الأقليات الدينية في المغرب.. ما بين المطالبة بالحقوق والاتهامات بزعزعة الدولة

الأحد 19/نوفمبر/2017 - 03:17 م
طباعة الأقليات الدينية
 
اتسم مؤتمر الأقليات الدينية المنعقد بمدينة الرباط، والذي دعت إليه اللجنة المغربية للأقليات الدينية، وحضره بعض الأفراد بصفتهم الشخصية، بكثير من الارتباك على مستوى الإعداد والتنظيم، بالاضافة الي توجيه الاتهامات الي الدولة المغربية مع عدم الاعتراف الرسمي بالاقليات في المملكة.
وصاحب الإعلان عن موعد تنظيم مؤتمر “اللجنة الوطنية للاقليات الدينية”، السبت 18 نوفمبر2017، بالعاصمة الرباط، جدل كبير بسبب توجس البعض من المؤتمر ودوافعه، لا سيما أنه لا يوجد اعتراف رسمي بطوائف دينية ينتمي إليها المغاربة الذين غيروا دينهم.
وقد عرف اللقاء الذي حضره ممثلو بعض الأقليات الدينية ومعتقل سابق في ملف السلفية الجهادية، بالإضافة إلى حقوقيين، نقاشا تمحور بالأساس حول ظروف عيش الأقليات الدينية وممارسة شعائرها والسبب وراء عدم الاعتراف بحقها في حرية المعتقد.

مؤتمر الاقليات:

 مؤتمر الاقليات:
وقد غاب عنه جل الشخصيات التي تم استدعاؤها وكان مبرمجا أن تكون لها تدخلات في المؤتمر مثل المفكر المغربي سعيد ناشيد والمفكر الشيعي ادريس هاني والدكتور عبد الجبار شكري، مما جعل الجهة المنظمة تكتفي بجلسة واحدة ثم تلاوة البيان الختامي، الذي سموه بـ”إعلان الرباط”.
وانطلق المؤتمر، الذي حضره حوالي 40 فردا، على إيقاع مهاجمة الدولة واتهام بعض المؤسسات بكونها تنتهك الحريات الدينية، وهو ما أكد عليه عدد من المتدخلين بالمؤتمر، وهم شيعة.
وشدد منسق اللجنة الوطنية للأقليات الدينية، جواد الحامدي، على أن السلطات بالمغرب لا تزال “تنتهك الحريات الدينية”.
وأوضح الحامدي ، في كلمة ألقاها في افتتاح المؤتمر المذكور، أن تنظيم المؤتمر يأتي في سياق “الاعتقالات التي تمارسها السلطات على الاقليات الدينية، والضغوطات على العديد من المسيحيين الذين يضطرون إلى ممارسة شعائرهم داخل البيوت”.
وقال الحامدي ، إن التضييق طال حتى تنظيم هذا المؤتمر، مشيرا إلى أن تنظيم هذا الأخير بمقر الجمعية المغربية لحقوق الانسان،بدوره تعرض لمضايقات، بسبب الحضور المكثف “للأمن السري”، بجوار المقر، هذا في الوقت الذي منعت فيه السلطات تنظيمه بإحدى المؤسسات العمومية، بحسب المتحدث.
وتابع الحامدي، أن عدد من المشاركين في النشاط “تعرضوا لضغوطات، بسبب الهجوم الإعلامي على المؤتمر من خلال نشر الاشاعات ووصف المنظمين بالملحدين والمثليين”.
وأشار منسق المؤتمر إلى أن هذا الأخير سيسفر عن “إعلان الرباط” الذي “سيرسم خريطة لتحقيق مطالبنا”.
وقال إنه بعد إعلان الرباط سيخوض المنظمون لهذا المؤتمر “معارك يجب أن نخوضها جميعا كفعاليات وحقوقيين لتحقيق الاعتراف والاستجابة لمطالب الأقليات، لتأسيس إطار قانوني تتواجد فيه الاقليلات وتحتضنهم ويحيي النقاش والضغط للاستجابة للمطالب القانونية لهذه الفئات”.
ولفت المنسق المذكور إلى أن أعضاء هذا المؤتمر هم من المسيحيين والشيعة والأحمديين، فيما اعتذر البهائيون “بسبب عدم تمكن ممثليهم من الحضور وليس لمعارضتهم المؤتمر”، حسب ما قاله الحامدي.

