" كيريالسون في محبة الاقباط " كتاب يتحدى ظلام الاخوان والسلفيين

الأحد 11/نوفمبر/2018 - 01:06 م
طباعة  كيريالسون في محبة روبير الفارس
 
عن سلسلة الكتاب الذهبي بمؤسسة روزاليوسف صدر كتاب " كيريالسون في محبة الاقباط " للكاتب الصحفي والاعلامي " حمدي رزق " وهو كتاب مهم يقع في اكثر من 400 صفحة من الحجم الكبير ويؤرخ لواقع مصر من خلال الاقباط والكنيسة منذ قيام ثورة 25 يناير كل ذلك بصدق وحب حقيقي من خلال قلم متميز جدا .وكلمة " كيريالسون " كلمة يونانية  تعني " يارب ارحم " يرددها الاقباط في صلواتم  .الكتاب سجل وافي لطلب رحمة الاقباط وحربهم في سبيل الوطنية  ولذلك تجد صفحات كثيرة تتصدي لافكار الظلام السلفية والاخوانية ويقول حمدي رزق  في كتابه أَشْعُرُ بِالغِبْطَةِ وَالفَرَحِ، بِالسُّرُورِ، بِالْمَسَرَّةِ، والغِبْطة أَن يتمنى المرءُ مِثْلَ ما للمغبوط من النعمة، وإعمالاً لقول الله تبارك وتعالى: «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو رُدُّوهَا» (النساء:86)، ولأن المولى بدأ بالأحسن، ثم قال: «أو ردوها» أردها استحسانًا ومحبة وامتنانًا لكل مسيحى من إخوتنا فى الحى العريق «شبرا» الذين آثرونا بجميل التهنئة، وهم يهتفون «بحبك يا مسلم بحبك يا غالي.. بحبك يا مسلم بحبك يا صاحبى أصلك هو أصلى».
الفيديو البديع من الشباب المسيحى الرائع الذى لوّن «فيسبوك» بالبهجة فى أجمل رسالة تهنئة من مسيحيى مصر إلى مسلميها، شفت الجمال فى العبارة المختارة «بحبك يا مسلم.. بحبك يا غالي.. بحبك يا مسلم دايمًا على بالي».
رسالة شبرا تقول إن فطرة الشعب المصرى سليمة وتعبر عن نفسها بمئات الصور الرائعة، ومنها هذه الصورة الراقية، لماذا إذن تتصدر صور الجفوة والرفض والعنف والتفجير والتهديم والتهجير العناوين.. لماذا تهيمن طيور الظلام على الصورة.. لماذا تتصدر وجوه البغضاء المشهد.. لماذا يشوه هؤلاء الزعران المطلوقون من عوالم سلفية سفلية وجه مصر الطيب بسناج صدورهم وما ينفثون غلاً للذين آمنوا بالعيش المشترك؟!
بحبك يا مسلم بحبك يا طيب، المحبة شعور بسيط، يلمس شغاف القلب، القصة ليست تبويس اللحى واللى فى القلب فى القلب، ولكنها نفوس خيرة تسعى بين الناس فى الشارع بالمحبة، وعلى الأرض السلام وفى الناس المسرة.
الفيديو يعبر تمامًا عن مصر الطيبة تعبيرًا شعبيًا رائعًا.على بساطته وعفويته، مبادرة بألف مقال، وبألف خطبة، وبألف مقدمة فضائية زاعقة بالوحدة الوطنية، يرسمون صورة يعجز عن وصفها القلم السيال، المسيحيون المصريون يبدعون إبداعًا راقيًا، ويرسمون لوحات ملونة بحبر القلب، نموذج ومثال، المسيحيون يضربون أروع الأمثلة فى المحبة، ولا يمررون المناسبات العطرة دون لمحات طيبة، طوبى للساعين إلى الخير.
سيقول السفهاء من الناس إنهم يتجملون، دعهم فى غيهم وغلهم يعمهون، قلوبهم قاسية ونفوسهم مظلمة، الطيبون دومًا حاضرون، ويستلزم تكثيف الحضور والظهور.
مقارنة ما يجرى فى بعض «قرى المنيا» من بغضاء بما جرى فى «شبرا» يبرهن على أن ما يجرى هناك فى الصعيد مخطط وممنهج لإشعال فتنة، أيادٍ آثمة تعبث هناك، مسيحيو شبرا مثل كل مسيحيى مصر يعلمون أن لهم فى القلب مكانًا، فاحتلوه بطيب صنيعهم، هذا الذى جرى فى شبرا يجب أن يترجم إلى منهج مصرى متكامل فى السماحة والتعايش بين الأديان.
ومن القلب للقلب رسول، تعليق لافتات تهنئة للمسلمين بمناسبة الأعياد، لافتات المحبة، وفيه أحلى من كده، وبأحسن منها: «بحبك يا مسيحى بحبك يا غالى- بحبك يا مسيحى بحبك يا صاحبى أصلك هو أصلي»، أخويا المسيحى عايز أقولك إنى بحبك، مكتوب إنى أحبك لإنى اتعلمت إنى أحبك، لأنى اخترت إنى أحبك، ووصانا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بأقباطها خيرًا لأننا لنا فيهم ذمة ورحمة.
كتبت أعلاه تثمينا وترحيبا برسالة محبة مسيحية خالصة برزت فى الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية، أخويا المسلم: عايز أقولك إنى بحبك.. أخوك المسيحي. تحت هذا العنوان توزع حركة شبابية تطلق على نفسها «حركة عايز أقولك إنى بحبك» ملصقات ومنشورات فى شوارع القاهرة، للتأكيد على أن الأقباط يحبون المسلمين.
صفحة الحركة على فيس بوك تسجل إعجابات لافتة، وتشرح للمتابعين أهدافها، وكما تقول: التحرك يأتى فى محاولة للتأكيد على أنه لا توجد خلافات بين المسلمين والأقباط، عقب عمليات التهديد والترويع ضد الأقباط فى مصر واتهامهم بالكفر.. مشيرة إلى أن الإخوان أمام قصر الاتحادية كانوا يلقون القبض على المواطنين ويسألونهم عن ديانتهم.. إضافة إلى وجود تحريض يومى ضد الأقباط من بعض رجال الدين، وهو ما نخشى معه أن يؤدى إلى حالة من الكراهية ضد الأقباط فى مصر.
تقول الملصقات التى اجتذبت الأنظار دهشة واستغرابا فى الرأى العام: كل مسلم هو أخي.. كل مسلمة هى أختي.. كل أم مسلمة هى أمي.. كل أب مسلم هو أبي.
