بعد هزائمه على الأرض.. تراجع الآلة الإعلامية لـ"داعش"

الأربعاء 20/ديسمبر/2017 - 10:12 م
طباعة بعد هزائمه على الأرض..
 
كثيرة هي الوسائل الاعلامية التي اعتمد عليها تنظيم الدولة "داعش" في الانتشار وتجنيد الشباب من بلدان ولغات مختلفة 
ومن بين هذه الوسائل التي استخدمتها شبكة الانترنت والتكنولوجيا الخاصة بهواتف الجيل الثالث والرابع، وقد تم تصميم أول تطبيق لتنظيم داعش في 29 نوفمبر 2015 عبر وكالة أعماق الإخبارية، حيث وفّر التطبيق التقارير الإخبارية والترويج لعمليات داعش، معظمها من داخل العراق وسوريا.
بعد شهرين، وفي 30 يناير 2016، صمم التنظيم تطبيقًا مخصصًا لمنصات الأندرويد يبث من خلاله البرامج الإذاعية لمحطة البيان الإذاعية التابعة له، حيث وفّر التطبيق تحديثات إخبارية يومية عن فرق داعش الإقليمية، جنبًا إلى جنب مع القراءات والأناشيد الدينية.
لا تعد هذه التطبيقات مجرد أدوات قيّمة بغية استقطاب المجندين فحسب، بل إنها تساعد أيضًا على توفير قنوات مستقرة لبث الدعاية الإعلامية للتنظيم خارج حسابات وسائل الاعلام الاجتماعية، حيث غالبًا ما يتم حذف حسابات التنظيم على يد مسؤولي تلك المواقع، ولهذه الأسباب، لم يكن من المستغرب مواصلة تنظيم داعش إصدار تطبيقات مماثلة؛ ففي يوم 17 أبريل 2016، أصدرت المجموعة النسخة الإنجليزية من تطبيق أعماق.
وبالإضافة إلى ذلك، تم إصدار تطبيقات دعائية عائدة للتنظيم ناطقة باللغة الفرنسية والتركية في يوم 21 أبريل و2 مايو 2016، على التوالي.

بعد هزائمه على الأرض..
لم تتوقف الآلة الدعائية للتنظيم عند هذا الحد، بل ذهبت الجماعة إلى ما يتجاوز التغطية الإخبارية والمحتوى الديني، لتصدر في يوم 10 مايو 2016، تطبيقًا جهاديًا على منصة أندرويد مخصصًا لتعليم الأبجدية العربية للأطفال تحت اسم (تطبيق حروف)، تم إنتاجه من قِبل "مكتبة الهمة".
يروّج هذا التطبيق بالطبع لرسائل جهادية موجهة إلى "أشبال الخلافة"، كما يسمي داعش الأطفال، حيث يتضمن التطبيق ربطًا ما بين الحروف وكلمات جهادية مقابلة لها، كالربط ما بين حرف الميم وكلمة "مدفع"، حرف الباء وكلمة "بندقية"، حرف الدال وكلمة "دبابة، وحرف الصاد وكلمة "صاروخ".
غالبا ما توّفر المجموعة الإرهابية تحديثات دورية لهذه التطبيقات، بما في ذلك تحديث أُطلق في 16 مارس لتطبيق وكالة أعماق، كما أصدر التنظيم إصدارات عاملة على أنظمة ويندوز من تطبيقي راديو البيان وتطبيق حروف المخصص للأطفال في 17 مارس و28 مايو 2016، على التوالي.
ولكن في الوقت الذي بدا فيه بأن تنظيم داعش قد نجح حقًا في خلق أسلوب مباشر وغير منقطع لربط أتباعه معه، ظهرت مؤشرات على أن التطبيقات المنشورة باتت تحت خطر التعرض لاختراقات جديدة؛ ففي إشعار نشرته وكالة أعماق رسميًا في 1 يونيو، وأُعيد التأكيد عليه في وقت لاحق من قِبل قنوات وسائل الإعلام الاجتماعية الأخرى التابعة للتنظيم، ادعى التنظيم بأن "مصادرًا مشبوهة" باشرت بنشر نسخة مزورة من تطبيق أعماق بهدف "التجسس".
تحذير: نشرت جهات مشبوهة نسخة مزورة من تطبيق وكالة أعماق على أندرويد بهدف الاختراق والتجسس، نوصي بعدم تحميل أي تطبيق إلا عبر القنوات الرسمية لأعماق، والتحقق من البصمة الرقمية التي نشرت رسميًا قبل التثبيت.

