خبراء أمريكيون: لماذا استمرت «القاعدة» .. بعد ظهور «داعش»؟ (2)

الأربعاء 26/يوليو/2017 - 09:59 م
طباعة خبراء أمريكيون: لماذا
 
اسم الكتاب: لماذا استمر تنظيم القاعدة بعد ظهور داعش؟
المؤلف: مجموعة باحثون وأكاديميون من الولايات المتحدة الأمريكية 
دار النشر: معهد واشنطن لدراسة سياسات الشرق الأدنى
تاريخ النشر 30 يونيو 2017
نشر معهد واشنطن لدراسات سياسة الشرق الأدنى، كتابًا جديدًا بعنوان "لماذا استمر تنظيم القاعدة بعد ظهور داعش؟"، وكانت بوابة الحركات الإسلامية قدمنا ترجمة الجزء الأول من الدراسة، والآن نقدم الجزء الثاني، هو نتاج ورش عمل بحثية لمجموعة من الباحثين والمتخصصين في السياسة الأمريكية والمهتمين بالجماعات الأصولية المتطرفة والأكاديميين، وأشرف عليه نيكولاس راميسون، مدير المعهد، و الباحث والمحرر "آران . واي . زيلين"، الكتاب يقع في 125 صفحة، وقامت بوابة الحركات الإسلامية بترجمة الفصل الثاني والذي يحمل عنوان "التهديد الإرهابي وخيارات إدارة ترامب"
في الوقت الذي انشغل فيه العالم في محاربة تنظم داعش لما يشكله من خطورة حقيقية، كان تنظيم القاعدة يقوم بإعادة بناء موارده بهدوء وتروٍ، من أجل استكمال حربها ضد الولايات المتحدة الأمريكية، الهدف الذي وضعه لها مؤسسها أسامة بن لادن، وكانت النتيجة أن كلا التنظيمين استدرجا الولايات المتحدة والغرب في حرب استنزاف مفتوحة.
وعلى الرغم من كل الضرر الذي لحق بالجانبين، إلا أن داعش والذي بنى له قاعدة خارجية كبيرة في ليبيا وسوريا والعراق، ولكنه مازال على قيد الحياة حتى في المناطق التي خسر فيها أراضٍ كثيرة وانسحب من مناطق مثل سرت الليبية ومدينة الموصل في العراق.
قام تنظيم القاعدة بتعظيم خطورته ليصبح أكثر خطورة أكثر من ذي قبل، حيث قام بتعزيز قدراته العسكرية في توجيه الضربات الإرهابية، في هذا التقرير سيتم مناقشة خمسة محاور تتناول كيفية قيام تنظيم القاعدة من تعزيز قوته وقدراته البشرية والتكتيكية والعسكرية في فترة ازدهار تنظيم داعش المنشق عنه والمنافس له.
المحاور الخمس هي:
1- مرونة العمليات الخارجية لتنظيم داعش وتسليحها في بيئة ما بعد الخلافة.
2- التهديد المحتمل الذي يشكله عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب المنضمين لكل من تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة.
3- احتمالية قدرة تنظيم القاعدة على امتصاص للعناصر الإرهابية التي ستنجو من حرب داعش أو الفارة منه.
4- احتمالية قدرة العناصر الإرهابية من تطوير أسلحة الدمار الشامل، باعتبارها التهديد الأبرز والذي يجب أخذه في الاعتبار.
5- ما الذي ستفعله الإدارة الجديدة للتنظيم.

المحور الأول: مرونة العمليات الخارجية لتنظيم داعش وتسليحها في بيئة ما بعد الخلافة
للأسف فإن تنظيم داعش ولد ليبقى، على الأقل في المستقبل القريب، فالتنظيم وقبل عامين من هجمات باريس في 2015، استطاع من بناء شبكة عمليات خارجية في أوروبا، والتي تعرف في بعض الدول باسم "وحدة العمليات الخارجية"، وتم بناء خلايا إرهابية في العديد من الدول الأوروبية، تستطيع العمل بشكل مستقل ومنفصل عن التنظيم الأم، وتستطيع أن تضع الخطط لهجماتها الإرهابية، كما إنها تنظم لخطط لتأمين الخاصة بأعضائها، الأمر الذي أشارت إليه صحيفة النيويورك تايمز في 2016، التقرير الذي أكد أن داعش أرسل إلى أوروبا مئات من الانتحارين ومنفذي العمليات، والذين عادوا إلى أوروبا باعتبارهم لاجئين حرب، متسللين عبر الحدود التركية، هذه الاستراتيجية ضمنت لتنظيم داعش بأن يبقى الإرهاب في أوروبا ليقوم بتنفيذ ضربات موجعة وفعالة داخل القارة الأوروبية، ونقل أرض المعركة من ليبيا أو سوريا والعراق إلى الداخل الأوروبي.
في الحقيقة لقد استطاع أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم، من بناء قاعدة محاربين أجانب ليس من أجل الهجرة من أجل دولة الخلافة، وإنما للهجرة إلى فروع التنظيم المتمثل في ما يسمى بـ"الولايات"، هذه الفروع أو الولايات والخلايا المنتشرة للتنظيم تقدم له امتيازا بأن يمثل تهديدا وخطرا كبيرا على أوروبا.

