كاتبة لبنانية: مسيحيو الشرق الأوسط بين الارقام المرعبة والمستقبل الغامض

الثلاثاء 26/سبتمبر/2017 - 01:21 م
طباعة كاتبة لبنانية: مسيحيو
 
قراءة هادئة دقيقة وباستخدام الارقام التى لا تكذب تفحص الكاتب اللبنانية هالة حمصي واقع مسيحيو الشرق الاوسط في تقرير نشرته جريدة النهار اللبنانية وكشفت فيه طبقا لاخر احصائيات قدمتها جمعية الرعاية الكاثوليكية بالفاتيكان هذا الواقع واثره علي المستقبل حيث جاء في التقرير 
المسألة “دقيقة ومعقدة”. الهاجس مسيحي، لما تتضمنه قراءة الواقع، من خلال احدث الدراسات عن المسيحيين في الشرق الاوسط، من تراجع مؤثر في اعدادهم، خصوصا في الاعوام الاخيرة الماضية. عددهم حاليا 14,5 مليونا موزعين في 9 بلدان، بينها لبنان (مليونان). بيانات الدراسة واضحة، جامعة. تراجع نسبي، نزوح، هجرة، هروب، اضطهادات. انها معاناة مسيحيين “في حركة دائبة”، او “كثيري التنقل”، او بالاحرى مجبرين على ذلك.
في الواقع، مسيحيو الشرق الاوسط “متجذرون جدا في منطقتهم، ولا يغادرون بلدانهم او ارضهم الا عندما يفقدون الأمل او لا يعود لديهم أي خيار آخر”، يقول مايكل لاشيفيتا، مدير الاتصالات في “جمعية الرعاية الكاثوليكية في الشرق الأدنى” (CNEWA) التابعة للكرسي الرسولي، في حديث الى “النهار”.
14,525,880 عددهم المقدر في الشرق الأوسط سنة 2017. ويتوزع كالآتي: قبرص 893 الفا، مصر 9 ملايين و400 الف، العراق 250 الفا، إسرائيل 170 الفا، القدس 15,580 الف، الضفة الغربية 59 الفا، قطاع غزة 1300، الأردن 350 الفا، سوريا مليون و200 الف، لبنان مليونان، وتركيا 187 الفا.
“وضع الامور في نصابها”
دراسة الجمعية البابوية جامعة، بحيث تستندُ في أرقامها إلى “بيانات من الكرسي الرسولي والكنائس المحلية ووكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (كتاب وقائع العالم) والأمم المتحدة والبنك الدولي ومكتب تعداد الولايات المتحدة”، على ما تفيد. الهدف محدد، ولدى الجمعية البابوية هواجس. “هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط ظاهرة من أكثر من قرن. وأسبابُها كثيرة، وتختلفُ من بلد إلى آخر في أي وقت. ولأن المسألة دقيقة ومعقدة، يمكن التلاعب بها بسهولة لخدمة دعم نظرة عالمية معينة”، يقول لاشيفيتا.
هذه “النزعة” تلاحظُها الجمعية التي أسسها البابا بيوس الحادي عشر العام 1926. “لمعاونة المراقبين والمهتمين بالموضوع على فهم هذه التعقيدات ومساعدتهم في التوصل إلى استنتاجات معقولة، قررْنا أن نجمع في مكان واحد، بيانات من مصادر محترمة، مسيحية وعالمية. إنها محاولتنا لوضع الأمور في نصابها”، على ما يضيف.
نتائج عدة تتوصل اليها الدراسة: تراجع كبير للمسيحيين، خصوصًا في العراق وسوريا، وجود مسيحي بتحرك دائم، او ما يسميه لاسيفيتا “نمطًا من التنقل بين المسيحيين في ارجاء المنطقة، نمطًا قديمًا يرجع الى قرون”. وكان له وقع. وتقول الدراسة: “كان للتغيّر السكاني للمسيحيين في كل أنحاء الشرق الأوسط في الاعوام القليلة الماضية- بسبب الحرب في سوريا، وبروز “داعش” والاضطرابات السياسية المستمرة – تأثير عميق على المنطقة. الثقافات والبلدان التي تشكّل مهد المسيحية تحطمت وانقسمت، في وقت تفرّق أتباع يسوع وتشردوا”.
الهجرة “الأكثر دراماتيكية”
من العراق (250 الف مسيحي حاليًا)، “هرب المسيحيون بمئات الآلاف. وانخفضَ عددهم من مليون في تسعينيات القرن العشرين، الى 300 الف العام 2006”، وفقًا للدراسة. منذ العام 2014، “نزحَ نحو 140 الفًا منهم. بينما هرب أكثر من 50 الفًا من البلاد”.
الهجرة “فوق العادة” للمسيحيين من الشرق الأوسط خلال الأعوام الماضية “كانت أكثر دراماتيكية في سوريا (مليون و200 الف حاليا)”، وفقًا للدراسة، بحيث “تقلصَ المسيحييون فيها الى النصف تقريبًا منذ بداية الربيع العربي في كانون الاول 2010”.
