وثائق بن لادن وعلاقات القاعدة بقطر والاخوان وايران

الإثنين 13/نوفمبر/2017 - 05:53 م
طباعة وثائق بن لادن وعلاقات
 
كشفت وثائق زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، التي نشرتها وكالة المخابرات المركزية الأميركية، الأربعاء 8 نوفمبر 2017، عن أحداث مثيرة بينت طبيعة العلاقة بين تنظيم القاعدة ودولة قطر وايران والدور الإخواني في هذه العلاقات المشبوهة.
حيث نشرت  مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، ومقرها واشنطن 470 ألف ملف وجدت في جهاز الكمبيوتر، الذي صودر في مايو 2011 خلال المداهمة للمجمع، الذي كان أسامة بن لادن يختبئ فيه في أبوت أباد في باكستان.
واحتوى جهاز كمبيوتر صادرته القوات الأميركية الخاصة خلال عمليتها، التي أسفرت عن قتل أسامة بن لادن عام 2011 على مجموعة شرائط مصورة تضمنت أفلام رسوم متحركة للأطفال وعدة أفلام من إنتاج هوليوود و3 أفلام وثائقية عن بن لادن نفسه.
وهذه رابع مجموعة من المواد، التي أُخذت من المجمع، الذي كان محاطا بجدران، حيث كان يعيش بن لادن وأسرته، والتي نشرتها الإدارة الأميركية منذ مايو 2015.
وذكر بيان لوكالة المخابرات المركزية الأميركية أن المواد، التي لم تُنشر بعد، حُجبت لأنها قد تضر بالأمن القومي أو أنها فارغة أو معطوبة أو مكررة أو أنها تحتوى على مواد إباحية أو أنها محمية بموجب قوانين النشر.
وأشارت الوكالة إلى أن من بين ما نُشر الجريدة الشخصية لبن لادن و18 ألف ملف وثائقي ونحو 79 ألف ملف صوتي ومصور وأكثر من 10 آلاف ملف يتضمن أفلاما مصورة.

كليفورد ماي
كليفورد ماي
وقال كليفورد ماي، مؤسس ورئيس معهد "الدفاع عن الديمقراطيات"، إنه عقب أيام من الإفراج عن وثائق أسامة بن لادن من مقر إقامته في أبوت آباد، في باكستان، باتت أسباب منع الرئيس الأميركي باراك أوباما، واضحة لمنعه نشر تلك الوثائق التي تكشف علاقة تنظيم القاعدة الوثيقة بإيران وقطر.
وأكد ماي في مقال بصحيفة "واشنطن تايمز"، الأربعاء 8 نوفمبر 2017، أن كبار الخبراء في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" ومراكز أخرى عارضوا على مدى سنوات القرار الحكومي القاضي بعدم نشر وثائق بن لادن، وأرادوا أن تكون كافة الوثائق متاحة للباحثين والصحافيين وصناع السياسات والرأي العام.
وبحسب ماي، فقد أشاد بن لادن في مذكراته التي نشرها الإعلام القطري آنذاك، بالإضافة إلى تأكيده حول تأثير الإخوان المسلمين على توجهه نحو تبني الجهاد العالمي".
ورأى رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن أهم ما في المناقشات السياسية الحالية هو تقييم 19 صفحة من وثائق بن لادن المخصصة حول إيران، حيث يكشف أحد كبار مسؤولي القاعدة أن إيران زودت القاعدة "في كل شيء"، بدءا من التأشيرات والمال والأسلحة، وحتى التدريب في معسكرات حزب الله في لبنان.
كما وفرت إيران ملاذاً آمناً لمقاتلي القاعدة "مقابل ضرب المصالح الأميركية في السعودية والخليج"، بحسب ما جاء في الوثائق.
وفي مذكرة منفصلة، يوضح بن لادن نفسه أنه بحلول عام 2007 كيف أصبحت إيران "الشريان الرئيسي للأموال والأفراد والاتصالات للقاعدة".
ويؤكد ماي أن تنظيم القاعدة وإيران ليسا أعداء بل منافسين، وهم يتنافسون ويتشاجرون في نفس الوقت، حيث لديهما اختلافات مذهبية عميقة".

