كيف تبيض وسائل الإعلام الغربية سمعة تنظيم «القاعدة»

الإثنين 08/يناير/2018 - 10:18 م
طباعة كيف تبيض وسائل الإعلام
 
انتقدت الباحثة إيفا بارتليت، الباحثة بمركز "جلوبال للأبحاث" الكندي، صحيفة الجارديان البريطانية في نشرها العديد من التقارير الصحفية التي هدفها – تبييض الإرهاب في سوريا – على حد تعبيرها، وذلك في مقال تحليلي بعنوان "كيف تبيض وسائل الإعلام الغربية سمعة تنظيم «القاعدة»؟، مشيرة إلى أن الصحيفة توظف الحقائق بهدف الترويج للحرب، واستخدامها في غير موضعها، متهمة الصحيفة بمحاولة تبييض سمعة جماعة "الخوذ البيضاء" وتنظيم القاعدة، وفرعها جبهة النصرة، المقال الذي ترجمه بوابة الحركات الإسلامية.
وسردت الكاتبة قصتها مع رجال الإنقاذ في المناطق التي تشهد حروب ضد المدنيين، منها ما حدث معها في غزة بين عامي 2008، 2009، حين تطوعت مع أطباء فلسطينيين وظلت لمدة 22 يوم تحت القصف الإسرائيلي على القطاع، استخدمت فيها الطائرات الحربية والأباتشي، وكان القصف قادما من الجو والبر والبحر، مما أدى إلى خسائر في الأرواح حيث قتل أكثر من 1400 فلسطيني، وشوه آلاف آخرين، معظمهم من المدنيين، وباستخدام المعدات المتناوبة، كما فعل عمال الإنقاذ الفعليون في سوريا)، عمل أطباء فلسطينيون بلا كلل ليلا ونهارا لإنقاذ المدنيين.
لم تكن هناك مناسبة واحدة قام فيها الأطباء بإنقاذ أي روح من المدنيين حتى يهتفون بـ"الله أكبر"، بينما كان الصمت هو سيد الموقف عندما يغيب الموت المصابين، كانوا مشغولين جدا لإنقاذ أو إخلاء المناطق قبل ضربة إسرائيلية أخرى، وعادة ما حافظوا على صمتهم المطبق وهم يعملون، والتواصل فقط للضروريات، وكانت المناسبة الوحيدة التي سمعت فيها صراخ مع الأطباء، هي صراخ المدنيين الذين يأتون لمخيمات الأطباء، كان الأطباء الذين عرفتهم في غزة أبطالا حقيقيين. مرتدين الخوذ البيضاء ليكونوا أشبه برجال الانقاذ.
وتستكمل الكاتبة قائلة: "في أكتوبر 2017، بعث صحفي يدعى أوليفيا سولون رسالة لها من موقع سان فرانسيسكو ، عبر البريد الالكتروني لها ولباحثة أخرى هي فينيسا بيلي أسئلة متطابقة تقريبا، مليئة بالافتراضات الضمنية ليكتب "قصة" لصحيفة الجارديان حول "أصحاب الخوذ البيضاء"، الوصف الذي تكرر في السنوات الأخيرة، وبالتحديد منذ سبتمبر 2014، حين قام الصحفي الكندي المستقل كوري مورنينغستار بالتحقيق في من هم أصحاب الأيدي الخفية وراء أصحاب "الخوذ البيضاء"، وفي أبريل 2015، كشف الصحفي الأمريكي المستقل ريك ستيرلينغ أن جماعة "الخوذ البيضاء" جماعة أسستها القوى الغربية، ويديرها جندي سابق بريطاني، ولاحظوا دور "رجال الإنقاذ" في الدعوة إلى التدخل الغربي – في منطقة حظر الطيران في سوريا، وكان ذلك قبل شهور من بدء وسائل الإعلام الروسية في الكتابة عن ذوي "الخوذ البيضاء".
