آليات البنتاجون في الترويج لـ«القاعدة» إعلاميًا

الأحد 14/يناير/2018 - 09:03 م
طباعة آليات البنتاجون في
 
في الآونة الأخيرة تقوم الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها أوروبا وبالأخص بريطانيا، بغسل وتبييض سمعة تنظيم القاعدة الإرهابي، في تصدير صورة للقاعدة على أنه يمثل "الجهاد المعتدل" كبديل عن تنظيم داعش الإرهابي الذي يمثل الإرهاب العنيف، الأمر الذي كشفت عنه عدد من المراكز البحثية وكتبته في عدد من الأوراق البحثية حول دور الإعلام الغربي في غسيل سمعة التنظيم.
وكشفت عدة مقالات وتحقيقات قام بها عدة باحثون عن أسباب تبني وزارة الدفاع الأمريكية لهذه الاستراتيجية الجديدة، وكيفية إنها جندت وسائل الإعلام الأمريكية ومراكزها البحثية ذات التأثير الجماهيري الكبير، والتي تتمتع بمصداقية عالية لتنفيذ هذه الاستراتيجية، أبرزها معهد "راند" التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، والرائد في مجال الأبحاث ويتمتع بمصداقية كبيرة في مجال الأبحاث والدراسات بين الباحثين على مستوى العالم، وصحيفة الجارديان البريطانية.
وتعتمد استراتيجية البنتاجون ليس بتجميل التنظيم الإرهابي بشكل صريح فقط، وإنما أيضًا الجماعات المسلحة المؤيدة والموالية لها، ولعل أبرز هذه الجماعات جماعة الخوذ البيضاء، وسوريا الحرة.

تشويه «داعش» في مقابل «القاعدة»

تشويه «داعش» في مقابل
واعتمدت سياسة الولايات المتحدة في البداية على تشويه داعش في مقابل تنظيم القاعدة، إذ قام بترويج أخبار التنظيم وما يصدر عنه من إصدارات مرئية وصوتية، مع التركيز بشكل مكثف على كلمات أيمن الظواهري وحمزة بن لادن، خاصة تلك التي يدين فيها ممارسات تنظيم داعش الإرهابي بحق المسلمين الشيعة، أو تلك التي توضح الانشقاقات والاتهامات المتراشقة بين التنظيمين الإرهابيين، وتحليل هذه الإصدارات وإبراز الاختلافات بين التنظيمين على أساس أن تنظيم داعش هو تنظيم دموي عنيف حتى مع المسلمين أصحاب المذاهب المختلفة، الأمر الذي لم يقم به تنظيم القاعدة على مدار عمره الذي يمتد قرابة 30 عامًا.

التجميل المزدوج لـ«القاعدة»:

استغلت الولايات المتحدة الأمريكية برجماتية "القاعدة" التنظيمية في إعادة تقوية شوكته في بلاد المغرب العربي، وشبه القارة الهندية، والساحة السورية، إذ استطاع التنظيم من تقوية شبكته المحلية مع المواطنين لكسب المزيد من المؤيدين واختيار مقاتليه من بين هؤلاء المؤيدين الجدد، ففي الوقت الذي قام فيه الترويج لنفسه محليًا وإقليميًا في هذه الدول على أنه "يرفع راية الجهاد المسلح في وجه نظم الحكم الكافرة للمجتمعات المسلمة"، دون المساس بالمواطنين على اختلاف مللهم الدينية والمذهبية، قامت وسائل الإعلام الغربية بالترويج للتنظيم على أنه "الأقل عنفًا ودموية عن تنظيم داعش"، مستخدمة نفس المبدأ في أنه لا يقوم بذبح المخالفين له من الملل الأخرى. 
وعلى مدار العامين 2016، 2017 ظهرت العديد من الدراسات التي تتناول سياسة تنظيم القاعدة للاستمرار على الساحة الجهادية رغم استحواذ داعش على اهتمام وسائل الإعلام، والذي أصبح نجمًا بين عشية وضحاها، ولعل أبرز هذه الدراسات ما نشره مجموعة باحثون أمريكيون بعنوان "لماذا استمر تنظيم القاعدة بعد ظهور داعش؟"، الدراسة التي نشرها معهد واشنطن لدراسة سياسات الشرق الأدنى في 30 يونيو 2017، وترجمتها بوابة الحركات الإسلامية في جزأين.
لقراءة الجزء الأول اضغط هنا
آليات البنتاجون في
ورغم توقع الدراسة بأفول نجم داعش، إلا أنه اعترف في نفس الوقت بقوة التنظيم العجوز على مواصلة تهديده ولكن ليس فقط في أفغانستان والعراق وإنما في المناطق الجديدة التي امتد فيها نفوذه، بعد تقوية أواصره الجهادية داخل المجتمعات المحلية مما يجعله قادرًا على إيجاد "ملاذات آمنة" بين المواطنين والمدنيين.
للمزيد اضغط هنا
بدأت وسائل الإعلام الأمريكية بإطلاق مصطلح "الجهاد المعتدل" لأول مرة في 2016، موقع "فرونت بيدج" أكثر المواقع الإليكترونية التي استخدمت مصطلح "الجهاد المعتدل"، رغم أن أغلب هذه الموضوعات هو للتهكم على الصورة الذهنية الجديدة التي يحاول الظواهري تصديرها حيال التنظيم لدى الرأي العام العالمي، ولكن مع تكرار الاستخدام المستمر للمصطلح مع تنظيم القاعدة، خلق حالة ارتباط شرطي بين الاثنين "الجهاد المعتدل" و"القاعدة" حتى إذا ما ذكر القاعدة تقفز في ذهن المتلقي المقارنة بينه وبين داعش فتكون القاعدة هي المرادف لـ"الجهاد المعتدل"، وبالتالي فإن الهدف الذي يسعى إليه البنتاجون من تقبل المواطن الغربي العادي للتنظيم المتطرف باعتباره "أنه ليس ببشاعة داعش" قد تحقق.

