دراسة: محور الإسلام السياسي"ايران- تركيا- قطر" يهدد مصالح مصر والخليج في افريقيا

السبت 20/يناير/2018 - 03:32 م
طباعة دراسة: محور الإسلام
 
رجحت دراسة حديثة وجود تنسيق إيراني تركي قطري في أفريقيا نحو التوجه إلي القارة الافريقية والتنسيق البين الدول الثلاثة المعروفه بدعها لجماعات الاسلام السياسي وفي مقدمتها تنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وهو ما يشكل تحالف لحكومات وجماعات الاسلام السياسي للتمدد والنفوذ في القارة السمراء، بما يكشل تهديدا للمصالح مصر والخليج.
وذكر الباحث في الشؤون التركية محمد عبد القادر خليل، في دراسة له بعنان" تنسيق محتمل: إيران والتوجهات التركية نحو إفريقيا" صادرة عن مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، أن تركيا وايران  تعتمدان الايدلوجية الدينية من اجل التغلل بالقارة السمراء وتهديد مصالح العرب والخليج، لافتا اي ان هناك تنسيق بين حور «الإسلام السياسي (القطري-التركي)» ومعهم ايران من أجل السيرة والتمدد في افريقيا، لافتا الي وحود تنافس بين ايران وتريكا ولكن هذا التنافس لا يؤثر علي التنسيق بين محور حكومات الاسلام السياسي.
واوضح الباحث ان ترطكيا اتجهت الي الدول العربية وافريقيا بعد فشلها في دخول الاتحاد الاوربي، ففتحت تركيا أفقًا لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع دول المنطقة، غير متناسية الترويج لنموذجها كمشروع سياسيّ وثقافيّ واقتصاديّ عبر "العثامنيون الجدد" 
واضاف انه بالتوازي مع ذلك تبنّت إيران التي يقوم نظامها على عقيدة مذهبية/قومية تصدير نموذجها لدول الجوار، لتصبح منافسًا إقليميًّا مُهِمًّا يسعى لتأكيد تأثيره ووجوده، وذلك من خلال عَلاقات متطوّرة مع عدد من الميليشيات والأحزاب التي تجتمع تحت مظلة ولاية الفقيه، فضلًا عن عَلاقات متطوّرة مع بعض الدول تحت مظلة المقاومة والممانعة.
واوضح ان تنافس المشروعان الإيراني والتركي في عدد من المحطات، وذلك على خلفية المصالح السياسية والاستراتيجية المتضاربة، وطبيعة الدور الإقليمي، فضلًا عن طبيعة التوجّه العقائدي والديني، كما تلاقيا في عدد من المحطات، لكن وفق طبيعة النظامين البراغماتية فإن الخلافات في ما بينهما لم تصل إلى مرحلة القطيعة والمواجهة، كما لم تصل إلى مرحلة التفاهم والتعاون التام، وإن غلب عليها التنسيق.
وراي الباحث ان التوجهات التركية والتوجهات الإيرانية نحو إفريقيا لا يعبر عن وجود تنسيق مشترك، لأن استراتيجية البلدين وخططهما وأدوات تغلغلهما جدّ مختلفة، لكن قد يمثل هذا التوجّه في مرحلة ما مصدر تهديد بالنسبة إلى المصالح العربية والخليجية، لا سيّما أن البلدين يركزان حضورهما على الساحة الإفريقية على خطوط التماس مع شبه الجزيرة العربية وبالقرب من الممرات البحرية ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لدول الخليج ومصر في حوض البحر الأحمر وبحر العرب.
وتابع الباحث، أن الوجود التركي في الخليج من خلال القاعدة العسكرية في قطر بدأ كمُعامل توازن إقليميّ، لكنه مع بلوغ الأزمة الخليجية ذروتها تحوّل إلى عامل تهديد، في ظل التنسيق التركي الإيراني وموقفهما من الأزمة. والأمر ذاته قد ينسحب في لحظة ما على منطقة البحر الأحمر، إذ إنّ فشل إيران في إيجاد موطئ قدم مؤثر لها على سواحل البحر الأحمر قد ينجح في مرحلة ما تتوافق فيها مصالح تركيا وإيران، ومِن ثَمّ تبدو خطورة التوجه التركي للوجود العسكري المكثف في حوض البحر الأحمر وعلى السواحل الشرقية لإفريقيا من خلال قاعدتها العسكرية في الصومال، ومشروعها الجديد في جزيرة سواكن على الشواطئ السودانية.
