البطريرك 113يؤانس التاسع عشر.. عندما يصبح الاسقف بابا !

الخميس 19/أبريل/2018 - 12:38 م
طباعة البطريرك 113يؤانس
 
البابا يوأنس التاسع عشر وهو الثالث عشر بعد المائة من باباوات الأسكندرية. ولد بدير تاسا التابعة لمركز البداري بمديرية أسيوط في سنة (1855م) من والدين تقيين فنشأ علي البر والتقوى فقصد دير السيدة العذراء بالبرموس بوادي النطرون وهناك قضي مدة الاختبار -التي يقضيها عادة طالب الترهب- علي الوجه الأكمل. ثم أندمج في سلك الرهبنة في (1876م). ونظرًا لما اتصف به من حدة الذهن والذكاء المتوقد والعبادة الحارة فقد استقر رأي الآباء علي تزكيته قسًا. فرسمه البابا كيرلس الخامس البطريرك (112) قسًا. ثم قمصًا في (1878 م. تقريبًا) وفي اليوم نفسه أُسْنِدَت إليه رئاسة الدير، فمكث في الرئاسة عشر سنوات كان فيها مثال الهمة والحزم والأمانة وطهارة السلوك والتقوى وحسن التدبير.
وعندما خلا كرسي أبرشية البحيرة اختاره الشعب مطرانًا لهذا الكرسي فرسم في (1887 م.)، وَعُيِّنَ أيضًا وكيلًا للكرازة المرقسية. وبعد وفاة الأنبا يوأنس مطران المنوفية في ذلك العهد زكاه شعب الأبرشية لرعايته فضمت إليه في سنة (1894 م. ) وأصبح مطرانًا للبحيرة والمنوفية ووكيلًا للكرازة المرقسية.
ولما كانت الإسكندرية هي مقر كرسيه فقد أنشأ بها مدرسة لاهوتية لتعليم الرهبان كما أرسل من طلبتها بعثة إلى أثينا للاستزادة من دراسة العلوم اللاهوتية.
وكان إيراد أوقاف الإسكندرية ضئيلًا ولكن بحسن تصرفه وغيرته زاد الإيراد سنة بعد أخري بفضل ما شيده من العمارات الشاهقة وما جدده من المباني القديمة كما يرجع إليه الفضل الأكبر في النهوض بالمدارس المرقسية إذ بذل عناية كبيرة واهتم بأمرها حتى وصلت في قسميها الابتدائي والثانوي إلى مستوي أرقي المدارس. ونظرًا لِمَا أمتاز به من بعد النظر وصائب الرأي فقد اختارته الحكومة ممثلا للأقباط في عدة مجالس نيابية كمجلس شوري القوانين والجمعية العمومية ولجنة وضع الدستور وغيرها.
وقضي في المطرانية اثنين وأربعين عامًا حفلت بجلائل الأعمال إذ ساهم في إنشاء جملة مدارس وبناء وتجديد أغلب كنائس أبرشيته، وكان له أوفر نصيب في تعضيد المشروعات النافعة كذلك وجه عناية خاصة إلى الأديرة البحرية فارتقت شؤونها بحسن أشرافه عليها ورعايته لها.
ولما توفي البابا الأنبا كيرلس الخامس في (7 أغسطس سنة 1927 م.) اجتمع المجمع الإكليريكي في. 10 أغسطس سنة 1927 م.) من الآباء المطارنة والأساقفة بالدار البطريركية وأستقر الرأي علي اختياره قائما مقام البطريرك لإدارة شئون الأمة والكنيسة لحين رسامة بطريرك. وعلي أثر ذلك تلقي المجمع تذكيات من عموم الأبرشيات والمجالس الملية بالموافقة علي هذا الاختيار.
ولبث قائما بأعمال البطريركية سنة واحدة وأربعة أشهر وعشرة أيام دبر في أثنائها شئون الكرازة المرقسية أحسن تدبير وفي خلالها أصدر المجمع الإكليريكي برياسته قانونا لتنظيم شئون الأديرة والرهبان.
أما الأوقاف القبطية فقد رأي بصائب فكره أن تؤلف لجنة برئاسته وعضوية أثنين من المطارنة وأربعة من أعضاء المجلس الملي العام لمراجعة حسابات أوقاف الأديرة وقد صدر قرار بذلك من وزير الداخلية.
ونظرًا لما يعرفه الجميع عنه من طهارة السيرة والخصال الحميدة والنسك والزهد وكمال الأخلاق فقد انتهي الإجماع علي اختياره بطريركا بتذكيات من الآباء المطارنة والكهنة وأعيان الشعب والمجالس الملية فرسم بطريركًا في صباح الأحد (16 ديسمبر سنة 1928 م.) بالكاتدرائية المرقسية الكبرى بمصر باحتفال عظيم حضره نائب الملك والأمراء والوزراء وكبار رجال الدولة وعظماء المصريين من مختلف الطوائف ومطارنة الطوائف الشرقية والغربية ووزراء الدول المفوضون.
وبعد رسامته وجه عنايته إلى الاهتمام بشئون الأمة والكنيسة وكان أول مظهر لهذه العناية أنشأ مدرسة لاهوتية عليا للرهبان في مدينة حلوان كما رسم للمملكة الأثيوبية مطرانا قبطيا وأربعة أساقفة من علماء الأثيوبيين. وتوثيقًا لِعُرَى الاتحاد بين الكنيستين القبطية والأثيوبية سافر إلى البلاد الأثيوبية، ومكث هناك ثلاثة عشر يومًا كان فيها موضع الاحتفاء العظيم. ورسم في أديس أبابا رئيس رهبان الأحباش (خليفة القديس تكلا هيمانوت الحبشي) أسقفًا، وشاءت العناية الربانية أن يتولي عمل الميرون المقدس فعمله في سنة (1930 م.) وكان قد مضي علي عمله مائة وعشر سنين منذ عهد الراحل البابا بطرس المائة والتاسع من باباوات الأسكندرية كما عمله مرة ثانية خصيصًا للملكة الأثيوبية بحضور الأنبا كيرلس مطران أثيوبيا والأنبا بطرس أحد الأساقفة الأثيوبيين.

