مستقبل الظاهرة السلفية في الأردن: صعود الراديكالية وتفكك التقليدية

الثلاثاء 06/مارس/2018 - 07:03 م
طباعة مستقبل الظاهرة السلفية
 
تشكل "السلفية" بكل اتجهاتها ومدارسها المتعددة والمتنوعة، منبع ورافد مهم في الحركات والتيارات الإسلامية، وجذبت في السنوات الأخيرة اهتمام العديد من الأكادميين والباحثيين، من أجل معرفة أفكار هذه الظاهرة السلفيّة عموماً، ونشاتها وحضورها  ومستقبلها في العديد من الدول الإسلامية، خاصة الدول التي شهدت  صدامات والتفاهامات بين السلطة القائمة والتيار السلفي وعلاقة هذا التيار بالتيار والجماعات والحركات الإسلامية الأخري بما يضع صورة كاملة عن "التيار السلفي".
وأصبحت "السلفية" مكوّناً مهمّاً من مكوّنات الحراك السياسي والثقافي في عدد من المجتمعات والدول العربيّة والإسلاميّة، وأصبح الاهتمام العالمي يتساءل عن أفكار هذه الدعوات والجماعات وممارساتها وآثارها في الحياتين الفكريّة والسياسيّة.
وفي الأردن اخذت الثلفية كثقافة دينية أخذت تنتشر في المجتمع الأردني منذ قرابة ثلاثة عقود ونصف، وتحديداً مع الازدهار النفطي في السعودية والحرب الإفغانية واغتيال الرئيس انور السادات ثم العشرية السوداء، وحرب حرب الخليج الثانية، فكان انتشار وتغول الدعوة السلفية.

وفي ورق بحثية تناول الدكتور محمد أبو رمان، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، الظاهرة السلفية في الأردن، تحت عنوان " مستقبل الظاهرة السلفية في الأردن: صعود الراديكالية وتفكك التقليدية"، الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردني، لفت إلى تقديم مقاربة منهجية للظاهرة السلفية في الأردن، عبر الإشارة أولاً إلى المدخل التاريخي وانتشار السلفية في البلاد والمراحل التي مرّت بها، وثانياً التمييز بين السلفية بوصفها حركة اجتماعية- دينية وبوصفها ثقافة وفكراً عاماً، ثم نتناول التيارات السلفية المتعددة والأفكار الحاكمة لكلّ منها، والمؤشرات المرتبطة بحالتها الراهنة، ثم محاولة استقراء الشروط المؤثرة على تطورها وتحولاتها المستقبلية.

الألباني وظهور السلفية في الأردن

وتناول الباحث الاردني، ظاهرة ونشأت التيار السلفي  في المملكة الهاشمية، لافتا الي ان ظهور التيار السلفي يعودل بداية الثمانينيات عبر مجموعة من الأفراد المتأثرين بالمدرسة السلفية، من دون أن يكون لهم حضور بارز أو تأثير كبير في المجتمع ولا حركة تحمل هذا الفكر الديني، حيث نقطة التحول الكبرى كانت في بداية الثمانينيات عندما استقر في الأردن أحد أبرز أعلام السلفية المعاصرة، محمد ناصر الدين الألباني" ، بعدما اختلف مع علماء السلفية في السعودية على قضايا فقهية، فقرر الاستقرار بعمان، لعدم رغبته في العودة إلى سورية التي يحمل جنسيتها (وأصوله ألبانية).

عوامل صعود التيار السلفي:

