جماعة العدل والإحسان تنتقد احتكار السلطة في المغرب للحقل الديني

الأربعاء 15/نوفمبر/2017 - 01:17 م
طباعة جماعة العدل والإحسان
 
أصدر المجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان المغربية، تقريره السياسي السنوي المفصل على إثر اجتماعه في الدورة الحادية والعشرين يومي السبت والأحد 4و5 نوفمبر2017، وهو التقرير الذي يقدم فيه قراءة في الأحداث سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو المحلي، للفترة الممتدة بين الدورة العشرين والحادية والعشرين، والتي تنعكس على طبيعة التحولات في المغرب. 
ويرصد التقرير أيضا تفاعل الدائرة السياسية مع بعض هذه الأحداث، حيث شهدت الفترة الممتدة من تاريخ انعقاد المجلس القطري للدائرة السياسية في السنة الماضية إلى تاريخ انعقاد هذا المجلس تسارع مجموعة من الأحداث انعكست لا محالة على طبيعة وحجم التحولات السياسية والاقتصادية والأمنية… سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو على المستوى المحلي. يبسط هذا التقرير رصدا وقراءة لأهم تلك الأحداث مشيرا بتركيز شديد إلى تفاعل الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان مع بعض القضايا الوطنية والدولية، مع العلم أن التفصيل في التفاعل قد تم في تقرير منفصل، ألا وهو التقرير التنظيمي.
وتضمن التقرير الأخير فقرة خاصة بتدبير “الحقل الديني” بالمغرب، حيث اعتبر ان “النظام مستمر في احتكار الشأن الديني والانفراد بتدبيره”، و”توظيف المساجد لتمرير الدعاية الرسمية لسياسات السلطة”.
وقال التقرير "لا يدخر المخزن وسعا في تكريس التدبير الاستبدادي من خلال الاستغلال البشع للدستور على علاته وللقوانين على محدوديتها، ولعل من أبرز آليات هذا التدبير استغلاله للشرعية الدينية من أجل تصفية حساباته والاستقواء على خصومه وتبرير قراراته". 
واضاف "لقد شهدت الفترة التي يغطيها هذا التقرير استمرار النظام في احتكار الشأن الديني والانفراد بتدبيره مستغلا صفة “إمارة المؤمنين” وصفة “إسلامية الدولة” التي يستحضرها في مناسبات ويغيبها في أخرى. حيث استمر توظيف المساجد لتمرير الدعاية الرسمية لسياسات السلطة في تعارض صارخ مع مبدأ “حياد المساجد” الذي صُوِر في لحظة من اللحظات على أنه إنجاز تاريخي للنظام. ولعل تخصيص خطبة الجمعة في مايو 2017 بالحسيمة لتعبئة المصلين ضد حراك الريف يعيد للأذهان توظيف المساجد لحمل المواطنين على التصويت بـ”نعم” في الاستفتاء على الدستور سنة 2011. وما زال التدبير الأمني للحقل الديني حاضرا بقوة من خلال منع الناس من الاعتكاف داخل المساجد أيام شهر رمضان الفضيل، إضافة إلى إهمال الحجاج المغاربة وتردي الخدمات المقدمة لهم في مقابل الكلفة الباهظة المفروضة عليهم مقابل أداء شعيرة الحج".
وتابع التقرير"سياسة تأميمية لم تفلح في تحقيق التأطير الديني المطلوب الذي يقي المغاربة من دعوات التطرف؛ والتي أصبحت تستهوي عددا مهما من شبابنا، ولعل ما يتم الإعلان عنه بين الفينة والأخرى من تفكيك خلايا هنا وهناك مؤشر مهم في الباب، ناهيك عن عدد الملتحقين بصفوف التنظيمات المتطرفة في عدد من الدول".
وراي التقرير أن شعار “الأمن الروحي” الذي يتشدق به المشرفون على هذا الحقل يتهاوى أمام تنامي عدد المغاربة طلاب الفتاوى من الخارج، الذين لم يجدوا في المجلس الرسمي المنوط به هذا الاختصاص بغيتهم.  يزيد من تهاوي هذه الشعارات ما تعانيه أغلب المساجد والقيمين عليها من إهمال ومعاناة، وكذا نهج سياسة التضييق على بعض الخطباء، بل توقيف عدد منهم. 
