عاشوراء واذعان مؤسسات الدولة للسلفيين

الأحد 01/أكتوبر/2017 - 05:05 م
طباعة عاشوراء واذعان مؤسسات
 
بات معلوما للقاصي والداني ان المؤسسة الدينية تعمل في صالح فصيل ديني معين "السلفيين" في مواجهة الفصائل الأخرى، رغم ما يتبدى من هذا الفريق من خلاف بينه وبين المؤسسة الأزهرية تصل لحد التكفير او الاتهام بالضلال، فالدعوة السلفية في مصر ليست على وفاق عقائدي دائم مع المؤسسة الدينية وتظهر الخلافات من وقت لآخر بينما تعمل السياسة عملها في التقريب بين الطرفين المتنازعين – المؤسسة الدينية، والدعوة السلفية – خصوصا ان هذه الدعوة وزراعها السياسي حزب النور كانوا في صدارة المشهد في 3 يوليو 2013 جنبا الى جنب مع الأزهر والكنيسة المصرية، وكأن النظام الحالي استبدل جماعة الاخوان الارهابية بالدعوة السلفية التي تعد أخطر من جماعة الاخوان على مصير الدولة المصرية حيث تعمل الدعوة السلفية على تحويل الذهنية المصرية الى ذهنية ماضوية تابعة شعارها السمع والطاعة للأمير وعدم الخروج عليه حتى لو جلد ظهرك، فوجد النظام ضالته في الهيمنة على المواطنين بتفعيل وتنشيط الدعوة السلفية ووضعها في صدارة المشهد بديلا عن الاخوان طلاب السلطة.
ومن هنا كان غلق ضريح الحسين في وجه محبيه من الشعب المصري شيعة وسنة عبارة عن رسالة موجهة للشعب المصري على اختلاف مذاهبه الدينية اولها أنه لا سماح للتمدد الشيعي في مصر سواء كان ذلك بنشر الفكر أو زيادة عدد المؤمنين بالمذهب الشيعي، وثانيها هيمنة الفكر السلفي الوهابي على صانعي القرار في مصر خصوصا المؤسسة الدينية، وثالثا القضاء على ما يطلق عليه ملف تجديد الخطاب الديني الا عبر هذا النهج الماضوي الوهابي والذي يؤدي في الأخير الى حالة سبات للعقل المصري.
لقد قررت وزارة الأوقاف المصرية، المسؤولة عن إدارة المساجد غلق ضريح مسجد الإمام الحسين بعد تهديدات تلقتها من شيوخ السلفية بأنهم لن يسمحوا للشيعة بالاقتراب من ضريح الحسين في ذكرى عاشوراء.

عاشوراء واذعان مؤسسات
وبرّرت وزارة الأوقاف قراراها بأنها تستهدف الحفاظ على المسجد من وقوع أيّ أعمال تضر به وبالمصلين، بعد إعلان بعض الائتلافات السلفية أنها سوف تتواجد بكثرة في محيط المسجد للتصدي لمنع إقامة الطقوس الشيعية.
وقال شيوخ بالجماعة السلفية إنهم سوف يتواجدون أمام المسجد في يوم عاشوراء (السبت) لمنع إقامة الطقوس مهما كانت وسيلة المنع في تمهيد مسبق لإمكانية استخدام العنف، وهو ما اعتبرته الحكومة استباقا لوقوع أحداث طائفية في صورة صراع مذهبي على المساجد. وأحاطت قوات الأمن محيط مسجد الحسين من كل جانب حيث وضعت بوابات إلكترونية وتمركزت بأعداد كبيرة خارجه ومنعت تواجد الباعة بالساحة الخارجية للمسجد.
وتمثل ذكرى عاشوراء مواجهة سياسية وكلامية حامية بين السلفيين والشيعة كل عام، ويسعى كل منهما لفرض كلمته على الآخر وإظهار أنه القوة الدينية الأكبر في مصر.
ورغم اتخاذ وزارة الأوقاف مواقف مناهضة للتمدد السلفي في المساجد على مستوى الجمهورية، فإن تعاملها مع الموقف بشأن ذكرى عاشوراء جاء مضمونه في صالح السلفيين وظهر في صورة تخوف حكومي من أزمة هي في غنى عنها حاليا.
ويرى البعض من أنصار حزب النور السلفي أن قرار وزارة الأوقاف بغلق ضريح مسجد الحسين انتصار مهم للتيار السلفي يمكن استثماره فيما بعد للإيحاء بأنهم ما زالوا يحتفظون بثقلهم الديني والسياسي في المجتمع، على الرغم من المعارك التي تخوضها معهم وزارة الأوقاف لتحجيم نفوذهم من خلال منعهم من اعتلاء المنابر.
