الأزمة الروسية البريطانية.. الأسباب والمآلات

الخميس 15/مارس/2018 - 04:33 م
طباعة الأزمة الروسية البريطانية..
 
يبدو انّ العلاقات بين بريطانيا وروسيا تتجه نحو التأزم بعد أن دعت لندن لاجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي لاطلاع الأعضاء على مستجدات الأمور في تحقيق حول هجوم بغاز الأعصاب استهدف عميلا روسيا مزدوجا سابقا وابنته. وكانت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي قد قالت إن من المرجح جدا أن تكون روسيا وراء الهجوم على العميل السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا المحتجزين في المستشفى في حالة حرجة، وهي الاتهامات التي تنفيها روسيا جملة وتفصيلا.
فعلى الرغم من انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، وتفكك الاتحاد السوفيتى نفسه، بقيت حروب الجواسيس قائمة بين الولايات المتحدة وأوربا من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وآخرها قصة سيرجى سكريبال عقيد الاستخبارات العسكرية الروسية السابق والمدان بالتجسس لصالح الاستخبارات البريطانية «إم آى6». والذى تتهم بريطانيا الاستخبارات الروسية بمحاولة قتله بغاز سام، وعلى الرغم من إنكار روسيا فإن التصعيد يدفع لأزمة كبرى بين لندن وموسكو، وصلت إلى حد طرد الدبلوماسيين الروس من لندن.
أصيب الجاسوس البريطانى السابق سيرجى سكريبال«66 عاما» وابنته يوليا «30 عاما» أول مارس بالإغماء بعد تعرضهما لغاز غامض بالقرب من مركز تجارى فى سالزبورى جنوب بريطانيا، حيث يعيش الجاسوس السابق بعيدا عن الأضواء بعد خروجه من السجن فى روسيا ضمن صفقة تبادل شهيرة للجواسيس مع الغرب. نقل سكريبال وابنته للمستشفى، وأصيب الشرطى الذى حاول إسعافهما هو الآخر، الأمر الذى كشف عن عملية تسمم متعمدة، يحتمل أن تكون بغاز الأعصاب، واتهمت بريطانيا الاستخبارات الروسية بتسميم العميل السابق.
تصاعد الأحداث بين روسيا وبريطانيا وصل إلى إعلان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى طرد 23 دبلوماسيا روسيا، ردا على تسميم عميل روسى سابق، وألغت دعوة إلى وزير الخارجية الروسى لزيارة بريطانيا، وقالت، إن العائلة المالكة لن تحضر كأس العالم فى وقت لاحق من هذا العام، كما كان مقررا، وذلك بعد انتهاء مهلة منحتها «ماى» لروسيا لتقديم رد واضح عن حادث تسميم العميل سكريبال، بينما نفت روسيا الاتهامات وطلبت إطلاعها على طبيعة الغاز المستخدم فى تسميم العميل السابق، ووصف وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف الاتهامات البريطانية لروسيا بأنها « هراء»، واستدعت روسيا السفير البريطانى، ويتوقع أن ترد روسيا على قرار طرد دبلوماسييها، بإجراءات مماثلة، فيما تتجه لندن للتصعيد برفع الأمر إلى مجلس الأمن وحلف الناتو.
فى 9 يوليو 2010، استقبلت العاصمة النمساوية فيينا، عشرة جواسيس أدينوا فى الولايات المتحدة بتكوين شبكة تجسس، لصالح روسيا تمهيدا لنقلهم إلى موسكو، ضمن صفقة لتبادل الجواسيس مقابل أربعة جواسيس روس أدينوا بالتجسس لصالح الغرب، وحكم عليهم بالسجن، وأصدر الرئيس الروسى ديمترى مدفيديف عفوا عن الأربعة ضمن صفقة التسليم، بعد أن أدانتهم المحكمة الروسية وقضى كل منهم فترة فى السجن.
ضمت القائمة وقتها عميل الاستخبارات الخارجية الروسية ألكسندر زابوروزيسكى، والمحامى الكسندر سيباتشيف، والخبير فى المجال النووى إيجور سوتياجين، ومنهم عقيد الاستخبارات العسكرية الروسية السابق سيرجى سكريبال، الذى تعرض لمحاولة تسميم، وتتهم بريطانيا الاستخبارات الروسية بتسميمه.