وشد التقرير علي ان ذلك اختلالات عميقة يزيد من خطورتها سلبية “المؤسسة الدينية” تجاه الكثير من مظاهر الاستهداف الممنهج لقيم المغاربة وأخلاقياتهم.
وراي التقرير ان اختارت جماعة العدل والإحسان منذ تأسيسها الاصطفاف إلى جانب قضايا وهموم الشعب ودعمها لمطالبه المشروعة في الكرامة والحرية والعدالة. وقد كان لهذا الاختيارِ ثمنٌ باهض؛ فهناك العديد من الملفات الحقوقية التي مارس من خلالها المخزن أبشع صور الظلم والجور على الجماعة؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: السجن الظالم لعمر محب، وتشميع البيوت، وملاحقة المحكوم عليهم بغرامة الاجتماع على القرآن الكريم، وطمس ملف الشهيد كمال عماري بعيدا عن كشف الحقيقة وترتيب الجزاء على مقترفي الجريمة وجبر الضرر، ضدا على ما أقره تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان وتقارير المنظمات الدولية والوطنية من مسؤولية الدولة في الجريمة، ومواصلة أشكال التضييق المتنوعة في حق أعضاء الجماعة ورموزها…
وقد كان من آخر فصول هذه السياسة الانتقامية ترسيب بعض الناجحين من الأساتذة المتدربين، وإعفاء العشرات من الأطر الأكفاء الأوفياء لمسؤولياتهم من مهامهم والتعسف في إلحاقهم ومنع الحركة الانتقالية عن بعضهم.
وتناول التقرير السياسية الداخلية والخراجية للمغرب وانتقد السلطات الواسعة للعاهل المغربي الملك محمد السادس، كما حذر من تردي اوضاع التعليم والثقافة وترادع حقوق المراة المغربية والتضييق علي  حرية التعبير وكذلك تراجع الوضع الاقتصادي واستمرار جمود  ملف الصحراء، محذرا من انفجار الوع في الداخل المغربي.
وواختتم التقرير قائلا إن مرد الانتكاسات المتتالية التي يغرق فيها المغرب على جميع الأصعدة، لا يرجع إلى ضعف الإمكانيات ولا إلى قلة الخبرات ولا حتى لغياب البرامج والمخططات، بل هي راجعة بالأساس لطبيعة النظام المخزني المغربي، طبيعة سلطوية تحكمية تحتكر السلطة والثروة ولا تسمح بمنازعتها في إحداهما. لقد أجهز هذا النظام على العمل السياسي وجدواه والسلم الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي، وقتل الأحزاب وأفرغ كل المؤسسات الوسيطة من وظائفها الأساسية في التأطير الحقيقي والتمثيل الكامل للشعب….ثم يطمع في مقابل هذا الإفلاس أن يبارك المغاربة سوءاته دون قيد أو شرط، لكن هيهات في ظل توالي النكسات وخيبات الأمل، وتجدر فقدان الثقة في المؤسسات الرسمية، وتكسير حاجز الخوف، وترسيم سلطة الشارع.
واضاف إن عمق الأزمة وتجدرها لن يفقد القوى الحية من مختلف المشارب الفكرية والسياسية الأمل والإصرار في البحث عن مغرب أفضل، لذا ما فتئنا نؤكد في جميع المناسبات أن المخرج من الأزمة لن يكون إلا من خلال عمل مجتمعي يتحمل فيه كل الطامحين للتغيير مسؤوليتهم. ونؤكد أن كل من يسهم في إبعاد الشقة وتكريس الإقصاء في صف المناهضين للاستبداد والفساد يقدم خدمة جليلة للمخزن، لذلك سيبقى سعينا جاد في الدعوة للتواصل والتنسيق الميداني مهما كانت العقبات، وهدفنا التأسيس لعمل مشترك نتعاون من خلاله فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، بل ليكن الحوار الهادئ والموازي للعمل الميداني طريقنا لاستيعاب التباين الإيديولوجي والفكري والتأسيس لآليات تفيد في تدبير الاختلاف، وتجعل منه عامل قوة في مواجهة المستبدين، عوض أن يكون عامل إضعاف لصف التواقين إلى الحرية والعدالة والكرامة. إن بلدنا اليوم، وكما أكد ذلك هذا التقرير، يعيش وضعا استثنائيا خطيرا، لا سبيل لتجاوزه إلا بإرادات استثنائية تبحث فعلا، وليس قولا فقط، عن مصلحة المغرب والمغاربة.

شارك