بعد هزائمه على الأرض..
وأملًا في القضاء على هذا التنظيم وآلته الاعلامية، سعى محاربو التطرف إلى محاولة إيقاف هذه الآلة، التي تعد من أبرز ما يميز هذا التنظيم؛ حيث تبثُّ محتويات إرهابية تعمل على استقطاب الشباب الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. والمتابع للأنشطة الدعائية الداعشية يجد أن هناك "تراجعًا" أو ربما "تباطؤًا" متعمدًا، في الدعاية الداعشية خلال الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذي ربما يعكس الخسائر التي تكبدها التنظيم في معاقله الرئيسية في العراق وسوريا، وكذلك الحرب الإلكترونية القائمة بين برامج حماية الدعاية الداعشية وبين الجهود العالمية على المستوي الإلكتروني في التصدي لها، بغية هزيمة ومحاصرة التنظيم الإرهابي. ولكن هذا الأمر لا يعد "نهاية التنظيم" لأنه ينتهج دائمًا استراتيجية المراوغة، ما يجعلنا نهتم بكل صغيرة وكبيرة في شأن هذا التنظيم، وهذا الأمر يؤكده الإصدار الأخير لداعش بعنوان "لهيب الحرب إلى قيام الساعة"، وهو الجزء الثاني من فيديو "لهيب الحرب" الذي بثَّهُ قبل ثلاث سنوات، والذي يوثق فيه سلسلة من عملياته القتالية ضد خصومه في سوريا ومصر والعراق. ويهدف داعش من هذا الإصدار إلى إقناع مقاتليه وأنصاره بأن المعركة لم تنته بعد، وأن الهزيمة لا تعني الاستسلام، وأنه مستمر في التواجد على الرغم من الخسائر التي لحقت به. ولكن الناشط على المواقع الإرهابية الخاصة بالتنظيم، يلحظ أنه في الفترة من 22 إلى 23 نوفمبر2017، لم يبث تنظيم داعش، لمدة 24 ساعة، أي صورة أو فيديو أو بيان عبر قنواته الرسمية على الشبكة العنكبوتية. وهي فجوة لم يسبق لها مثيل، وتُعد مؤشرًا حقيقيًّا لشيء ما. فمنذ أن ظهر تنظيم داعش على الساحة الدولية في عام 2014، لم يتوان التنظيم لحظة واحدة في احتلال واستغلال الفضاء الإلكتروني، من خلال بث إصدارته المرئية والمسموعة، والمقروءة، والمصورة بجودة فنية وتقنية عالية. هذه الاستراتيجية سمحت للتنظيم باجتذاب المئات (أو حتى الآلاف) من الشباب للانضمامِ لصفوفه. ولكن الخسائر الإقليمية التي تعرض لها التنظيم في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك سقوط معقل التنظيم في العراق، وفي سوريا، يبدو أن لها تأثيرًا مباشرًا على الإنتاج الإعلامي للتنظيم... جدير بالذكر أنَّ فريق "بي بي سي مونيتورنج"، أحد فرق الرَّصد والتحليل لوسائل الإعلام العامة البريطانية، قد نشر يوم الخميس الموافق 23 من نوفمبر2017، التحليل الكمي للإنتاج الإعلامي الخاص بتنظيم داعش، وأفاد أن: "الإنتاج الإعلامي لتنظيم داعش الآن ليس سوى طيفٍ لما سبق إنتاجه"، فالتنظيم كان ينتج يوميًّا، قبل خسارة مدينة الرقة، 29 محتوى، أما الآن فلا يتعدى 10 منتجات. وبإحصاء الإنتاج الإعلامي لتنظيم داعش خلال عام، في الفترة من 22 نوفمبر 2016 إلى 22 نوفمبر 2017، من قِبَلِ فريق "بي بي سي مونيتورنج" والذي قام بقياس مجمل الإنتاج الإعلامي الذي بثَّهُ تنظيم داعش خلال هذه الفترة، وقام بفهرسته، لا سيما ذلك الذي بثَّه