وتضيف المنشورات: أحبك رُغْمَ اختلافنا فى الدين والعقيدة فلا معنى للعقيدة إذا كنا نحب فقط المتشابهين معنا. أحبك ومستعد أن أموت من أجلك فهكذا علمنى السيد المسيح (ما من حب أعظم من هذا: أن يضحى الإنسان بنفسه فى سبيل أحبائه) إنجيل يوحنا 15: 13.
رسائل المحبة المسيحية تنطق بها محركات البحث الإلكترونية، فالأقباط حريصون دوما على إيصال رسائل المحبة، وتتلقاها المراصد الإخوانية بالتشكيك، وتستقبلها المراصد الوطنية بالترحاب، وتقف على حروفها المؤسسات الوطنية باعتبارها نبتة صالحة فى تربة مالحة، المسيحيون الصالحون مصرون على استزراع التربة الوطنية وتلقيحها فى ربيع الوطن تنبت زهورا تعبق الأجواء، وتخفف من الاحتقان، وتبرد السطح الساخن، وتعبد طريقا نحو العيش الكريم بين أحباء الوطن.
لمست صورا طيبة ورصدت رسائل رائعة فى تدليل على أن هناك تجليات شعبية تقفز فوق التعقيدات البيروقراطية التى تترعرع فى جسدها الطائفية والفتاوى المتعصبة دينيا، وتسمو فوق الجراح كما يقولون، بل تذهب إلى تأسيس فقه المواطنة الشعبية تأسيسا على تراث مصرى أصيل متأصل فى البيئة الشعبية المصرية، وقد شاهدت طرفا من هذا فى الحضور المسلم العادى فى جنازات إخوتنا الأقباط، بل وتطوع من يملك ناصية الخطاب بموعظة إسلامية فى سرادق مسيحى، وسط امتنان مسيحى مرحب ولافت حبًا وتقديرًا.
وشاهدت طرفا من هذا يوم احتفل كاهن كنيسة الزقازيق «القس بولا» مع إخوته المسلمين بافتتاح مسجد «الخير» فى الزقازيق، هذه الصورة الرائعة تتالت صورا، منها حضور القمص روفائيل، كاهن كنيسة دكرنس بمحافظة الدقهلية، صلاة العصر، بمسجد «الصالحين» بعزبة «الباشا» التابعة لقرية «ميت فارس» مركز «بنى عبيد» عقب افتتاح الدكتور أحمد الشعراوى، محافظ الدقهلية للمسجد. وأصر كاهن الكنيسة، الذى شارك بافتتاح المسجد على التواجد والوقوف بالصف الأول، بجانب محافظ الدقهلية أثناء أداء صلاة العصر ابتهاجا بافتتاح المسجد.
وشارك القمص يعقوب لبيب، راعى كنيسة الشهيد العظيم «مار جرجس» ببنى بخيت بمحافظة بنى سويف، الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، والمهندس شريف حبيب، محافظ بنى سويف افتتاح مسجد قرية بنى بخيت.
وشارك القس تواضروس فوزى، كاهن كنيسة السيدة العذراء ومارجرجس فى منطقة بولاق الدكرور، فى افتتاح المسجد «الكبير» بالمنطقة. وقال الكاهن فى تصريحات نقلتها قناة «الحدث اليوم»: «هى دى مصر، وهو ده الطبع اللى اتربينا عليه نسيج واحد وبلد واحد، ولا نقول وحدة وطنية ولكن محبة وطنية». «دى فرحة كبيرة لينا كلنا علشان هيطلع شباب يعرف يعنى إيه الوسطية، وألف ألف مبروك».
الصورة استلفتت قلبى فحرك قلمى محبة فكتبت بعنوان «الأنبا بولا فى مسجد الخير!».
يقينًا القس بولا احتل مكانًا طيبًا فى قلوب المسلمين، كانت جد مفاجأة سارة أعدها مسيحيو الشرقية لإخوتهم، الرسالة حُرّرت فى الزقازيق، رسالة بعلم الوصول.. رسالة حب.
المسيحيون فرحون بافتتاح مسجد، ويصطفون بعد صلاة الجمعة ليباركوا افتتاح بيت من بيوت الله يذكر فيه اسمه سبحانه من بذر المحبة فى القلوب، نفسى ومنى عينى يصطف المسلمون يوم افتتاح كنيسة يباركون ويهنئون إخوتهم، وينثرون الورود على الرؤوس، قريبًا إن شاء الله.
افتتاح مسجد مثل افتتاح كنيسة، بيوت الله، الفطرة الطبيعية للشعب المصرى سليمة وتعبر عن نفسها بمئات الصور الرائعة، ومنها الصورة فى باحة مسجد الخير.
الطيبون دومًا حاضرون، ويستلزم تكثيف الحضور والظهور، مقارنة ما جرى فى «كوم اللوفي» بالمنيا بما جرى بقسم الحكماء فى الزقازيق يبرهن على أن ما يجرى هناك فى الصعيد مخطط وممنهج لإشعال فتنة، أياد آثمة تعبث هناك، وما يجرى فى الحكماء من وجوه الحكمة، وجوه طيبة تسعى فى الخير فى باحة مسجد الخير، ليت إخوتنا الطيبين فى كوم اللوفى يستوعبون درس الحكماء فى محافظة الخير (الشرقية).
مسيحيو الحكماء مثل كل مسيحيى مصر يعلمون أن لهم فى القلب مكانًا، فاحتلوه بطيب صنيعهم، ومسلمو الحكماء فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم ليسكن فيها المسيحيون، هذا الذى جرى فى الحكماء يجب أن يترجم إلى منهج مصرى متكامل فى السماحة والتعايش بين الأديان.
أحب للناس ما تحبه لنفسك، ابن لأخيك مكانًا للصلاة كما تحب أن تصلى، لا تمنعه من صلاة، الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام أفسح فى مسجده الشريف مكانًا لصلاة نصارى نجران، صلّ ودع أخاك يصلى، لا تضيق عليه فى الطرقات، الوطن يسع الجميع، والأرض تسع لألف مسجد وألف كنيسة، الدين لله والوطن للجميع.
وتتواصل الرسائل الطيبة بمبادرات فردية من قسس وكهنة وأساقفة حادبين على الوحدة الوطنية، وكتبت إلى المصريين: هل أتاكم نبأ أبونا بطرس؟!