أدوات التأثير التركي في إفريقيا
وحول أنماط وأدوات التأثير التركي في إفريقيا، وضع الباحث العديد من أنماط وأدوات التأثير التركي في إفريقيا في مقدمتها السياسية التركية الخارجية وزيارة الرئيس التركي الحالي رجيب طيب اردوغان باول جولة افريقية له في 2005 تحت عنوان "عام إفريقيا"  وفي نفس العام منح الاتحاد الإفريقي تركيا صفة "مراقب"، لتحصل في يناير 2008 على صفة "الشريك الاستراتيجي" للاتحاد، كما حصلت على عضوية بنك التنمية الإفريقي في مايو من العام ذاته.
كما انضمت تركيا، في يونيو 2008، إلى منتدى شركاء الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيجاد)، ووطدت عَلاقاتها مع المنظمات الإفريقية الفرعية (مثل: تجمّع شرق إفريقيا، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ECOWAS)، وتوّجت ذلك بآلية أشمل للعَلاقات تمثلت في آلية انعقاد القمة التركية-الإفريقية.
كما عقد أول مؤتمر في عام 2008 في العاصمة التركية، والثاني في عام 2014 في غينيا الاستوائية، ومن المقرر أن تعقد القمة المقبلة في عام 2019. وقد صوتت الدول الإفريقية بالإجماع على عضوية تركيا غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي لعام 2009-2010. كما ارتفع عدد سفارات تركيا في إفريقيا إلى 44 سفارة، بينما كان العدد نحو 12 سفارة عام 2004.
وثاني ادوات التاثير التركي هو الخطاب الموجه الي أفريقيا، حيث ارتكز الخطاب التركي على الرغبة في تقديم المساعدة وتعزيز الإخاء بين الأتراك والشعوب الإفريقية. وقد جاء ذلك عبر عدد من الأدوات الرئيسية، أهمها المؤسسات التعليمية، فعلى سبيل المثال تتحمل تركيا أيضًا الدور الأساسي في التعليم بالصومال، والحضور الثقافي التركي في افريقيا عبر  نشر ثقافة تعلم اللغة التركية يمثل احد ادوات اختراق" العثمانيون الجدد"، إذ توفّر فرص عمل للذين يجيدون اللغة التركية فقط، بالاضافة الي الحضور الديني عبر هيئة وقف الديانة التركية التابع للحكومة التركية. وتقدم الجامعات التركية عددًا أكبر من المنح الدراسية للطلاب الأفارقة.
وكان للحضور الاعلامي دوره حيث تعقد تركيا المنتديات والمؤتمرات السنوية بين الصحفيين الأفارقة والأتراك، كما توسعت تركيا في تنظيم الرحلات، وتوجيه دعوات منظمة إلى المثقفين وقادة الفكر والإعلام في الدول الإفريقية، كما أطلقت أنقرة عديدًا من المواقع باللغات المختلفة لكي تصل رسائل تركيا السياسية إلى المواطنين في إفريقيا..
وعلى المستوى الإغاثي تمارس تركيا دورًا في دعم قضايا اللاجئين والنازحين الأفارقة، وفي توفير موادِّ الإغاثة الإنسانية، عبر وكالة التعاون والتنسيق التركية (TAKA)، والهلال الأحمر، وهيئة الإغاثة (IHH). وإلى جانب الاستثمارات والمساعدات الإنسانية قدَّمَت أنقرة مساعدات في مجالات الصحة والأعمال الخيرية لعدد من الدول الإفريقية.
وشكل الحضور الاقتصادي جزءا من ادوات تركيا لتمدد والنفوذ افريقيا حيث استضافت أنقرة في نوفمبر 2016 أول منتدى أعمال إفريقيّ-تركيّ حضره 3000 مشارك، من بينهم 2000 يمثلون المجتمع الاقتصادي لـ45 دولة إفريقية. 
كما شرعت أنقرة في تحويل النفوذ المتنامي في عديد من الدول «الرخوة» (السودان- الصومال- جيبوتي) إلى وجود دائم عبر مناطق صناعية أو قواعد عسكرية
وحول الأهداف التحرك التركي نحو إفريقيا، في مقدمته السياسية وتشكل القارة  سوق اقتصادية كبيرة كما انها تعد ذات ثقل سياسي في المحافل الدولية، كما تشكل منطقة شرق إفريقيا مجالًا حيويًّا للتحركات التركية نظرًا لأهميتها في التحكم في الملاحة الدولية التي تمرّ عبر البحر الأحمر.
