رؤية أمريكية: مستقبل «القاعدة» في ظل وجود «داعش»

الخميس 10/أغسطس/2017 - 06:49 م
طباعة رؤية أمريكية: مستقبل
 
رؤية أمريكية: مستقبل
نشر مركز راند الأمريكي، والمعني بالدراسات والتحليل، تقريرا مطولا ركز فيه على مستقبل تنظيم القاعدة  الإسلامي بعد الحرب على داعش، التقرير الذي ترجمت بوابة الحركات الإسلامية، وتستعرض فيه نفس النقاط الذي يمثله تنظيم القاعدة وما تحمله من الأيديولوجية، يقول المقال: "على الرغم من أن الولايات المتحدة قد ركزت جهودها على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضا باسم داعش)، فإن تنظيم القاعدة يحاول العودة بهدوء حذر، أما احتمالات النجاح والفشل، انقسمت التقييمات بجدوى هذه المحاولة ما بين فريق يرى أن القاعدة لن يستطيع العودة مجددًا، مثل دانييل بيمان، المراقب من جامعة جورج تاون، حيث يرى أن التنظيم تراجعت شعبيته، مرجعًا السبب في الجهود الفعالة لمكافحة الإرهاب من جانب الولايات المتحدة ودول أخرى.

ولكن العديد من هذه التنبؤات حول ما إذا كان تنظيم القاعدة سيعاود الظهور أو سيتراجع هي افتراضات لأنها فشلت في تحديد أهم العوامل التي يمكن أن تؤثر على مسار التنظيم، فقوة التنظيم قديمًا لم تكن ممنهجة سهل التنبؤ بخطواتها وتوقع سيناريوهات لها، وحاليًا التنظيم مشلول وتضاءل انتشاره وقوته نتيجة عدة عوامل مثل انهيار الحكومات في دول مثل العراق وسوريا واليمن، وبالتالي، فإن المهمة الأولى في تحليل مستقبل القاعدة هي مهمة منهجية وذلك من خلال تحديد العوامل التي يمكن أن تؤثر على مسارها المستقبلي، إن معظم المناقشات حول مستقبل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية يفتقر إلى النهج التحليلي، وقفز صناع السياسات والأكاديميون بسرعة إلى استنتاجات حول مستقبل التنظيمين وأغلب هذه الاستنتاجات لا تعدو مجرد تخمين.

ولهذا فإن إمكانية رجوع تنظيم القاعدة يعود إلى عدة نواحٍ منها قدرتها على الاستفادة من الفرص المستقبلية والمتمثلة في إزاحة تنظيم داعش وما سيتبق من هذا التنظيم في ظل هزائمه وتراجع سيطرته على أراضيه في سوريا والعراق، أيضًا مصير ساحات القتال الرئيسية مثل أفغانستان والعراق وسوريا، وشكل الحكومات التي ستتولى هذه البلاد بعد انسحاب قوت التحالف الدولي والقوات الأمريكية؛ أيضًا احتمالية صعود تنظيم آخر كاريزمي أو زعيم جهادي آخروغيرها.

القاعدة مراحل الصعود والهبوط:
انتشر تنظيم القاعدة في أربعة موجات، الأولى عام 1988، والتي استمرت حتى عام 2000، البداية كانت بسبب الحرب السوفيتية في أفغانستان، حيث أسس أسامة بن لادن، أيمن الظواهري، وقادة آخرين تنظيم القاعدة لمكافحة القوات السوفياتية في أفغانستان، وبعد عشر سنوات، في 7 أغسطس 1998، شنت القاعدة هجمات متزامنة ضد السفارات الأمريكية في نيروبي بكينيا، ودار السلام في تنزانيا، ثم قام مقاتلو القاعدة بقصف طائرة "يو إس إس كول" في 12 أكتوبر 2000، بينما كانت تزود بالوقود في اليمن. وأسفر الهجوم عن مقتل 17 جنديًا أمريكيًا، وإصابة 39 آخرين. هذه كانت الموجة الأولى من الهجمات، والتي بلغت ذروتها عام 2001 مع أحداث 11 سبتمبر. 

على مدى العامين المتتاليين، واجه التنظيم انتكاسة مع الولايات المتحدة وحلفائها، حيث تم القبض على أغلب قاداتها أو قتلهم وملاحقتهم في أفغانستان وباكستان والولايات المتحدة، وفي جميع أنحاء العالم .