مايك بومبيو
مايك بومبيو
وقد بذل مايك بومبيو، المدير الجديد لوكالة المخابرات المركزية في حكومة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي كان في السابق مشرعا في الكونغرس، جهدا كبيرا أثمر عن نشر 470 ألف وثيقة وصور وملفات حاسوبية تم الحصول عليها من مخبأ أبوت آباد. وسمح لهذه الوثائق أن تكون متاحة لمجلة "لانجوار" قبل أيام قليلة من الإصدار العام.
وانتقد ماي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي عمل لسنوات من خلال اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة، للحيلولة دون نشر تلك الوثائق التي تفضح مدى دعمهم لأكبر تنظيم إرهابي في العالم، عندما اعتبر وثائق "أبوت آباد" بأنها "ملفقة".

علاقات القاعدة والإخوان

علاقات القاعدة والإخوان
واذ تؤكد الوثائق ما كنا قد عرضناه في أكثر من تقرير ومقال حول التزام بن لادن والقاعدة بجماعة الإخوان والفريق القطبي فيها كمرجعية فكرية لهم فقد أظهرت إحدى الوثائق إقراراً من بن لادن بالتزامه وتأثره بجماعة الإخوان، تاريخياً ومنذ تأسيسها في مصر على يد حسن البنا. ان ما جاء في وثائق «بن لادن» يؤكد وجهة النظر التي يراها الكثيرون بشأن أن كل التنظيمات الإرهابية خرجت من رحم الإخوان، غير أن الأخيرة أتقنت التلون وتبادل الأدوار. وأن الإخوان والتنظيمات الإرهابية تتشارك ذات الفكر، المتمثل في تطبيق منظور خاص للدين الإسلامي، وجميعها لديها نفس الهدف ألا وهو الوصول لسدة الحكم وإنشاء ما يسمى دولة الخلافة، لكن يظل الاختلاف بين الجماعة والتنظيمات الإرهابية ممثلا في الطريقة المتبعة في الوصول إلى الهدف. وأن الإخوان استغلت القاعدة وداعش كجناح مسلح يدينان لها بالولاء ليقدما جناحهما السياسي باعتباره الوجه المعتدل القادر على استيعاب تلك التنظيمات، إلا أن تلك الوثائق الخاصة بـ«بن لادن» تؤكد طبيعة تلك العلاقة المشبوهة كما أنها تغير وجهة نظر المترددين حتى الآن في تصنيف الإخوان جماعة إرهابية.

وثائق بن لادن وعلاقات
وكشفت وثائق بن لادن، التي صادرتها القوات الأمريكية، خلال الهجوم على مقره السكنى في باكستان حيث تم اغتياله، عن أبعاد الدور القطري في تنظيم القاعدة واعتبارها جهة مفضلة لعناصر وقيادات القاعدة، إذ جاء في إحدى الرسائل التي وجهها «بن لادن» قبيل مقتله إلى زوجته الصغرى خيرية صابر، خلال استضافتها في إيران مع ابنها حمزة بن لادن ضمن عدد كبير من قيادات القاعدة وأسرة بن لادن، والتي كتبها بتاريخ 30 صفر 1432هـ: «ذكرت في رسالتك أنهم كانوا يقولون بأنهم إما أن يسفروكم إلى قطر أو سوريا.. فما الرأي الذى أبداه محمد وإخوانه وأنت وحمزة عند ذلك، وهل طلبت الذهاب إلى قطر؟ وإن طلبت فبماذا ردوا؟ والمراد أن نفهم هل تعمدوا إخراجكم إلى هذا الاتجاه لمتابعة مسيرتكم حيث إنهم توقعوا مجيئكم إلىّ؟».
ورداً على المعلومات التي نشرتها الوكالة الأمريكية حول العلاقة بين إيران والقاعدة وأن طهران عمدت إلى تزويد التنظيم الإرهابي بالمال والسلاح، نددت إيران بالمعلومات ووصفتها بـ«الكاذبة».