المحور الثاني: التهديد المحتمل الذي يشكله عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب المنضمين لكل من تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة.
إلى جانب خطر الخلايا النائمة التي زرعها تنظيم داعش داخل أوروبا، هناك خطر المقاتلين العائدون إلى أوروبا، فهناك ما لا يقل عن 7000 آلاف مقاتل عادوا إلى أوروبا، وهي نسبة ضئيلة للمقاتلين الذين سافروا للانضمام إلى تنظيم داعش ، حيث يقدر عددهم بحوالي 40 ألف مقاتل، جاءوا من 100 دولة، وهذا يعني أن داعش استطاع تجنيد عدد كبير من المقاتلين أكثر من التقديرات المتفائلة  التقديرات الأكثر تفاؤلا بعدد المقاتلين، بعبارة أخرى أن التنظيم حرص على تدريب رعاياه الأجانب خلال العامين بشكل أكثر قوة وكثافة من الـ12 عاما الذي قضاها مقاتلي أفغانستان في القاعدة، وهو مؤهلون ليشكلوا مجموعات عمل، ويتمتعون بالقدرات التنظيمية والقتالية بما يمثلون من خطر إسلامي جديد.
على عكس التركيبة السكانية الجغرافية الضيقة نسبيا لمجندين سابقين في تنظيم القاعدة، فإن كتيبة داعش الأجنبية تشمل قوميات غير ممثلة حتى الآن، مثل مئات الأمريكيين اللاتينيين مع مواطنين من مالي وبنين وبنغلاديش وغيرهم من الجهاديين غير النمطيين، وفي الوقت نفسه، لا يزال الخطر الناجم عن هجمات الذئاب المنفردة.
إذن هناك ثلاثة أنواع من التهديدات التي تهدد أوروبا وهي:
1- الخلايا النائمة
2- العائدون من المقاتلين الأجانب
3- الذئاب المنفردة وهؤلاء من المتعاطفين مع التنظيم من داخل مجتمعاتهم.

المحور الثالث: احتمالية قدرة تنظيم القاعدة على امتصاص للعناصر الإرهابية التي ستنجو من حرب داعش أو الفارة منه.
استطاعت القاعدة في الوقت الذي استحوذت فيه داعش على اهتمام وسائل الإعلام، وتصدرت عناوين الأخبار في الصحف ونشرات الأخبار، قام تنظيم القاعدة بإعادة بناء مواردها وقواعدها لمواصلة حياتها التي تمتد قرابة العشرون عامًا، ما لا يستطيع أحد أن يدركه أن وجود تنظيم القاعدة في سوريا يعد أخطر بكثير من وجود داعش، والدليل على ذلك رسائل الظواهري التي أطلقها في فبراير ويونيو 2012طالب فيها الناس بدعم انتفاضة السوريين ضد نظام الأسد، كما دعا المسلمين في تركيا والعراق ولبنان ببذل كل ما في وسعهم للإطاحة بنظام العلويين.
وتعد جبهة النصرة أو جبهة فتح الشام، بغض النظر عما تسميه نفسها، أكثر قدرة وتهديدا وخطورة من داعش، على المدى الطويل، خاصة وأنها تنشر عن نفسها بأنها "التنظيم الأكثر اعتدالا ومعقولية" عن داعش، مما يجد انتشارا واسعا وقبولا من المواطنين العاديين الذين كرهوا ممارسات داعش.
استراتيجية الظواهري خلال هذه السنوات الأربع ، كانت أكثر ملائمة وأوسع نطاقا لإعادة بناء النظيم داخل سوريا والعراق، ففي الوقت الذي كان اهتمام قوات التحالف بمحاربة منصبا على مواجهة داعش وتوجيه كل الضربات ضد التنظيم، كانت القاعدة تعيد بهدوء قوتها العسكرية، وتخبأ قنابلها في المخابئ الجديدة، مدعوم بغطاء شعبي لأنهم "معتدلون" وعلى النقيض من تنظيم الدولة الإسلامية.
هل كانت القاعدة في حاجة أن تجنيد عناصر جديدة من أجل الانضمام إلى جبهة النصرة؟، إن فوائد انضمام ممن سيقعون ضحية دعاية القاعدة بأنها الأكثر اعتدالا، سيكون مردوده كبير جدًا، خاصة وأنها لا تريدهم كعناصر قتالية في الوقت الحالي، بل هم الآن في طور الإعداد الفكري والقتالي والتدريب العسكري، لمن سيستقطبهم التنظيم حديثًا، ليكونوا الجيل المقاتل الجديد.