بدأت موجة ثانية عام 2003 بعد الغزو الأمريكي للعراق، بدأ أبو مصعب الزرقاوي وجماعته جماعة التوحيد والجهاد حملة تمرد عدوانية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، لينضم الزرقاوي إلى التنظيم عام 2004، واستطاع التنظيم من تنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة خارج العراق، فشن التنظيم هجمات في بلدان مثل إندونيسيا والمغرب والمملكة العربية السعودية وتركيا. وفي مارس 2004، قام إرهابيون من شمال أفريقيا ينتمون أيديولوجيا للتنظيم، بتفجيرات منسقة ضد قطار الركاب في مدريد بإسبانيا، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 200 شخص، وإصابة نحو 200 آخرين. وفي 7 يوليو 2005، قامت القاعدة بواحدة من أكثر هجماتها جرأة في أوروبا، حيث قامت بثلاث عمليات انتحارية على ثلاثة قطارات في مترو أنفاق لندن وحافلة ذات طابقين. وأدى الهجوم إلى مقتل أكثر من 50 شخصًا وإصابة 700 آخرين، ولكن بحلول عام 2006، أصبح تنظيم القاعدة في العراق ضعيفًا للغاية، وأحبطت أجهزة المخابرات البريطانية والأمريكية عدة قيادات للتنظيم، كما أدت هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية إلى قتل كبار الرؤوس المدبرة في باكستان.

تأتي الموجة الثالثة لعودة التنظيم بقوة بين عامي 2007 و2009 بعد ظهور أنور العولقي، وهو أميركي يمني كاريزمي كان يعمل كإمام في المساجد في ولاية كاليفورنيا وفرجينيا، وظهور تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن، في 5 نوفمبر 2009، حيث قتل نضال حسن، وهو رائد في الجيش الأمريكي كان على اتصال مع العولقي، 13 شخصًا وأصيب 43 آخرين في فورت هود، بولاية تكساس، وفي الشهر التالي، حاول عمر فاروق عبد المطلب تفجير طائرة طيران نورث ويست إيربورت 253، التي كانت تطير من أمستردام إلى ديترويت، واشتعلت القنبلة، ولكن الولد الرئيسي لم ينفجر، وفي نفس العام، تم القبض على نجيب الله زازي، وهو أمريكي من نيويورك، لتآمره لتفجير مترو أنفاق مدينة نيويورك بعد اجتماعه مع كبار قادة القاعدة في باكستان، وبدأت الموجة المرتدة لهذا الانتشار في عام 2011، مع إعلان الولايات المتحدة عن قتل أسامة بن لادن، ومقتل كبار قادة القاعدة الآخرين في أعقاب حملة الطائرات بدون طيار الأمريكية.

وقد خلق الربيع العربي وتقليص أو انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان الظروف المواتية لظهور الموجة الرابعة، حيث وسعت فروع تنظيم القاعدة وجودها في بلدان مثل أفغانستان والصومال وسوريا واليمن، ووقعت معظم هجمات القاعدة في الموجة الرابعة في بلدان "بالقرب من العدو" وليس في الغرب، لكن المجموعة عادت تضعف عام 2014 بعد صعود تنظيم داعش، الذي كان سابقًا تنظيم القاعدة في العراق.

فروع القاعدة الخمسة ونشاطاتها:
القاعدة لا تزال شبكة كبيرة ومتداخلة، متشابكة ومعقدة، في مناطق متعددة، أيمن الظواهري هو زعيم تنظيم القاعدة، يحيط به المدير العام عبد الرحمن المغربي وكبير المديرين أبو محسن المصري. ويبدو أن القيادة الاسمية للتنظيم لها شرعية وتأثير محدودين على منظمة لها خمسة فروع: جبهة النصرة في سوريا، القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن؛ القاعدة في شبه القارة الهندية في جنوب آسيا؛ حركة الشباب في الصومال؛ والقاعدة في المغرب الإسلامي في شمال أفريقيا، وبالإضافة إلى ذلك، تحتفظ المجموعة بعلاقة نشطة مع مجموعات في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا مثل أحرار الشام في سوريا وشبكة طالبان وشبكة حقاني في أفغانستان وحركة طالبان الباكستانية في باكستان وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في المغرب العربي وغرب أفريقيا.