سيرجى سكريبال عقيد سابق فى الاستخبارات العسكرية الروسية جندته المخابرات البريطانية «إم آى 6» عام 1990، وانكشف أمره وقبض عليه عام 2006 وقال جهاز المخابرات الروسية «إف إس بى» إن سكريبال سلم المخابرات البريطانية أسرارا ومعلومات مقابل مال، وتمت محاكمته عسكريا وأدين بالخيانة العظمى، وتم تجريده من الأوسمة والألقاب التى منحت له خلال خدمته فى المخابرات العسكرية الروسية، وحكم عليه بالسجن 13 سنة،حتى أطلق سراحه ضمن صفقة تبادل جواسيس بين الغرب وروسيا عام 2010. حيث أطلقت المحكمة الأمريكية سراح المتهمين العشرة فى شبكة التجسس وتم تبادلهم مع الأربعة ومنهم سكريبال.
من بين الجواسيس العشرة المضبوطين فى أمريكا الذين تمت مبادلتهم مع سكريبال، كانت آنا تشابمان الجاسوسة الروسية، التى تحمل الجنسيتين البريطانية والروسية، ولكن الحكومة البريطانية جردتها من جنسيتها البريطانية بعد إدانتها فى شبكة التجسس الروسية بالولايات المتحدة. وتصف وسائل الإعلام تشابمان بأنها «الجاسوسة الأكثر سحرا»، حيث عملت عارضة أزياء وقدمت برنامجا على شاشة التليفزيون الروسى وتولت رئاسة مجلس الشباب، وتردد اسمها بعد عملية سكريبال، لكنها حسب تقارير مختلفة لم تكن بالقرب من الحادث فضلا عن أنها جردت من جنسيتها البريطانية.
وأشار دبلوماسيون إلى اجتماع مجلس الأمن للاطلاع على مستجدات الأمور في التحقيق الخاص بالهجوم بغاز الأعصاب، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها بعد، وفي نفس السياق قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إن موسكو ليس لها أي دور في تسميم الجاسوس الروسي المزدوج السابق سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا مضيفا أن اتهام روسيا ليس له أساس من الصحة. وأشار بيسكوف إلى أنّ روسيا ما زالت مستعدة للتعاون مع التحقيق البريطاني في القضية، ولكن أي إجراءات محتملة تتخذها لندن ضد موسكو ستستدعي ردا.
وكانت أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن بلادها ستطرد 23 دبلوماسيا روسيا ردا على الهجوم بغاز الأعصاب الذي استهدف عميلا روسيا سابقا في جنوب إنكلترا الأسبوع الماضي. موضحة أن أمامهم أسبوعا لمغادرة البلاد، وقالت ماي في البرلمان "بموجب ميثاق فيينا ستطرد المملكة المتحدة الآن 23 دبلوماسيا روسيا تم التأكد على أنهم ضباط مخابرات سريون". وأضافت أن هذه هي أكبر عملية طرد لدبلوماسيين من لندن في 30 عاما وستقلص من قدرات المخابرات الروسية في بريطانيا لأعوام مقبلة.
وتوعدت ماي بتجميد أصول للدولة الروسية قائلة : "سنجمد أصولا للدولة الروسية في حال حصلنا على أدلة على أنها قد تستخدم في تهديد حياة أو ممتلكات مواطنين أو سكان في بريطانيا"، كما تطرقت ماي إلى أن الإجراءات ستطال المشاركة في كأس العالم لكرة القدم الذي تستضيفه روسيا هذا الصيف. ولن يذهب أي من أفراد العائلة المالكة أو الوزراء إلى كأس العالم في روسيا.
الرد الروسي:
نقلت وكالة الإعلام الروسية للأنباء عن السفير الروسي في بريطانيا الكسندر ياكوفينكو تحذيره لبريطانيا يوم الأربعاء من إجراءات مماثلة إذا طردت بريطانيا دبلوماسيين روسا، وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اعتبر صباح اليوم أن ما تقوم به لندن مجرّد "تمثيلية سياسية".