كما كشفت وثائق أبوت آباد توجيه تنظيم القاعدة لقياداته بالانتحار، خشية الوقوع في قبضة الأجهزة الأمنية، وذلك منعاً لإفشاء أي معلومات أو أسرار تتعلق بالتنظيم ومموليه وداعميه، وظهر في رسالة مطولة من المرجح أنها تعود إلى بن لادن، دعوة قيادات التنظيم إلى الانتحار، بأيسر الطرق وأسهلها كي لا يقعوا في الأسر، كما كشفت الوثائق أن أسامة بن لادن خطط لقتل الأمير هاري، وأنه سعى إلى تتبع تحركاته داخل العراق، حين كان من المفترض أن يشارك في مهام عسكرية في العراق في مايو 2007، ولكن الخطة تغيرت في اللحظة الأخيرة خشية أن يتم استهدافه وانتقلت مهامه إلى أفغانستان سراً.

القاعدة وايران

وعرضت واحدة من الوثائق عمق العلاقات بين تنظيم القاعدة وبن لادن، إذ كشفت الوثيقة المكونة من 19 صفحة أن إيران عرضت  على تنظيم القاعدة دعمه بكل ما يلزم، بما في ذلك بالمال والسلاح والتدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، مقابل ضرب المصالح الأميركية في السعودية والخليج.
وأشارت الوثائق إلى أن الاستخبارات الإيرانية سهلت سفر بعض عناصر القاعدة بتأشيرات الدخول، بينما كانت تؤوي الآخرين، وفقا لصحيفة "التليجراف" البريطانية.
وذكرت الوثائق أن بن لادن كتب بنفسه طلبا للمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، آية الله الخميني، يطالبه فيه بالإفراج عن أحد أفراد عائلته.
وبينت الوثائق أن القاعدة ليست في حرب مع إيران وأن بعض المصالح تتقاطع، كما تضمنت الوثائق المنشورة مقطع فيديو لزفاف حمزة، نجل أسامة بن لادن، والمرجح أن يكون قد أقيم في إيران.
ورغم الخلافات بين القاعدة وإيران، التي أظهرت الوثائق بعضا منها، إلا أن زعيم التنظيم أسامة بن لادن حذر رفاقه من "تهديد إيران"، واصفا إياها بأنها "شريان مهم" لتنظيم القاعدة.
وفي الأيام التي أعقبت نشر هذه الوثائق، وصف العديد من المعلقين بما فيهم معلقون في صحيفة ذي أتلانتك هذه الاتصالات المزعومة بأنها مبالغ فيها ومدفوعة من الولايات المتحدة وحلفائها لتبرير موقف الإدارة العدائي تجاه إيران. لكن أدلةٍ جديدة مهمة تتضمن مقابلات مع كبار أعضاء تنظيم القاعدة وأسرة أسامة بن لادن جمعها مؤلفون على مدى الخمسة أعوام الماضية تروي تاريخاً مدهشاً من الحقبة التي تلت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وهو تاريخ يقوّض بشدة النظرة التقليدية السابقة له.
وتشير صحيفة ذي أتلانتك أن أبحاثها تكشف أن تنظيم القاعدة وعملاء سريين كانوا يعملون لحساب الدولة الإيرانية العميقة حاولوا التوصل لاتفاق غير مرجح لأول مرة قبل أكثر من عقدين من الزمن بعد أن رفض صدام حسين طلب تنظيم القاعدة للمساعدة العسكرية.

وثائق بن لادن وعلاقات
وانتعش التحالف في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش عندما ناقشت قناة اتصال خفية بين طهران واشنطن بين عام 2001 و2003 الأمر بشكل متكرر. ومن جانبهم، صرّح مسؤولون في وزارة الخارجية ومسؤولون في البيت الأبيض كانوا مطلعين على المسألة أن مكتب نائب الرئيس اقترح ألا يتصرف البيت الأبيض بناءً على ذلك خوفاً من تقويض الإدارة لحملة الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين في العراق التي كانت مبررة بادعاءات أنه يموّل تنظيم القاعدة ويملك أسلحة دمار شامل مخبأة. وأخيراً ووفقاً لنفس المصادر، أخبر مكتب نائب الرئيس المبعوثين الأمريكيين إلى إيران وأفغانستان أنه بمجرد النجاح بتغيير النظام في العراق سيكون الدور القادم لطهران.