1- سوريا:
ومن بين أكثر فروع تنظيم القاعدة نشاطًا في أفغانستان وسوريا واليمن. فرع سوريا، حيث لا تزال جبهة النصرة عنصرًا هامًا من عناصر التمرد ضد النظام السوري. في يناير 2017، تعاونت مع عناصر من أحرار الشام وغيرها من الجماعات لتشكيل حركة تحرير الشام، ولكن جبهة النصرة لا تزال تعمل بشكل فعال كمرتكز لتنظيم القاعدة في سوريا، في ظل وجود ما يقرب من 10 آلاف مقاتل.


2- شبه الجزيرة العربية (اليمن):
حاول تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية باليمن توسيع موطئ قدمه في محافظات أبين، ومريب، وشبوة مع وجود ما يزيد عن 4000 مقاتل. وفي أبريل 2017، حدد قاسم الريمي، زعيم المجموعة، استراتيجيته لبناء دعم واسع وعميق من خلال استقطاب الجماعات والقبائل السنية في اليمن: "نحن نقاتل جنبا إلى جنب مع جميع المسلمين في اليمن، ومع الجماعات الإسلامية المختلفة. نقاتل مع السلفيين والإخوان المسلمين وأيضا مع إخواننا من أبناء القبائل.. نحن نشارك مع المسلمين في كل معركة ".

3- شبه القارة الهندية:
ما لا يعرفه الكثيون أنه في سبتمبر 2014، أعلن الظواهري عن إنشاء شبكة جديدة تابعة للقاعدة في شبه القارة الهندية، تشرف على أنشطة التنظيم في أفغانستان وبنغلاديش والهند وباكستان،  بقيادة عاصم عمر، وهو عضو سابق في حركة الجهاد الإسلامي، وهي جماعة إرهابية مقرها باكستان، ولديها فروع في شبه القارة الهندية، إلى جانب تعيين عمر أبو زهر، نائبًا أول له، ومعه 200 مقاتل يقودهم ويشرف عليهم.

على الرغم من استمرار القاعدة، إلا أن الحركة كان لها نجاحات في مجالات وإخفاقات في مجالات أخرى، فعلى سبيل المثال شنت عددا قليلا من الهجمات الناجحة في الغرب على مدى السنوات العديدة الماضية، خلافا لداعش، لكنها فشلت القاعدة في نفيذ العديد من الهجمات في الخارج. وقد وقع آخر مؤامرات القاعدة الرئيسية في الولايات المتحدة منذ ما يقرب من عقد من الزمان، عندما كان نجيب الله زازى، واثنان من شركائه مستعدين لشن هجمات انتحارية على مترو انفاق مدينة نيويورك، لولا كشف أجهزة الاستخبارات والأمن الأمريكية والبريطانية وإحباطها، ويعد شريف كواتشي، الذي تدرب في اليمن مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ضالعًا في الهجوم الذي وقع في يناير 2015 على صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة الأسبوعية في باريس، وأسفر الهجوم عن مقتل 12 شخصًا، وإصابة 11 آخرين. لكن هجوم "شارلي إيبدو" كان أبعد من تنظيم القاعدة، لأن معظم أعمال العنف التي قام بها القاعدة في الآونة الأخيرة كانت موجهة نحو أهداف في بلدان "بالقرب من العدو" مثل كينيا والصومال وسوريا واليمن.


سيناريوهات العودة والموجة الخامسة: 
ومن غير الواضح ما إذا كان تنظيم القاعدة سيكون قادرا على إقامة موجة خامسة أمم لا، لأن قادة التنظيم هذه المرة يخططون بعناية للقدوم أو للموجة الخامسة، ولذلك فإن اختيار التنظيم للتوقيت المناسب مهم جدًا، وهناك عدة عوامل تجعلها الآن في موضع المراقب الحذر، فالتنظيم يسعى إلى إقامة خلافة تمتد من إفريقيا عبر الشرق الأوسط إلى آسيا غربًا، وهناك عدة عوامل قد تؤثر على انتشار الموجة الخامسة أو تراجعها خلال السنوات القليلة القادمة، معظم هذه العوامل خارجة عن سيطرة القاعدة، على الرغم من أن الكثير سيعتمد على كيفية استجابة الجماعات السلفية الجهادية لها.

1- انسحاب القوات الأمريكية:
يمكن أن يساهم انسحاب القوات العسكرية الأمريكية أو غيرها من القوات العسكرية الغربية - ولا سيما قوات العمليات الخاصة والقوة الجوية - من ساحات القتال الجهادية في إعادة إحياء تنظيم القاعدة، الأمر الذي حدث من قبل، فمثلا انسحاب القوات الأمريكية والسوفييت من أفغانستان في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، كان عاملًا في زيادة صعود حركة طالبان وتنظيم القاعدة.