ومن المخطط أن يصل حجم التجارة التركية-الإفريقية نحو 50 مليار دولار بحلول عام 2023، لذلك، فإن أردوغان اصطحب في جولته الأخيرة في السودان وتشاد وتونس أكثر من 150 رجل أعمال، ونفس الشيء في زيارته إلى القارة في فبراير 2016. 
وبجانب الاهداف السياسية وهناك اهداف عسكرية لركيا بالتواجد في افريقيا حيث تسعى تركيا إلى مد النفوذ العسكري التركي إلى القرن الإفريقي، وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة، إذ وقّعت بالفعل اتفاقيات أمنية مع كل من كينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وأوغندا، لتدريب قوّات الأمن في تلك الدول على مكافحة الإرهاب
ويعكس التوجه التركي العسكري نحو الصومال، والسودان، وقطر، الاهتمام المتزايد بأمن الممرات الملاحية، ورغبة تركيا في توسيع نفوذها لتأكيد دورها القيادي في منطقة الشرق الأوسط، بالمقارنة بالفواعل الإقليمية الأخرى، والتي تسعى بدورها لإنشاء قواعد عسكرية حول ذات الممرات الحيوية.
يحقق ذلك ما يمكن أن يُطلَق عليه "حرب القواعد العسكرية" في الشرق الأوسط وشرق إفريقيا، كما تسعى أنقرة إلى فتح أسواق جديدة أمام الصناعات العسكرية التركية التي تطوّرت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة. 
الدور القطري:
ولفت الباحث الي ان النفوذ التركي في افريقيا جاء بتنسيق مع دولة قطر، فبينما زار أردوغان السودان، وتونس، وتشاد مؤخرًا، فإن أمير قطر، تميم بن حمد، قام بزيارة بعض عواصم الساحل الإفريقي وغرب القارة. زيارتان قطرية وتركية في ذات التوقيت وبالاستراتيجيات الاتصالية ذاتها، فذلك إيذان بمرحلة وأهداف متسقة.
ولفت الباحث إلي أن تحركات قطر وتركيا المتزامنة حيال السودان، والتي تشير إلى تزايد احتمالات تشكل محور ثلاثي بين الدول الثلاث التي تتبنى مقاربات داعمة لجماعات الإسلام السياسي متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين. وقد يمتد هذا التحالف ليشمل إثيوبيا، وربما إيران.
ويأتي التحرك التركي-القطري حيال السودان في ظل تزايد مؤشرات تشكل محور إقليمي بين الدول الثلاث قد يشمل إثيوبيا. يؤكد ذلك الإجراءات العسكرية غير المسبوقة التي أعلن عنها من قبل الدوحة والخرطوم بعد زيارة أردوغان للسودان مباشرة. إنّ محض الإعلان عن هذا الإجراء، بالنظر إلى الأزمة الخليجية-القطرية، وطبيعة المواقف الضبابية لكل من السودان وأنقرة حيال هذه الأزمة، قد يرجح وجود تحالف في طور التبلور بين الدول الثلاث.
وأوضحت الجولة الأخيرة لأردوغان، في ديسمبر 2017، أن ثمة محركًا جديدًا في عَلاقات تركيا بإفريقيا يتمثل في قطر، بحسبانها تسعى إلى توثيق عَلاقات تركيا مع الدول الإفريقية-العربية، سعيًا للتأثير في المعادلات السياسية والأمنية العربية، وتشكيلًا لمحاور تخدم مصالحها، وتعزز من وضعها الإقليمي، مقارنة بدول المركز أو دول الاعتدال العربي.
وتستخدم الدوحة في هذا السياق المحرك المالي، بحسبان العديد من الدول الإفريقية تعاني انخفاض مستوى الأداء الاقتصادي، وتسودها الرغبة في توفير تمويل ماليّ للمشروعات التجارية، والاستثمارات في البنية التحتية.
فلم تكن زيارة الرئيس التركي لتصل إلى ما بلغته، حال عدم تقديم الأموال لنظام البشير، التي يحتاج إليها ويناور من أجلها لمواجهة عثراته الاقتصادية. وقد كان واضحًا مسعى قيادة قطر إلى تعزيز نفوذها، بالتنسيق مع أردوغان، عبر البوابة التركية، من خلال ضخ استثمارات ضخمة في السودان، وهي تسعى لإقامة مشروعات تنموية في ميناء بورتسودان -المجاور للحدود المصرية والمقابل للموانئ السعودية- على البحر الأحمر.