وقد بدأت نقطة نضال تنظيم القاعدة من أجل إصلاح نفسه بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان في الثاني عشر نوفمبر 2001 عندما قرر أسامة بن لادن التوجه لمجمع الكهوف في تورا بورا.
ووفقاً لأفراد أسرته، أخبر بن لادن زوجاته عند الوداع أنه يريد حياة مختلفة للأطفال، فبحسب بعض من أطفاله الذين تنصتوا على حديثه مع زوجته الثالثة سهام السعودية التي تعمل معلمة “أرجوك اثنيهم عن الانضمام لهذا الجهاد”.
وبينما انطلق بن لادن نحو الكهوف، هرب أغلب أفراد أسرته إلى باكستان بينما توجه أحد أبرز القياديين في تنظيم القاعدة إلى إيران.
وفي 19 ديسمبر 2001، استقل محفوظ بن الوليد، وهو باحث إسلامي من موريتانيا، حافلة في مدينة كويتا، في مقاطعة بلوشستان الباكستانية، متوجهاً إلى تفتان، وهو المعبر الحدودي الرسمي إلى إيران. وكان محفوظ بن الوليد قد أطلع صحيفة ذي أتلانتك على قصة ترحاله خلال العديد من الاجتماعات المطولة معه، موضحاً كيف سافر بصفته “الدكتور عبد الله الذي يعالج اللاجئين من الحرب الأفغانية باستخدام وثائق مزورة” بينما حمل معه حقيبة مليئة بالدولارات الأمريكية، في حافلة ألصق على زجاجها الأمامي صورة أسامة بن لادن.
وبعد بقائه إلى جانب أسامة بن لادن قبل عقد من عام 2001، أصبح محفوظ شخصية محورية في مجلس القيادة لتنظيم القاعدة ورئيس لجنة الشريعة “القانونية” للتنظيم.
وعندما بدأ رحلته إلى تفتان كان مدرجاً على قائمة عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكان مطلوباً من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي لمساءلته حول تورطه في إدارة الخدمات اللوجستية لهجمات 1998 على السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا. وكانت السي آي إيه قد داهمت منزله في السودان عام 1998 للتحقق في دوره في التزوير وغسل الأموال بالإضافة إلى محاولته تعزيز أصول بن لادن في الخرطوم لإرسالها إلى أفغانستان.
لكنه كان قد فر قبل لحظات قليلة من المداهمة وهو هارب منذ ذلك الوقت. وكان محفوظ يأمل بينما كانت حافلته تتوجه نحو الحدود الإيرانية أن ينجح في إقناع الإيرانيين بمنح قادة القاعدة وأسرة بن لادن ملاذا آمنا دائما في إيران.
وتقع الجغرافيا والسياسة والتاريخ وراء قرار يبدو غريباً لجماعة “سنية” محظورة لمحاولة عقد شراكة مع قوة “شيعية” متعصبة. فإيران تشارك معبراً مع إقليم بلوشستان في باكستان الذي يعد قريباً من مكان اختباء كثير من مقاتلي التنظيم وأفراد أسرة بن لادن.
وكان محفوظ قد توجه للخليج العربي من قبل، حيث أرسله بن لادن هناك في عام 1995 للفوز بالدعم العسكري لتنظيم القاعدة, وكان محفوظ قد زار العراق أولاً حيث رفض صدام حسين طلبه، بيد أنه في إيران بحسب ما أشار محفوظ، كان فيلق القدس الذي يعد وحدة قوات خاصة سرية ضمن الحرس الثوري الإيراني ومسؤولة عن العمليات خارج حدودها الإقليمية منفتحةً على الطلب. وكان من المقرر تقديم تدريب عسكري متقدم، حيث دعي مقاتلو القاعدة في عام 1995 لحضور معسكر يديره حزب الله برعاية فيلق القدس الإيراني في سهل البقاع في لبنان. وكان المدربون هناك يدرسون كيفية تصنيع “حشوات مشكلة ” وهي عبوات ناسفة قوية يمكن أن تخترق الدروع الواقية، وتسببت لاحقاً بنشر الفوضى بين القوات الأمريكية في العراق.