ويضيق المجال عن تعداد فضائله التي تجلت من حين لآخر في السهر علي مصلحة الكنيسة والعطف علي المحتاجين ومؤازرة ومعاونة الجمعيات الخيرية ومعاهد التعليم ماديًا وأدبيًا وتعضيد المشروعات النافعة التي عادت علي الأقباط بالخير والبركات.
وفي أثناء رئاسته الكرسي المرقسي نشبت الحرب بين مملكة أثيوبيا وإيطاليا، حدثت مشاكل مع ممثل الأقباط في الحبشة (المطران) وتم إعادته إلى الديار المصرية لأنه لم يوافق إيطاليا علي انفصال الكنيسة الأثيوبية عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وفي 27 نوفمبر سنة 1937 قرر نائب ملك إيطاليا استقلال كنيسة أثيوبيا وانفصالها عن الكرسي الإسكندري. وعين الأنبا أبرآم الأسقف الأثيوبي بطريركًا علي أثيوبيا،. ثم قرر المجمع المقدس الإسكندري حرم أبرآم المذكور وعدم الاعتراف به ولا بالأساقفة الذين رسمهم.
ولكن هذا الحال لم يدم كثيرًا إذا قامت الحرب العظمي في سنة 1939 ودخلت إيطاليا الحرب ضد إنجلترا وفرنسا. وفي سنة 1941 م. استرد إمبراطور أثيوبيا مملكته من إيطاليا وعاد الأنبا كيرلس مطران الإمبراطورية الأثيوبية إلى كرسيه مكرمًا في 30 مايو سنة 1942 م. مصحوبًا بوفد بطريركي مكون من سعادة صادق وهبه باشا ومريت بك غالي وفرج بك موسى قنصل مصر بأثيوبيا سابقًا.
وبعد أن اطمأن البابا يوأنس علي عودة أثيوبيا إلى حظيرة أمها الكنيسة القبطية كان قد اعتراه مرض الشيخوخة فتوفي  في الساعة الثانية من. (21 يونية سنة 1942 م.) ويذكر انه كان يلوم نفسه كثيرا لمخالفته نظام الكنيسة في كونه اسقفا اصبح بطريركا  وكان يشعر انه ارتكب بموافقته جرما كبيرا 
* في الإمضاء على وثيقة "قانون المجمع الإكليريكي العام المقدس" الصادِر في يوم الجمعة 23 بشنس سنة 1615، الموافق 31 مايو سنة 1929(1)، كان لقبه الذي كُتِب: "رئيس المجمع الإكليريكي العام المقدس، بابا وبطريرك الإسكندرية والنوبة والحبشة والخمس مدن الغربية".

شارك