وَضرب مثلاً.. القمص بطرس بطرس، وكيل عام مطرانية دمياط والدقهلية وكفر الشيخ، يشارك فى حملة «صكوك الأضاحي» التى أعلنت عنها مديرية الأوقاف بكفر الشيخ، بشراء «صكين»، بادرة تفيض بالمودة الخالصة، والأخوة الصادقة، والسماحة التى ترطب قيظ الأيام.
جد مفاجأة سارة أعدها القمص لإخوته المسلمين، رسالة بعلم الوصول، رسالة محبة حُرّرت فى كفر الشيخ ووصلت عموم مصر المحروسة، المسيحيون يتابعون المراسلات على عنوانهم الأثير مصر، يذكرونها فى صلواتهم مباركة، مبارك شعبى مصر.
هنيئًا للقمص الطيب حُسن صنيعه، كلنا غبطة وسرور، القمص يمارس ما جُبِل عليه فى الكنيسة من محبة، الله محبة، الخير محبة، النور محبة، عطفة القمص بشراء صكوك الأضحية نموذج ومثال، القصة ليست تبويس اللحى ولكنها نفوس خيّرة تسعى بين الناس بالمحبة، وعلى الأرض السلام وفى الناس المسرة، والمسرة لكل الناس.
المسيحيون المصريون يبدعون إبداعا راقيًا، ويرسمون لوحات ملونة بحبر القلب، القضية ليست صك أضحية بمبلغ من مال، بل صك محبة لا يُقدر بمال، صك قبول، مصر لم تعرف «صكوك الغفران» قبلاً، مصر تعرف «صكوك المحبة» دومًا، صكوك مصر مسكوكة بماء المحبة، وترد عنا غائلة المتطرفين وتمنع أذاهم، وتجسد ما ينكره المرجفون من محبة هى عنوان عريض لمصر المحروسة بعناية الله وحوله وقوته.
يقينًا القمص بطرس وأعرفه جيدًا، كما أعرف صنوه الطيب الشيخ سعد الفقى، وكيل وزارة الأوقاف بكفر الشيخ، احتلا مكانًا طيبًا فى قلوب الطيبين، دومًا فى القلب.
سيقول السفهاء من الناس إن القمص يتجمّل، فليكن، فليتجمّل أكثر، فيه أجمل من كده، والشيخ يتودد وليكن، فليتودد أكثر، وليصل القمص إخوته، ويفرح لفرحهم، ويغتبط لعيدهم، وليوزع لحوم الأضاحى على الفقراء والمساكين، ولا ننتظر منهم فتوى بحلال اللحم الطيب، وسيبرّه الشيخ سعد فى طعامه، لحم حلال طيب.
دعهم فى غيّهم وغلّهم يعمهون، قلوبهم قاسية ونفوسهم مظلمة، القمص يرد بصنيعه الطيب على غلاظ القلوب الذين يُحرّمون تهنئة الأقباط بأعيادهم، ويزرعون الكراهية فى النفوس، ويقفون من إخوة الوطن موقفًا لا يقرّه شرع ولا دين ولا كان من خلق صاحب الخلق العظيم، عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
ولعل أهم الرسائل التى تلقيتها «رسالة الشهيدين.. أحمد وكيرلس!»، ولهذه قصة سجلتها فى سطور.. منشورة.
طالت المهمة، والمشوار صعيب، والديابة ساكنة الجبل، ديابة واعرة فى جبل واعر، شهداء معركة التحرير الثانى لسيناء صعدوا إلى السماء فداء، وكما ارتوى التراب الطاهر فى معركة التحرير الأولى (أكتوبر 73) بالدم المصرى جميعا، مسلمين وأقباطا فى آية من آيات الوطن، تتعانق أرواح الشهداء فى معركة التحرير الثانية (ما بعد 30 يونيو).
لله در شبابنا فى موتهم قد سابقونا للجنان وشمروا، أمام الشهادة لا فارق بين مسلم ومسيحى، ما لم تفرقه الحياة لا يفرقه الموت فى سبيل الوطن، نزف إلى السماء محتسبين العميد أحمد كمال محمود، وجندى مجند كرولس وهيب فهمي.
تفجير «المدرعة» لم يفرق بين الأحباب، وجيش مصر مؤلف من كل المصريين، كلنا جنود، وضريبة الوطن يدفعها عن طيب خاطر المصريون جميعا، المشهد فى تجليه آية، والشهيد عميد وجندى مجند، لا العميد تخفى وراء الجندى، ولا الجندى فارق العميد، كلاهما فى مقدمة الرهط، فى سيناء الكل فى واحد، ولولا هذه الروح النابضة بالوطنية، المخلصة للقضية، الجوادة بالنفس كريمة، لكان للمعركة شكل آخر.
دماء الشهداء تحرر الأرض التى تمكن منها الإرهابيون فى عام الإخوان الكئيب، ولولا هذه التضحيات لكانت ضاعت الحدود الشرقية من بين أيدينا ونحن عنها غافلون، المخطط الإخوانى كان خطيرا، وسلخ سلخة من أرض سيناء لإقامة إمارة «داعشية» كان قاب قوسين أو أدنى، وعلى عين من الإخوان وبتمويل منهم، استقدموا فى عام واحد آلاف الإرهابيين، واستوطنوهم، جعلوا من سيناء مرفأ لكل الدواعش الهائمين على وجوههم فى الأرض، وكأنه الوطن الموعود، وعد مرسى كما كان وعد بلفور!
تطهير سيناء التى سكنها الدواعش يحتاج إلى وقت وصبر وطول بال، وما يجرى هناك على الأرض جراحة دقيقة، الدواعش يتحصنون بالدروع البشرية، ويرهبون القبائل، ويقتلون المشايخ، ويخطفون الأطفال والنساء، ويشنون حرب عصابات خاطفة، يفخخون المدقات، ويفجرون المعسكرات، ويهاجمون الكمائن بأسلحة ثقيلة وفرها الخائن «مرسي» الذى يجب أن يحاكم على تشكيل هذا الجيش ضد جيش الوطن، خيانة مرسى للوطن وتوطينه الإرهابيين فى سيناء أخطر من تسريبه وثائق الدولة المصرية إلى الاستخبارات القطرية، هذه خيانة وتلك خيانة أشد، خونة الأوطان.
أولادنا فى سيناء ليسوا فى نزهة خلوية، وكل منهم يتشهد إذا أقبل المساء وأرخى سدوله، وإذا أصبح الصباح، وما الإصباح منك بأمثل، زادهم وزوادهم الشهادة فى حب الوطن، لا يفترق فى حب الشهادة عميد عن جندى، مسلم أو مسيحى، تفجير المدرعة الأخير يفجر فينا كل ما كنا نسيناه من معنى أن الكل فى واحد.