يعيد المشروع القطري-التركي مع السودان بشأن إنشاء أكبر ميناء للحاويات في البحر الأحمر في مدينة بورتسودان نمط المنافسة القطرية مع "شركة دبي للمواني" على الفوز بالصفقة، كما أنه يوضح طبيعة الرغبة في التأثير في مخططات مصر لتطوير منطقة قناة السويس، لتغدو أحد روافد الدخل القومي.
يؤكد ذلك فكرة التحالف الثلاثي بين الدول الثلاث، فالسودان يسهم بجغرافيا الموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر، وتركيا بالوجود العسكري، وقطر بالدعم المالي. ويعمل هذا التحالف على التأثير في مصالح مصر أيضًا من خلال طرح مناطق بديلة للمواقع السياحية في مصر، لا سيّما في ظل تحركات الدوحة لتطوير ساحل البحر الأحمر في السودان، وضخ استثمارات في البلد الإفريقي تقدر، حسب بعض التقديرات، بنحو 3.8 مليار دولار.
تهدد للسعودية ومصر:
واوضح الباحث  أن هذا الوجود العسكري التركي يمثل مصدر خطر محتمل أمام المملكة العربية السعودية ودول الخليج في ظل تباعد المواقف تجاه بعض القضايا الإقليمية، فالنظام التركي لديه براغماتية قد تتجه به عند تعرض مصالحه لخطر للتنسيق مع إيران، كما حدث في أزمة استفتاء كردستان وكذلك كما حدث في سوريا.
وراي الباحث ان الوجود العسكري والسياسي التركي بالتنسيق مع قطر بالاضافة الي ايران واثيوبيا يهدد المصالح المصرية، حيث تستهدف تركيا التأثير سلبًا في فاعلية التحركات المصرية حيال القارة الإفريقية، وإحباط فرص نجاح الدولة المصرية في احتواء القيادة السودانية، من خلال توسيع هامش المناورة أمام نظام عمر البشير.
واضاف أن تأسيس قاعدة عسكرية في سواكن، القريبة من الحدود المصرية، إنما يستهدف الأمن القومي المصري، لا سيما في ظل العَلاقات المتوترة بين مصر مع كل من تركيا وقطر وبمستوى أقل مع السودان.. وتسعى تركيا من وراء ذلك التحرك الرد على التوجه المصري لتعزيز العَلاقات العسكرية مع كل من قبرص واليونان، وتشكيل محور عسكري في شرق المتوسط، وتتوالى التدريبات العسكرية والمناورات البحرية بين دوله. كما يعبّر ذلك عن الانزعاج التركي من توجّه مصر لبناء خط أنابيب مع اليونان وقبرص، وتجاهل المواني التركية، وإصرار مصر على "نزع الأهمية" عن الموانئ التركية كـ"مصبّ للغاز" على البحر الأبيض المتوسط.
من جهة أخرى يسعى أردوغان إلى تعزيز التوجهات التركية في ليبيا، من خلال استراتيجية تستهدف تشتيت انتباه مصر عبر تفاعل الدور التركي مع دول الجوار الليبي، والتي يتخذ البعض منها مقاربات مغايرة للمقاربة المصرية حيال الوضع في ليبيا.
إجمالًا يمكن القول إن الوجود العسكري التركي في البحر الأحمر قد يشكل مصدر تهديد في المستقبل أمام مصالح دول الخليج ومصر، بما يعرقل عملياتها العسكرية في اليمن وبما قد يحدّ من تأثيرها إفريقيًّا، كما أنه قد يتجه للتنسيق مع إيران إذا ما اقتضت مصالحه ذلك، لا سيّما أن هناك بونًا شاسعًا بين وجهة النظر التركية والخليجية حيال إيران.
مصالح تركيا وإيران في إفريقيا
أما عن حدود التشابك بين مصالح تركيا وإيران في إفريقيا، فيقول الكاتب أن تركيا وإيران تقاطعات واتفاقات على الساحة الإفريقية، فكلتا الدولتين تسعى لتعزيز نفوذها السياسي، وتَمدُّدها الاستخباراتي، وحماية مصالحها الاقتصادية، وإيجاد مراكز تدريب، أو قواعد عسكرية على الساحة الإفريقية، تُسهِم في إعادة خلط المعادلات القائمة، وتعزيز دعم ومساندة الدول الإفريقية لبلدان الجوار للمنطقة العربية، لا للقضايا والمصالح العربية.
