دراسة جديدة تكشف تاريخ الصوفية في إيران وعلاقتها بالتشيع

السبت 16/سبتمبر/2017 - 06:04 م
طباعة دراسة جديدة  تكشف
 
قدم الكاتب والباحث الإيراني، المقيم في أميركا، محمد حسن فلاحية دراسة حملت عنوان: “الصوفية في إيران: حضورها وعلاقتها بالتشيع والتصوف الشّيعي” ضمن كتاب “التصوف المعاصر – العدد 57، سبتمبر 2011.
ورأى الباحث محمد حسن فلاحية في دراسته عن التصوف في إيران، أن هناك ارتباطا وعلاقة بين التصوف والشيعة في إيران، يصفها المستشرق هنری کوربان (Henry Corbin)، قائلاً: “يبدو أنّ لكل إيراني جينات صوفية في دمه”. من هنا يأخذ التصوف والتشيع بالبعد الإيراني حيزاً كبيراً من الاهتمام لدى الباحثين الذين ينوون دراسة علاقة التصوف بالتشيع. 
فالتصوف في إيران اقترن في التاريخ بالثورات ومناهضة الحكم، فقد أخذ المد الصوفي في النمو في عهد السلالة التيمورية، واستمر حتى عهد الصفوية التي أسست للحكم الصوفي الشيعي بصورة رسمية لأول مرة في تاريخ إيران السياسي، فقد مر التصوف الشيعي بفترات من الثورات الاجتماعية.
 وكان للتصوف صفة العرفان والحكمة، رغم اختلاف الاثنين في المنهج والأدوات، فقد ظهر فلاسفة كبار ربطوا بين الفكر والتصرف الصوفي على أساس النهج العرفاني.
يقول الباحث أن الفرس ساهموا بشكل ملحوظ في تنمية التصوف وحصتهم في نشر التشيع لا يمكن نكرانها، إنّ إحدى أهم أصعب الأسئلة هي التي تدور حول موضوع التصوف وعلاقته بالتشيع فهنالك الكثير من التساؤلات التي تثيرها هذه العلاقة التي كان قد طرحها الكثير من المستشرقين وشكك معظمهم في جذور التصوف التي يرجعها البعض إلى الدين الإسلامي وإلى المذهب الشيعي تحديداً، ويستدلون بذلك لعدم وجود نصوص تاريخية تربط التصوف بالإسلام، من هذا المنطلق يذهب هؤلاء إلى أنّ التصوف سبق الإسلام بسنوات عدة، وأرجعها العدد الآخر من المختصين إلى فترات سبقت الإسلام والتشيع بقرون.
 وعن علاقة التصوف بالتشيع، يشير فلاحية أنه وبعد زوال الحكم الصفوي في إيران ازدهر الفكر الصوفي أثناء حكم القجاريين، الذين حكموا إيران حوالي مائتي عام (1779-1924 م) حيث ظهر العديد من الفرق الصوفية، التي هي أساساً ممزوجة بالمذهب الشيعي. 
يضيف الباحث أن الذي يعيد للأذهان علاقة التصوف بالتشيع هو التفسير المتداول لدى الشيعة والصوفيين على حد سواء؛ وهو بأن للدين ظاهراً وباطناً، فالظاهر هو المتبادل من خلال النصوص والذي يفهمه العامة، وأما الباطن فهو عند أهل العلم الحقيقي والمراد بالعلم الحقيقي للنص الذي لا يفهمه ولا يعلمه إلا الأئمة أو الأولياء. من هنا يرجع الكثير من الباحثين الإسلاميين التصوف إلى الهوية الإسلامية الشيعية فمن بين الباحثين الذين أرجعوا هذا الربط هو الباحث الإيراني في مجال التصوف والعرفان الدكتور حسين نصر، فيؤكد أنّ للتصوف علاقة لا يمكن نكرانها بالتراث الإسلامي، رغم أنّ تلك العلاقة واضحة وضوح الشمس، إلاّ أنّ هنالك نقاط غامضة تشوب هذه العلاقة، وهناك الكثير من علامات الاستفهام التي تلتف حول هذه العلاقة .
ومن أهم الفرق الصوفية التي نشطت في تلك الفترة: “نعمت اللهي غونابادي، صفي عليشاهي، مونس عليشاهي، منورعليشاهي، كوثر عليشاهي، أويسية وغيرها من الفرق الصوفية التي تعتبر مزيجاً بين الفكر الصوفي القديم والفكر الإسلامي كما أحيا بعض الصوفيين فرقاً كانت مندثرة مثل: ” الـخاكسارية، والذهبية والقادرية “. 
وظهرت فرق جديدة، عرفت فيما بعد على أنها أديان لكنها في الواقع طوائف صوفية ممزوجة بالمذهب الشيعي من أمثال الـ “البابية و البهائية”. 
ويرى الدكتور علي شريعتي في كتاب “الإنسان والإسلام”: أنّ الصفويين كوَّنوا “خليطاً كيماوياً واحداً من ثلاثة مخلوطات هي: السلطنة والقومية والتصوف، ركبوها بعضها مع بعض وخلطوها، وأسدلوا عليها ستاراً باسم التشيع”. رغم أن الصفويين ليسوا فرسا، فهم من أصول كردية، اختاروا التركية ومن ثم الفارسية لغة رسمية لحكومتهم، ولم يكونوا في البداية شيعة بل تشيعوا، ولكنهم صوفيون بامتياز. 
ويضيف فلاحية أنه وعلى الرغم مما أشير إليه من روابط بين التشيع والتصوف، وتوثيقها بمستندات إلا أنَّ هنالك الكثير من المفارقات التي تحتم علينا عدم الربط الكلي بين التصوف والتشيع، ورغم أنّ الأئمة الإثني عشر لدى الشيعة هم الأئمة أنفسهم الذين يحتفي بذكرهم الصوفيون، إلا أن الشيعة هم أكثر الطوائف الإسلامية التي رفضت بشكل قاطع التصوف في كتبها. 
يعتقد الباحث أن الخلاف الشاسع يشتد بين التشيع السياسي الحاكم في إيران وبين التصوف الذي لا يؤمن بولاية الفقيه؛ وهذا الاتهام كلف التصوف الكثير من المواجهة مع النظام الشيعي الحاكم في إيران، رغم أنه نظام قد فسر ولاية الفقيه بصورته الـ “صفوية”، وهي مزيج بين التشيع والتصوف الصفوي، فقد عارضت الصوفية مبدأ التشيع الصوفي الإيراني الحاكم بمعظم تياراتها، إلا أولئك الصوفيون القلائل الذين ارتأوا الانقياد للتشيع الصوفي الإيراني الحالي تحت عنوان “العرفان الشيعي”، وقضية الخلاف على الولاية من شأنه أن يضع نقطة فارقة بين التشيع والتصوف في تفسيرهما للولاية، والحكم رغم التقارب الكبير بينهما على الكثير من النقاط إلا أن التشيع كمذهب يبقى متحدياً الطريقة الصوفية التي أعطته الشرعية السياسية في الحكم زمن الصفويين ونظام ولاية الفقيه الحالي.

 

شارك