حزب الله والحرب السورية يحولان لبنان لبؤر سلفية متطرفة

الأربعاء 18/أبريل/2018 - 10:46 م
طباعة حزب الله والحرب السورية
 
شهد لبنان في الآونة الأخيرة نمواً متزايدًا في صفوف المتشددين  السلفيين، ويعود ذلك إلى انعكاسات وتداعيات الحرب السورية والتوترات الطائفية كعوامل مغذّية لصعود التطرُّف السلفي داخل بيئة تمرد اجتماعي- سياسي متفشية في المناطق السنية المهمشة، وفي ذلك تأتي ظاهرة قبضاي السلفية المتنامية تشير إلى سطوة الجماعات السلفية الجهادية تتعلّق بالديناميكيات الاجتماعية وليس، في المقام الأول، بأي جاذبية إيديولوجية متطرّفة.

حزب الله والحرب السورية
بدوره نشر مركز كارنيجي للسلام، دراسة تحت عنوان " الجذور الاجتماعية- السياسية للتطرّف السلفي في لبنان"، تناولت ورصدت طبيعة جماعة القبضايات التي تحتضن غالباً السلفية كوسيلة لغايات أخرى، مثل ادّعاء وجود دعم سماوي ضمني لهؤلاء القبضايات في حمأة صراعاتهم على السلطة والموارد المدينية. كما أنهم يستخدمون الخطاب المتطرّف لتبرير الانضمام إلى المتمردين في سورية، أو لتغطية أعمال العنف التي تبدو في ظاهرها شبيهة بالتشدّد السلفي، لكنها في الواقع أكثر تناغماً مع التقاليد المحلية المتعلّقة بالصراعات الاجتماعية، بدلاً من الإطلالة على هؤلاء المُتشدّدين كعوارض للبيئة الاجتماعية والسياسية البائسة التي انبثقوا منها، تقاربهم الحكومة اللبنانية من منظور أمني، فتُرسل المئات منهم إلى السجون التي تعاني أصلاً من أوضاع مزرية تؤدي، إضافةً إلى لامبالاة الساسة السنّة، إلى قذفهم نحو أشداق التطرّف.
وناقشت الدراسة عوامل أخرى أشعلت هذا التمرد الذي يضرب جذوره عميقاً في الأوضاع الاجتماعية- السياسية، أهمّها إضفاء الطابع الأمني على اللاجئين السوريين، والخلل المتمادي لدار الإفتاء. لكن حتى الآن على الأقل، لاتزال قدرة المُتطرفين السلفيين على الغرف من هذه الإمكانيات الثورية، محصورة في إطار قطاعات محدودة من الجمهور السنّي.

حزب الله والحرب السورية
وقالت الدراسة، إن لبنان كانت هدفاً رئيساً للتطرّف والتشدّد الإسلاميين منذ اندلاع النزاع السوري العام 2011. وقد فتك المتطرّفون المُلتحقون بجماعات جهادية سلفية (على غرار تنظيم الدولة الإسلامية المُعلن ذاتيا، وهيئة تحرير الشام المعروفة سابقاً بجبهة النصرة ثم جبهة فتح الشام) بأعداد كبيرة من المدنيين، عبر عمليات تفجير انتحارية وهجمات بالصواريخ داخل بيروت وخارجها، وخاضوا معارك دامية مع الجيش اللبناني. وفي العام 2014، كانت أعداد هذه الجماعات وقوتها تتنامى إلى درجة أنها باتت تُسيطر بفعالية على أجزاء من سهل البقاع، وصيدا، وطرابلس، حين كانوا يسعون، وفق ما قال مسؤولون أمنيون، إلى إقامة "إمارة إسلامية".
لمواجهة هذه التحديات، عمدت الحكومة اللبنانية إلى اعتقال مئات من المتشدّدين المُشتبه بهم، وقادت حملة عسكرية على ما تعتقد أنه خلايا إرهابية. كانت حصيلة كل ذلك انحساراً كبيراً في أعمال العنف، بيد أن هذه المقاربة المتمحورة حول الأمن، لم تفعل شيئاً لمعالجة أسباب صعود التطرّف السلفي من جذوره. وإلى أن يحدث ذلك، سيواصل شبح التطرّف الراديكالي إلقاء كلكله على بلاد الأرز.