واشار الي أن هناك عوامل ساعدت علي تمدد نفوذ "الألباني" واتساع مجموعته السلفية  خلال الثمانينيات (1980-1989)، في مقدمتها  الحرب الأفغانية واغتيال الرئيس محمد انور السادات وانتصار ثورة رجال الدين في ايران بقيادة اية الله الموسوي الخميني، والصعود المتسارع لما يسمى بالصحوة الإسلامية في المنطقة، والصراع بين جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، والنظام الرئيس حافظ الأسد بأحداث"حماة" ، ولجوء نسبة كبيرة من التيار السلفي السوري إلى الأردن، وكذلك تاثر الاردنيين الذي سافرو لدول الخليج وخاصة السعودية بالبيئة الدينة المتشددة هنا، كل ذلك  ساهم في تعاظم ظهور التيار السلفي في الأردن  ودخول المملكة الهاشمية مرحلة " الظاهرة السلفية".
ورأي الباحث ان مرحلة الثمانينيات بمثابة العقد الذهبي لعبور السلفية إلى المجتمع الأردني وانتشارها وظهورها السريع في المجتمع، وهو الظهور الذي جاء عبر مراحل متسلسلة متتابعة بدأت بانتشار مجموعة من الوعاظ والشيوخ والدعاة الذين يبشرون بالأفكار السلفية دينياً، وكانت اهتماماتهم في البداية محض فقهية ودينية، مثل كيفية الصلاة وكيفية لباس الرجل والمرأة، واللحية وطريقة الاقتداء بالنبي محمد، وغيرها من شعائر دينية متنوعة.
  واستطاعت خلال فترة قصيرة من غزو المجتمع الأردني والاستتباب فيه والتجذّر، حتى أصبحت هي الثقافة السائدة بينما تراجع وتبدد الحضور الصوفي، مع تراجع دور المؤسسات الدينية التقليدية، بخاصة الافتاء في القوات المسلحة، وأصبح الحضور السلفي بارزاً أيضاً في وزارة الأوقاف الإسلاميةنوفي داخل جماعة الإخوان المسلمون.
ولفت الباحث إلي أن أبرزتلاميذ الشيخ ناصر الدين الألباني، هم محمد إبراهيم شقرة، وعلي الحلبي ومشهور حسن وسليم الهلالي وحسين العوايشة وغيرهم وكان لهم حضور قوي في الوسط السلفي الأردني.
واشار الباحث الأردني، إلي ان المفاهيم السلفية الجديدة اصطدمت مع التيار الصوفي في البلاد، الذي شنّ هجوماً مضاداً في الخطب والمواعظ ضد السلفيين، ودخل شيوخ معروفون في الصوفية مثل علي الفقير، الذي كان حينها في الافتاء العسكري، في صدام مع السلفيين، وظهرت الخلافات في المساجد بين الطرفين.

التزاوج بين السلفية والإخوان"

الباحث "أبو رمان" اشار الي أن "السلفية" سراعان ما انتشرت بين  العديد من الشباب الأردني واخترقت حتى جماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي كان عدد كبير من أفرادها يدرسون أو يعملون في السعودية، وحدث تأثر كبير بالسلفية بصورة عامة، ومن الملاحظ أنّ هذا التأثير تزامن – أي في الثمانينيات- وتزاوج مع تأثر السلفية السعودية في تلك الفترة بأفكار إخوانية، جراء الدور الذي قام به إخوان سوريون ومصريون في التدريس والتعليم في السعودية والخليج، مثل محمد قطب ومحمد بن نايف سرور زين العابدين وعبد الرحمن عبد الخالق وغيرهم، ما ولّد في الخليج العربي اتجاهاً يجمع بين السلفية والعقيدة والشريعة والرؤية السياسية الإخوانية، وهو الاتجاه الذي أٌطلق عليه الحركي- أو الإصلاحي، وتأخر ظهوره في الأردن إلى بداية التسعينيات.
 وبرزت قيادات إخوانية ذات توجهات سلفية واضحة، مثل د. عمر الأشقر، ود. محمد سليمان الأشقر، ود. محمد أبو فارس، ود. همام سعيد، وغيرهم من عشرات القيادات والأكاديميين الأخوان المسلمين، الذين يتبنون التفسيرات السلفية للشريعة، وكذلك الحال بالنسبة لنخبة من الأساتذة الذين درسوا في السعودية أو الخليج أو حتى في دول أخرى وأصبحوا سلفيين مستقلين، مثل د. محمد أبو رحيم، ود. مروان القيسي ود. عبد الرزاق أبو البصل، ود. ياسر الشمالي، فأصبح هؤلاء الأكاديميون بمثابة طبقة عريضة تدرس في كليات الشريعة في الجامعات الأردنية.