لكن لا يوجد دليل على أن اتفاق عام 1995 نتج عنه شيء، لكنه على الأقل فتح أبواباً أمام التنظيم ففي 20 ديسمبر 2001 عندما وصل محفوظ إلى معبر تفتان ودخل إيران، رحب به عملاء من حركة أنصار المهدي التي تعد خلية من النخبة تابعة لفيلق القدس ليكسب بذلك جمهوراً في طهران بما فيهم قائدهم الجنرال قاسم سليماني. لكن إيران لم تكن ملتزمة تماماً بالتعاون. وفقاً لمسؤولين أمريكيين بارزين من وزارة الخارجية والبيت الأبيض يعملون في جنوب آسيا وأفغانستان، كانت إيران تخشى من أن تحوّل الولايات المتحدة انتباهها العسكري إلى إيران بعد انتهائها من غزو العراق الذي كانت آنذاك تحشد الدعم الدولي من أجله ووصلت للأمريكيين.
وفى مؤتمرات دولية عقدت في المانيا وجنيف وطوكيو بين ديسمبر 2001 وإبريل 2003 من أجل استعراض إعادة إعمار أفغانستان بعد طالبان اقترح المسؤولون الإيرانيون على نظرائهم الامريكيين بعض الحوافز مقابل تطبيع العلاقات. وفي وقت مبكر، كان فيلق القدس يراهن على قيام قادة القاعدة الآخرين بتتبع خطى محفوظ والبحث عن مأوى في إيران وبناءً على ذلك اقترح المسؤولون الإيرانيون احتمالية تقديمهم للأمريكيين باعتبار ذلك جزئهم من الصفقة. واشار المسؤولون الامريكيون المشاركون في هذه المحادثات إلى أن إدارة بوش رفضت الصفقة دون تردد، وضم الرئيس إيران ل ”محور الشر” في خطاب حالة الدولة الذي ألقاه في يناير 2002.
ووفقاً لمحفوظ وكثر غيره من تنظيم القاعدة بالإضافة إلى أعضاء من أسرة أسامة بن لادن ومسؤولون حكوميون أمريكيون سابقون ، وافق فيلق القدس حينها على خطة الملاذ. وتواصل الموريتاني مع بقايا مجلس تنظيم القاعدة في بلوشستان، باكستان. وكان أول من أرسل لإيران هم زوجات وبنات مقاتلي التنظيم جنباً إلى مئات المتطوعين من المستوى المنخفض الذين اصطحبوا إلى طهران. تم وضع النساء في فندق الحويزة Howeyzeh Hotel ذو تصنيف الأربع نجوم الذي يقع في شارع طالقاني Taleqani Street. ومكث الأزواج والمقاتلين غير المتزوجين في الشارع المقابل في فندق أمير Amir Hotel. ومن هناك قدّم لهم فيلق القدس وثائق سفر مزورة تنكرهم على أنهم لاجئون شيعة عراقيون وأخرجوهم بذلك من بلدانهم التي استقروا فيها أو دخلوها للانضمام لصراعات أخرى.
وجاءت الموجة الثانية من أعضاء تنظيم القاعدة القادمين لإيران في صيف عام 2002 عندما وصل قادة تنظيم القاعدة ذوو المستوى الرفيع إلى إيران للبقاء وحشد التجهيزات. وكان يقودهم أبو مصعب الزرقاوي وهو البلطجي الأردني الذي شكل تنظيم القاعدة في العراق الذي سيكون لاحقاً تنظيم داعش. وكان أول الواصلين هو سيف العدل وهو عقيد سابق في القوات الخاصة المصرية سافر باسم إبراهيم المستعار. وكان يرفقه عضو في مجلس تنظيم القاعدة مصري هو أبو محمد المصري التي كشفت أوراقه أنه لاعب كرة القدم المحترف السابق داوود شيرزي Daoud Shirizi الذي كان مطلوباً أيضاً من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي لمشاركته في هجمات عام 1998 على السفارات. وأنضم لهم أبو مصعب السوري الذي يعد أحد أهم الأصوات الاستراتيجية في الحركة. ووفقاً لمحفوظ، خطط المجلس العسكري الذي أعيد تشكيله للقاعدة لأول هجوم له من داخل إيران حيث ضربووا ثلاثة مجمعات سكنية في السعودية وتسببوا بمقتل 35 شخصاً من بينهم 9 أمريكيين في عام 2003.