حزب الله والحرب السورية
لم يكن لهذه المدرسة الفكرية الدينية سوى وجود هامشي في لبنان، حيث ربع السكان فقط هم من السنّة، وحيث تسيطر الاحزاب العلمانية والأعيان على الدين والسياسات. وعلى رغم أن السلفية دخلت إلى البلاد في أربعينيات القرن الماضي من خلال رجل الدين الطرابلسي سالم الشهال، إلا أن نفوذها لم يصبح ملموساً ومتوسّعاً إلا في حقبة التسعينيات، أساساً نتيجة تزايد المساعدات المالية التي تدفقت من هيئات سلفية غنية شبيهة بها في منطقة الخليج. طيلة هذه البدايات، بقيت السلفية حركة دينية مُسالمة إلى حد كبير، وواصل حتى أعتى أعضاءها تطرّفاً الإطلالة على لبنان بكونه "أرض نصرة" لنقل المقاتلين والأسلحة إلى أمكنة أخرى من أراضي الجهاد، كالعراق. 
وحين نَحَتْ بعض الجماعات السلفية- الجهادية إلى الجهاد في بلدها لبنان، كما حدث في العامين 2000 و2007، رفض معظم السلفيين الآخرين هذه الخطوة، وبالتالي تمّ إخماد هذه الحركة بسرعة، لكن، منذ العام 2008، تنامت جاذبية التشدّد السلفي على نحو ملحوظ، وتنوّعت الآراء والتفسيرات حول الأسباب الكامنة وراءه، وعرضت تفسيرات عديدة حول صعود ظاهرة السلفية الجهادية في لبنان، فقد أعرب بعض المحللين عن اعتقادهم بأنه بسبب ميل السلفية إلى اعتبار المسلمين الشيعة زنادقة، كان مُحتّماً أن يتردد لديهم صدى عقيدة أكثر تطرّفاً وعنفا، في مجتمع بات أصلاً يعاني من حالة استقطاب حاد.
علاوةً على ذلك، تدهورت العلاقات السنّية- الشيعية على نحو كبير غداة كلٍ من اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، الشخصية الرئيسة في الطائفة السنّية، وصعود نجم حزب الله، الحزب السياسي الشيعي المُتشدّد الذي غالباً ما اتُّهم بأنه نفّذ عملية الاغتيال. وفي أعقاب هذا التطور، بدأ رجال الدين السلفيون يُضفون لهجة متطرّفة على خطابهم حظيت بشعبية في أوساط بعض قطاعات الرأي العام السنّي، وجرى على عجل تشكيل بعض الميليشيات السلفية.

حزب الله والحرب السورية
بيد أن محللين آخرين يُحيلون صعود السلفية إلى الحرب بالواسطة التي شنّتها السعودية التي كانت المموّل الرئيس للمساجد السلفية والجمعيات الخيرية، وأيضاً، على ما يقال، للميليشيات في لبنان، ودفعت كل هؤلاء لمجابهة إيران التي تدعم حزب الله. وفي الآونة الأخيرة، بدأ التطرُّف السلفي يُعتبر حصيلة جانبية للصراع السوري الذي تلعب فيه الميليشيات السلفية دوراً قيادياً بارزا. على رغم أن كل هذه التفسيرات تتضّمن جانباً من الصحّة، إلا أنها تقفز فوق أسباب محلية أكثر عمقاً يتعيّن فهمها كي نكون قادرين على معالجة هذه الظاهرة على نحو فعّال.
على أي حال، يبدو أن التطرّف الحقيقي، أي ديناميكية التصلّب الإيديولوجي، يتمظهر أساساً في سياق تجربتين إثنتين: الأولى، شن الجهاد في سورية، والثانية قضاء بعض الوقت في السجون اللبنانية. كلا هاتين التجربتين تعكسان الحاجة الماسة كي تقوم الحكومة على نحو عاجل بتصحيح المقاربة الأمنية والقضائية، والالتزام فعلاً، وليس قولاً فقط، بسياسة النأي بالنفس عن الأزمة السورية. كما ثمة حاجة إلى إصلاح مؤسسي لتعزيز مكانة رجال الدين السنّة المعتدلين في البلاد. لقد حاول العديد من هؤلاء الامساك بزمام المبادرة والقيادة لمكافحة الإيديولوجيات المتطرّفة في السجون وفي بعض المساجد، لكن جهودهم أعاقها قصر ذات اليد في الوسائل المتاحة لهم، إضافة إلى التدخّل الدائم للسياسيين السنّة.
وأخيرًا، انتهت الدراسة بعدد من التوصيات، منها ضرورة التصدّي على جناح السرعة لمسألة العزل المديني التي تكمن في جذر ظاهرة قبضاي السلفية. تشمل الإجراءات التي ينبغي اتّخاذها تطوير البنية التحتية، وخفض معدّل البطالة، وتعزيز المجتمع المدني المحلّي، وتوطيد الأمن، والاستثمار في المدارس الرسمية المتداعية، إضافة إلى إعادة هيكلة أنظمة السجون والقضاء في لبنان. وهذا يتضمّن تسريع وتيرة الإجراءات على أنواعها، وضمان الرقابة المدنية، وتشييد المزيد من مراكز الاعتقال، وتصنيف السجون وفقاً لطبيعة الجرائم، ومتابعة قضية احترام حقوق الإنسان، وتسهيل إعادة الدمج في المجتمع، بجانب إصلاح وتمكين دار الإفتاء. 
وترى أن هناك دور رئيس لرجال الدين السنّة المعتدلين في مواجهة التطرّف في السجون، والمساجد، والمجتمع ككل، لكنهم في حاجة ماسّة إلى درجة أكبر من الاستقلالية عن السياسيين، وإلى تدريب إداري أفضل، بما يمكّنهم من تحقيق الاستقلال الذاتي المالي والاستثمار أكثر في تشكيل ومراقبة طبيعة الخطاب الديني، كما أوصت بالامتناع عن وصف اللاجئين السوريين بأنهم خطر أمني. لأن هذا يؤجّج توتر بيئة اجتماعية- سياسية خطرة، بدلاً من ذلك، يجب التركيز على تحسين ظروف السلامة والتعليم وطرق المعيشة لدى هؤلاء.

شارك