم ثراءً وخصوبة في سياق التطورات المعرفية المعاصرة - فإنهم يستخدمونه بدلالة لا يتجاوز معها حدود مجرد "الخطابة"؛ وبحيث يبدو وكأن "تجديد الخطاب" لا يتجاوز مجرد "تحديث الخطابة" وأسلوب القول. إن ذلك يعني أنهم لن يتجاوزوا ما فعل أسلافهم - على عصر الخديوي إسماعيل - الذين قبلوا بالتحاكم إلى محاكمه الأهلية الحديثة، ولكن مع الرفض الكامل للاقتراب من الموروث.
وبالمثل، فإن الشيوخ الآن قد قبلوا بترديد مفاهيم الخطاب والتجديد والثورة وغيرها، ولكن مع تفريغها من دلالاتها على النحو الذي يظل معه الموروث الديني قائمًا على حاله. وهنا فإنه إذا كان جمود الشيوخ الأوائل قد أدى إلى إسقاط الشريعة؛ وعلى النحو الذي اضطر معه الخديوي إسماعيل إلى العمل بشريعة نابليون، فإن مراوغة الشيوخ الحاليين لن تؤدي إلا إلى استمرار أصول التطرف والعنف قائمة على حالها.
وكان يقول أستاذ الفلسفة الإسلامية في جامعة القاهرة الدكتور علي مبروك إن القيادة السياسية في مصر وضعت مهمة تجديد الخطاب الديني على عاتق مؤسسة الأزهر، ومن ثم السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل الأزهر بمستواه المعرفي وتركيبته الراهنة قادر على التجديد؟" ويجيب: "أشك في قدرة الأزهر على القيام بهذه المهمة، لأنها تتطلب مستوى تعليميّاً ومعرفيّاً غير متوافر في الأزهر، الذي يُكرس لكل ما هو قديم".
"القطيعة مع الموروث الديني" نادى بها بعض المفكرين وعلى رأسهم الشاعر أدونيس، إلَّا أن مبروك له وجهة نظر أخرى. إذ يقول: "الخطابات القديمة تتمثل خطورتها في أنها شكلت عقول الأحياء، ومن ثم علينا أن ندرك أننا لا نخوض معركة مع شيء منفصل عنا، بل نخوض معركة مع أنفسنا، ولذلك أرى أن مفهوم القطيعة يتم التعامل معه بقدر كبير من السذاجة. لأنهم يتعاملون مع القطيعة على أنها الخصام مع الموروث، لكني أرى أنه لا بد من الوصول إلى آليات جديدة وطريقة بديلة للتعامل مع الموروث الديني والسيطرة عليه، بإنتاج معرفة علمية جديدة وخطوات معرفية جادة وإلا فسيظل هذا الموروث يجد طرقه الخفية التي تمكنه من عقولنا".

الأزهر الشريف وإشكالية
ويرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور شريف يونس، أن تجديد الخطاب الديني، أو ـ وفقاً لتعبيره ـ "نقد الأصولية والنصوصية وتجاوزهما نحو فهم للإسلام أكثر تعددية ورحابة، وأقل ارتباطاً بالسلطة والقهر"، لا يمكن أن يأتي إلَّا في سياق حركة فكرية ومشروع ورؤية أوسع من هذا النقد أو هذا التجديد، موضحاً أن "التجديد أو النقد لا يمكن أن يكون محصوراً في التخلص مما يسمى التفسيرات الإرهابية أو الجهادية العنيفة للفقه، بل يجب أن تمتد المساءلة للمنطق والممارسة الفقهية الموروثة أصلاً، والمشتركة إلى حد كبير بين مختلف الفتاوى المتصارعة. كذلك يجب أن تمتد إلى تأكيد مبدأ حرية العقيدة، وفتح الجروح كافة، التي يتواطأ الفقه وما يسمى الفكر الإسلامي على إخفائها" ذاكراً كأمثلة الكيل بمكيالين وغياب أي منطق أخلاقي في عمل الأصولية الإسلامية، بل و"قيامها على منطق التوحش فعليّاً، تجاه كل الآخرين وكل المختلفين".
وعن المشروعات التنويرية التي سعت إلى نقد الخطاب الديني وتقديم خطاب بديل، يؤكد يونس أن هذه المشروعات "ستظل حبيسة نخبة من القراء العقلانيين إن لم تساندها قطاعات اجتماعية واسعة"، ذاكراً على وجه الخصوص مشروع نصر حامد أبو زيد.

شارك