الصراع بين "السلفيات"

وأشار الباحث الأردنين إلي ان الظاهرة السلفية في الأردنن شهدت أربع مراحل "انقسامات" منذ التأسيس وحتي تظاهرات الربيع العربي 2011، أولي الإنقسام الاول في في بداية عقد التسعينيات مع بروز الاتجاهات السلفية الجديدة في السعودية والخليج، ومع دخول صدام حسين إلى الكويت ثم حرب الخليج في العام 1991، وما أثارته من نقاشات عاصفة في أوساط السلفية السعودية، بين مؤيد للاستعانة بالقوات الأميركية ومعارض لها.
 واشار الباحث الأردني، إلي أن الخلافات داخل التيار السعودي التي كان لها انعكاستها علي السلفية في الأردن، فالتيار السلفي السعودي، انقسم  إلى ثلاثة أقسام رئيسة؛ الأول هو التقليدي ويتمثل في هيئة كبار العلماء، الشيخ عبد العزيز بن باز وابن العثيمين وكان مع الاستعانة بالقوات الغربية، والثاني يتمثل بشباب صاعدين في السلفية السعودية، لهم آلاف الأتباع والمريدون مثل سفر الحوالي وسلمان العودة، وهم الذين أطلق عليهم التيار الإصلاحي، والثالث هو تيار أطلق عليه الجامي (نسبة إلى شيخه محمد آمان الجاميّ) وهو متشدد في عداء التيارات الإسلامية الأخرى وفي التـأكيد على تحريم السياسة وضرورة طاعة الحكام..
الخلافات السلفية السعودية  انعكس علي السلفية الاردنية، حيث ظهرت في البداية عبر الاختلاف بين الشيخ ناصر الألباني وأتباعه من جهة والشباب السلفي الجديد الذي يتأثر بالحركة الإصلاحية في السعودية.
والتحول الثاني  كان في منتصف التسعينيات، والتي صاعدت عدة عاومل علي ظهورها في مدقمتها  حرب الخليج 1991، وددخول عدة الاردن في عملية السلام مع اسرائيل، والعشرية السوداء في الجزائر، كل ذلك أدى إلى صعود جماعات واتجاهات راديكالية كانت متأثرة بالبدية بأفكار سيد قطب، وبأفكار السلفية الإصلاحية السعودية،  فظهر "أبو محمد المقدسي" الذي اصبح أحد أبرز منظّري السلفية الجهادية في العالم، ومرجع التيار السلفي الجهادي في الأرد واستاذ احد قاعدة تنظيم القاعدة" أحمد الخلايلة" الملقب أبو مصعب الزرقاوي ومجموعة أخرى أطلق عليهم تنظيم "بيعة الإمام" على انتشار التيار، بل عزز من انتشاره في السجن وخارج السجن، وأصبح هنالك مئات الأتباع من مريدي السلفية الجهادية.
واشار " محمد أبو رمان" الي ان التيار السلفي الاردني، في النصف الثاني من التسعيينات، انقسم الي ثلاثة اتجاهات سلفية، الاتجاه الأول هم أتباع الشيخ ناصر الدين الألباني، الذين أطلق عليهم السلفيون التقليديون أو المحافظون أو الألبانيون، وهم الذين يرفضون الدخول في العمل السياسي والحزبي، ويقتصرون عملهم على الجانب العلمي والدعوي، ومبدأهم الواضح في هذا هو "التصفية والتربية"، أي تنقيح علوم الدين وتربية الناس عليها، أما موقفهم من العمل السياسي فيمكن اختصاره بعبارة شهيرة لشيخهم الألباني وهي "من السياسة ألا نتحدث في السياسة".
 والاتجاه الثاني وهو السلفي الإصلاحي ويتمثل في جمعية الكتاب والسنة، وهو اتجاه سلفي في عقيدته الدينية وتفسيره للدين، لكنّه يؤمن بالتنظيم ولا يحارب الإسلاميين، وأقرب إلى المزاج المعارض لسياسات الدولة، لكنه لا يؤمن بالعمل المسلّح.
والاتجاه الثالث هو الاتجاه الصاعد الراديكالي المتأثر بأفكار أبي محمد المقدسي والزرقاوي، ويؤمن بأن النظام السياسي العربي كافر، وأنّ الطريق الوحيدة هي المواجهة المسلّحة بين الطرفين (الجهاديين والأنظمة)، ويرفض طرق الجماعات الأخرى السلمية والدعوية في التغيير. 