ومنذ ذلك الحين، قامت فينيسا بيلي بعمل بحث ميداني واسع النطاق لمزيد من التفاصيل، وأجرت تحقيقات ميدانية في سوريا، بما في ذلك: أخذ شهادات المدنيين السوريين الذين كان لديهم تجارب – وحشية في كثير من الأحيان – مع أصحاب الخوذ البيضاء؛ والتي اتضح أنهم هيئة الدفاع المدني السوري والموجودة منذ عام 1953، ولكنهم في حقيقة الأمر أن هناك من اقتبس اسمهم "الخوذ البيضاء"، وتعاملوا على أنهم من هيئة الدفاع المدني السوري وهم ليسوا كذلك، الأمر الذي عبرت عنه المنظمة الدولية للدفاع المدني في جنيف، إذ لم تعترف بأصحاب "الخوذ البيضاء"، بوصفهم من الدفاع المدني السوري؛ وقالت في تقرير لها أن أعضاء "الخوذ البيضاء" نهبوا المركبات والمعدات من الدفاع المدني السوري في حلب، وقاموا بسرقة ممتلكاتهم من المدنيين؛ بل أثبتت أنهم يتقاسمون مبنى في باب النيرب، شرق حلب مع تنظيم القاعدة، ويتواجدون في الوقت الذي يعذب فيه تنظيم القاعدة المدنيين.
وقد ظهر بوضوح في الشهرين الماضيين أعضاء الخوذ البيضاء مع أنصار الإرهابي السعودي عبد الله المحيسني، الأمر الذي أظهر أنهم غير محايدين تماما، المواطنون السوريون لا يريدون المسلحين المتواجدين على أرضهم، هذا ما اتضح من استطلاع الرأي التي قامت به فيسنيا بيلي في مايو 2014، بعد أن لاحظت تدفق السوريين على سفارتهم للتصويت في الانتخابات الرئاسية، وأجرت مقابلات معهم ليؤكدوا أنهم يريدون بشار، وهو ما أكد عليه مواطن سني سوري.
في يونيو 2014، بعد أسبوع من الانتخابات داخل سوريا، سافرت بيلي بالحافلة العامة إلى حمص - التي كانت تسمى "عاصمة الثورة"- حيث رأت السوريين يحتفلون بنتائج الانتخابات، بعد أسبوع واحد من الحديث، حيث بدأ السوريون في تنظيف المنازل التي تضررت من تواجد الإرهابيين في أحيائهم.
وكتب الصحفي الكندي كوري مورنينغستار في 17 سبتمبر 2014، في تحقيق له حول "من هم الداعمين الأساسيين لجماعة "الخوذ البيضاء"، وكشف عن وجود هيئة أمريكية هي الداعمة لأربع منظمات غير حكومية تعمل ضد نظام بشار الأسد، منها جماعة "الخوذ البيضاء"، وصوت سوريا الحر، وهدف هذه الجماعات هو إعطاء الضوء الاخضر للتدخل العسكري في سوريا، وهي محمية بشكل جيد تحت شعار الانسانية، أما الصحفي ريك الاسترليني كشف في 9 أبريل 2015، أن جماعة "الخوذ البيضاء" لا تخدم سوريا، وبدلا من ذلك تم إنشاؤها من قبل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية عام 2013، وتم تدريب المتمردون في تركيا، ويعد جيمس لي ميسورييه، جندي بريطاني سابق، هو المسؤول الأول عن برنامج التدريب.
أما فينسيا بيلي فكشفت في تحقيقها الميداني أن جماعة "الخوذ الأبيض" أنه منذ سبتمبر 2015، تم عمل دعاية كاذبة حول هذه الجماعة، كما كشفت أن تمويلها لا يقل عن 150 مليون دولار، أكثر بكثير مما تحتاجه من مجرد إمدادات طبية، وأنه تم تزويد هذه الجماعة بمعدات تصوير ذات التقنية العالية.
وأشارت إيفا بارتليت أن لاحظ أن الجارديان ادعوا أن جماعة "الخوذ البيضاء" هم "متطوعون"،  وهو تحريف يهدف إلى خلق حالة من التعاطف مع أعضاءها، وأن الجارديان لم تجرؤ أن تقول أن أعضاء جماعة "الخوذ البيضاء" يتقاضون راتبًا شهريًا منتظم، وهو في الواقع أعلى بكثير من متوسط راتب جندي في الجيش الوطني السوري، الذي يتقاضى ما بين 60 دولار إلى 70 دولار في الشهر.

