الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام في فيينا

السبت 03/مارس/2018 - 02:28 م
طباعة الحوار بين أتباع
 
عقد في العاصمة النمساوية فيينا الاثنين 26 فبراير 2018، أعمال الدورة الثانية للقاء الدولي لمؤتمر حوار الأديان تحت "عنوان" الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام في فيينا لتعزيز التعايش واحترام التنوع وترسيخ المواطنة المشتركة" الذي نظمه مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات ويستمر ليومين , بحضور حوالي (250) مشاركًا ومشاركةً من الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة وصانعي السياسات من المؤسّسات الدولية المتنوعة.
وقال الأمين العام لمركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر "نحن نجتمع هنا في اللقاء الدولي الثاني : (الحوار بين الأديان من أجل السَّلام: تعزيز التعايش السلمي والمواطنة المشتركة) بحضور هذا الجمع الكبير من القيادات والمؤسّسات الدينية وصانعي السياسات والمنظمات الدولية من مختلف أنحاء العالم , ولقد اضطلع مركز الحوار العالمي، منذ تأسيسه، بدور ريادي في إشراك القيادات والمؤسسات الدينية وصانعي السياسات للعمل جنبًا إلى جنب لبناء مشاريع مستدامة عبر الحوار لبناء السلام والتعايش ومكافحة التطرف والكراهية, ولقينا رسالة واضحة، وتجاوبًا رائعًا في هذا اللقاء الدولي من صانعي السياسات، الذين أنصتوا جيدًا لأصواتنا، بعدما أدركوا حقيقة أنه لا يمكن تعزيز قيم التعايش واحترام التنوع وترسيخ مبادئ المواطنة المشتركة، ومكافحة التطرف والتعصب دون تفعيل دور الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية ومساندتهم لصانعي السياسات .
وأضاف تأكَّد لنا من خلال عملنا حقيقة مهمة، لا يجب خشية أدوار الدين؛ لأنه بالفعل جزءٌ من الحَلِّ، وبجهود القيادات الدينية وصانعي السياسات يمكننا إزالة الأسباب المغذية للتطرف والإرهاب على نحو أكثر فعالية؛ عندما يكون المعنى و القصد الحقيقي للأديان مفهومًا على نطاق واسع وبصورة صحيحة وغير مختطفة وغير مشوهة.
وأردف: قبل ثلاث سنوات، اجتمعنا هنا في فيينا متحدين متضامنين في سبيل الحفاظ على التنوع الديني والتماسك الاجتماعي في أجزاء كثيرة من العالم ومنها المنطقة العربية لمناهضة العنف باسم الدين ، ومنذ ذلك الحين ونحن نعمل مع القيادات والمؤسسات الدينية لتعزيز قدراتهم ومهاراتهم على بناء جسور التفاهم والتعاون بين مجتمعاتهم المحلية وبينهم وبين صانعي السياسات.
وأكد أنه في ظل مواجهة الأزمات والتحديات المتلاحقة، شَهدنا مواقف شجاعة للقادة الدينيين ضد التعصب والكراهية حيث أظهر هؤلاء القادة أيضًا القدرة على إشراك الأغلبية المعتدلة من الأشخاص المخلصين وقال : ومن هذا المنطلق، تتبلور مهمتنا في تمكين الأغلبية الصامتة المعتدلة من التحرك قدماً باتجاه أتباع الأديان والثقافات الأخرى لتعميق المشتركات الإنسانية وتعزيز التفاهم والتعاون.
وأشار إلى أنه لتفعيل دور الحوار، طبَّق المجتمع الدولي والقادة الدينيون في السنوات الثلاث الماضية أفضل ممارسات الشراكة بين صانعي القيادات والمؤسسات الدينية وصانعي السياسات لوضع حلول ملموسة وعملية في أنحاء العالم وتقف القيادات والمؤسسات الدينية في طليعة المبادرين إلى إعادة بناء السلام؛ وتحقيق التعايش بين الطوائف الدينية والمساعدة في تعزيز قيم المواطنة المشتركة.