2- انهيار حكومات الدول بسبب ثورات الربيع العربي:
تعد ثورات الربيع العربي وانهيار أكثر من حكومة في العالم العربي سببًا وجيها لعودة التنظيم القاعدة، وانتشاره، أو حتى العمل على أراضيه، خاصة في البلدان التي تشهد عدم استقرار مثل ليبيا، مصر والمملكة العربية السعودية وتونس، أو تلك الدول الدائر فيها صراعات وحروب مثل أفغانستان أو العراق أو الصومال أو سوريا، والنوع الأخير يقوم بتزويد القاعدة وغيرها من الجماعات الجهادية بمأوى رئيسي، ومن أهم أسباب موجة القاعدة الرابعة إضعاف الحكم خلال الربيع العربي.
3- تزايد عنصرية الغرب ضد المسلمين:
يستطيع تنظيم القاعدة من استغلال جرائم الكراهية واضطهاد المسلمين، لتكون عاملًا في تزايد فرص المتطوعين لتجنيد المزيد من المسلمين، ففي عام 2004، اندلعت قصة إساءة وإهانة السجناء العراقيين على يد الجنود الأمريكيين في سجن أبو غريب، وظهرت صور التعذيب الوحشي على مواقع الجهاديين، بغرض توظيف وتجنيد الشباب، الأمر لذي قد يتكرر من قبل الجماعات السلفية الجهادية للدعاية، إلى جانب السياسات المحلية التي تتخذها الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الغربية والتي تستهدف المسلمين بشكل عام، مما تخلق تصورًا لما يسمى بالحرب على الإسلام. ومن شأن هذا التطور أن يزيد من التطرف والتجنيد للقاعدة والجماعات الأخرى.

4- احتمالية ظهور شخصية كاريزمية كأسامة بن لادن:
كان أسامة بن لادن قائدا ملهما، كما كان أنور العولقي. لكن الظواهري الزعيم الحالي كان أقل بكثير في الكاريزمية. غير أن هذا قد يتغير في عام 2016، بدأ القادة القاعدة في الترويج لأحد أبناء بن لادن، ظهر حمزة بن لادن أصغر أبناء أسامة، ، وفي مايو 2017، وصفت المجموعة حمزة بن لادن بأنه "شيخ"، مما يشير إلى أنه قد يفكر في قيادته.

5- استمرار تواجد قوات أمريكية في العراق وسوريا:
بقاء القوات العسكرية الأمريكية أو غيرها من القوات الغربية في الأراضي العربية والإسلامية، يزيد من احتمالية عودة تنظيم القاعدة أو غيرها من الجماعات، الأمر الذي أكدته تجربة العراق، حيث ساهم الوجود التقليدي للولايات المتحدة في زيادة التطرف، لأن وجود ويمكن أعداد كبيرة من القوات الأمريكية في البلدان الإسلامية يسهل تجنيد الإرهابيين من خلال زيادة المخاوف المحلية زيادة الاحتلال الأجنبي، مما يمكن مجندي الإرهابيين من جذب الجنود القدماء للدفاع عن الإسلام.

6- انهيار داعش وانضمام مقاتليه للقاعدة:
إن انهيار داعش – وانهيار حلم ما يسمى بدولة الخلافة في العراق وسوريا، قد يسمح بأن يجند تنظيم القاعدة عناصر الجماعات الأخرى، لتحدث عملية لدمج مظلة واحدة أو حتى إلى ظهور جماعة سلفية جهادية جديدة.

الخلاصة:
القاعدة اليوم منظمة تختلف كثيرا، عما كانت عليه قبل عقد من الزمان، فالحركة أقل مركزية، وأقل تركيزا على العمليات الإرهابية في الغرب في الوقت الراهن، ولكنها أكثر شعبية. وبناء على هذه التحديات، من غير الواضح ما إذا كان تنظيم القاعدة أو الجهاديون السلفيون الآخرون قادرين على العودة إلى الساحة، وقيادة التنظيم أم الظهور بشكل مختلف تماما، فالتطرف الإسلامي الذي يمثله تنظيم القاعدة لن يختفي قريبا، وستبقى الأيديولوجية على قيد الحياة في شكل ما من الحروب في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.

شارك