الإنقسام الثالث:

اذا كان هناك الانقسام الأول داخل السلفية الأردنية ظهر في بداية التسعنيات واخر في متنتصف التسعينات، فان السلفية في الاردن شهدت  الانقسام الثالث في مع بداية الألفية الجديدة (عام 2000) بدأت الخلافات والانشطارات داخل كل تيار سلفي من التيارات السابقة تبرز، لينشق التيار نفسه أو ينقسم على نفسه وتتوزع الاتجاهات السلفية إلى خريطة أكثر تعقيداً وتنويعاً.
   التيار المحافظ شهد وفاة شيخه ناصر الدين الألباني في العام 2000، ما أدى إلى صراع بين الأقطاب على وراثة المشيخة، في تيار تقوم العلاقة بين أفراده على منطق الشيخ والتلاميذ. وبالرغم من تأسيس مركز الألباني للدراسات الإسلامية، إلاّ أنّ الخلافات استمرت في الظهور، وأدت إلى إقصاء عدد من أبرز القيادات المعروفة وتلاميذ الشيخ الألباني المقربين، وأصبح كل من علي الحلبي ومشهور حسن هما الزعيمين المعروفين لهذا التيار، لكنّ الحلبي أيضاً دخل في صراع فكري أيضاً مع مجموعة من شيوخ التيار السلفي السعودي.
    التيار الإصلاحي، أي جمعية الكتاب والسنة، عانت من ضياع الهوية وارتباكها، بين مجموعة سلفية جهادية دخلت تحت عباءة الجمعية ومجموعة أخرى تؤمن بالعمل السلمي، وظهرت التباينات في خطاب الجمعية وأثرت الخلافات الداخلية على هويتها واستقرارها، وكادت الحكومة أن تغلقها أكثر من مرّة، كان يكتشف وجود عناصر مؤيدة للسلفية الجهادية في أوساط الجمعية ومؤيديها.
   والتيار الثالث الذي عانى من الانشقاق والانقسام الداخلي هو التيار السلفي الجهادي، فقد خرج المقدسي والزرقاوي من السجن في آواخر العام 1999، بعفو ملكي، لكن الزرقاوي فضّل السفر إلى أفغانستان، ليقوم بالمعارضة من الخارج وتكوين جماعته هناك، ومن ثم انتقل إلى العراق مع بدء الاحتلال الأميركي في العام 2003، وأسس جماعته المعروفة التوحيد والجهاد، وانضم بجماعته إلى القاعدة في العام 2004، وأصبح أحد أبرز المطلوبين للولايات المتحدة الأميركية، وخطط عملية تفجيرات الفنادق في عمان 2005، لكنه قتل في العام 2006 بغارة أميركية.  لم تمت جماعة الزرقاوي بعده، وأصبحت هي ما نراه اليوم "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي بقي أميناً على أفكار الزرقاوي ونهجه المتشدد أكثر من القاعدة نفسها.
   على العموم بدأت الخلافات داخل هذا التيار تظهر في مرحلة مبكّرة في السجن بين الزرقاوي والمقدسي، لكنها لم تكشف إلى العلن إلا بعد أن أصدر المقدسي رسالته الشهيرة (في العام 2005)، بعنوان الزرقاوي مناصرة ومناصحة، وذكر فيها انتقادات حادة للزرقاوي، ولاحقاً بعد مقتل الزرقاوي أصبح المقدسي أكثر جرأة في التعبير عن الخلافات العميقة بينه وبين الزرقاوي، ما أدى إلى انقسام التيار إلى قسمين؛ أتباع المقدسي وأتباع الزرقاوي..