وأوضح أن رؤية التعاون بين أتباع الأديان والثقافات يمثلها خير تمثيل مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ويضم مجلس إدارته الذي يجتمع اليوم ممثلين من أديان وثقافات متنوعة ويشارك في هذا المركز العديد من أعضاء المجلس الاستشاري الذي سيبلغ عددهم مائة عضو، من قادة دينيين وممثلي مؤسسات دينية ، يمثلون ديانات مختلفة، يشرفون لقاءنا الدولي الثاني اليوم.
وبين أن المركز يتلقى دعمًا حيويًا من الدول المؤسِّسة، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، صاحبة المبادرة بالشراكة مع جمهورية النمسا ومملكة إسبانيا والفاتيكان، كعضو مؤسس مراقب ، مقدماً شكره لممثلي هذه الدول .

الوثيقة التأسيسية للحوار بين الأديان

الوثيقة التأسيسية
نص الوثيقة التأسيسية التي أطلقت، بمؤتمر الحوار بين الأديان في فيينا، برعاية مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين الأديان.
إيمانًا منَّا نحن- القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة من مختلف أنحاء العالم العربي المجتمعين بدعوة ورعاية من مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وإدراكًا بــ:
- أن الأحداث المؤلمة التي يمر بها العالم العربي منذ عقدين؛ أدت إلى تهديد حقيقي لنسيجه الاجتماعي المتنوع؛ كونها خطرًا حقيقيًا على العيش المشترك والتماسك بين المكونات الدينية والعرقية في المنطقة.
- تعظيم دور القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة والفاعلين في الحوار بين أتباع الأديان والثقافات من أجل تعزيز التماسك الاجتماعي والعيش المشترك وترسيخ ثقافة المواطنة الحاضنة للتعددية واحترام التنوع.
- الحاجة الماسة لمنظومة إقليمية جامعة؛ بهدف تنسيق الجهود وتطوير استراتيجيات عمل وبرامج تعزِّز ثقافة الحوار وصياغة خطاب ديني معتدل، يحث على العيش المشترك؛ ويغرس قيم التعددية واحترام التنوع.
- أهمية إحياء وتوظيف إرث التآخي والعيش المشترك بين أتباع الأديان والثقافات في المنطقة.
- ضمان الحقوق الأساسية للإنسان وكرامته، على اختلاف الانتماء الديني والثقافي والعرقي.
وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف المنشودة؛ عزمنا بمشيئة الله تعالى أن: 
- نبذل ما بوسعنا؛ لغرس قيم الحوار، وتعزيز العيش المشترك، وتأكيد أسس المواطنة المشتركة؛ وتجنيب مجتمعاتنا ويلات الحروب والعنف خاصة المرتكب منه باسم الدين ومخاطر التعصب والتطرف.
- نوحّد جهودنا؛ لتحقيق أهدافنا المشتركة، والمساهمة بصفة فاعلة في تعزيز السلم والتماسك الاجتماعيين في المنطقة؛ لمواجهة التحديات الراهنة.
- نعمل معًا على تعزيز الاعتدال والتفاهم والتعاون بين مجتمعاتنا عن طريق حوارٍ عميق وهادفٍ وصادقٍ، مبني على إرادة العيش المشترك.
- نضم جهودنا؛ لتعزيز بيئة حاضنة للتنوع الديني والعرقي والثقافي.
- نكوِّن لهذا الغرض منظومة عمل مشترك، تكون مظلة جامعة وآلية تنفيذ تعاون فاعلة؛ لصياغة وتنفيذ مشاريع وبرامج، بإشراف مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، تهدف إلى: 
- تعزيز التواصل بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة والفاعلين في الحوار وتنسيق الجهود؛ تصديًا للتحديات التي تواجه المجتمعات العربية.