الوضع المسيحي:

 الوضع المسيحي:
من جانبه بدأ المسيحي المغربي والباحث في العلوم الإنسانية، محمد سعيد، حديثه عن وضع الاتقليات والمسييحن في المغرب، انطلاقا من الدساتير المغربية بدءا بدستور 1962 وصولا إلى دستور 2011، للحديث عن "منع" حرية المعتقد.
وحسب سعيد فإنه وفي ظل غياب اعتراف قانوني بحرية المعتقد، فإنهم يضطرون لممارسة شعائرهم بسرية" بعيدا عن الكنائس الرسمية، مبرزا أن "ما هو سري مخالف للقانون ونحن لا نريد أن نكون مخالفين للقانون".
وقال المتحدث في مداخلته "نريد دسترة حرية المعتقد لنظهر"، مردفا "وجودنا ينطلق من المواطنة".
ورفض سعيد وصف "الأقلية" الذي يستعمل لوصف معتنقي الديانات من غير الإسلام في المغرب، وأكد "أنا لست أقلية، وقد يشاطرني الكثيرون نفس الفكرة، نحن لسنا أقلية، نحن مواطنون مغاربة نسعى من أجل نيل حقوقنا المادية والروحية".
وانتقد المتحدث ضمن مداخلته عبارة "زعزعة عقيدة مسلم"، (وهي جريمة يتضمنها القانون الجنائي وتنتج عنها عقوبة حبسية وغرامة مالية) مبرزا أن تلك العبارة تنطوي على "استهانة" بالشخص المقصود لأن مفهوم الزعزعة، حسب رأيه يفترض أن "الشخص غير ثابت".
و بخصوص المشاكل التي يعاني منها المسيحيون في البلاد، قال شعيب فاتحي، وهو مسيحي مغربي إن الأمر يشمل بالخصوص عدم التقبل من طرف المجتمع، إضافة إلى عدم حرص الدولة على حماية هذه الأقلية وغيرها، مما يجعلها تتعرض لمضايقات واضطهاد ممنهج يشمل الجانب المادي والمعنوي، وهو ما يتجلى بشكل واضح في الإقصاء الذي يتعرضون له في الولوج لسوق العمل إسوة ببقية المواطنين.
واضاف شعيب  قائلا"أنا لست مرتدا كما يصفني البعض، آمنت بالدين الإسلامي لوقت من الزمن لكوني ولدت ونشأت في إطار أسرة مسلمة، و أود تصحيح الفكرة المغلوطة التي يتبناها المجتمع المحافظ حولنا، حينما يتهمنا بالعمالة وخدمة أجندات أجنبية وتلقي دعم خارجي، أما عن التبشير، فمن حقنا أن نمارسه عن طريق الحجة والبرهان وليس القوة والعنف".

وضع الشيعة:

أما محمد أكديد، وهو شيعي مغربي وباحث في المذاهب الإسلامية، فقد حرص في كلمته على توضيح ما وصفها بـ"المغالطات" المتداولة علاقة بالتشيع والشيعة.
وحسب المتحدث فإن هناك "مغالطة كبيرة" فيما يتعلق بالشيعة وأيضا الطائفة الأحمدية، إذ أكد على أنهما "يؤمنان بنفس المعتقدات الإسلامية ويقومان بنفس العبادات ولهما تراث مشترك"، موضحا أن "الاختلاف يبقى فقط على مستوى قراءتهما لبعض النصوص ومواقفهما من بعض العقائد والأفكار التي تختلف والتوجهات الرسمية للأغلبية" في إشارة إلى السنة.
انطلاقا من ذلك يشدد أكديد على أن "كل الممارسات التي تستهدف هؤلاء في بعض الدول متعسفة وغير ذات موضوع"، مردفا أن "الأمر هنا يتعلق بالتضييق على حرية التعبير وإبداء الرأي والموقف أكثر مما يتعلق بحرية المعتقد".
"المغالطة الأخرى" حسب أكديد تتمثل في "ربط التشيع بالفرس وإيران" إذ أكد أن "التشيع أصله عربي"، لافتا في السياق نفسه إلى ضرورة "التفريق بين التشيع المذهبي والتشيع السياسي" على حد تعبيره.
وعن مواقف الدولة المغربية من الأقليات الدينية، أضاف أكديدقائلا"يمكننا التمييز بين موقفين من خلال ما قبل دستور 2011 وما بعده، حيث نسجل تفشي المقاربة الأمنية بشكل كبير قبل الدستور، ومنها الاعتقالات التي طالت مسيحيين مغاربة بتهمة التبشير، وكانت بذلك تستجيب لعقلية الأغلبية المحافظة من المجتمع، وتتم بتحريض من بعض الدول الوهابية. ما يمكن تثمينه لاحقا هو أن الدولة أضحت أكثر انفتاحا تجاه هذه الأقليات، عن طريق السماح لها بعقد تجمعات وندوات لتسليط الضوء على قضاياها، فهي لم تعد تستهدف أتباع هذه الديانات كأفراد، التضييق ما زال مستمرا على بعض الحقوقيين كجماعات".

حكم الردة:

حكم الردة:
وفي الوقت الذي يتم في كثير من الأحيان الرجوع إلى مفهوم "الردة" عند الحديث عن حرية المعتقد، كما قد يُعتمد من طرف البعض مبررا لمهاجمة الأقليات الدينية، أوضح المعتقل السابق في ملف السلفية الجهادية، والذي قام بمراجعات فكرية، علي العلام، أن "مفهوم الردة سابقا يختلف عن مفهوم الردة الآن".
ونفى المتحدث أن يكون المقصود من مفهوم"الردة"، "الردة الدينية"، بل المقصود، حسب ما أوضحه كان يعني "أن ينتقل شخص من معسكر الإيمان إلى معسكر الكفر وبالتالي يأخذ معه أسرار المعسكر الذي هجره"، مبرزا انطلاقا من ذلك أنه "حين كان يقتل المرتد لم يكن يقتل على الردة الدينية".
وحسب العلام فقد تم "استغلال" ذلك المفهوم "أبشع استغلال مع المخالفين"، مضيفا أن "التاريخ مليء بكثير من الأحداث سواء في الدولة الأموية أو الدولة العباسية وحتى في الأنظمة المتأخرة التي وظفت حد الردة كحد سياسي لتصفية الخصوم ".
العلام الذي شدد على ضرورة أن يتم الاعتراف بالأقليات الدينية، قال إن "حكمة الله اقتضت أن تعطي مساحة حقوقية للخلق تسمح لهم باعتقاد ما شاؤوا والكفر بما شاؤوا وكيفما شاؤوا" مستدلا على ذلك بالآية التي تقول "لا إكراه في الدين".
في غضون ذلك، شبه احمد ارحموش، رئيس الفيدرالية المغربية للجمعيات الأمازيغية نضال الأقليات الدينية بالنضال الذي خاضته الحركة الامازيغية التي تعرضت في السابق لضغوطات من طرف الدولة والتيار الإسلامي الذي اتهمهم بالسعي لتقسيم البلاد.

البيان الختامي:

البيان الختامي:
هذا توّج المؤتمر الأول الذي نظمته الأقليات الدينية بالمغرب أمس السبت بالرباط بإصدار بيان ختامي أطلقت عليه اسم"إعلان الرباط"، في خطوة منها للمطالبة بشكل قانوني بضرورة الاستجابة الفورية لمطالبها الخاصة بممارسة حرياتها الدينية بشكل علني إسوة ببقية المواطنين.
و حذر الاعلان الدولة المغربية مما وصفه بـ" الاختلالات والاساليب السلطوية"، التي تمارسها بحقهم، فضلاً عن تهربها من الاستجابة لمطالبهم، مما يؤثر بشكل سلبي على صورة البلد كمثال يرعى الحقوق، و ينادي بالتعايش والتسامح بين أبناء الوطن الواحد.
وطالب "إعلان الرباط" جميع القوى المجتمعية بالانخراط في مواجهة الانتهاكات التي تقترفها السلطات بحق هذه الأقليات، مما يحول دون ممارستها لشعائرها الدينية بشكل علني وبحرية تامة، لتضطر إلى التواري عن الأنظار والتعبد في المنازل عوض الوجود بالكنائس ودور العبادة، فضلا عن القمع الممنهج الذي تتعرض له، والذي يتمثل في التضييق عليها بمنعها من الاحتفال بأعياد ميلاد الأنبياء في قاعات الحفلات العمومية والمنازل الخاصة ، وتنفيذ محاكمات ضدهم وحرمانهم من ممارسة الشعائرالدينية ومن حقوقهم في تأسيس الجمعيات والتجمع.
و شدد الإعلان على الحاجة الملحة إلى رصد وتتبع وضعية الأقليات الدينية في المغرب والعمل على إنجاز تقارير حقوقية ميدانية، مستقلة عن الجهات المعادية للأقليات، من أجل الحصول على صورة واضحة تبين الوضعية التي تعيشها والإكراهات التي تعترضها خلال حياتها اليومية.
و اعتبر البيان ذاته أن النخب المغربية تتحمل مسؤولية جادة في مواجهة التطرف العنيف الذي يلحق بالأقليات الدينية المغربية، في غياب نص قانوني يضمن الحماية القانونية للمغاربة المختلفين في الدين وحمايتهم من العنف الذي يمارس ضدهم.
في نفس السياق، أبدت الأقليات الدينية التزامها بالعمل على إعداد أرضية مناسبة لتأسيس تنظيم قانوني كفيل باحتضان ممثلي الأقليات الدينية وطرح ملفاتهم الحقوقية وإحياء النقاش المجتمعي المعرفي والعلمي والحقوقي"، في إطار مكافحة جميع أشكال التمييز ضدها وطرح ملفاتها الحقوقية في مختلف المناسبات الوطنية والعالمية المعنية بقضاياها، حتى بلوغ الأهداف المتعلقة بالحقوق والحريات الدينية. 

رفض لبيان المؤتمر:

بعد البيان الختامي لمؤتمر “الأقليات الدينية بالمغرب” الذي صدر امس 18 نوفمبر، والذي حمل في طياته نوعا من التهويل فيما يتعلق بحرية المعتقد في المغرب، هاجم الباحث  المغربي في علم الأديان،  إدريس الكنبوري، الهيئات المنظمة للقاء، واصفا ما تقوم به بـ”التلاعب بأمن المغرب واستقراره”، مضيفا: “تريد افتعال مواجهة ما بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، على قلتهم، والبيان واضح في اتهامه للدولة والمجتمع معا”.
وكتب الباحث، في تدوينة له على الفايس بوك، أنه “لو قرأ أي شخص أجنبي البيان سوف يعتقد أن المغرب دولة تضطهد الأقليات الدينية، وأن هناك أقليات بالحجم الكبير الذي يوجد في بلدان المشرق العربي”. وأضاف أن “البيان تعمد إدخال عبارة “التطرف العنيف”، لأنها الكلمة السحرية التي يمكن بها اليوم الحصول على الملايين من المؤسسات الدولية”.
وكانت اللجنة المنظمة للمؤتمر الأول حول الأقليات الدينية أصدرت، عقب أشغال المؤتمر، بيانا طالبت فيه بوضع قوانين لحماية الأقليات الدينية، متحدثة عن “تضييق” و”حرمان” من ممارسة شعائرها الدينية في المغرب.
يذكر أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ومنتدى تعزيز السلم بالمجتمعات الإسلامية، نظما أواخر يناير 2016 في مراكش، مؤتمرا بعنوان «الأقليات الدينية في الديار الإسلامية: الإطار الشرعي والدعوة إلى المبادرة»، وأصدر المؤتمر إعلانا يؤكد فيه أنه «لا يجوز توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية». وكان الغرض من المؤتمر حسب وثائقه التنبيه إلى الانتهاكات التي تعرض لها المسيحيون والطائفة الزيدية في العراق وسوريا على أيدي تنظيم داعش الإرهابي.

شارك