السلفية والصوفية "عداء" لا ينتهي و"حرب" دائمة الاشتعال

الإثنين 02/أبريل/2018 - 12:32 م
طباعة السلفية والصوفية
 
أثارت تصريحات علاء ماضي أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية، ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية الاخيرة التى اكد فيها على أن" بعض التيارات السلفية تتعمد دائمًا تكفير الصوفية، وأنهم يتعمدون دائمًا بث الشائعات وعرض اقتراحات مثيرة للجدل، حتى يفسدوا احتفالات الصوفية بموالدهم" الجدل مجددأ حول العداء الذى دائما ما تقصف به "السلفية " "جبهات "الصوفية". 
فالعبارات والجمل التي يرددها المتصوفة مثل  "التصوف متعة تزكية النفوس، والمتصوفة هم حضرة الملوك، حديثهم تزكية للنفس وصفاء القلوب، وإصلاح للأخلاق، والصحابة والتابعين كانوا صوفيين فعلاً واسماً ،  يعيشون  لربهم ، ملازمين للزهد والعبودية والإقبال على الله بالروح والقلب معاً " كفيلة بإخراجك من الدين والدنيا لو  نطقت بها أمام الفصيل السلفي.
كما يروج السلفيون إلى أن  الصيرفي ، والغزالي ، والزجاجي ، والنساج ، والقصار ، والوراق ، والخراز ، والحلاج ، ومن بعدهم المريدين هم أصحاب بدع وشركيات ومنكرات ترتكب جهارا نهارا باسم التصوف وباسم الاولياء وباسم المرجعية وباسم الهوية تخالف الدين بل وتحاربه ايضا بأن جعلت الشرك مكان التوحيد والبدعة مكان السنة والمنكر مكان المعروف وحولت الناس الى الجهل والخرافة . 
هكذا يخرج السلفيون المنتمين للطرق الصوفية من الايمان للكفر وبالتالي يستحلون أعراضهم وأموالهم ودمائهم ويحرضون عليم.
ويقوم الفصيل السلفي بتقسيم الصوفية إلى ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: وكان يغلب على أكثرهم الاستقامة في العقيدة ، والإكثار من دعاوى التزام السنة ونهج السلف ، ومن أشهر رموز هذا التيار أبو القاسم الخراز المعروف بالجنيد يلقيبه الصوفية بسيد الطائفة   ومن أهم سماتهم  كثرة الوعظ والقصص مع قلة العلم والفقه والتحذير من تحصيلهما في الوقت الذي اقتدى أكثرهم بسلوكيات رهبان ونساك أهل الكتاب حيث حدث الالتقاء ببعضهم ، مما زاد في البعد عن سمت الصحابة وأئمة التابعين ، ونتج عن ذلك اتخاذ دور للعبادة غير المساجد ، يلتقون فيها للاستماع للقصائد الزهدية أو قصائد ظاهرها الغزل بقصد مدح النبي صلى الله عليه وسلم مما سبب العداء الشديد بينهم وبين السلف، كما ظهرت فيهم ادعاءات الكشف والخوارق وبعض المقولات الكلامية ، وفي هذه الفترة ظهرت لهم تصانيف كثيرة. 
الطبقة الثانية :  وقد خلطت الزهد بعبارات الباطنية ، وانتقل فيها الزهد من الممارسة العملية والسلوك التطبيقي إلى مستوى التأمل التجريدي والكلام النظري ، ولذلك ظهر في كلامهم مصطلحات : الوحدة ، والفناء ، والاتحاد ، والحلول ، والسكر ، والصحو ، والكشف ، والبقاء ، والمريد ، والعارف ، والأحوال ، والمقامات ، وشاع بينهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة ، وتسمية أنفسهم أرباب الحقائق وأهل الباطن ، وسموا غيرهم من الفقهاء أهل الظاهر والرسوم ، وغير ذلك مما كان غير معروف عند السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة ولا عند الطبقة الأولى من المنتسبين إلى الصوفية ، مما زاد في انحرافها ، فكانت بحق تمثل البداية الفعلية لما صار عليه تيار التصوف حتى الآن   ومن أهم أعلام هذه الطبقة : أبو اليزيد البسطامي ت 263هـ ،ذو النون المصري ت 245هـ ، الحلاج ت 309هـ ، أبو سعيد الخزار 277-286هـ ، الحكيم الترمذي ت 320هـ ، أبو بكر الشبلي 334هـ . 