صندوق كرولس وهيب جنب صندوق أحمد كمال، مواكب الشهداء تؤذن عليها المساجد عاليا وتدق لها أجراس الكنائس، تزفها، صعد أحمد وكرولس إلى السماء معا، كما خدما معا، تقاسما اللقمة، وشربة الماء، ونومة فى الخلاء، وواجبا يؤديانه قربى إلى الوطن، من ذا الذى يفرق بينهما فى الشهادة، وهذا شهيد وهذا قتيل، أتوزعون صكوك الشهادة على الهوية؟!
توقفت لبرهة وأنا أطالع أسماء شهداء المدرعة، وفاض الدمع منى، يا رب كما جمعت المسلمين والأقباط فى هذا الوطن على الحب، جمعت بين أحمد وكرولس فى الموت، ألا يخجل مشعلو الفتنة؟ ألا يستحى المرجفون؟ ألا يتعظ العاملون على شق الصف، مصر لا تقبل القسمة أبدا على اثنين، مسلم ومسيحى، مصر لكل المصريين.
فى مصر التى أعرفها الكنيسة قبالة المسجد، والمئذنة فى عناق مع المنارة، والشيخ فى وصال مع القسيس، وبيوت المصريين عمار بالحب، شهادة كيرلس بين ذراعى الشهيد أحمد، شهادة لمن ألقى السمع وهو شهيد على لحمة هذا الوطن، وما جمعه الله لا يفرقه كهان الفتنة والفرقة، ومهما أطلقوا من فتاوى لا تخترق درعا، ولا تصيب هدفا، خابت سهامهم، طوبى للشهداء.
«أمام الإرهاب كلنا فى الهم سواء، والإرهاب أعمى القلب لا يفرق فى إرهابه على أساس طائفى، ويستهدف الأقباط لذبح قلب المسلمين، وكسر إرادة الدولة، وتعجيز الأمة المصرية عن القيام، ومنذ أن قامت قيامة هذا الشعب فى 30 يونيو والأقباط فى القلب منه واستهداف إخوتنا قائم وعلى أشده، وتوقفت مليا أمام استشهاد أبونا روفائيل موسى تدليلا على أن الشهادة فرض عين علينا جميعا، من ارتدى القلنسوة، ومن ارتدى العمامة أو الخوذة، عرس الشهداء للجميع».
فى عرس أبونا روفائيل موسي: «كُنْ أَمِينًا إلى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ». (يوحنا اللاهوتي)..
حمل صليبه ومشى الهوينا، لم يحمل حقدًا، كان يبش ويهش لمقدمهم، لم يكن عَبوسًا كارهًا، كان يعظهم بالحسنى، لم يحرّض ويجيّش، كان يحتوى البسطاء تحت جناحه، لم يكن نافرًا منهم منفرًا، كان منفتحًا على الجميع، لم يكن منغلقًا متقوقعًا وراء بابه، كان مثل كل المصريين يحب الحب فى أهله.
أبونا المتنيح القس روفائيل موسى والد لطفلين، أب مصرى طيب وحنون مثل كل الآباء، لم يبتدر أحدهم بالعداء، كان رجل دين مسالمًا ويعيش بين مسالمين، وكان يمشى بين الناس بالمحبة، ويتواصل مع الأحباب، رجل دين يحفظ العهد القديم والجديد، وعهده المتجدد مع أهل العريش، ويغبّر قدميه نحو بيوت إخوانه المسلمين، محبًا مباركًا مهنئًا، مثل كل الآباء طيب يفشى السلام.
لحق بالشهداء إلى السماء، شهداء الكنيسة فى هذه المنطقة الموبوءة بالإرهاب كثر، شهداء الوطن هنا كثر، سبقه إلى السماء الأنبا قزمان، والقس مينا عبود، ماذا فعل أبونا الطيب روفائيل ليغربلوه بالرصاص، هل آذاهم، هل عاداهم، هل قال فيهم قولاً كريهًا؟!
أبونا - نيّح الله روحه - كان يمضى أيامه فى تسبيح، ويحفظ رسالة بولس الرسول عن ظهر قلب: «فَإِنِّى مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ انطلق وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا»، ومضى أيام خدمته فى كنيسته، ودودًا متواضعًا محبًا، يُذكرك بوصفهم فى الآية الكريمة: «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُون»، صدق الله العظيم.
ومنهم قسيسون ورهبان وإنهم لا يستكبرون، أبونا روفائيل كان أقربهم مودة لأهل العريش، وقال الطيبون فى وداعه قولاً طيبًا، كان متواضعًا يمشى بين الناس بِتُؤَدَةٍ وَرِفْقٍ، مطمئنًا لمحبتهم مغتبطًا، لم يُعرف عن الأقباط المصريين كره لإخوة الوطن.
مَن اغتال «أبونا روفائيل» أبدًا ليس من المصريين، يقينًا من الخوارج والشوارد ومصاصى الدماء فى الأنفاق، نيّح الله روحه، قتلوه على الهوية، حكّموا فيه ما لم ينزل به قرآن ولم يستنه الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، الذى تزوج منهم، ورُزق من ستنا «ماريا» بابنه وقرة عينه «إبراهيم» قبل أن يختاره الله إلى جواره، وبكاه المبعوث رحمة للعالمين، وترك لنا ما نعزى به أنفسنا ونحتسب، إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ.
فلنحتسب «أبونا روفائيل»، قتلته الديابة المسعورة بدم بارد، قلوبهم ميتة، ونفوسهم متصحرة مترعة بالحقد والكراهية، وعقول غبية مغيبة مغلقة، يقينًا ليسوا منا، هم مَن أهرقوا دماء جنودنا على الحدود، وسفكوا دماء الآمنين فى قعور البيوت.
اغتيال القس روفائيل موسى جهارًا نهارًا فى العريش نقلة نوعية مجرمة فى سياق إرهابى مخطط، هم يرومون فتنة طائفية لا تُبقى ولا تذر، ولكن هيهات، الدم واحد، والجرح واحد، والحزن واحد، والوطن واحد، والكل فى واحد.
استهداف جديد من جديد لكنيسة الوطن، الكنيسة الوطنية تدفع ضريبة الوطن مجددًا، نزفت الكنيسة فى مشوار الوطن زينة الشباب والشيوخ، وعندما حُرقت الكنائس رفع بابا المصريين شعاره الوطنى الأثير: «وطن بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن»، لأن الوطن جامع المصريين، وأرض الوطن طهور تتسع لصلوات المصريين أجمعين.