الجارديان تبيض سمعة جماعة الخوذات البيضاء

قامت الجارديان من خلال الصحفية أوليفيا سولون بعرض فيديو عن موضة "الخوذات البيضاء" مشيرة إلى أن لقطات الفيديو تم اقتطاعها من سياقها، رغم التناقض بين الواجب المفروض على هذه الجماعة التي تهدف إلى إنقاذ المدنيين تحت قصف القنابل، وعلى الرغم من أن شعار هذه الجماعة هو "إن إنقاذ حياة إنسان تعني إنقاذ البشرية جمعاء"، ولكن الجماعة في سوريا شاركت عن طيب خاطر في إعدام المدنيين. وبدلًا من أن تكتب صحفية الجارديان عن انتهاكات الجماعة الذين ينتمون إلى الجماعات المسلحة، فيحملون أسلحة ويقفون على جثث المدنيين مرددين هتاف تنظيم القاعدة، وتصفهم بأنهم عناصر "مارقة"، ورغم الأدلة الدامغة التي تدينهم لم تفعل ولت تكتب ولت تشر من قريب أو بعيد إلى هذه الانتهاكات، ولم تكن وسائل الإعلام الروسية هي التي رصدت هذه الانتهاكات بل حسابات المتطرفين على مواقع التواصل الاجتماعية الخاصة بهم ووسائلهم الإعلامية، حيث عرضوا بفخر ولائهم لتنظيم القاعدة.
ونقلت الصحفية أوليفيا سولون صور لمعاوية حسن آغا القيادي الإعلامي بجماعة "الخوذ البيضاء"، رغم شهرته في التورط في إعدام اثنين من أسرى الحرب في حلب، كما تم تصويره في وقت لاحق وسط الجماعة أثناء الاحتفال "بالانتصار" مع جبهة النصرة في إدلب.