- توطيد العلاقات بين الأفراد والقيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة وصانعي السياسات على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية؛ من أجل تحقيق الأهداف الإنسانية المنشودة، الواردة في هذه الوثيقة.
- تطوير خطط عمل وبرامج نوعية، تساهم في تعزيز العيش المشترك؛ ودعم المواطنة المشتركة على الصعيدين المحلي والإقليمي.
- تزويد القيادات الدينية المتنوعة ومؤسساتها والفاعلين في الحوار بما يلزم؛ لدعم الحوار بين المجتمعات؛ بما يضمن تعزيز قدراتها وأداء رسالتها.
بصفتنا أعضاء مؤسسين، نعلن ما يلي: 
1- تأسيس إطار تعاون جامع باسم: (منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي). 
2- التزامنا التام بهذه الوثيقة التأسيسية ورغبتـنا الفاعلة في العمل بالطريقة المثلى لتفعيل دور المنصة وتحقيق أهدافها. 
3- الشروع في العمل على تحقيق هذا المشروع، داعين الله العلي القدير أن يوفقنا في الاضطلاع بمسؤولياتنا التاريخيّة في هذه المرحلة الدقيقة؛ بناء على تعاليمنا وقيمنا الدينيّة والإنسانيّة وعلى ما يمليه ضميرنا وواجبنا الوطنيَيْن.
وشارك في التوقيع على الوثيقة قيادات دينية من بينها الأنبا مرقس نائب عن البابا تواضروس بمؤتمر الحوار بين الأديان، والدكتور أندريه زكي، راعي الكنيسة الإنجيلية المصرية ومفتي الديار المصرية ومار بشارة الراعي بطريرك لبنان.

الدكتور شوقي علام

أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام –مفتي الجمهورية- أن الإسلام قد أرسى قواعد وأسسًا للتعايش مع الآخر في جميع الأحوال والأزمان والأماكن، بحيث يصبح المسلمون في تناسق واندماج مع العالم الذي يعيشون فيه، وجعل ذلك الأصل للتعاون والتكامل.
وأضاف أن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم طبَّق هو وأصحابُه الكرام مبادئ العيش السلمي المشترك في أرقى صوره، تنظيرًا وتطبيقًا في نماذج حياتهم كلها، مظهرين عدالة الإسلام وسماحته في التعامل مع المخالف في كل حال.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن الأديانَ السماوية جميعَها دعت إلى احترام الجوار بكل مستوياته: فَجَارٌ في السكن يجب أن نراعي جيرته، وثانٍ في الوطن نراعي حقوقه، وثالث في الجوار الإنساني الأعظم نراعي كرامته التي كرمه الله بها في محكم تنزيله، وكلٌّ تُصان حرمتُه.
وقال مفتي الجمهورية: "ما أحوجَ العالمَ إلى وجود منصاتٍ للحوار المبنيِّ على أصول راسخة، الحوارِ الذي يظل مُحترِمًا للخصوصيات ولا يسعى لتأجيج نيران العداوة والبغضاء أو فرض الهيمنة على الآخر، بل يقوم على أساس التعددية الدينية والتنوع الثقافي؛ ذلك الحوار الذي لا ينقلب إلى حديث أحادي لإلحاق الهزيمة بالمخالف بقدر ما هو محاولة لفهمه وبناء جسور التفاهم والتعاون معه، تنفيذًا لمراد الله عز وجل، فقد خلقنا سبحانه وتعالى شعوبًا وقبائل ليتعرف بعضُنا على بعضٍ كما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]".
وتابع: "إن سعينا هذا وعملَنا لَحَرِيٌّ بأن يقدِّم نموذجًا من الحوار نخرج به من الغرف المغلقة لنبني جسور التفاهم بين الشعوب وأتباع الأديان، وإنَّ رجاءنا موصول بأن لا يظل حبيس الجدران في القاعات والمؤتمرات، وأن يساعد الحوارُ عامةَ الناس في كشف الغموض الذي يصيب المفاهيم والمبادئ الدينية، وفي فهم الحكمة الإلهية من التنوع الديني في مواجهة دعاة الشر في العالم".
