الطائفية والفساد.. بيئة خصبة لنمو الإرهاب في العراق

الخميس 08/مارس/2018 - 03:05 م
طباعة  الطائفية والفساد..
 
أكد الدكتور مهند العزاوي رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية المتخصص في الشأن العراقي علي العلاقة التى تجمع بين الطائفية والفساد والارهاب كثلاثية متاصلة في الواقع العراقي الراهن وقال في تقرير مهم نشر علي موقع واشنطن لسياسيات الشرق الادني حول هذا الوضع المازوم واقتراب الانتخابات العراقية الجديدة.
على الرغم من أن العراق مقبل على موسم انتخابي جديد، إلا أن إجراء الانتخابات ووجود أحزاب سياسية على الساحة العراقية لا يعنى أن العراق يمر بعملية ديمقراطية ناجحة، حيث لن هناك حاجة ملحة لصياغة سياسات واستراتيجيات حكومية وفق لأليات الحوكمة (الحكم الرشيد) لتضمن العلاقة التفاعلية بين كافة أطراف الحوكمة (الدولة، والمؤسسات، ومنظمات المجتمع المدني، والمجتمع) فضلا عن المنظمات الإقليمية والدولية لتعزيز محاربة الإرهاب، وتبرز ضرورة إعادة التنظيم (الهيكلة) ما بعد الحرب على تنظيم "داعش".  وأصبح من الضروري أيضا العمل تعزيز الهوية الوطنية، ومعالجة سوء استخدام السلطة، ومحاربة الفساد، وإيقاف توظيف الدين كواجهة سياسية بغية الاستئثار بالسلطة ومنافعها المتعددة.
تلك الممارسات السلبية قد أفرزتها الطائفية وخلقت مناخ الإرهاب والأزمات والحروب والصراعات على السلطة والفساد المنظم الذي أصبح له عوامل القوة الغير متوازية بما يوازي قوة الدولة بل يتفوق عليها أحيانا. وللأسف، يفتقر العراق للطبقة السياسية المؤهلة ومنظومات حوكمة نزيهة محايدة مستقلة تحقق المتابعة والرقابة فضلا عن غياب الشفافية ومنظومة التشريعات والقوانين المتعلقة بها وآليات تطبيقها لتحقيق العدالة والمسائلة والتنمية المستدامة.
وفى هذا الصدد، طرحت مؤسسة RAND- رند الأمريكية  العام الماضي دراسة بعنوان (مستقبل العلاقات الطائفية في الشرق الأوسط). وقد  خرجت  تلك الدراسة بمخرجات واقعية تشير إلى إمكانية انتهاء هذا الصراع من خلال التوجه نحو الهوية الوطنية وتخطي الهويات الطائفية من خلال إيقاف الدور الإقليمي الذي يقوم بتغذية تلك الصراعات، وتطبيق مبادئ الحوكمة دون التميز بين الطوائف الدينية والمكونات والاثنيات.
يشكل الصراع الطائفي عامل محوري في  نشوب الصراعات التي برزت في الشرق الأوسط والتي تدعمها دول إقليمية تسعى إلى تحقيق مصالحها مستغلة هيمنة  الهويات الطائفية على الهوية الوطنية، وطابع الخطاب الديني الذي يروّجه الزعماء الدينيون الذي يؤسس لعلاقة عدائية بين الطوائف. كما ساهم عجز الدول عن توفير الخدمات الأساسية أو تميّز عند تقديمها الخدمات بناءً على الانتماء الطائفي إلى تفاقم تلك الصراعات الطائفية، وهو ما ساهم في تغذية الانقسام بين الطوائف والمجموعات الدينية.
ولا يدرك الكثيرون أن هناك علاقة جوهرية وعميقة بين الطائفية والفساد،  وقد انتتجت هذه المتلازمة بيئة مسمومة للإرهاب الذي استنزف قدرات العراقيين، وأضعفت دور الدولة العراقية وجعلها بمثابة منظمة أهلية طائفية، ليظهر دور الكيان الموازي عبر الجماعات الغير حكومية مثل مليشيات الحشد الشعبي. وقد بات من الواضح أن الطائفية السياسية أصبحت تؤمن للفساد البيئة المؤاتية للعمل فضلا عن الحصانة القانونية.
ويشمل ذلك أيضا الاستمرار بالمحاصصة الطائفية وإشغال المناصب الإدارية العليا من قبل أشخاص لا يمتلكون المؤهلات العلمية والعملية ورصيد الخبرة التخصصية في المجالات الحيوية، واعتماد ما يسمى بـ “الخصخصة الطائفية السياسية في إشغال المناصب القيادية والإدارية في مؤسسات الدولة دون الرجوع إلى أداء ونزاهة وكفاءة المرشح للعمل.  كما  انتشرت ظاهرة مزج الفساد السياسي والإداري والمالي في منظومة فساد واحدة دون الاكتراث بالنتائج والعواقب الخطيرة والقانونية منها المتعلقة بسرقة المال العام واستغلال المنصب، فضلا عن انتشار ظاهرة المصارف المالية الحزبية والشخصية والتي بلغت أرقام تعاملاتها المالية كبيرة لا توازي حجم التوزان المالي، وتعد أول ظاهرة فساد فريدة من نوعها وتحتل الصدارة في التصنيف العالمي للفساد.
وقد أدى الفساد وتراكم المظالم الشعبية وعدم الكفاءة وغياب أي وسيلة للانتصاف، إلى توفير بيئة خصبة لنمو الإرهاب في العراق وتفكيك البنية التحتية المؤسسية والمنهجية الوطنية والتلاحم المجتمعي مع الدولة. كما شكل الإرهاب عامل الخداع الاستراتيجي للتغطية على منظومة الفساد العاملة بالعراق والتي تعمل على تهريب أموال الشعب العراقي والخزينة العراقية إلى خارج العراق دون مسائلة دولية أو محاسبة. ومن ثم،  تعد الطائفية السياسية العامل الأساسي والمحوري لنمو مناخ الفساد والإرهاب لاسيما في ظل حصانة الفاسدين والمفسدين وتعاظم سطوتهم التي أضحت تفوق سلطة الدولة العراقية.
وختاما، هناك ضرورة ملحة للإسراع في تطبيق مبادئ الحكم الرشيد الذي بدورة سيساهم في القضاء على ظاهرة التمييز القائم على الانتماء الطائفي التي يغذيها الفساد. كما يجب على الدولة تعمل على تشكيل  منظومة مجتمعية لتحقيق المساواة والاستقرار السياسي والأمني. كما يجب العمل على تحقيق الترابط الهيكلي طويل الأمد ما بين الاقتصاد والطاقة والبيئية والمجتمع وصولا إلى النمو الاقتصادي (رأس المال المادي) إلى التنمية البشرية (رأس المال البشري) ثم إلى التنمية المستدامة (رأس المال الاجتماعي – الوطني).
وبعيدا عن الانتخابات العراقية المقبلة، يتطلب هذا إرادة سياسية ومتابعة دولية وتطبيق فعلي لآليات الحوكمة وتفكيك متلازمة الطائفية والفساد وتعزيز الثقة بالمؤسسات الحكومية . كما يجب إعادة هيكلة القوات العراقية وتطويرها لمحاربة الإرهاب وإيقاف المظاهر المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة. وهناك ضرورة أيضا لتطوير إطار تشريعي فاعل ومتجدد يجرم الطائفية ويحارب الفساد، وتطوير وسائل وأساليب منظومات الرقابة الخارجية والداخلية وترسيخ سياسة الإفصاح المؤسسي لتعزيز الشفافية والمسائلة والعدالة.

شارك