سكرات تنظيم داعش واستجداء الفرقاء

الخميس 22/فبراير/2018 - 03:45 م
طباعة سكرات تنظيم داعش
 
في الآونة الأخيرة وبالتحديد منذ النصف الثاني لعام 2017 حتى اليوم، ومع الهزائم المتتالية للتنظيم في العراق وسوريا، وانسحابه من عدة مدن وانحسار الرقعة التي يسطر عليها بدأ منظري وشيوخ التنظيم الإرهابي في إصدار العديد من الإصدارات التي تدعو مقاتلو التنظيم للثبات في أرض المعركة، وعدم التخلي عن القتال.
سكرات تنظيم داعش

واختلفت لغة الخطاب الإعلامي للتنظيم الإرهابي المستخدمة في المقالات والإصدارات التي يقدمها التنظيم لمقاتليه، ما بين فيديوهات مرئية، أو مقالات في مجلة النبأ "الإصدار الرسمي المنتظم للتنظيم، أو حتى مقالات، كان آخرها سلسلة المقالات التي كتبها أبو البراء الإبي، في عنوان "أسباب الانتكاسة"، والتي نشرها على تطبيق "تليجرام" بداية من 13 أكتوبر 2017، دعا فيها الشيخ الإرهابي مقاتلي التنظيم إلى الثبات قائلا: "وأنت أيها الأخ المقاتل وأنت تسير في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر تتلقفك الشهوات والشبهات، فتن يصبح فيها الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا.. كم من الشباب ممن سار على الطريق سنجد القلة هي من ثبتت".
أما مجلة النبأ الأسبوعية الصادرة عن التنظيم، فخلال الفترة من مايو 2017 حتى فبراير 2018، غلب على طابعها المقالات الاسترشادية عن الفتن والمهالك وأسباب الجهاد، وثواب الثبات.. إلخ، إذ كرس التنظيم عدد كبير من مقالاته للدعوة إلى الثبات في الحرب، مستخدما تارة أسلوب الترهيب من جزاء المنافقين، وما بين الترغيب في الاستشهاد وأجر الثبات في الحرب تارة أخرى.
ففي العدد الأخير لمجلة "النبأ" الداعشية رقم 119، نجد أن التنظيم أفرد صفحتين كاملتين الأولى حملت عنوان "الحوار المشهود والعذاب الموعود"، يتحدث خلالها عن انقلاب البعض على التنظيم بعد خسائره ورجوعهم عن الدفاع عنه، فتقول افتتاحية المقال: "لا يفتأ الناس ينظرون إلى الصراع بين الحق والباطل بالنتائج المادية التي يبنون عليها مواقفهم وردود أفعالهم، فمن الناس من حسم أمره بالقعود والنكول عن أمر الله، لما رأى في نظره أن الأمر محسوم لصالح أقوى القوتين المتصارعتين على ميدان أرض الله الواسعة، وهما قوة الحق وقوة الباطل، فيظن الباطل غالبا والحق مغلوبا، وما درى أن العاقبة لأهل الحق والتقوى والإيمان، ومنهم من يميل مع القوة حيث مالت فيُظهر الإيمان تارة ويظهر الكفر تارة أخرى حسب النتائج التي تلبي مصالحه وهواه". 
أما المقال الثاني فحمل عنوان "أخي المجاهد.. إن وعد الله حق"، تحدث فيها عن أهل الجنة وما وعد الله به المؤمنين، والفرق بينهم وبين أهل النار، في رسالة غير مباشرة عن عاقبة أهل النار وما هم فيه إذا ما تكاسلوا وتقاعسوا عن حمل السلاح والجهاد في سبيل الله.
كما أن نسبة المقالات الداعية إلى الجهاد اختلف عددها، فبعد أن كانت لا تتجاوز مقال أو اثنين على الأكثر في الأعداد الأولى للإصدار، حيث طغت أخبار المعارك على صفحات الإصدار الأسبوعي، والمعارك والأراضي التي يضمها إلى رقعته، والخسائر التي يسببها لخصومه، أما الآن أصبحت المقالات أغلبها تتحدث عن أهل الحق وأهل الباطل، وثواب الجهاد، وفرضيته، لتطغي المقالات الدعوية عن أخبار التنظيم و"فتوحاته" كما يسميها.