التنظيم عبر القنوات المختلفة على تطبيق "تيليجرام"، والذي يبث عبر وكالة "ناشر" التابعة للتنظيم، توصل الفريق إلى أنه منذ سقوط مدينة الرقة، معقل التنظيم في سوريا في 17 من أكتوبر2017، يسجل المنتج الإعلامي للتنظيم انخفاضًا كبيرًا، كما هو موضح في الرسم البياني التالي: وفيما يتعلق بعدد البيانات الصادرة عن وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم، انخفض الإنتاج من 421 من المنتَجَات خلال شهر سبتمبر إلى 193 في شهر أكتوبر الذي شهد سقوط معقل التنظيم في سوريا. وانخفض كذلك عدد الفيديوهات التي بثتها وكالة "أعماق" من 52 فيديو في شهر سبتمبر إلى 11 فيديو في شهر أكتوبر، كما انخفضت أيضًا أعداد البيانات الصادرة عن التنظيم خلال هذه الفترة من 138 إلى 52، وكذلك الأمر بالنسبة لعدد الصور التي انخفضت من 175 إلى 81 صورة، ومقاطع الفيديو تراجعت من 15 إلى 4 مقاطع. كما أن المجلة الشهرية "رومية" التي تصدر بالإنجليزية وبعشرة لغات أخرى، لم تظهر خلال شهر أكتوبر، وهذه هي المرة الأولي التى لم تصدر فيها المجلة منذ إطلاقها في سبتمبر 2016...   ومما لا شك فيه أن القدرة الإعلامية لتنظيم داعش قد تعرضت لضربة خطيرة بسبب فقدانه مدينة الرقة التي كان يستغلها التنظيم كمدينة إنتاج إعلامي. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن قوات التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش استهدفت على وجه التحديد خلايا الدعاية التابعة للتنظيم، على مدى الأشهر الماضية. ومن جانبه يفسر وسيم نصر، الصحفي في فرنسا 24، والمتخصص في الحركات المتطرفة، تراجع الإنتاج الإعلامي الداعشي، قائلًا : "لقد انخفضت موارد التنظيم عن ذي قبل، فالفرق الإعلامية لديه تعاني من التنقل بشكل مستمر، وعدم القدرة على الاستقرار في مكان معين، فهم كفرق متجولة يتوقفون للبحث عن اتصال بالإنترنت. كما يصعب التواصل بين مختلف المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وكل ذلك يفسر الانخفاض في نوعية وكمية الإنتاج الإعلامي للتنظيم". وأضاف أن "الجهاد الإعلامي يمثل نصف الجهاد"، على حد تعبير زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، ومن ثم اتخذه تنظيم داعش منهاجًا له. ومما لا شك فيه أن التنظيم لن يتوقف عن بث أنشطته عبر الشبكة العنكبوتية في الوقت القريب. فإذا توقفت آليتُهُ الإعلامية في معاقله الرئيسية في سوريا والعراق، فستحمل معاقله في المناطق الأخري رايته الإعلامية، فها هي ولاية خراسان في أفغانستان وباكستان تبث في تاريخ 23 من نوفمبر 2017، مجموعة من الصور لتكسر الصمت الإعلامي للتنظيم الذي دام لمدة 24 ساعة. ومن خلال هذه النتائج نتسأل: هل سيستمر معدل الانخفاض الإعلامي لدى تنظيم داعش إلى أن يختفي؟ أم أنَّ التنظيمَ سيتبنى استراتيجية جديدة تعمل على رسم صورة مزيفة تخفي خسائره على أرض الواقع، وتحافظ على صورته أمام أنصاره، وتضمن بقاءه على قيد الحياة؟ أم سيُشَيّدُ آليةً إعلامية جديدة في المناطق الأخرى التي يسعى التنظيم لفرض سيطرته عليها؟

شارك