ورقة الأسلحة الكيميائية

ورقة  الأسلحة الكيميائية
لم تتوقف تجاوزات صحيفة الجارديان عند هذا الحد، ففي تناولها لما سمي بقصف الحكومة السورية لشعبها باستخدام الأسلحة الكيميائية في خان شيخون في أبريل 2017، ادعت الصحيفة تقديمها أدلة ووثائق قيمة تدين نظام بشار، الوثائق التي ادعت حصولها من جماعة "الخوذ البيضاء"، رغم تشكك الفريق الميداني للمركز من هذه الادعاءات، ولكن وسائل الإعلام البريطانية والاميركية اعتبرت ان نظام بشار هو المسؤول عن الهجوم بالأسلحة الكيماوية.
وفندت الباحثة ادعاءات الجارديان التي نقلت عن قناة الجزيرة القطرية ادعاءات لتأكد على مسؤولية الحكومة السورية، مستندة في تقريرها إلى مخلفات القنبلة وصور الأقمار الصناعية، وصور الضحايا والأشلاء، بدلا من تقديم تقرير الأمم المتحدة في سبتمبر 2017، التقرير المشكوك في نتائجه لعدم وجود أدلة دامغة، ورغم ذلك قالت الصحيفة: "كل الأدلة المتاحة تقود اللجنة إلى الاستنتاج بأن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن القوات السورية أسقطت قنبلة جوية معبئة بغاز السارين السام في خان شيخون"، وأشارت المقالة نفسها إلى أن المحققين لم يكونوا إلى سوريا "واستندوا إلى استنتاجاتهم بشأن صور مخلفات القنبلة وصور الأقمار الصناعية وشهادة الشهود".
وتساءلت الباحثة هل يجب الوثوق بشهادات شهود العيان في المنطقة التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة؟!!، أو الوثوق في شهادة مصطفى الحاج يوسف زعيم "الخوذ البيضاء" في خان شيخون، والذي أظهر ولاء لتنظيم القاعدة. الأمر الذي أكدته فينيسا بيلي في تحقيقها الميداني، مشيرة إلى أن يوسف دعا لقصف المدنيين، وإعدام أي شخص لا يصوم خلال شهر رمضان، مطالبًا بنهب ممتلكات المدنيين، كما أعلن عن تأييده الكامل لجبهة النصرة، وهي جماعة إرهابية معترف بها دوليا، وهو بعيد عن كونه محايدا أو إنسانيا.
بينما أكد ثيودور بوستول، مستشار سياسة الأمن القومي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والعلوم، قائلًا: "الوثيقة دون أدنى شك لا تقدم أي دليل على الإطلاق أن الحكومة الأمريكية لديها معرفة ملموسة بأن الحكومة السورية كانت مصدر الهجوم الكيميائي في خان شيخون، الذي وقع حوالي 6 إلى 7 صباحا في 4 أبريل 2017"، وأضاف بوستول في تقريره أن الهجوم نفذه أفراد على الأرض وليس من طائرة صباح 4 أبريل"، ويلاحظ أن "التقرير لا يتضمن على الإطلاق أي دليل على أن هذا الهجوم كان نتيجة لذخيرة تم إسقاطها من الطائرات."

في الوقت الذي أشار فيه صحفي التحقيقات الاستقصائية سيمور هيرش إلى أن الادعاءات التي قدمتها منظمة "أطباء بلا حدود" تتناقض مع الاتهام الرسمي للحكومة السورية بقصف المنطقة بالسارين، قائلا: "إن فريق من منظمة "أطباء بلا حدود"، المسؤول عن معالجة الضحايا من خان شيخون في عيادة على بعد 60 ميلا إلى الشمال، أفاد أن ثمانية مرضى أظهروا أعراض - بما في ذلك التلاميذ المقيدين، مثل تشنجات العضلات والتبرز اللاإرادي – الأعراض التي تتفق مع التعرض لعامل شديد السمية مثل غاز السارين أو مركبات مماثلة "، كما قامت منظمة "أطباء بلا حدود" بزيارة المستشفيات الأخرى التي تلقت ضحايا ووجدت أن هناك رائحة من المبيضات، مما يشير إلى تعرضهم للكلور، وبعبارة أخرى، تشير الأدلة إلى وجود أكثر من مادة كيميائية مسؤولة عن الأعراض التي تمت ملاحظتها، والتي لم تكن لها قوة عابرة أو إشعال لتحريك التفجيرات الثانوية، إن كانت القوات الجوية السورية - كما أصر ناشطون معارضون – هي التي أسقطت قنبلة غاز السارين".
خلاصة الأمر أصرت صحيفة الجارديان البريطانية استنادًا إلى تقرير قناة الجزيرة على تبييض سمعة كل من جبهة النصرة التابع لتنظيم القاعدة في سوريا، وجماعة "الخوذ البيضاء" المؤيدة لها، في وسائل الإعلام الغربية، لتأليب الرأي العام العالمي ضد نظام بشار الأسد، مستغلة استخدام غاز سارين ضد المدنيين في خان شيخون، لتدين بها النظام السوري رغم عدم وجود تقارير رسمية من الهيئات الدولية بما فيها "الأمم المتحدة" تؤكد تورط نظام بشار الأسد.

شارك