نعزى أنفسنا، «أبونا كلنا»، والأب هنا رمزية مصرية لرجال الدين الأقباط، يجل المصريون كثيرًا رجال الدين، مَن يحملون كلام الله قريبًا من القلوب، نغبط كنيستنا، مسيرة الشهداء تتجدد بدماء «أبونا روفائيل»، على خطى «ودامون الأرمنتي»، الذى نال إكليل الشهادة الأول على اسم المسيح فى أرض مصر.
يوم الأربعاء الثاني من أغسطس 2017 أرسل البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وفدًا من أساقفة الكنيسة القبطية لتقديم واجب العزاء في والدة زوجة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، حيث قدم الأساقفة التعازي في ساحة الشيخ الطيب بقرية القرنة بالأقصر، وذلك وفقًا لبيان رسمي صادر عن الكنيسة.
تضمن الوفد كلًا من: الأنبا بيمن أسقف نقادة وقوص، والأنبا سلوانس أسقف ورئيس دير القديس الأنبا باخوميوس الشايب بالأقصر، والأنبا يوساب الأسقف العام للاقصر، والأنبا يواقيم الأسقف العام لإسنا وأرمنت، وبعضًا من رهبان دير الشايب وكهنة وأراخنة من إيبارشيتي نقادة وقوص والأقصر.
التعزية الشخصية بوفد كنسي على مستوى رفيع يؤشر على حرص البابا تواضروس على تمتين علاقته الوطيدة بالإمام الاكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والعالمون بمجريات العلاقة يقطعون بأنها تجاوزت الرسمي بين رأس المشيخة ورأس الكنيسة إلى ما هو شخصي، فالرجلان يجلان بعضهما البعض وبينهما صلة ورحمة، وإذا كان من الواجبات الوطنية المرعية تبادل التهنئة في الأعياد والمناسبات الإسلامية والمسيحية على حد سواء، عن طريق تبادل الزيارات والبرقيات فيما بينهما بمشيخة الأزهر والكاتدرائية، على نحو ماجاء فى برقية البابا تواضروس فى عيد الأضحى المبارك 2017.
وقال البابا في برقية تهنئة لشيخ الأزهر: "يسرني - بالأصالة عن نفسي وباسم الكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية- أن أتقدم إلى فضيلتكم وإلى جموع إخوتنا المصريين المسلمين بأصدق التهاني بمناسبة عيد الأضحي المبارك، طالبين من الله أن يوفق جهودكم المخلصة في نشر المحبة والتسامح والعيش المشترك في كافة أرجاء العالم".
اللافت للمراقب تجذر العلاقة بين الطيب وتواضروس مع حفظ الألقاب والمقامين، ربما تتجاوز عمق العلاقة التي ربطت البابا شنودة الثالث - نيح الله روحه- وفضيلة المرحوم الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، التي كانت مضرب الأمثال، وتؤشر عليها كلمات المحبة التي يفيض بها كل منهما على رأس الآخر.
استهداف لرموز صورة 3 يوليو
الصمت الذي يتحلى به الإمام الأكبر ومثله الصمت الذي يميز البابا تواضروس يصعب علينا سبر أغوار هذه العلاقة الطيبة التي باتت مستهدفة بشدة منذ أن اجتمع الكبيران جوار الرئيس عبد الفتاح السيسي وقادة القوات المسلحة ورؤساء القضاء ورموز التيارات والأحزاب المدنية يوم 3 يوليو 2013 لإعلان سقوط حكم المرشد، وتولية حكم وطني يرعى مصالح الأمة المصرية.
لم يغب هذا الاستهداف لرموز الصورة التاريخية عن ناظري، نعم مصر هبة النيل، وفي قول آخر مصر هبة المصريين، ومن خبر مصر جيدًا يعلم أن مصر الحديثة في تجليها قامت على مثلث معجون بطين الوطن، مثلث من أضلاع ثلاثة، قاعدته القوات المسلحة المصرية، وضلعاه الأزهر والكنيسة، وفوق القاعدة يعيش شعب عظيم علم العالم أجمع كيف تصمد الدول أمام الأعاصير والأساطيل، على صخرة هذا المثلث العظيم تتكسر لعبة الأمم.
القاعدة جيش وطني، قوامه من قوام هذا الشعب، وسواعده شباب هذا الشعب، جيش مخلص للوطن، لم يعرف يومًا طائفية أو جهوية أو عرقية أو إثنية، جيش يمم وجهه للوطن من بعد وجهه سبحانه وتعالى، يبغون نصرًا أو شهادة، لم تتسلل إليه فتن خبيثة، أو طائفية مقيتة، وارتوت أرضه بدماء المسلم والمسيحي، يجمعهم نداء الوطن، ويسعون إلى الجندية سعي المخلصين، لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الوطن، ويذكرون الله كثيرًا في صباحات الحرب والسلم، خير أجناد الأرض، هم الجند الغربي الذي ذكرهم - صلى الله عليه وسلم- في حديثه الشريف، جيش أصدق تعبير عن هذا الشعب، يحاذي في الصف الغني والفقير، ابن القائد وابن الفلاح، ويتقدمهم قادة نذروا أنفسهم فداء للوطن، انظر لقائمة الشهداء، يتسابقون إلى الشهادة قادة وصفًا وجنودًا، وتكتب أسماؤهم شهداء في لوح محفوظ، أحياء عند ربهم يرزقون.
وأزهر وسطي عامل على نشر السلام والمحبة، ورجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومشيخة هي قبلة للعالمين، وتاريخ تليد وحاضر ينبئ عن مستقبل، الدعوات الصالحات هي ما يمكث في الأرض، حافظ الأزهر على الإسلام السمح، ولم يذهب إلى فرقة أو تشدد، وشباب حمل الأمانة، وشيوخ ينافحون عن صحيح الدين، وأعلام يفخر بها كل مسلم في توادهم وتراحمهم، وتمسكهم بصحيح الدين، متمثلين قوله المعصوم - صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة: "يا أيها الناس إني تركت فيكم من ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي (أهل بيتي)".