واضح الباحث ان التنسيق الايراني التركي يهديد المصالح الخليجية أو العربيةن حيث تكنّ إيران عداء لدول الخليج وتستهدف حركتها على الساحة الإفريقية فرض طوق حول شبه الجزيرة العربية، كما ان تركيا تسعى لأن تكون رقمًا إقليميًّا لا يمكن تجاوزه، مع الحدّ من حركة مصر في ظل العَلاقات المتوترة بين البلدين منذ عام 2013.
وشدد الباحث علي إن سياسات الدولتين تمثل تهديدًا لمصالح بعض الدول العربية، وقد تتفق الدولتان في مرحلة ما على تنسيق تحركاتهما ومواقفهما، ففي ما يخص تركيا، بدا واضحًا نمط التحرك حيال حركة حماس في قطاع غزة، وليبيا، والسودان على الحدود المصرية، وكذلك التحرك التركي في منطقة الخليج العربي، والرغبة في تأسيس قواعد عسكرية أخرى في هذه المناطق تجمع بين الحضور والتأثير أو مناوأة قوى تراها معادية.
ويبدو أن سياسات الوجود حول دول الخليج من الشرق والغرب تأتي في إطار البقاء جزءًا من المعادلة الإقليمية، بما للخليج من دور ومكانة مؤثرة على الساحتين العربية والإسلامية، وقد ظهرت خطورة هذا الوجود وتَحوُّله من مصدر تعزيز للأمن إلى مصدر تهديد بعد اندلاع الأزمة القطرية، إذ تَحوَّل هذا الوجود إلى مصدر تهديد للمملكة، كما أنه نسَّق مواقفه إيران لمساعدة قطر في مواجهة دول الخليج.
وبالقياس قد يكون التمركز في سواكن السودانية مصدر تهديد لمنطقة الخليج بما للبحر الأحمر من أهمية للأمن الخليجي، بل قد يكون هذا الوجود عند وقوع أي أزمة بؤرة لتعاون إيرانيّ-تركيّ قد يضرّ بمصالح دول الخليج ومصر، إذ تبعد سواكن عن السواحل السعودية 297 كم.
وهنا قد تستفيد تركيا من إيران، الموجودة عسكريًّا في العراق وسوريا واليمن، وتستفيد إيران من الوجود التركي في إفريقيا، لمحاولة محاصرة المنطقة العربية من الشمال والجنوب والشرق والغرب.
يوظف البلدان البعد الديني لمد النفوذ والتأثير بوصفه وسيلة لتحقيق المصالح القومية للبلدين، إذ أدرك صانع القرار التركي جيدًا أن البعد الديني سوف يزيد من قوة أنقرة التنافسية في القارة السمراء، ويميزها من فاعلين آخرين لهم نفوذ كبير داخل القارة الإفريقية.
في الإطار ذاته، تتبنى إيران مقاربات تستهدف العمل على استغلال البعد الديني في تشكيل أطر سياساتها حيال عديد من الدول الإفريقية، كما تعمد طهران إلى نشر المذهب الشيعي، ومِن ثَمّ تشكيل جماعات مذهبية متمايزة عن محيطها
وبينما عمدت القيادة التركية إلى أن تتصدر إفريقيا جدول أعمال السياسة التركية، عملت طهران من جانبها، خلال السنوات الخالية، على التغلغل تدريجيًّا إلى العمق الإفريقي عبر استغلال الأقليات الشيعية، والتي تبلغ ما بين 5 إلى 10 في المئة من مجموع السكان المسلمين، كما تنتهج عملية التبشير عبر البعثات العلمية، والمؤسسات التعليمية الخاصة، والمراكز الثقافية، والحوزات العلمية، وجمعيات الهلال الأحمر.