سكرات تنظيم داعش
مثال على ذلك نجد التنظيم في العدد رقم 97، الصادرة في 16 سبتمبر 2017، من مجلة "النبأ"، يخصص ثلاثة مقالات يدعوا فيها مقاتليه بالتواجد حتى آخر نفس، فكانت المقالة الافتتاحية بعنوان "لا ندع هذه البيعة أبدأ"، والتي أكد فيها التنظيم على أن حلم الخلافة الإسلامية استطاعت أن تتواجد على الأرض، وأن تقيم لها حدود، وأن تثبت أن الخلافة قابلة للتحقيق، وليست حلمًا سرابًا، لتتحقق دولة الله على الأرض وقال التنظيم في أحد فقرات المقالة: "لقد عرف الناس كلهم لا المسلمون فحسب، فضلا عن أمراء الخلافة وجنودها، أن قضية إقامة الدولة الإسلامية، وإعادة الخلافة ستهز دول الكفر هزًا وستدفع المشركين من كل حدب وصوب إلى أن يحتشدوا لقتالها".
وينتهي المقال بدعوة الجنود للثبات بقوله: "فيا جنود الدولة الإسلامية لم يصبكم في سبيل الله أكثر مما كنتم تتوقعون، وما كان الجهاد كله فتحًا للأمصار، وتمكينا في الأرض، بل هو فتن تنصب على رؤوس المجاهدين صبا من أعدائهم كي يرجعوهم عن دينهم، واسألوا الله أن يبارك لكم البيعة التي بايعتموها لأمير المؤمنين لإقامة الدين على الأرض وهي والله لنعم البيعة، لا نقيل ولا نستقيل حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الكافرين". 
أما في المقالة الثانية فكانت بعنوان "أوصاف المنافقين"  يسرد فيها التنظيم أشكال المنافين كما وردت في القرآن، وذلك في إشارة منه للمقاتلين الذين فروا مع اشتداد الحرب على التنظيم الإرهابي، وتركوا ساحة المعركة فجاءت مقدمة المقالة: "إن من سنن الله أن يجعل الأيام دولا فيكون النصر والظفر تارة للمجاهدين، ويكون لعدوهم تارة أخرى، وأن المسلمين كلما ارتفعت رايتهم دخل في صفوفهم من ليس منهم، وهؤلاء هم المنافقون".
ويتابع المقال في وصف المنافقون بعد تخاذل عدد كبير من إرهابيي التنظيم من الاستمرار في القتال قائلًا: "لقد فضح الله المنافقين وذكرهم بأوصافهم وهك مستمرون على هذه الأوصاف في كل وقت وحين، ولا نزال نرى من يشابه المنافقين في أوصافهم".
أما المقال الأخيرة كانت بعنوان "الهجرة إلى رسول الله" وكانت لتذكير الإرهابيين أن الهجرة ليست فقط هجرة جسدية يقصد منها الانتقال من بلد لبد، وإنما هجرة القلوب إلى الله وثباتها على كل ما يصيبهم من ابتلاء لامتحان قلوبهم، في إشارة منه إلى وجوب ثبات قلوب هؤلاء الإرهابيين على الحرب؛ لأنها ابتلاءً من الله". 
الخلاصة:
لم تكن خسائر تنظيم داعش جغرافية فقط على الأرض، بعدما اضطر للانسحاب من أهم معاقله ومدن ارتكازه في كل من سوريا والعراق، وإنما امتدت لخسائر داخلية ليس فقط في عدد المقاتلين المقتولين في المعارك، وإنما أيضًا في عدد المقاتلين الذين فروا من التنظيم، سواء الذين عادوا إلى أوطانهم الأصلية، أو انضموا لتنظيمات جهادية أخرى مازالت موجودة ومحكمة على الأرض مثل هيئة أحرار الشام، الأمر الذي انعكس على لغة خطابه الإعلامية المختلفة، المقروءة والمرئية والمسموعة، وبدلًا من أن يخصص إصداراته المرئية والمقروءة لسرد أخبار انتصاراته، كما كان يفعل، أصبحت تطالب مقاتلوها بالاستمرار في خوض حروبهم، وعدم الفرار، مضللة إياهم بحلم الحصول على الشهادة ودخول الجنة.

شارك