وكنيسة وطنية خالصة، شجرة طيبة، ترتوي من نيل طيب، كنيسة ترفع لواء الوطن، لا تعرف غيره وطنًا، ومصر في ضميرها، وطن يعيش فينا، وليست وطنًا نعيش فيه، والعبارة من مأثورات بابا العرب المتنيح، قداسة البابا شنودة الثالث، وزادها ألقًا على ألق قول خليفته في كنيسة الوطن البابا تواضروس الثاني، قال محبًا: وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن، كنيسة لم تخرج على الوطن، بل سكنت القلب منه، وشعبها من بين الصلب والترائب، شعب الكنيسة في قلب الشعب المصري، لايغادره أبدًا وإلى أبد الآبدين.
تجسد هذا المثلث يوم الثالث من يوليو على منصة الوطن، صورة بألف صورة مما تعدون، صورة جمعت القائد العام وزير الدفاع ابن مصر البار الفريق أول عبد الفتاح السيسي، يلقي بيان الأمة إلى الشعب، اختاره الشعب على عينه وحمله الأمانة، فحملها السيسي وألقى بيانه في جمع من قادة القوات المسلحة اصطفوا جميعًا ليبرهنوا للشعب أن قواته المسلحة خير حافظ بعون الله، وتنطق الصورة بحضور فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا تواضروس بطريرك الكنيسة المصرية، لتجتمع قاعدة المثلث على ضلعيه ليكونوا معًا النواة الصلبة التي قامت عليها ثورة الشعب معبرة عن أمانيه في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
المثلث الصلب لا يزال صلبًا قويًا صقلته الخطوب، يدافع عن الذين آمنوا بالحرية، ويعلي اسم الوطن على ما عداه، ويقف حاميًا على ثغور الوطن، منافحًا عن الحدود، حاميًا للجبهة الداخلية، ويوم تكالبت الأكلة على قصعتها، نفر الرجال في مهمة دفاعية كلفتهم غاليًا، ولكنهم أبدًا لا يضنون على وطنهم بالتضحيات الجسام، وليس هناك أغلى من الدماء الزكية، وقدموا الشهداء فداءً، والشعب شاهد على عظم البذل والعطاء.
منذ أن تجسد هذا الثالوث في أعين الشعب عظيمًا مهابًا، واستهدفه المرجفون، استهدفوا جيشًا عظيمًا، وأنفقوا على مخططاتهم لبذر الفتنة بين صفوف الغر الميامين إنفاق من لا يخشى الفقر، وتآمروا بليل على منعته، وعمدوا إلى شق صفه، وتكالبوا كالكلاب العقورة على تحين الفرص، وتربصوا بالجيش الدوائر، ومولوا وسلحوا عصابات الإرهاب غربًا وشرقًا وشمالًا وجنوبًا وداخل البلاد، تثير الفزع، وتوقع الفتن، وتغتال الأبطال، ولكنهم لم يظفروا بقلامة ظفر، ولم يفوزوا بنصر ولو فضائي، ورد الله كيدهم في نحورهم وكتب لخير أجناد الأرض النصر، وتخضبت الرمال بدماء الشهداء.
الجيش المصري يواجه سلاح الشائعات
الجيش المصري، القاعدة الصلبة، استهدفت بسلاح الشائعات مرارًا وتكرارًا، وسلاح الإفك والكذب والبهتان على طول الخط، وسلاح الفضائيات الخارجية، وحوائط الفيس بوك القذرة، وتغريدات البوم على شجر الزقوم، لم يتركوا نقيصة إلا وألصقوها بمن وهبوا حياتهم لحماية الحدود، وأطلقوا شعارتهم المخاتلة، وتنادوا على إسقاط جيش الظافرين، وقالوا في جيش مصر العظيم قولًا كريهًا، وكرهوا انتصاراته، ومناوراته، وأسلحته الحديثة. وكلما تحصل جيش مصر العظيم على سلاح شبت نار في قلوبهم، وطفقوا يفسفسون إنهم يتسلحون، وجاراهم في غيهم المركوبون إخوانيًا، والتابعون لأعداء الوطن، وصار الطابور الخامس يمشي بين الناس مشاءً بنميم، ولكن خابوا وخاب مسعاهم.
الحرب على الجيش المصرى ليست من قبيل التويتات والتغريدات، هي حملة كراهية على تصدره مشهد 30 يونيو، حملة كراهية في جيش حرر البلاد من ربقة الاحتلال الإخواني، وبلغت الحملة العاتية مبلغها مع اضطلاع الجيش بمهمته في إقامة دعائم مصر الجديدة، وصار الشعار "يد تبني ويد تحمل السلاح"، هالهم مشروعات يقف على رأسها الجيش الذي يقود قافلة التعمير والبناء، فطفقوا يبلبلون الأفكار، ويطعنون في الشرفاء، ويلومون الجيش على جهوده في التنمية. وقال قائل منهم خبيث ماللجيش بالبنية التحتية، وحفر القنال، وإقامة المشروعات، ومد الطرق، وإنشاء المدن والحواضر، والجيش في حالة استنفار وطني بكامل عتاده ومعداته يقود قافلة قوامها 1100 شركة و400 مكتب استشاري، ومليوني مصري يشق الصحراء ويزرع الرمال، ويحفر الإنفاق ويبني ويعلي البناء، هدفهم فصل الجيش عن الشعب، والجيش من ضلع الشعب، والجيش والشعب الكل في واحد.
عقاب الكنيسة لحضورها في ثورة الشعب
الاستهداف بلغ مذبح الكنيسة الوطنية، وذبحوا المصريين المسيحيين في كنائسهم المرة تلو المرة؛ عقابًا لهم على حضورهم في الصورة، صورة 3 يوليو الشهيرة، على حضورهم في المشهد المهيب لـ30 يونيو الرهيب، استهدفوهم شبابًا وشيوخًا وأطفالًا، نزف المصريون المسيحيون كثيرًا، عصر الشهداء يتجسد داميًا، والكنيسة صامدة محتسبة قائمة تدق أجراسها صريرًا في آذانهم، وكلما استراح المسيحيون هنيهة عاجلوهم بالقتل، ولا يتوارون من سوء صنيعهم، ويفجرون بالقول إنه العقاب على وقفة 30 يونيو، وصورة 3 يوليو، وفي مذبحة يزعق البابا الوطني في شعبه: إنها ضريبة الوطن. لم يجزع البابا، ولم يهن المسيحيون، ولا يزالون على العهد صامدين، ترتوي أرضي به من كل قطرة، وتبقى مصر حرة.