وبعد تأكده من استمرارية التنظيم، نادى المويتاني أسرة بن لادن للقدوم. وصلت إحدى زوجاته مع العديد من أبناءه بمن فيهم حمزة إلى إيران في منتصف عام 2002 واستقروا في البداية في مزرة محصنة إلى الشرق من مدينة زابل وهي بلدة حدودية إيرانية أغلب سكانها من العرب حيث كانت اللغة العربية هي اللغة السائدة فيها. ووفقاً لنسخة من رسالة حمزة أطلعت عليها صحيفة ذي أتلانتك، كتب حمزة رسالة لوالده بعد عدم قدرته على التعود على زوجته الجديدة قال فيها ” أباه! أين المفر ومتى سيصبح لنا منزلاً؟ أباه، انا أرى تهديدات بالخطر أينما نظرت”. وبحلول منتصف عام 2003، كان فيلق القدس قد جمع حمزة واخوته وأخواته غير الأشقاء وأمهاتهم والمجالس العسكرية والدينية لتنظيم القاعدة في إيران واصطحبوهم إلى مركز تدريب شديد الحراسة في إحدى قصور الشاه السابق في شمال طهران. ولم يقدم سوى الزرقاوي ومجموعة من المقاتلين من مدينة نشأته الزرقاء، حيث قدم لهم فيلق القدس التمويل والأسلحة ونقلوهم عبر كردستان إلى بغداد حيث بدأوا باستهداف قوات أمريكية.
ولكن حتى في تلك المرحلة، لم يكن المستقبل مؤكدا للقادة الدينيين والعسكريين في تنظيم القاعدة في إيران، ولا على أسرة بن لادن. وواصل فيلق القدس عرض تسليمهم جميعاً للولايات المتحدة في اجتماعات سرية عقدت في سويسرا حتى إبريل 2003. واستمر البيت الأبيض في الرفض.
وبحلول عام 2006، كانت التجهيزات قد أنعشت، وقررت أسرة بن لادن محاولة الوصول إليه أينما كان مختبئاً في باكستان وذلك ضد رغبات الإيرانيين. واقترح حمزة أن يذهب أولاً لكن الأصوات جاءت ضد ذهابه لأنه ضعيف وعاطفي للغاية. وفقاً لما ذكره محفوظ واخوة حمزة غير الأشقاء الذين قابلتهم صحيفة ذي أتلانتك أخبرته والدته أنه بعمر 19 عاماً ” لن ينجو وحده” كما كانت زوجته أسماء قد رزقت للتو بابنة منه. وقام أخ حمزة غير الشقيق، سعد، الذي كان مصابا بالتوحد، بمحاولة كارثية حيث حوصر في وزيرستان، بباكستان وقتل في غارة جوية لطائرة بدون طيار في عام 2009. وبعد مقتل سعد حاولت شقيقته إيمان التي تعد ابنة أسامة بن لادن ونجوى زوجته الأولى العثور على والدها. كانت إيمان قد يئست من الاستماع للرجال وهم يتجادلون، وبينما كانت في زيارة مرافقة لسوبر ماركت في طهران، تمكنت من الفرار من حرسها في فيلق القدس، وأرتدت ملابس إيرانية وأمسكت بدمية أطفال من البلاستيك، وأخفت نفسها كأم مرضعة. بعد أن أدركت أن العثور على والدها كان خطراً للغاية، هربت إلى سوريا، حيث كانت تعيش والدتها.