تعود أهمية سوريا بالنسبة للقاعدة لأنها من أكثر المدن التي انتقل إليها عدد كبير من قيادات القاعدة التي عاصرت بن لادن ومنهم موشين الفضلي، أحد أصدقاء بن لادن المقربين، والذي كان يقوم بإعداد حتى قبل مماته - في أحد الغارات الجوية للولايات المتحدة الأمريكية في 2015 – بإعداد نخبة القاعدة وإرسالهم إلى خراسان، لينتقل بمجرد تكوين البنية التحتية في سوريا الحاضنة لاستقبال عناصر ومقاتلين القاعدة القادمين من خراسان،  فمثلا كان حيدر كركان، وهو مواطن تركي وقائد كبير في القاعدة منذ زمن بعيد، تمت إعادته إلى وطنه عام 2010، بتوصية من أسامة بن لادن نفسه، وكانت أوامر لكركان هو بناء بنية تحتية في سوريا لتسهيل حركة أفراد القاعدة الرئيسيين وبناء المخابئ والملاذات الآمنة لهم
في أواخر عام 2015، قام الظواهري بإرسال سيف العدل، إلى سوريا، وهو القائد الأعلى للقوات والأكثر خبرة في ميدان المعارك، قام بإرساله إلى سوريا من أجل الإشراف على مصالح التنظيم هناك. وتأسيس هيكل التنظيم في سوريا مع المتابعة مع القيادة الأم، ولذلك فهي الآن في وضع جيد نسبيا، خاصة بعد الخسائر الإقليمية لداعش، وبالتالي فإن الفرصة سانحة لاستعادة مكانتها لتكون في طليعة الحركات السلفية الجهادية، خاصة وأن داعش لم يعد بمقدور التنافس مع التنظيم العجوز من حيث التأثير، والوصول، والقوى العاملة، والتماسك.

أما مجال القوة الوحيد لتنظيم داعش هو القدرة على شن هجمات إرهابية مذهلة في أوروبا، وهذا هو فقط لأن القاعدة قررت في الوقت الراهن ألا تتورط في هذا النوع من العمليات.

الاحتمالية الضعيفة جدا - بالنظر إلى المستقبل القريب-  فإن انتكاسات داعش المستمرة وإضعافها المتسلسل، ممكن أن يدفعها لعمل بعض المصالحة مع "تنظيم القاعدة "، خاصة وأن هناك جهود مبذولة لإعادة التوحيد مستمرة في الواقع من كلا الجانبين.

المحور الرابع: احتمالية قدرة العناصر الإرهابية من تطوير أسلحة الدمار الشامل:
ليس هناك معنى أن تقوم بتصفية قيادات التنظيمات الجهادية المسلحة، في الوقت الذي تتمدد فيه هذه الكيانات جغرافيا، قبل عام من بدء الولايات المتحدة الأمريكية ضرباتها على تنظيم دولة الخلافة، كان للتنظيم حضور وامتداد في 7 دول فقط لا غير، ولكن مع نهاية 2016، وبعد عام من الهجمات اصبح تواجد داعش في 18 بلدة، يعمل فيها بكامل طاقاته وقوته، وبدلا من تجنيد شباب الدول العربية، أصبح يستقطب شباب من أوروبا أيضًا.
ليس هذا فحسب، بل استطاع أن يقيم لنفسه معامل اختبارات شبيهة بمعامل البحث العلمي من أجل تصنيع وتطوير الأسلحة التي يحصل عليها، اهتمام أسامة بن لادن بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية الأمر الذي انتقل تباعا لتنظيم داعش الذي بدأ يقوم بتصنيع متفجرات بعد أن أقام معامل لتطوير الأسلحة سواء التي يشتريها أو تلك التي يستولى عليها من خصومه.