وأبدى فضيلة المفتي سعادته بإسهام دار الإفتاء المصرية في إطلاق "منصة الحوار الإقليمية للقيادات والمؤسسات الدينية في العالم العربي"؛ من أجل تعزيز العيش السلمي والمواطنة المشتركة، سيرًا على نهج من سبقه من علماء الأزهر الشريف من المفتين الذين وضعوا لبنات متكاملة في سبيل تعزيز الحوار الديني والتعايش المشترك.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن دار الإفتاء قد حرصت دائمًا على ترجمة قيم العيش المشترك في فعالياتها وفتاويها وبياناتها ومُبادراتها ومؤتمراتها العالمية، مؤكدًا أنه لكي تثمر الثمرةَ المرجوة؛ فلا بد أن تتسع لها مناهج التعليم وتتبناها الأسرة، ويتكفل بها المجتمع بكل مؤسساته الحكومية والمدنية.
وأضاف أنه لا ينبغي أن يغيبَ عن الأذهان أننا مسئولون مسئوليةً كاملة عن تأمين مستقبل مشرق بالأمل للأجيال الجديدة التي لم يكن لها ذنب في النزاعات والحروب التي شهدتها البشرية في السابق، ومسئوليتنا أن نهيئ لهذه الأجيال الجديدة الفرصةَ لبناء مستقبل ينعم فيه الجميع بالأمن والسلام والاستقرار.
وفي ختام كلمته توجه فضيلة المفتي بالدعاء إلى الله أن يتم هذا العمل بالنجاح، وأن يسهم في بناء الثقة بين الناس، ويكون ترجمةً لحوار جاد راقٍ قائم على أساس التعددية الدينية والتنوع الثقافي، حوارٍ يجمع العملَ إلى القول، والفعلَ إلى التنظير.

مفتي لبنان

مفتي لبنان
اكد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان أن “التجربة اللبنانية في العيش المشترك وإن لم ترتق إلى المستوى المثالي الا انه جديرة بالاقتداء”.
واوضح فضيلة المفتي ان “الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، أقفلت كل الثغرات التي كان يمكن أن يتسلل منها التطرف الإرهابي إلى لبنان، وفي الوقت ذاته، مكنت هذه الوحدة، المجتمع والدولة، من استقبال المظلومين المهجرين من ديارهم هربا من جرائم القتل العشوائي، وتقاسمنا معهم رغيف الخبز ولا نزال حتى الآن”.
وأضاف “علمتنا التجربة المرة والصعبة والمؤلمة، التي عصفت بنا، مسلمين ومسيحيين، ومن كل المذاهب، ألا نكون إلا معا، ولا نسلم إلا معا، وأننا كما بنينا حضارتنا معا، فإننا قادرون على أن نبني مستقبلنا معا أيضا، وأن المستقبل الأفضل، الذي نتطلع إليه، لا يقوم إلا على وحدتنا، وبسواعدنا المتشابكة.
وعلمتنا التجربة أن الدفاع عن كرامتنا الإنسانية، وعن حقوقنا وحرياتنا، يبدأ بالدفاع عن كرامة الإنسان، كل إنسان وعن حقوقه وحرياته، فالإنسانية كلها أسرة واحدة، لا نستطيع أن نتمتع بالحرية وأن ننعم بالاطمئنان والقلق يعصف بمجتمعات شقيقة في الجوار القريب والبعيد”.
وتابع إن “بناء هذا المستقبل المنشود، ينطلق من إعادة بناء الحاضر، بشرا وحجرا، وبناء الحاضر يقوم على إسقاط مقولات الأكثرية والأقلية، وعلى اعتماد أسس المواطنة، بما تعنيه من مساواة في الحقوق والواجبات، واحترام الحريات، وفي مقدمها الحريات الدينية”.