وتبيّن الأرقام انخفاض عددهم من مليونين و200 الف العام 2010 الى مليون و200 الف سنة 2017”. وتقول: “فقدان المسيحيين في سوريا له طابع خاص، لكون سوريا مهدًا حقيقيًا للإيمان المسيحي… وللكنيسة فيها جذور عميقة بوضوح”، معتبرة انه “يعود الى الأبرشيات والمجتمعات المحلية، والعالم الخارجي في شكل متزايد، ابقاء هذه الجذور حيّة حتى يستقرُ الوضع، على أمل أن يتمكن المسيحيون النازحون من العودة”.
مصر. عدد المسيحيين حاليًا 9 ملايين و400 الف، “ويشكلون المجموع الاكبر من المسيحيين في الشرق الاوسط، موزعين على 3 كنائس”، وفقًا للدراسة. في الارقام ايضًا، كان الاقباط المصريون يشكلون 19% من نسبة السكان العام 1910. بعد نحو قرن، تراجعت النسبة الى اقل من 10%”. 
في اسرائيل، يشكل المسيحيون حاليا “اقلية صغيرة” تشكل نحو 2% من مجموع السكان البالغ عددهم 8 ملايين نسمة، اي ما لا يزيد عن 170 الفا، في مقابل 3,7% لدى قيام دولة اسرائيل العام 1948. “ويشمل هذا الرقم المسيحيين من السكان الاصليين، لاسيما من العرب والارمن وقلة جدًا من اليهود المهتدين (الى المسيحية)”.
وتلاحظ الدراسة ان “العديد من المسيحيين الاسرائيليين مهاجرون، خصوصًا من الاتحاد السوفياتي سابقًا. وقد رجعوا الى اسرائيل بموجب قانون العودة الذي يمنح الجنسية الاسرائيلية اي شخص من اجداد اسرائيليين. ليس واضحًا عددهم، غير ان ثمة مراقبين يقترحون ان عددهم يصل الى 300 الف، وهم اساسًا مسيحيون سلافيون من روسيا واوكرانيا وبيلاروسيا”.
من القدس الى لبنان
وتبقى للقدس محطة خاصة في الدراسة. تراجع مسيحييها مؤثر، وكلام على هجرتهم الى الغرب. في الارقام، “يشكلون حاليًا 2% فقط من مجموع السكان، في مقابل 20% العام 1964”. كذلك، تعبّر اعداد المسيحيين في الاراضي الفلسطينية عن واقع صعب. “0,5% أو1% فقط في قطاع غزة يعلنون انفسهم مسيحيين، بينما لا تزيد نسبتهم عن 2% في الضفة الغربية”، وفقًا للدراسة. انه الهبوط المخيف نفسه. “نسبة المسيحيين لا تتجاوز 1,2% في فلسطين حاليًا، في مقابل 20% العام 1948”.
الأردن حيث بدأ المسيح تعليمه العلني بنيله المعمودية على يد يوحنا المعمدان على نهر الاردن، يُعتبر عدد المسيحيين “قليلاً نسبيًا”، بحيث “يكاد يصل الى 2% من السكان البالغ عددهم 8 ملايين نسمة”. في الارقام أيضًا، “وصل أكثر من 30 ألف مسيحي إلى الأردن العام 2014، بعد هربهم من العراق. وقد استقرت نحو ألف عائلة في بلدان أخرى، كأستراليا وكندا”.
ماذا عن لبنان؟ البلد يبقى، وفقًا للدراسة، “ملاذا مرحبًا وآمنًا للمسيحيين الذين هربوا من الاضطهاد، لا سيما من سوريا والعراق”. انخفاض الأعداد يطاوله. “أكثر من نصف السكان اللبنانيين كانوا مسيحيين العام 1932 (53%). اليوم باتت نسبتهم أقل من 40% (مليونان)”.
ما يحدّد مستقبل المسيحيين
أرقام أخرى. العدد المقدر للمسيحيين في دول الخليج العربي واليمن وإيران يصل إلى 3 ملايين و840 ألف و908 مئة. ويتوزعون كالآتي: البحرين 200 ألف، إيران 285 ألفًا، الكويت 714,908، عمان 250 ألفًا، قطر 230 ألفًا، السعودية مليون و400 ألف، الإمارات العربية المتحدة 720 ألفًا، واليمن 41 ألفًا.
وباحتساب المجموعين في الشرق الاوسط ودول الخليج وايران واليمن، يصل عدد المسيحيين إلى 18 مليون و366 ألف و788 مئة. “ربما تستشرف هذه الأرقام مستقبل المسيحيين في المنطقة”، على قول لاشيفيتا، لكنه يجد أن ما يحدد مستقبلهم هو “السلام وتأهيل المجتمع المدني. من دون سلام ومجتمع مدني، الشرق الأوسط سيخلو، ليس من المسيحيين فحسب، إنما أيضًا من بقية المجتمعات، خصوصًا تلك المعرضة لخلافات عنيفة”.

شارك