السلفيون في حقبة الربيع العربي وما بعدها

ثم جاءت حقبة الربيع العربي، أي الثورات الشعبية التي اندلعت منذ العام 2011، فحملت  تغييرات وتحولات ملحوظة في واقع التيارات السلفية السابقة، فالثورات الشعبية - التي اندلعت في كثير من الدول العربية وأدت لاحقاً إلى إسقاط زعيمين عربيين، حسني مبارك وزين العابدين- نسفت البنية الأيديولوجية لكل من الجهاديين والمحافظين على السواء، تلك البنية التي كانت تستعدي الديمقراطية ولا ترى بأن الثورات السلمية يمكن أن تأتي بنتيجة، وتبتعد عن العمل السياسي العام.
كل من المحافظين والراديكاليين صُدموا بالثورات الشعبية. فالمحافظون الذين كانوا يقولون بأنّ التغيير السلمي غير ممكن، وأن الأضرار نتيجة محاولة الخروج على الحاكم أكبر من المنافع التي قد تترتب على الخروج السلمي، ودافعوا عن نظريتهم بوجوب طاعة الحاكم وبعدم التدخل في السياسة وجدوا أنفسهم خارج السياق الشعبي العام، بخاصة بعدما قرر التيار السلفي العام في مصر الولوج إلى العمل الحزبي والسياسي، واجتمعت قوى سلفية في اسطنبول في شهر ديسمبر 2011 وقررت القيام بتحويلة في مسار العمل السياسي السلفي عبر اقتحام الحياة الحزبية والانتخابات.
وحدهم السلفيون الإصلاحيون وجدوا أنّ الثورات الشعبية تؤكد ما ينادون به من ضرورة الاندماج في العمل السياسي والحزبي وإمكانية التغيير السلمي في العالم العربي، لكنّهم وجدوا أنفسهم أمام تحديات أخرى، وهي عدم قدرتهم على تنظيم أنفسهم بصورة كافية ليشكلوا تياراً متجانساً متسقاً في مواجهة التيارات الأخرى، وثانياً عدم رغبة الدولة بولادة تجربة حزبية سلفية، وثالثاً عدم وصولهم بعد إلى المرحلة التي يتبنون فيها الديمقراطية بصورة كاملة.
    أما الجهاديون فكانت أيديولوجيتهم تقوم على عدم جدوى العمل السلمي أيضاً، لكن النتيجة وفق هذا المنظور لم تكن طاعة الحكام، بل على النقيض من ذلك تماماً الثورة عليهم والخروج المسلح والمنازلة العسكرية مع الأنظمة العربية إلى أن تسقط. بالطبع جاءت الثورات الشعبية بأخبار مختلفة تماماً، في البدايات، فأثبتت الثورات السلمية نجاعتها في مواجهة الحكام، من جهة، وتبين أنّ المطالب الشعبية هي بإقامة الديمقراطية والعدالة والحرية، وليس نظاماً أصولياً على غرار ما تحلم به الحركات السلفية الجهادية.
   وبدأت المئات من أبناء التيار يتسربون ويتسللون إلى سورية في مرحلة لاحقة، وانضم أغلبهم إلى جبهة النصرة في البداية. ثم انتقل الخلاف بين جبهة النصرة وتنظيم داعش إلى الأردن، حيث وقف شيوخ السلفية الجهادية ومنظّريها المعروفين، أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي مع النصرة، فيما وقفت شريحة واسعة عريضة من أبناء السلفية الجهادية مع داعش.
    في مرحلة لاحقة، في العام 2016 حدثت مواجهات بين أنصار داعش وقوى الأمن في مدينة إربد، وأسفرت عن مقتل ضابط وعدد من المطلوبين، ثم قام أحد أنصار داعش بالهجوم على مكتب لمخابرات البقعة وقتل عدداً من المنتسبين، قبل ذلك كان ضابطاً في الأمن الأردني – يعتقد أنه ذئب منفرد- بالهجوم على مركز لتدريب الشرطة والعسكريين، في مركز الموقر العسكري.
    لا تبدو صورة المستقبل أكثر وضوحاً لدى هذا التيار مقارنة بالتيارين السلفيين الآخرين (المحافظ والإصلاحي)، لكن هنالك أسئلة معلقة مهمة جداً مرتبطة به وبالمجتمع عموماً؛ ولعل السؤال الأول ماذا ستكون نتيجة أو انعكاس هزيمة محتملة لداعش في العراق وسورية على أنصاره وجاذبيته؟ وكيف سيكون سلوك العائدين من هناك؟ وهل ستنجح خطط الدولة في مكافحة التطرف والإرهاب واستيقاظها على هذا الخطر الكامن في الداخل من تحجيمه والحد من انتشاره وصعوده؟.