الطبقة الثالثة : وفيها اختلط التصوف بالفلسفة اليونانية ، وظهرت أفكار الحلول والاتحاد ووحدة الوجود موافقة لقول الفلاسفة ، كما أثرت في ظهور نظريات الفيض والإشراق على يد الغزالي والسهروردي ، ويعتبر السلف  هذه الطبقة من أخطر الطبقات والمراحل التي مر بها التصوف والتي تعدت مرحلة البدع العملية إلى البدع العلمية التي بها يخرج التصوف عن الإسلام بالكلية ، ومن أشهر رموز هذه الطبقة : الحلاج ت 309هـ ، السهروردي 587هـ ، ابن عربي ت 638هـ ، ابن الفارض 632هـ ، ابن سبعين ت 667هـ  . 
هذا التقسيم جعل السلفيون ينظرون  الى "الصوفية" و"التصوف" بإزدراء بل  ويصل الامر الى  التكفير والقتل كما حدث فى العديد من الوقائع واخرها حادث مسجد الروضة فى شبه جزيرة سيناء  ، وهو الذى يدفعنا الى التساؤل عن أسباب هذا  العداء بين فصليين كلهما يشهد ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله  ولفهم هذا العداء يجب ان نتعرف على الاتهامات التي يوجهها السلفيون للصوفية والتى ياتى فى مقدمتها:
- التقية: فالسلفيون يعتبرون  "الصوفية" تمارس التقية الشيعية وأنها مجرد "مخرج" من مخرجات تشيع، وأن فكرهم يعتمد على  التهييج والكذب على الخصوم وعدم الرغبة في الحوار و المصارعة  بالألفاظ بعيداً عن الحجة بالدليل و البرهان كالكتاب و السنة.
- الخنوع: أصحاب الفكر السلفي  دائما مايعتبرون أهل التصوف خانعون وجبناء تحت دعوى  التكيف والعيش في مجتمع مدني وأنهم لا يبغون التسيد على المشهد السياسي والاجتماعي على خلاف التيار السلفى  ، الذين  يسعون بشكل دائم  إلى تكريس خطابهم وإعلاء كلمة الحق "السلفية " التى يجب ان تنازع الملك في السيطرة على قلوب وعقول المواطنين .
- التسول: يعتبر السلفيون أن حياة التصوف  لا تليق بالمسلم الحق الذى يجب ان يكون عالى الهمة وليس ذليل  وضعيف وزاهد في الحياة ، ويعيش داخل المجتمع يعانى من الانطواء والاستبعاد الاجتماعي ، وكراهية الحياة ، وحب الخمول والكسل حتى يصل الى التسول .
- القوة المعطلة: يعتبر السلفيون ان الصوفيون وانصارهم قوة كبيرة معطلة ويريدون إستغلالها او القضاء عليها حتى يحتلوا المشهد الديني وحدهم، ليتفرغوا لمواجهة الدولة وتحقيق أهدافهم السياسية، وهو ما ماحدث فى عهد  المعزول محمد مرسى . 
- الاستقطاب: فالصراع بين السلفيين والصوفية لا يقف عند القضايا الفقهية العقائدية، بل كلا الطرفين يسعى كل منهما لإستقطاب  أكبر عدد من الأتباع ويرى  كل طرف منهما أن لديه القوة لابتلاع الآخر وإلغائه وإنهاء وجوده الى  الابد من خلال تكثيف الدعوة ومحاولة اجتذاب أتباع جدد.
- الاصطفاء: السلفية والصوفية لديهم إحساس بالاصطفاء فالسلفيون يعتبرون أفكارهم ومنهجهم الدعوي قائم على صحيح الدعوة  الإسلامية ويركزون على إطلاق اللحى وتقصير الثوب للرجال ولبس  النقاب للسيدات وهو الأمر الذي يراه الصوفيون أنه تركيز على الشكل  و المظهر دون الجوهر وأن السلفية هي شكل بلا روح وأنهم جماعات  متشددة ومتجهمة تحتفل وتحتفي بالطقوس على حساب الحقيقة الدينية  وتتعامل مع الاسلام بشكل لا يقوم على الحب بقدر ما يقوم على المنفعة، كما يتهم الصوفية السلفيين بأنهم مصابون بمرض التعالي على  المجتمع الذي يعيشون فيه ولديهم شعور زائف.