لم يعد هناك شك في خطورة الاستهداف الذي تحركه دوائر استخباراتية عاتية، استهدفوا الرئيس ممثلًا لشعبه وقواته المسلحة، بلغ الاستهداف مبلغًا رهيبًا، وحلقاته متوالية، ودرجاته متصاعدة، وكأنهم قدور تغلي على نار ثأرهم من رجل قال ربي الله ثم استقام في خدمة الشعب الطيب، استهداف الرئيس لا ينفصل عن استهداف الجيش، واستهدافهما استهداف لمتعة هذا الوطن، والمنصفون يقولون قولًا حكيمًا: لولا هذا الجيش لكانت حربًا أهلية لن تبقي ولن تذر، ولولا قيض لهذا البلد هذا الرجل الذي حمل قدره على كفيه قربانا لشعبه، لكانت البلاد ذهبت إلى مستقبل آخر لا يعلمه إلا الله، قسوة الاستهداف تؤشر على عظم التضحية، ولولا نفر مضحون لكتب علينا ما كتب على بلدان من حولنا، ولكن لطف الله بالمصريين عظيم يستأهل الشكر والحمد على نعمائه.
استهداف البابا لا ينفصل عن استهداف الرئيس، استهداف لمكونات 3 يوليو، واستهداف الإمام الأكبر لا ينفصل عن استهداف المثلث الصلب، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب مثله مثل البابا الطيب، محل استهداف ضار تتحدث به المقالات والتتويتات والتغريدات والصفحات التي خصصت للنيل من العمامة الكبري في مخطط مجرم من خارج المشيخة يقوم عليه من هم محسوبون على الأزهر ظلمًا وعدوانًا ويعتمرون عمامته البيضاء، وتابعون من الإخوان المجرمين الذين تفرغوا للتهجم على الإمامة الكبرى بعد أن خاب مسعاهم في تولية كبيرهم الذي علمهم الإفك، يوسف القرضاوى المطلوب مصريًا، وكادوا أن يمكنوه من المشيخة بعد أن أركبوه منبر الأزهر الشريف وأدخلوه عنوة هيئة كبار العلماء خطوة متقدمة نحو المشيخة، فلما فشلوا جيشوا غلمانهم والمؤتفكة قلوبهم ومرضى القلوب ليلقوا بسخائم أنفسهم على العمامة التي لم تنحن لريحهم بل وقف طودًا شامخًا معبرًا عن أشواق المصريين، وكان حضوره في الصورة عظيمًا.
لفتنى بشدة حجم التشابه الشخصي، ولو جرى تطبيق اختبارات السمات بين الرئاسات الثلاث لكانت ملامحهم جد متشابهة تشابها ربما يصل إلى حد التطابق، ثالوث "الرئيس، الإمام، البابا" في تجلياتهم الوطنية يتشابهون، التشابه متكرر تاريخيًا، وبرز جليًا بين خالد الذكر جمال عبد الناصر والبابا كيرلس وثالثهم الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر، نفس التماثل الذي ثبت بين الرئيس السادات والبابا شنودة والدكتور عبد الحليم محمود، وتشابه واضح بين الرئيس مبارك والبابا شنودة (في مرحلة ما بعد الدير) والدكتور محمد سيد طنطاوي، وتشابه بين الرئيس السيسي والبابا تواضروس والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر واضح جلي للعيان، يتنفسون مصر اسمًا ووطنًا وعلمًا ونشيد.
تجلى الاستهداف الإخواني في هجوم عقور ومستمر على مدار الساعة للرئيس وللإمام وللبابا، ويعمد إخوان الشيطان إلى فصل عرى الصداقة المبنية على تراث مصري أصيل وضارب في جذور التربة المصرية، يجمع البابا والإمام في الملمات والمسرات الوطنية، وكان دومًا الصليب في قلب الهلال، والشعار الذي يبلغ قرنًا منذ انطلاقه وطنيًا في قلب ثورة 19: كان "عاش الهلال مع الصليب".
ومع تنامي التطرف الديني ملتحقًا بالسياسي متمثلًا في جماعة الإخوان، وخروج الإخوان والتابعين على الشعب شاهرين سيوفهم، باتت هذه العلاقة بين الإمام والبابا هدفًا توجه إليه السهام. وكما استهدفوا الإمام الأكبر بضراوة عقابًا على صورته في منصة 3 يوليو، استهدفوا بابا الاقباط، وقبلهما استهدفوا رئيس المصريين، وبعامة استهدفوا الشعب المصري بمخططاتهم داخليًا وخارجيًا، وكما سقط شهداء من الجيش والشرطة، سقط إخوتهم من الأقباط، فالارهاب يستهدف الوطن بكل مفرداته.
معركة مع الأزهر بدلًا من الإخوان
من ذا الذي يفصم عرى المحبة بين الأزهر والمسيحيين بالحديث عن مناهج أزهرية تناصب المسيحيين العداء بتفسيرات مغلوطة، وأحاديث مدسوسة، ما أنزل الله بها من سلطان، من ذا الذي يشحن البغضاء في نفوس المسيحيين ضد أزهرهم، الأزهر يعرفه المسيحيون جيدًا، يحبونه، ويخشون عليه خشيتهم على الكنيسة، من له مصلحة في التفريق بين البابا والإمام الأكبر، من يحوّل مؤشر الكراهية بعيدًا عن مستحقيها من الإخوان المجرمين؟
من ذا الذي يصم الأزهر برعاية التطرف وتخريج الإرهابيين، من ذا الذي يرفع الإثم عن كاهل الإخوان الموتورين ويعلقه في رقبة المشيخة، يقينًا لهم فيها مآرب أخرى، الحملة المحمومة المسمومة على أزهرنا الشريف، التي تهدد بنيانه السامق، وتلطخ صورته المشرقة، وتحرض على مشيخته الطيبة خلاصتها ومنتهاها عقاب للمشيخة أن وقفت سدًا منيعًا أمام فكر الإخوان والسلفيين، واختارت موقعها الطبيعي على منصة 3 يوليو تعلن خلع الإخوان المجرمين.
معركة لا وقتها ولا زمانها، بدلًا من العكوف على تفكيك فكر الإخوان والسلفيين، وبيان عوراتهم الفكرية والفقهية، يبحثون في أضابير الأزهر الشريف عن نقيصة أو حديث مدسوس، عوضًا عن بحثهم الواجب في فقه التكفير في رسائل إمام الإخوان والتابعين حسن البنا، للأسف رائحة نفاذة تنبعث من الحملة تزكم الأنوف، رائحة إخوانية نتنة. حذار أيها المحترمون.