ويقول متابعون إن غلق الضريح إشارة لمباركة الحكومة تحركات السلفيين لمنع ظهور الشيعة في المشهد خلال هذه الذكرى السنوية أو حتى بعدها، ليكون ذلك بمثابة رد قوي على محاولات إيران لبسط النفوذ في دول المنطقة من خلال نشر الفكر الشيعي.
وتتعامل مصر في الوقت الراهن مع أيّ تمدّد شيعي على أنه أكثر خطورة على مصر من التمدد السلفي بسبب الرفض العربي للنفوذ الإيراني في المنطقة.
وربط مراقبون بين قرار وزارة الأوقاف بغلق ضريح الحسين ومنع إقامة الطقوس الشيعية في ذكرى عاشوراء وبين تجنب الحكومة إثارة غضب دول إسلامية سنية، لا سيما وأن فتح الباب لإقامة هذه الطقوس يضعها في موقف بالغ الحرج.
ولا يستعبد متابعون أن يكون القرار يحمل رسائل لإيران بأن مصر وإن كانت سمحت بوجود شيعة على أراضيها فإن ذلك لا يعني أنها تقبل بتمدّدهم داخل البلاد وإقامة طقوس تتنافى مع كونها بلدا سُنّيا بالأساس.
وحسب تقارير أمنية يبلغ عدد المنتمين للمذهب الشيعي في مصر حوالي 20 ألفا، بينما تتحدث قيادات شيعية أن العدد يتعدى 2 مليون وهو رقم مبالغ فيه جدا.
وتمثل ذكرى عاشوراء بالنسبة إلى الشيعة أيام حزن وبكاء، يقوم فيها الشيعة بزيارة ضريح الحسين وإضاءة الشموع وقراءة قصة الإمام الحسين والبكاء عند سماعها تعبيرا عن حزنهم على الواقعة والاستماع إلى قصائد عن كيفية استشهاد الحسين وأهل بيته.
ويفسر مؤيدو قرار وزارة الأوقاف غلق الضريح بأن الحكومة لا تريد تكرار ما حدث عام 2013 بعدما تعرضت مجموعة شيعية للاعتداء من قبل إسلاميين متشددين لإقامتهم بعض من الطقوس الخاصة بهم حيث لقي أربعة من الشيعة مصرعهم خلال الاعتداء.
عاشوراء واذعان مؤسسات
ويرى الناشط الشيعي الطاهر الهاشمي أن “قرار غلق ضريح الحسين لا ينفي وجود دوافع سياسية من جانب دوائر حكومية في مصر”، مشيرا إلى “إمكانية أن يكون إحداها أن يكفّ الشيعة عن الزجّ بالدين في القضايا السياسية لأنهم سوف يخسرون الكثير”.
وأضاف أن “انتصار وزارة الأوقاف للسلفيين ليس بجديد بل إن ذلك يعكس مدى تغلغل هذا التيار المتشدد داخل مؤسسات الدولة وأنه يستطيع أن يدير دفة القرار الديني لصالحه”. ولفت الهاشمي إلى أن “الشيعة اتخذوا قرارا بأن يقيموا الطقوس من داخل منازلهم”.
وأوضح أن الرسالة الواضحة من القرار من جانب الحكومة المصرية بأنه لا سماح للتمدد الشيعي في مصر سواء كان ذلك بنشر الفكر أو زيادة عدد المؤمنين بالمذهب الشيعي.
ويهاجم البعض الأزهر بسبب تركه الأمور الدينية للسلفية التي تفرض ضغطا على الحكومة، إذ كان من المفترض أن يكون دوره جامعا لكل أطياف المسلمين لكنه اختار أن يتخلى عن دوره طواعية لتوحيد المسلمين.
ومن المعروف أنه مع كل مناسبة يحتفل فيها الصوفيون أو الشيعة بذكرى تخص آل البيت، تتجدد دعوات سلفية بهدم الأضرحة، ومؤخرا ردد الدعاة السلفيون هذه الدعوات بمناسبة احتفال الصوفيين بذكرى عاشوراء داخل مسجد الإمام الحسين.
ويحرص الصوفيون على التواجد قبل أيام من الذكرى في ساحة المسجد وزيارة ضريح الحسين، مع ترديد أذكار خاصة وأشعار في محبة الحسين في حلقات ذكر داخل المسجد، وهو ما يرفضه أتباع التيار السلفي ككل، ويعتبرونه بدعًا لا تتسق مع منهجهم.