واشار الى ان “التطرف كالورم السرطاني، خبيث وسريع الانتشار، وإذا لم نستأصله منذ البداية، فإنه يزداد شراسة ووحشية وانتشارا، إنه وباء فتاك، إذا لم تقلته قتلك.
في التطرف إلغاء للآخر، والآخر ليس من دين مختلف فقط، إن الآخر الذي تحول إلى ضحية، كان من أهل الدين ذاته، ومن أهل المذهب ذاته أيضا، وليس فقط من أهل الأديان والمذاهب الأخرى، فالتطرف هو ألا يكون هناك آخر، إنه يعني القضاء على الغيرية”.

البطريرك المارونيّ

البطريرك المارونيّ
وقدّم البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي، مقاربة لاهوتيّة تحت عنوان مساهمة الدّين المسيحيّ في مكافحة العنف، من أجل تعزيز الحوار والعيش المشترك، قال فيها:
1. "يسعدني أن أشارك في هذا المؤتمر الدّوليّ، وأوجّه تحيّة خالصة إلى سعادة الأمين العامّ فيصل بن عبد الرّحمن بن معمّر، وأشكره على دعوته الكريمة للمشاركة في المؤتمر. كما أحيّي كلّ الشخصيّات المشارِكة. تتناول مداخلتي موضوع "مساهمة الدّين المسيحيّ في مكافحة العنف، من أجل تعزيز الحوار والعيش المشترك. مقاربة لاهوتيّة"[1].
يؤكّد الإيمان المسيحيّ أنّ العنف باسم الله، أو باسم الدّين، انحراف عقائديّ حقيقيّ، منافٍ لتعليم الإنجيل. فالرّبّ يسوع المسيح ترك لنا مثالًا في آلامه وموته لفداء الجنس البشريّ. فهو، على ما كتب بطرس الرّسول، "كان يُشتَم ولا يردّ الشّتم، ويتألّم ولا يهدّد، بل يسلّم نفسه لله الّذي يحكم بالعدل" (1بطرس 2: 23). لقد قاسى شخصيًّا العنف البشريّ لكي ينتصر عليه، وبادل العنف بغفران حبّه الفادي. وهكذا دمّر العنف الدّينيّ من جذوره بقوّة المحبّة. من هذا المنطلق، ليس من مبرِّر للعنف، لا من أجل الانتقام لحقوق الله، ولا لإنقاذ البشر رغمًا عنهم، لأنّ الحقيقة لا تفرض نفسها إلّا بقوّة الحقيقة ذاتها الّتي تنساب إلى العقل بفاعليّة ولطف[2].
وبذلك أعطى السّيّد المسيح أمثولة مثلّثة: أن يتبع المسيحيّون خطى سيّدهم بنشر ثقافة الغفران والسّلام بوجه العنف؛ أن يدركوا أنّ طريق القيامة بالمسيح يمرّ عبر الغفران المُعاش بإيمان شجاع وصامد، لا بالخنوع والضّعف؛ أن يلتزموا برسالة المصالحة الّتي سلّمها السّيّد المسيح للكنيسة، كي تساعد المؤمنين على تحقيق الاتّحاد بالله، وتوطيد الوحدة فيما بينهم.
2. لقد مرّت المسيحيّة بأوقات عديدة من عدم التّماسك وعدم الإخلاص لهذا التّعليم الإنجيليّ وللرّسالة، بسبب استغلال الدّين المسيحيّ لأغراض غريبة عنه، فكان يُساء استخدامه في العنف السّياسي. هذا كان يحصل عندما كانت المسيحيّة دينًا ودولة غير منفصلَين. ولكنّها عندما فصلت الدّين عن الدّولة، عملًا بقول السّيّد المسيح: "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" (مر12: 17)، توقّف ارتكاب العنف باسم الدّين المسيحيّ.
3. رُبَّ معترض يقول إنّ العلاقة بين الله والعنف نجدها واضحة تمامًا في الكتاب المقدّس بعهده القديم، الّذي تعترف به المسيحيّة ولا تفصله عن العهد الجديد.