- ابن تيمية: هناك خلافاً محتدماً  بين السلفية والصوفية لم يتوقف حول ابن تيمية الذى انتقد الصوفية وما اسماها  بدعهم ، وشن عليهم حملة شعواء لاهوادة فيها، واتهمهم  بالتأمرمع التتار، في إسقاط الخلافة العباسية وهو ما رد عليه الصوفيه بتأليب الناس ضده واتهام أتباعه بالتطرف، واتهامه بالنصب والنفاق . 
- إثبات صفات الله: اعتمدت الصوفية على العقل في تأويل الآيات القرآنية التي تفيد التشبية والتجسيم وغيرها من الصفات التي لم يرونها تليق بذات الله وهو ما يرفضه السلفيين رفضا قاطعا، ونتيجة لموقف هؤلاء القاطع من عملية التأويل التي مارسها المتصوفة فسوف يناصبونهم العداء، ويهاجمون ممارساتهم وطقوسهم وحتى عقائدهم ، بل ويعتبرها بعضهم من تلابيس إبليس وهو ما يعني عدم وجود أي مساحة مشتركة للتلاقي مع المتصوفة . 
- الشرك الخفي: السلفيون دائما مايتهمون الصوفية بممارسة الشرك الخفي وأنهم يتبركون  بالأضرحة ويلجأون للأولياء الصالحين لقضاء حاجاتهم ويصل بهم  الأمر إلى تقديم الولي على النبي والإيمان بالحقيقة على حساب  الشريعة وعدم الالتزام بالفرائض المعلومة من الدين بالضرورة، كما  يوجه السلفيون نقداً حاداً للسلوكيات التي تحدث في موالد الأولياء  الصالحين التي يرتادونها ويحتفي بها الصوفيون ويؤكد السلفيون أن  الموالد يحدث بها اختلاط بين النساء و الرجال ، مما يترتب على ذلك  شيوع أعمال الفسق و الفجور في زحام الموالد ، كما أن هذه الموالد  تشهد إقامة المراقص و الملاهي التي تعتبر خروجاً فاضحاً على اخلاق  وتقاليد الدين، بالإضافة إلى الغناء و الموسيقى المحرمة والماجنة وان حلقات الذكر تقوم  على حساب الصلاة المفروضة . 
بالاضافة الى ماسبق يعتبر السلفيون ان مصادر التلقي عند الصوفية وعلى رأسها  الكشف كمصدراً وثيقاً للعلوم والمعارف ، والأخذ عن النبى صلى الله عليه وسلم  يقظة أو مناماً  وايضا  الخضر عليه الصلاة والسلام  وكثرت حكايتهم عن لقياه ، والأخذ عنه أحكاماً شرعية وعلوماً دينية ، وكذلك الأوراد ، والأذكار والمناقب  كلها امور تخالف الشرع 
كما ترفض السلفية الكشف الحسي  من خلال الكشف عن حقائق الوجود بارتفاع الحجب الحسية عن عين القلب وعين البصر و الرؤى والمنامات والتى تعتبر من أكثر المصادر اعتماداً  عند الصوفية. 
ويعتبر المفكر المغربي أحمد عصيد  ان الصوفية تفوقت   على السلفية بالإنسانية ، فالأولى لشدة احترامها للإنسان تضعه في مقام القرب من الله بدون وسائط السماسرة وتجار الإيمان، عبر الاتصال المباشر أو "الحلول" و"الاتحاد" وغير ذلك من المفاهيم العرفانية الروحية، أما السلفية فتصل بالإنسان درجة من الاحتقار تجعل منه آلة مبرمجة لتطبيق وصفة يومية من التعاليم الفقهية، بحيث تلجم عقله وتطمس جدوة روحه وتحوله إلى كائن أبله لا يعرف من الألوان إلا الأسود والأبيض، بينما تزخر الطبيعة بالألوان الزاهية البهية والجميلة.