وتتعدد أسباب اعتراض السلفيين على المنهج الصوفي، ويصل الاعتراض إلى درجة الكراهية الشديدة في كثير من الأحيان، لعدة أسباب ذات علاقة بنزعة الصوفيين الخيالية، وحرصهم على عدم التمييز بين الأديان، وتقاربهم مع الشيعة في بعض الأمور كحب آل البيت، وكذلك تعاطيهم مع الغناء والرقص كما يحدث في حلقات الذكر داخل المساجد التي بها أضرحة، وتكريمهم للمرأة، بخلاف السلفيين الذين يقيدون الخيال ويضعون للوعي حدودا صارمة، ولا يرون ضرورة للمرأة خارج فراش الزوجية، واعتقادهم بأن الأديان الأخرى ناقصة، بجانب مسألة الخلافة التي يختلف عليها التيار السلفي والصوفية، حيث يطالب السلفيون بعودة الخلافة الإسلامية، بخلاف الصوفيين الذين يرون أن رئيس الجمهورية هو خليفة المسلمين في مصر وولي الأمر الذي يجب طاعته.
كما يتهم السلفيون الصوفية بممارسة الشرك الخفي، وأنهم يتبرّكون بالأضرحة ويلجئون للأولياء الصالحين لقضاء حاجاتهم ويصل بهم الأمر إلى تقديم الولي على النبي والإيمان بالحقيقة على حساب الشريعة وعدم الالتزام بالفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، وقضايا أخرى تحمل خلافًا حول إثبات صفات الله وأمور تتعلق بالعقيدة، وتسعى الأطراف المتنازعة لاستقطاب أكبر عدد من الأتباع ويرى كل طرف منهما أن لديه القدرة على ذلك عبر الإعلام والمنابر الدعوية.
وعلى جانب آخر ينتقد الصوفيون أتباع التيار السلفي، بأن إطلاقهم اللحى وتقصير الثوب للرجال ولبس النقاب للسيدات، هو من باب التركيز على الشكل والمظهر دون الجوهر، وأن السلفية ماهي إلا شكل بلا روح، وعبارة عن مجموعة من المتشددين والمتعصبين، وتتعامل مع الإسلام بطريقة لا تبنى على الحب، بقدر ما تقوم على المنفعة، ولديهم شعور زائف بالاصطفاء.
وأنتج هذا الصراع القائم على تلك الاختلافات الفقهية والفكرية، حالة من الخصومة والتعصب الشديدين بين الطرفين وصلت في أحيان إلى حد تكفير بعض الأصوات داخل التيار السلفي للصوفيين، فيصدر بعض الرموز السلفية فتاوى ظلامية تحرم الصلاة في المساجد التي تحوي داخلها أضرحة أومن يطلق عليهم "أولياء الله الصالحين وآل البيت"، كما تدعو لهدم الأضرحة سواء الموجودة داخل المساجد أو المتواجدة وسط الكتلة السكانية دون مصلى.
وفي هذا السياق، جرت العديد من الوقائع، آخرها دعوة الداعية السلفي سامح عبدالحميد لهدم ضريح الحسين وغيره من الأضرحة، مع اعلانه عن تواجد سلفي داخل المناسبات التي تجريها الطرق الصوفية لرصد وتوثيق طقوسهم لنشرها على الملأ، بالإضافة الى ما جرى في مسجد الأربعين بمنطقة المعتمدية بالجيزة، حيث دخل عدد من اتباع التيار السلفي، وأعلنوا سيطرتهم عليه، وأقدموا على هدم ضريح بالمسجد، واتخذوا من الدور الأول للمسجد، حيث الضريح، مقرًا للجنة زكاة، ما دفع الصوفيين إلى التهديد بالاعتصام داخل المسجد.
وأشار الاتحاد العالمي للطرق الصوفية، منذ أيام إلى سيطرة السلفيين على مسجد "كريم الدين الخلوتى" التابع للطريقة الخلوتية الصوفية، ومسجد "أحمد بن إدريس الإدريسي" التابع للطريقة الإدريسية الصوفية، حيث تسعى الجماعة السلفية لفرض سطوتها على الساحة من خلال أتباعها وأنصارها، على حد قوله. كل هذا يحدث تحت سمع وبصر المؤسسة الدينية التي من المفترض ان تكون هذه المساجد تحت يدها وقائمة عليها، مما يؤكد ما طرح في بداية هذا الموضوع من ان المؤسسة الدينية تعمل لصالح الفصيل السلفي ضد الفصائل الدينية الاخرى مما يؤدي في وقت لاحق الى احتراب الفصائل الدينية في مصر ويؤجج ما نخشى منه "الفتنة الطائفية" التي ربما تأكل الأخضر واليابس، بعد فشل جماعة الاخوان الارهابية من احداث فتنة بين المسيحيين والمسلمين.

شارك