حلف الناتو يعبر عن استيائه العميق لاستعمال روسيا لغاز الأعصاب داخل أراض للحلف نفسه, سابقة من نوعها منذ تأسيس الناتو عام 1949، وبريطانيا تستدعي السفير الروسي في لندن، ولازم الكريملين الصمت منذ اتهام بريطانيا الكريملين بالتورط في محاولة تسميم الجاسوس الروسي السابق، سيرجي سكريبال، وابنته، في مدينة سالزبري الإنجليزية، واستمر صامتاً حتى اليوم.
واندلعت الايام الأخيرة، حرب كلامية بين الطرفين فيها تهديدات متبادلة، قد تؤدي في حال تطبيقها فهلاً إلى إغلاق مصالح اقتصادية ودبلوماسية مشتركة في موسكو ولندن، وأعلن وزير الخارجية الروسي، "لا تقدمّ لحل المواجهة الدائرة بين الطرفين" مضيفاً أن الحكومة البريطانية لم تتقدم بأي طلب رسمي للحصول على معلومات متعلقة بالغاز المتسبب بمحاولة تسميم سكريبال، واتهم بريطانيا بتضليل متعمد المجتمع الدولي.
ويقول مراقبون إن نفي الكرملين المستمر قد يقود بريطانيا لتجميد حسابات مصرفية لمجموعة كبيرة من رجالات الأعمال الروس بحسب، ولكن بريطانيا تعرف أن تجميد تلك الحسابات سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد البريطاني، خصوصاً مع وجود نحو 300 ألف من الجالية الروسية أغلبهم من الأثرياء ورجال الأعمال يقومون بنشاطات مالية على الأراضي البريطانية.
ويرى بعض المراقبين أيضاً أن لندن ستتبع سياسة متشددة تتعلّق بالضرائب التي يدفعها المواطنين من حاملي الجنسية الروسية في بريطانيا في حال استمرّت الأزمة، ويبدو أن المواجهة بدأت تأخذ بعداً دولياً، إذ قال رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، من هلسنكي إن "القمة الأوروبية يجب أن تظهر تضامناً مع المملكة المتحدة، وإنه يجب على الأوروبيين تقاسم المعلومات الاستخبارية في الحرب الهجينة الدائرة ضد الاتحاد الأوروبي"، وأضاف توسك أنه ينتظر اقتراحات لندن قبل اتخاذ قرار بشأن ردّة فعل أوروبية مشتركة ضدّ الهجوم بالسّم.
أوراق لندن:
بينما تتعدد الطرق والإجراءات التي يمكن للحكومة البريطانية أن تتخذها كرد مباشر على روسيا لكن أقواها تأثيراً سيكون خرق البند الخامس من قوانين الناتو والذي ينص على أن الإعتداء على أحد أعضاء الحلف هو اعتداء على الحلف نفسه. و"البند الخامس هو ما يمنع اندلاع الحرب بين روسيا والناتو" بسحب ما جاء على لسان مارك غاليوتي الباحث في معهد العلاقات الدولية في براغ.
كما يمكن للحكومة لبريطانية أن تقوم بتطبيق قانون "مصادر الثروة الغير مبررة" على مجموعة من رجال الأعمال الروس الذي يعملون على أراضيها، والقانون هو مجموعة إجراءات محاسبة تم وضعها في كانون الثاني/ يناير الماضي وتتيح للسلطات مصادرة ثروات وأموال المشبوه تورطهم بأعمال إجرامية.
ولدى لندن المزيد لتقوم به، بالنسبة لمجموعة من المحللين السياسيين يمكن للندن قطع علاقلاتها السياسية بروسيا وطرد الدبلوماسيين الروس من أراضيها، ومن الأوراق التي يمكن لبريطانيا استخدامها أيضاً ورقة كأس العالم لكرة القدم، وذلك عن طريق مقاطعتها لكأس العالم الذي سيقام هذا العام في روسيا، وهو وإن كان مجرد إجراء شكلي، سيقوم حتما بإرباك وإحراج حكومة بوتين.

شارك