الأزهر وروح الوحدة الوطنية
ما يجمع البابا بالإمام الأكبر أكثر مما يفرق يجمع بينهما الوطن، يجمع بينهما احترام الأديان جميعًا، وما صدر عن الإمام الأكبر تجاه إخوتنا في الوطن خليق بالتدبر، والتمعن، ويعبر ببساطة اللفظ عن الاحترام الكامل من الإمام الأكبر للدين المسيحي والمسيحيين، فعندما اشتدت موجة تكفير الأقباط على ألسنة محسوبين ومنتسبين للأزهر الشريف، خرج الإمام الأكبر على التليفزيون المصري في حديثه الأسبوعي، الذي أذيع على الفضائية المصرية، ناصحًا العامة: "أنصح الناس من الجانبين بألا يلعبوا على كلمة الكفر، وبأنه لا يصح الحوار في العقائد. وإن مصطلح الأقليات لا يعبر عن روح الإسلام ولا عن فلسفة الإسلام، ومصطلح المواطنة هو التعبير الأنسب والعاصم الأكبر والوحيد لاستقرار المجتمعات، نظرًا لأن المواطنة معناها المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعًا، بخلاف مصطلح الأقليات الذي يحمل انطباعات كلها سلبية تبعث على الشعور بالإقصاء وتضع حواجز نفسية تتداعى وتتراكم في نفس المواطن الذي يطلق عليه أنه مواطن من الأقليات".
وأضاف الإمام الطيب: إن دولة الإسلام قامت في المدينة المنورة، وكان يرأسها النبي - صلى الله عليه وسلم- على مبدأ المواطنة، وكان فيها يهود ومشركون بجانب أكثرية مسلمة. وإن النبي - صلى الله عليه وسلم- حين ذهب إلى المدينة وتكونت الدولة، وضع دستور المدينة، أو وثيقة المدينة "هامش"، وهو أول دستور نفاخر به العالم كله بل والتاريخ، ونص فيه على أن سكان المدينة أمة واحدة، كما جاء فيه: "وَإِنّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمَيْنِ دِينُهُمْ"، وهذه مواطنة كاملة في الحقوق والواجبات، تقوم على أساس الأرض، وعلى أساس الدولة والبقعة التي يعيش عليها الناس، سواء أكانوا مسلمين أم غير المسلمين.
وتابع الطيب قائلًا إن الحضارة الإسلامية تعرضت لحروب صليبية وتتارية ولقهر وظلم وسفك دماء وتشريد، ومن الطبيعي أن تصدر في مثل هذه الفترات فتاوى تتعلق بالغير من الأمم التي هجمت على المسلمين وأذاقتهم الويل والعذاب صنوفًا وألوانًا، وأن تتلون بلون الفترة التي يعيشها المسلمون ضد الغزاة أو المستعمرين، مؤكدًا أن فتاوى هذه الفترات كانت في فترة المدِّ الصليبي والمد التتاري على الأمة الإسلامية.
وأكد الطيب أنه لا محل ولا مجال لأن يطلق على المسيحيين أنهم أهل ذمة بل هم مواطنون، ولا مجال لأن يكون هناك كلام فيما يسمى بالجزية، أو فيما يسمى بهذه المصطلحات التي كان لها سياق تاريخي معين انتهى الآن، وتبدل نظام الدولة وتبدلت فلسفات الحكم، منوهًا بأن الإسلام الآن يتبنى مفهوم المواطنة الذي تبناه النبي - صلى الله عليه وسلم- حينما كان رئيسًا لأول دولة إسلامية ظهرت في التاريخ .
حديث الإمام الأكبر يتسق تمامًا في تجلياته وأفكاره ومبادئه مع إعلان الأزهر الشهير عقب مؤتمر الأزهر المعنون "المواطنة والحرية والتنوع والعيش المشترك" الذي لقي استقبالًا حسنًا من أخوة الوطن. ولأهمية هذا الإعلان نصل إلى هذه المحطة في علاقة البطريرك والإمام رمزية لعلاقة البطريريكية بالمشيخة، وصولًا إلى رسم صورة لرؤية الأزهر الشريف لعلاقة المسلمين بالأقباط.
قبيل زيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان التاريخية إلى القاهرة 29/28 أبريل 2017، استبق الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين الزيارة واحتفى بقدوم البابا بإقامة مؤتمرٍ عالمي موضوعه: "الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل" حضرته أكثر من مئتي شخصية من ستين دولة من النخب الدينية والمدنية والثقافية والسياسية، الإسلامية والمسيحية في الوطن العربي والعالم، وشارك فيه كثيرٌ من رجال السياسة والفكر والثقافة والإعلام في مصر. وعلى مدى يومين (28/2 - 1/3/2017) من المحاضرات والمداولات في قضايا ومسائل المواطنة، والحرية والتنوع، والتجارب والتحديات، والمشاركات والمبادرات.
و أراد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أن يكون المؤتمر فرصةً لتفكيرٍ جديدٍ في العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في العالم العربي.البارز في المؤتمر الحضور المصري الكثيف من المسلمين والأقباط، والأبرز صدور "إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك". وقد تحددت معالم الإعلان الكبرى في الحقيقة في كلمتي شيخ الأزهر وبابا الأقباط في الجلسة الافتتاحية.
إعلان الأزهر في توصيفه الأمين هو إعلان نوايا طيبة وإعلان تصميم على إنفاذ مقتضيات العيش المشترك بإحقاق المواطنة، والتضامن والتعاون والأخوة الوطنية والإنسانية. الآخرون يزعمون أنّ الأديان تفرّق، والأزهر والذين استجابوا دعوته يريدون أن تكون الأديان جامعة غير مفرِّقة. إنها لحظة تاريخية خطيرة تستدعي مسؤوليات على الدين والدول. وها هو ذا الإسلام بشخص مؤسسته الكبرى يستجيب، ولا بد أن تنهض الدولة الوطنية لتستلم الركن الآخر من ركني الحرية والعيش المشترك، وهو ركن المواطنة والدولة القائمة عليها.
أعلاه ليس وليد لحظة أزمة يمر بها المصريون في تجليهم الوطنى، ولكنه بناء على أساسات قوية صلبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فمراجعة العلاقة الوطيدة والممتدة بين المسلمين والاقباط تقول بأن العلاقة دومًا دافئة، ووشائجها متينة.
ويكمل الكاتب الصفحي حمدي رزق دراسته في كتابه "كيرياليسون.. في محبة الأقباط" ما يستحق أن يوصف بأنه "سنكسارية"وطنية مصرية غارقة في المحبة.

شارك