صحيح هذا الاعتراض. فالرّباط بين العهدَين رباط عضويّ، بحيث أنّ "العهد القديم ينكشف في العهد الجديد، والعهد الجديد مختبئ في القديم"[3]. ولكن يجب تفسير هذه الصّفحات المظلمة في تاريخ الخلاص، الّتي نجدها في نصوص العهد القديم. نقرأ في مطلع الرّسالة إلى العبرانيّين: "كلّم الله آباءنا من قديم الزّمان بلسان الأنبياء مرّاتٍ كثيرة، وبأنواعٍ شتّى. لكنّه في هذه الأيّام الأخيرة كلّمنا بابنه الّذي جعله وارثًا لكلّ شيء، وبه خلق العالم. هو بهاء مجد الله وصورة جوهره وضابط الكلّ بقوّة كلمته" (عبرا 1: 1-3).
هذا يعني أنّ الاستماع إلى كلام الله، في تاريخ الشّعب القديم، السّابق للمسيح، تطلَّب تنشئة بطيئة. هذا الشّعب عاش في بيئات لوّثت التّديّن بآثار صراعات الدّيانات المجاورة. فكان لا بدّ من خلال كلام الأنبياء أن يسير الشّعب في عمليّة نضج بطيئة، حتّى وصل النّضج إلى جديده الكامل بشخص يسوع المسيح وبالثّقافة المسيحانيّة الّتي أطلقها، وسلّمها لكنيسته كي تنشرها بين الشّعوب.
لم تقبل المسيحيّة يومًا برفض أسفار العهد القديم المقدّسة، ولم تعتبر أبدًا أنّ "إله" ذلك الوحي القديم مناقضٌ لوحي يسوع المسيح. فلا يمكن أن يتأسّس الجديد المسيحيّ على إنكار ما سبق.
4. نحن في زمن يُمارَس فيه العنف باسم الله والدّين، بينما الله والدّين يحرّمانه، لأنّه يشوّه وجهَيهما. ولكن سادت الفكرة المسبقة، الّتي تنتشر "كثقافة" لعالم اليوم، وهي أنّ الديانات التّوحيديّة تشكّل بطبيعتها عامل انقسام بين البشر. فكانت المناداة بحلّ وحيد قادر على وضع حدّ للعنف، وعلى ضمان السّلام، هو علمنة المجتمع.
فاعتبروا أنّه يوجد في الدّيانات التّوحيديّة إله واحد هو بطبيعته غيور، لا يقبل بأيّ إله آخر إلى جانبه، في حين أنّ الآلهة الوثنيّة، بحكم طبيعتها، متسامحة، وتقبل بالتّنوّع (المفكِّر الألمانيّ شوبنهاور). فكان الاقتراح البديل عن الدّيانات التّوحيديّة تعدّد الآلهة كدين أكثر ملاءمة للتّعدّدية والتّسامح اللَّذين هما من سمات المجتمع المدنيّ. تجدر الإشارة إلى أنّ خلفيّة هذا الموقف السّلبيّ تتمثّل في تيّار النّسبيّة المتناغم مع متطلّبات الدّيموقراطيّة اللّيبراليّة، إذ يعتبر أنّ أيّ سلوك يشير إلى حقيقة متسامية شاملة ومطلقة، كأيّ دين توحيديّ، إنّما يشكّل تهديدًا للسّلم الأهليّ.
ولكن، يذكّرنا التّاريخ بالعنف الّذي مارسته المملكة الهلّينيّة السّلوفيّة الوثنيّة على المكابيّين، وبالاضطهاد العنيف الّذي مارسته الأمبراطوريّة الرّومانيّة الوثنيّة على المسيحيّين طيلة القرون الثّلاثة الأولى من تاريخ المسيحيّة. وما القول اليوم عن "الوثنية" الجديدة الّتي "تؤلّه" الفرد والأنظمة!