من الدعم غير المباشر إلى الدعم المباشر:
كان من الصعب على الإدارة الأمريكية أن تقوم بالترويج مباشرة للتنظيم الإرهابي حتى لا تخلق حالة صدمة مجتمعية لدى المواطن العادي الأمريكي أو تثير بلبلبة لدى الرأي العام الداخلي، ولذلك أحد الآليات التي اعتمدها البنتاجون للترويج للتنظيم الإرهابي، هو الترويج للجماعات الموالية له، وتقديم هذه الجماعات للرأي العام الأمريكي على أنها جماعات مناهضة لنظام بشار الديكتاتوري، وكان أبرزها هو دعم الجماعات المسلحة في سوريا، الأمر الذي أشار له موقع "هاف بوست"، في مقال بعنوان "دعم الولايات المتحدة للمتمردين المرتبطين بالقاعدة يقوض وقف إطلاق النار في سوريا"، اعترفت فيه قيام الولايات المتحدة بتدريب مسلحين تابعين للقاعدة على أنهم معارضين لنظام بشار، من هذه المجموعات "أحرار الشام، وجيش الإسلام"، الأمر الذي جعل جون كيربي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يعرب عن قلقه من أن فصائل المعارضة السورية المدعومة من قبل بلاده مثل أحرار الشام تتعايش مع جبهة النصرة، لكن واشنطن أصرت على تجاهل الدعوات المطالبة بإضافة المتعاونين مع القاعدة إلى قائمة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة.
بعد فترة أعلنت الولايات المتحدة عزمها على تسليح المعارضة السورية المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية، على أن يتلقوا تدريبات على استخدام الأسلحة المقدمة إليهم في تركيا، وردت عدة تقارير لمراكز أمريكية عسكرية أن أغلب هذه الأسلحة وقعت في أيدي التنظيمات الإرهابية سواء كان داعش أو القاعدة بعد معارك بين قوات "قسد" وبين المتطرفين.
أصبحت الولايات المتحدة تتعمد سياسة ترويجية لتنظيم القاعدة على أنه التنظيم الأقل تطرفا ودموية وذلك منذ منتصف عام 2017.
رد فعل سياسة البنتاجون:
لاقت سياسة الولايات المتحدة في الترويج للقاعدة تهكم وسخرية العديد من الكتاب والصحفيين والباحثين المهتمين بملف التنظيمات الإرهابية، وتم نشر عدة مقالات انتقدت فيها عدة صحف تغير سياسة الولايات المتحدة وانتهاجها لفكرة "تجميل التنظيم الإرهابي"، ولكن يعد مركز "جلوبال" للدراسات والأبحاث، والمتخصص في شئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أول من التقط طرف الخيط لسياسة البنتاجون الممنهجة، وتتبعها، وقام المركز بنشر عدة مقالات حول الدور الخفي للبنتاجون في "تجميل التنظيم العجوز"، إذ رصد المركز تقارير بحثية، نشرت في الفترة من نوفمبر 2017، حتى ديسمبر 2017، جميعها استخدمت لنفس الغرض.
كان التقرير الأول الذي رصده مركز "جلوبال" هو تقرير معهد "راند" بعنوان "الوجه الإصلاحي للقاعدة"، للباحث كولين ب. كلارك، الباحث بالمركز الدولي لمكافحة الإرهاب بلاهاي، وقام بإعادة نشره مجلة "فورين أفيرز"، أما المقال الثاني فتم نشره في صحيفة الجارديان في 17 ديسمبر عام 2017، بعنوان: " كيف أصبح جماعة الخوذ البيضاء في سوريا ضحية الآلة الدعائية عبر الإنترنت" كتبته صحفية تدعي أوليفيا سولون، واستخلص المعهد أن الهدف وراء هذه السياسة لوزارة الدفاع الأمريكية هو غزو سوريا وبدون وجود القاعدة لن تتمكن الولايات المتحدة من تحقيق هذا الغزو، وذلك في تماشيًا مع خطتها في تفتيت سوريا كما سبقت وفتتت العراق.

شارك