ولعل هذا ما يفسر السبب الذي جعل طهران ترفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي في القارة الإفريقية بصورة ملحوظة في أكثر من 30 بلدًا إفريقيًّا خلال السنوات العشر الأخيرة. كما أن أدواتها وأساليبها تأتي عبر برامج غير حكومية ومبادرات غير رسمية، فمعظم المنشآت الخيرية تبقى بمعزل عن الحكومة، بيد أنها تتميز بقدرات مالية، وعلى رأسها مؤسسات المستضعفين، والشهيد، والإمام الرضا، والـ15 خرداد، وهي مؤسسات معفاة من الضرائب، وتتبع المرشد الإيراني، علي خامنئي، على نحو مباشر، وتؤدي أدوارًا في تقديم الخدمات الاجتماعية، ونشر الدعوة السياسية الدينية، وتعزيز التجارة
وتعمل الدولتان على استخدام الآيديولوجية الدينية الحاكمة في تعزيز الروابط مع التيارات الإسلامية والأنظمة التي تتبنى ذات الآيديولوجية، لذلك تعمل تركيا على توثيق عَلاقاتها مع نظام البشير القريب من تيار الإخوان المسلمين المدعوم من قطر. وهذا التوجه لا شك يخصم من تأثير دول الخليج على الساحة الإفريقية ويحد من تأثيرها.
وجاءت زيارة أردوغان إلى السودان محاولة لتعزيز توجهه التدريجي نحو إعادة التمركز ضمن «المحاور» العربية على الساحة الإفريقية، فقد يكون من المحتمل ترك معسكر التحالف العربي، والاتجاه نحو محور "الإسلام السياسي (القطري-التركي)"، وهو محور قد يشمل إيران في مرحلة لاحقة، بالنظر إلى محركات عددية، من بينها الاصطفافات الإقليمية التي أوجدتها الأزمة الخليجية-القطرية.
وراي الكاتب علي انه بالرغم من التنافس التركي-الإيراني، فلا صدامات أو صراعات بين الجانبين على الساحة الإفريقية، وذللك لان ايران وتركيا وقطر والسودان لديهما اصرار على دعم التيار الإسلامي بأطيافه المختلفة، والتي أصبحت جزءًا من هُوية تركيا، وقطر، وإيران، والسودان، وتطوير العَلاقات بينها لمواجهة المد الذي يحظى به تحالف مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، وبات عنصرًا محوريًّا لكشف كثير من ممارسات الدول الداعمة للإرهاب.
-رغبة لدى الدول الأربع للتمدّد نحو القارة الإفريقية، فلدى تركيا مصالح كبيرة في القرن الإفريقي، وهي تحاول تطوير نفوذها في الشرق والجنوب، ولدى قطر محاولات ظاهرة للتغلغل في العمق، وقطعت إيران شوطًا كبيرًا في توسيع نفوذها بالقارة السمراء، كما يمتلك السودان عَلاقات وطيدة مع عدد كبير من الدول الإفريقية، بما يجعله مدخلًا مُهِمًّا لأي من هذه الدول الثلاث للنفاذ إلى عمق القارة ومناطقها المؤثرة، والسودان في ظل احتياجه إلى الدعم السياسي والاقتصادي قد يكون مستعدًّا للقيام بمثل هذا الدور، لا سيما إذا ما تعرضت عَلاقاته مع مصر لمزيد من التوتر.
-تشكل تحالف بهذه الطريقة يمنح بعض القوى الكبرى فرصة لدعم تصوّراته بشأن مزيد من استنزاف القوى الرئيسية في المنطقة، لا سيما أن الصدام قد يكون حتميًّا بين القوى الداعمة للتيار الإسلامي، بأشكال مختلفة، والقوى المناهضة له.
-لدى الدول الأربع، تركيا، والسودان، وقطر، وإيران، مشكلات متعاظمة، تحاول تجاوزها أو التخفيف من حدتها، عبر تشكيل نسق تعاوني إقليمي، يوفر لكل دولة منها جانبًا مما تريده من تحركات وطموحات لتقليص الاستهداف الفردي.
وخلص الباحث في الشان التركي الي أنه يمكن القول إنّ الوجود التركي في إفريقيا في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة يمثل تهديدًا أكثر منه فرصة، إذ إنّ هناك تنسيقًا متعدّد الجوانب بين تركيا وإيران على صعيد أكثر من أزمة، كما أن حجم الخلاف بين دول الخليج وفي مقدمتها المملكة شاسع، لكنه بين تركيا وإيران ليس بهذا الحجم، ومِن ثَمّ فإنه يجب الحذر من احتمال التنسيق بين تركيا وإيران في تلك المنطقة الحيوية بالنسبة إلى الأمن العربي والخليجي، كما حدث في مواجهة الأزمة الخليجية الأخيرة.

شارك