وفي هذا الزّمن أيضًا، ينتشر العنف السّياسيّ الّذي تحرّكه العلمنة والإلحاد والمطامع السّياسيّة والاستراتيجيّات الاقتصاديّة. وهو عنف ظاهر في افتعال الحروب، ووأد نارها، وتوزيع أسلحتها، واستخدام منظّمات إرهابيّة ومرتزقة، كما شهدنا وما زلنا في الحروب الّتي دمّرت بلدانًا من بلداننا الشَّرق أوسطيّة.
5. إنّها الفرصة المناسبة للجميع، المعروفة بلفظة Kairos، وهي "فرصة حقيقيّة للرّوح" الّذي يعطي الرّجاء للشّعوب، ويفتح أمامهم مستقبلًا أفضل. هذا المستقبل يبنيه الإيمان المسيحيّ على حقائقه الثّلاث الأساسيّة: وحدانيّة الله وثالوثيّته: الآب والابن والرّوح القدس؛ تجسّد الابن يسوع المسيح وآلامه وموته لفداء البشر وتبريرهم؛ وحلول الرّوح القدس الّذي يقود إلى معرفة الحقيقة كلّها.
في ضوء هذه الفرصة طوت الكنيسة صفحة العنف الدّينيّ، وزرعت في حقل العالم بذرة قادرة على إنتاج ثمار نبذ العنف باسم الله أو الدّين، في عصرنا الّذي ينشر الكراهيّة والعرقيّة السّياسيّة وفوبيا الإسلام[4].
6. "فرصة الرّوح" هي أيضًا للدّين الإسلاميّ الّذي شوّهت صورته وجوهره المنظّمات الإرهابيّة بممارستها العنف وزرع الرّعب باسم الله وباسم الإسلام.
أدرك المسلمون "فرصة الروح" هذه بالنّسبة إليهم، فأعلنوا أنّ الإسلام براء من الّذين يمارسون العنف والإرهاب باسم الله والدّين الإسلاميّ.
ففي "إعلان مراكش لحقوق الأقلّيّات الدّينيّة في العالم الإسلاميّ"، الّذي صدر في 27 يناير 2016، في ختام اجتماع حوالي 300 شخصيّة من علماء المسلمين، من أكثر من 120 بلدًا، بمناسبة مرور 1400 سنة على"صحيفة المدينة"، اعتبر المجتمعون أنّ "الجرائم الّتي تُرتكب باسم الإسلام وشريعته بحقّ الأقلّيّات الدّينيّة، تقتيلًا واستعبادًا وتهجيرًا وترويعًا وامتهانًا للكرامة، إنّما هي افتراء على الباري جُلَّ وعلا، وعلى رسول الرّحمة، وافتئات على أكثر من مليار من البشر؛ وتعرّض دينهم وسمعتهم للوصم والتّشويه، وأصبحوا عُرضة لسهام الاشمئزاز والنّفور والكراهيّة، مع أنّهم لم ينجوا ولم يسلموا من ويلاتها" (المقدّمة).
7. وفي "إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك" الصّادر في 2 مارس 2017 عن مؤتمر الأزهر الدّوليّ، نقرأ: "نظرًا لِما استشرى في العقود الأخيرة من ظواهر التّطرّف والعنف والإرهاب الّتي يتمسّح القائمون بها بالدّين، وما يتعرّض له أبناء الدّيانات والثّقافات الأخرى في مجتمعاتنا من ضغوط وتخويف وتهجير وملاحقات واختطاف، فإنّ المجتمعين من المسيحيّين والمسلمين يعلنون أنّ الأديان كلّها براءٌ من الإرهاب بشتّى صوره، وهم يدينونه أشدّ الإدانة، ويستنكرونه أشدّ الاستنكار... ويرون أنّ محاكمة الإسلام بسبب التّصرّفات الإجراميّة لبعض المنتسبين إليه إنّما تفتح الباب على مصراعَيه لوصف الأديان كلّها بصفة الإرهاب؛ ممّا يبرّر لغُلاة الحداثيّين مقولتهم في ضرورة التّخلّص من الأديان بذريعة استقرار المجتمعات" (الإعلان، ثالثًا).