وأخيراً، في عام 2010 وافق فيلق القدس الذي كان قد تعرض لضغوطات من تنظيم القاعدة بالسماح لجميع أفراد أسرة بن لادن بمغادرة طهران، وأذنوا لحمزة ووالدته بالخروج من قاعدتهم في طهران. ولم تكن مفاوضات خروجهم مباشرة حيث لجأ تنظيم القاعدة في باكستان إلى اختطاف دبلوماسي إيراني هناك لإجبار طهران على أخذ قرار يصب في مصلحة التنظيم. كان حمزة ووالدته قد طلبا من الفيلق إرشادهم إلى قطر حيث يرغب حمزة بالدراسة. لكن فيلق القدس أصر على عبورهما الحدود إلى باكستان. ووصلت والدة حمزة في نهاية المطاف إلى أبوت آباد في فبراير 2011 بينما اختبأ حمزة في المناطق القبلية الباكستانية التي كتب رسالة أخرى لوالده منها. كان هو و “زوجته الورعة” مريم يملكان الآن طفلين وكتب حمزة لوالده أن طفله الثاني “ابن سميته على اسمك”. وأخيراً في إبريل 2011 وبعد أسابيع عديدة من المداولات سمح القائد العسكري للقاعدة في وزيرستان لحمزة ببدء رحلة إلى أبوت آباد قبل أيام قليلة فقط من غارة فريق عناصر القوات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية ” سيلز “. وكتب مراسلاً والدته وهو قلق ” والدتي العزيزة، أرجو توضيح ما يمكنني اصطحابه معي.. أنت تعلمين كم أن الكتب مهمة بالنسبة لي. هل آخذهم معي أم لا؟” وبعد بضعة أيام جاء رد والدته ” من الأفضل أن تسافر خفيف الحمل”.
ومكث حمزة مع والده لمدة تزيد قليلاً عن 12 ساعة. ثم أجبره والده القلق بالمغادرة، ووصل فريق السيلز بعد ذلك بفترة وجيزة. وظلت مجموعة من القادة الدينيين والعسكريين في تنظيم القاعدة في إيران حتى أبريل 2012، عندما هرب محفوظ أيضاً من حرس فيلق القدس، ثم سافر جواً في النهاية إلى موريتانيا. وظل معظم أعضاء المجلس العسكري للتنظيم الذي يعد مجموعة أساسية من خمسة أشخاص يقودهم سيف العدل المصريفي إيران حتى عام 2015. ثم قام فيلق القدس بنقل بعضهم إلى سوريا للانضمام للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وكان يقود هذه الخلية أبو الخير المصري وأبو محمد المصري الذي يعد والد زوجة حمزة الذي وصفته المخابرات الأمريكية بأنه “مخطط العمليات الإرهابية الأكثر خبرة وقدرة غير المحتجز لدى الولايات المتحدة أو أي من حلفائها”. ومعهم جاء مقاتلين أردنيين ذو صلات بالزرقاوي بما فيهم أحد أهم نواب أبو مصعب الزرقاوي، وكانت الخطة تتمثل في أن تقوم هذه المجموعة بالاتصال مع مقاتلي داعش وقادتها والتشجيع على الانقسام.

وثائق بن لادن وعلاقات
في النهاية، وفي أغسطس 2015، ووسط حاجة القاعدة لنصر إعلامي في خضم صعود داعش، عثر خلف أسامة بن لادن أيمن الظواهري على وظيفة لحمزة، الذي قام بنشر أول تسجيلاته الصوتية التي وصل عددها الآن إلى سبعة. وقد استخدم الشاب الذي يبلغ من العمر 26 عاماً ولم يطلق رصاصة في حياته كلوحة إعلانية بحسب تعبير شيوخ القاعدة وأفراد عائلته. رغم ذلك، بقي هو المسؤول مختبئاً في باكستان، بينما كانت العمليات العسكرية بقيادة سيف العدل، الذي نقلته قوات فيلق القدس إلى مكان آمن في المقاطعة 9 في طهران. كان سيف الآن وحيداً. ففي عام 2016 تم السماح لزوجته الحامل أسما بالمغادرة إلى الدوحة، وهناك بقيت مع بقية أفراد عائلة بن لادن الذين تم ترحيلهم من باكستان. وبعد وقت قصير من وصولها، فقدت طفلها ورفعت قضية طلاق، غير قادرة على مواجهة احتمال بدء عصر جديد من الجهاد – وهو الأمر الذي كانت تخطط له القاعدة تحديداً.
تنظيم القاعدة الذي كان يبلغ عدد رجاله لحظة سقوط أبراج التجارة 400 رجل قوي فقط وتضرر من الغزو الأمريكي لأفغانستان ثم طغت عليه داعش في وقت لاحق وصل الآن بقيادته الموزعة بين إيران وباكستان وسوريا وبعد إعادة بناء نفسه لنقطة تمكنه من نداء عشرات الآلاف من الجنود من المشاة.

شارك