وأن ما يميز الصوفية عن السلفية  انشغال الصوفية بمتعهم الروحية الشخصية التي لا يسعون من ورائها لا إلى سلطة ولا منصب ولا ترأس أو غلبة، واحتراق السلفيين وعجلتهم من أجل بلوغ مناصب الترأس والسلطة والغلبة لإحكام قبضتهم على الدولة وممارسة الوصاية على عقول الناس وإحكام الطوق على رقابهم.
وثالث ما يميزهما عن بعضهما سعة أفق الصوفية وضيق السلفية ، فللصوفية تأويلاتهم للنصوص الدينية تأخذهم إلى مشارف الروح، وتستكنه مواطن الحلم والجمال في الإنسان وفي الكون وما وراء الموجودات، بينما يُحول السلفيون والإخوان نصوص الدين إلى عبارات نمطية وفقه مغلق، يفقر الحياة ويقتل ومضة الإبداع، وهم يفعلون هذا كله باسم السماء، دون أن يكون الربّ قد اتخذهم وكلاء. 
ولعل ما  يفصلهما عن بعضهما البعض جمالية الصوفية روحا وجسدا ولغة وتصورا وتخيلا، وقبح السلفية مظهرا ومخبرا وخيالا وكلاما، فالأوائل لا يتكلمون إلا ليحدثوك عن فنائهم في عشق المطلق، وعن متعتهم الروحية التي يجدونها في الجدبة والذكر، دون أن يعتبروك أقل آدمية وأهمية منهم، ودون أن يلزموك بما هم فيه من تجربة، بينما لا ينطق الأواخر إلا ليصرخوا بأصوات منكرة، فمنهم المتملق والمتحذلق، ومنهم الفظ الغليظ القلب الذي لا يبشر إلا لينفر، وهم لا يرون في غيرهم إلا خطرا داهما وشرا مستطيرا، فتراهم يكيدون للكل حتى تنقلب مكائدهم عليهم . 
 وإن الفرق بين الصوفية من جهة والسلفية والإخوانية من جهة أخرى هو مثل الفرق بين المحبّة والكراهية، بين المودّة والجفاء، بين العشق والنقمة، بين الحِلم والانتقام، بين الحضارة والبداوة، وأنا متأكد لو أننا نزعنا قلوب السلفيين والإخوان ووضعنا بدلها قلوب الصوفية لقلّت البلوى وخمدت الفتن، وعاش الناس في أمن وأمان.
وختاماً وبالنظر الى هذا الصراع بين السلفية والصوفية نجد انه لا مجال له اليوم، ولا حاجة لنا به في ظل الدولة الحديثة التي من المفترض الا تكون دولة للفقهاء ولا دولة للصوفية، بل يجب أن تكون دولة المواطنة التي تساوي بين جميع أبنائها على قاعدة الوطنية  البعيدة عن التابس بكتب التراث، وإحياء النعرات القديمة وان  المشكلة لا تتعلق بممارسات غير طبيعية صادرة من أهل التصوف بقدر ما أن الخطاب الديني للسلفية لازال  لا يقبل فكرة التعددية واختلاف الأيديولوجيات ، لانه  لا يقوم على مرونة تقبل الآخر المختلف فكرياً في فروع ليست بالأصول الجوهرية مثل وحدة الوجود والمغالاة في فكرة الحلول والاتحاد المنسوبة لبعض أهل الصوفية المغالين في أقوالهم وآرائهم ، لا يستطيع العقل السلفي أن يقبل مشورة أو اقتراحاً لتطويره أو لاستيعاب تحديات ومستجدات تفرض سطوتها على واقعنا المعاصر لذلك فنحن بحاجة حقيقية  لإيجاد خطاب ديني مستنير لا يقف موقف المعادي من تعدد تيارات مختلفة في أيديولوجياتها وطروحاتها الفكرية  وهويتها الإسلامية الرصينة ، وهذا لا يحدث إلا من خلال فهم عميق ودقيق للإرث الثقافي الديني والتفرقة بينه وبين الدين ، لأن الأخير باق وثابت ، والأول متغير بفعل الزمن وإحداثياته التي لا تقبل الثبات . 

شارك