8. واليوم، إذ يعتزم هذا المؤتمر الدّوليّ الّذي يجمعنا إصدار"المنصّة الإقليميّة للحوار والتّعاون بين القيادات والمؤسّسات الدّينيّة في العالم العربيّ"، نرانا مجدّدًا أمام"فرصة الرّوح". ففي طليعة حيثيّات الوثيقة التّأسيسيّة "الوعي بأنّ الأحداث المؤلمة الّتي يمرّ بها العالم العربيّ منذ عقدَين أدّت إلى تهديد حقيقيّ لتنوّع النّسيج الاجتماعيّ، بالإضافة إلى كونها تشكّل خطرًا حقيقيًّا للتّعايش السّلميّ والتّماسك بين المكوّنات الدّينيّة في المنطقة. ثمّ العزم بمشيئة الله أن نبذل ما بوسعنا لتجنيب شعوب المنطقة ويلات الحرب والتّطرّف والعنف، خاصّة باسم الدّين، وغرس قيم الحوار والتّعايش السّلميّ والمواطنة المشتركة".
9. فيما نتمنّى النّجاح الكامل لهذا المؤتمر، ولثماره الظّاهرة في "المنصّة الإقليميّة للحوار" الّتي ستُقرّر فيه، نشكر الله على"فرصة الرّوح"هذه، آملين أن يوضع حدٌّ نهائيّ للعنف باسم الله والّدين، حفاظًا على قدسيّة الله الفائقة، وعلى كرامة الأديان وقدسيّة تعاليمها.
وتواصلت اليوم الثلاثاء 27 فبراير 2018، أعمال جلسات مؤتمر حوار الأديان والثقافات في فيينا، وتمحورت الجلسة الثالثة للمؤتمر حول التربية الحاضنة للتنوع الديني والثقافي وقيم المواطنية المشتركة, وشارك فيها كل من رئيس الجمعية المسيحية في نيجيريا الدكتور سامسون أولاسوبو , ورئيس مؤسسة أديان لبنان البريفسور فادي ضو , ومعالي نائب وزير الشئون الإسلامية الدكتور توفيق السديري , ومديرة جامعة دار الحكمة الدكتورة سهير القرشي , وأدار الجلسة الدكتورة مارغريتا ماريا عضو المنتدى الاستشاري في كايسيد 
وتناولت الجلسة واقع وتحديات التربية الحاضنة للتنوع الديني والثقافي في المؤسسات التعليمية ومساهمة برامج التربية للتنوع الديني والثقافي في تعزيز قيم المواطنة المشتركة في المناهج التعليمية , وكذلك أهمية العمل مع المؤسسات الدينية والتعليمية لتطوير مناهج وبرامج تنشر قيم الحوار وتعزز التماسك الاجتماعي.
أما الجلسة الرابعة من المؤتمر فكانت بعنوان " وسائل التواصل الاجتماعي كمساحة للحوار" , وأدارتها مديرة قسم الاتصالات في مجلس الكنائس العالمي بجنيف مريانه ادجرجرستن , وشارك فيها كل من كوثر الأربش الناشطة في مجال التواصل الاجتماعي , ورئيس المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام بالأردن , وعبدالله خريف الناشط في مجال التواصل الاجتماعي , وأيمن صلاح محاضر في جامعة القاهرة .
وتركزت موضوعات هذه الجلسة على عل مسؤولية المؤثرين في شبكات التواصل الاجتماعي حيال التحديات التي تواجه مجتمعاتهم , ودور المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي في بناء التماسك الاجتماعي ونشر ثقافة الحوار وتعزيز قيم المواطنية المشتركة , وسبل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للحد من انتشار الكراهية وترسيخ مبادئ احترام الآخر , وتوصيات المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي لبعضهم البعض وتوصياتهم لمتابعيهم , إضافة إلى أهم التحديات في هذا المجال.

شارك