النتائج: كيف من الممكن أن تتعامل إدارة ترامب مع القاعدة وداعش؟

تواجه إدارة الرئيس دونالد ترامب أشرس حرب على الإرهاب لأنها تواجه تنظيمين كل واحد على حدة له استراتيجية حرب، فهناك: 
1- جبهتين للحرب والاثنان أصبحا يتمركزان في نفس المنطقة الجغرافية
2- مقاربة فاشلة بين التنظيمين، وبالتالي لا تستطع الولايات المتحدة أن توحد جهودها على عدو واحد
3- استنزاف جهود القوات الأمريكية في تدريب القوات المحلية العراقية والبيشمركة وغيرها.
فلا عجب إذن أن تفشل الولايات المتحدة في توجيه ضربة عسكرية موجعة للتنظيم، خاصة وأنها استدرجت إلى حرب استنزاف مفتوحة، وهذا النوع من الحروب هو المفضل لدى هذه الجماعات.
وهذه كانت إحدى رسالة "بن لادن" عندما كشف عن استراتيجيته قائلًا:
"إن شاء الله، ولا شيء عظيم على إرادة الله، وبالإضافة إلى ما لدينا من خبرة في استخدام حرب العصابات وحرب الاستنزاف لقتال القوى العظمى الاستبدادية، وباصطفافنا جنبا إلى جنب مع المجاهدين، استطعنا أن نهزم روسيا بعد حرب استمرت 10سنوات، حتى أنهكنا قوى العدو فاضطر إلى الانسحاب ..".
لذلك إن قتل عدد محدود من قيادات التنظيم، دون حصر أو استهداف قيادات الصف الثاني والثالث من التنظيم، يعني أن التنظيم سيظل متجدد الوجود، ريثما استكان لفترة سيعاود بناء نفسه للظهور مجددًا، طردهم من معاقلهم، سيتوجهون إلى آسيا أو غرب أفريقيا أو ليبيا، يعيدون فيه بناء نفسهم قبل المعاودة للظهور بشكل أكثر شراسة.
تدريب القوات المحلية لن يجدي خاصة ان هذه القوات تأخذ وقت طويل حتى يكون لديها الخبرة الكافية في التعامل مع الإرهابيين.

سواء كان في أفغانستان أو ليبيا أو العراق وسوريا فإن التنظيم استطاع أن ينشأ ملاذات آمنة جديدة وبعيدة عن سيادة حكومات تلك الدول، كما استطاعت تلك التنظيمات من تطوير سرعة بناء نفسها بفاعلية وتطوير أدواتها وأسلحتها وحتى من موارها المالية، بشكل يضمن لها تطوير أساليب القتال الخاصة بها، ولذلك على الإدارة الجديدة أن تمنع من انتشار فروع التنظيم أفقيا ومنع تمددها الجغرافي.

إن بيئة التهديد الحالية التي يطرحها ظهور الدولة الإسلامية وانتشارها واستخدامها لكافة أنواع العنف بسهولة، إلى جانب استحداث تنظيم القاعدة المخضرم إرهابيا، يتطلب من الولايات المتحدة وضع استراتيجية جديدة وسلوكيات تنظيمية ومؤسسية جديدة، خاصة وأن التحديات غير التقليدية التي تواجه الأمن القومي الأميركي وضرورات السياسة الخارجية التي يطرحها خصوم غير نظاميين، وتؤكد على الحاجة إلى تثبيت التغييرات التي من شأنها أن تسد الفجوة بين اكتشاف النشاط غير النظامي وغير المتكافئ للتنظيمين بهدف التغلب عليه سرعة التغلب عليه.

تستند فعالية هذه الاستراتيجية إلى قدرة الولايات المتحدة على التفكير بنفس منهج التنظيمين، مثل العدو الشبكي، تحسبا لكيفية عمل هذا العدو في مجموعة متنوعة من الحالات، في ظل وجود موارد مختلفة، ويتطلب هذا الهدف تنظيم هيكل الأمن القومي الأمريكي لأقصى قدر من الكفاءة، وتقاسم المعلومات، والأداء السريع والفعال في إطار تعريفات تشغيلية جديدة.

شارك