سياسة الدولة تجاه السلفيين

وحول سياسية الدولة تجاه "التيار السلفي"، غعلب عليها "البعد الأمني- السياسي" في ترسيم السياسة الرسمية في التعامل مع الحركات الإسلامية عموماً والتيارات السلفية خصوصاً. فلم يكن هنالك سياسة تنويرية أو دينية معينة للدولة، بقدر ما كان المعيار المهم هو مدى اصطدام أو توافق تلك الحركات مع اعتبارات الدولة الأمنية وسياساتها العامة.
    وفي مرحلة التحول في العلاقة بين الدولة وجماعة الإخوان المسلمين، مع عقد التسعينيات، استعانت أجهزة الدولة بالتيار السلفي التقليدي لمواجهة الإخوان وصعود السلفية الجهادية، فوفر لها هذا التيار فتاوى ومواقف مريحة ضد المعارضة السياسية، سواء كانت السلمية أو المسلحة.
      على الطرف المقابل اتخذت الدولة موقفاً متشدداً صارماً من التيار السلفي الجهادي، منذ بداية صعوده، ووصل عدد القضايا التي تم تحويلها إلى محكمة أمن الدولة مئات القضايا، وآلاف الأفراد الذين اعتقلوا وحولوا إلى القضاء وحوكموا.
      في العامين الآخيرين طرأ تحول ملحوظ على سياسة الدولة تجاه هذا التيار، وتمثل ذلك بالتمييز بين مؤيدي جبهة النصرة ومؤيدي تنظيم داعش. إذ حاولت الدولة توظيف فتاوى ومواقف قادة السلفية الجهادية، مثل المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني ضد تنظيم داعش والتيار المؤيد له، وهنالك تفاهمات غير معلنة ولا مكتوبة بين الدولة وأقطاب هذا التيار تتمثل بتحديد المساحات التي يمكن أن يتحدثوا فيها ويتحركوا من خلالها، مقابل عدم سجنهم، والسماح لهم بنطاق محدود من الحركة.
     أما التيار السلفي الإصلاحي، فقد ضغطت عليه أجهزة الدولة خلال الفترات السابقة ليتخلص من علاقته بالتيار السلفي الجهادي، وهي المحاولات التي نجحت مع جمعية الكتاب والسنة السلفية، التي تبدو علاقتها بالدولة أفضل من الأوقات السابقة، وإن كانت محجّمة في إطار محدد من النشاط المسموح به، بخاصة في المجالين الديني والخيري، مع عدم السماح لها بأي نشاط سياسي وحزبي حتى الآن.
    التطور الآخر الجديد على صعيد علاقة الدولة بهذه الجماعات يتمثل بتنامي القناعة السلبية في مراكز القرار ضد الفكر السلفي عموما وتحميله مسؤولية تفريخ الفتاوى والأفكار المتطرفة، بخاصة مع صعود داعش والربط بين ما تقوم به وبين جذورها الفكرية السلفية، وكان لاستخدام التنظيم لفتوى العالم الإسلامي، ابن تيمية (المعروف بوصفه مرجعية فقهية ودينية للسلفيين عموماً؛ الراديكاليين والسلميين) دور فاعل في دعم الصوت السياسي المعادي للسلفيين عموماً، بل ووجود لغط حول منع الأردن كتب ابن تيمية من الدخول إلى المملكة.
  واخيرا   لم تتحول سياسة الدولة من التيار السلفي التقليدي، لكن أصبح هنالك اتجاه رسمي وسياسي وثقافي يرى أن السلفيين جميعاً يصبون في نهر واحد وهو تعزيز التطرف الديني في المجتمع. لذلك لم يعد هناك اتفاق في دوائر القرار في تفضيل توظيف التقليديين في مواجهة الجهاديين، وعزز من الحد من أهمية التيار التقليدي بالنسبة للدولة الانقسامات داخل هذا التيار والمشكلات الداخلية التي تواجهه وأثرت على مصداقيته ووحدة أتباعه

شارك