قانون «الأعلى للإرهاب» وتأثيره على السياسات العربية لمكافحة التطرف

الأربعاء 25/أبريل/2018 - 07:47 م
طباعة قانون «الأعلى للإرهاب»
 
حاز قانون إنشاء المجلس الأعلى لمواجهة الاٍرهاب والتطرف،  على استحسان العديد من المراقبين والمعنيين، عقب التصديق عليه من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، فالقانون يهدف إلى حشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجته، ومعالجة آثاره، ويتمتع المجلس بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والفني والإداري في ممارسة مهامه وأنشطته واختصاصاته، برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية رئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب والإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف وبابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية والقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى ووزير الأوقاف والوزير المعنى بشئون الشباب والرياضة والوزير المعني بشؤون التضامن الاجتماعي، وغيرهم من بعض رؤساء الأجهزة الرسمية.
قطعًا، يمثل القانون ضمن استراتيجيات الدولة لمحاربة الارهاب، وهو ما يحيلنا إلى الحديث عن بعض من السياسيات المصرية، لمكافحة الظاهرة، ومن ثم التطرق إلى تناول بعض من السياسات الأممية، خاصة تلك المتبعة من قبل جامعة الدول العربية، وهو ما ينسحب على بعض من سياسات بعض الدول والمنظمات الاقليمية في مكافحة الارهاب، وفي هذا الصدد أصدر مركز «سمت» للدراسات، ورقة بحثية، مؤخرًا ناقشت هذا السياسات، تحت عنوان «سياسات العالم العربي في مواجهة التطرف والارهاب.. هل حان وقت المراجعة؟».

قانون «الأعلى للإرهاب»
قانون مكافحة الارهاب في مصر: 
وقبل ذلك، سنلقى نظرة على مفهوم الإرهاب ومواجهة التطرف العنيف في القانون المصري، فقد عرف المشرع الإرهاب  من خلال قانون العقوبات المعدل بموجب القانون رقم 97 لسنة 1992: "يقصد  بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني  تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر ، إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم  للخطر، أو إلحاق  الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو الاموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين واللوائح".
وهذا التعريف ليس في مصر فقط، بل ينسحب على العديد من التشريعات المقررة بدول المنطقة العربية، التي رغم تصديها للجرائم الإرهابية من خلال العديد من النصوص القانونية ، حيث عالجت النصوص الظاهرة الإرهابية من خلال تجريم أعمال العنف المشكلة لها و تحديد سبل و أليات مكافحتها و العقوبات المقررة لها، كما ورد ضمنها أيضا تحديد مفهوم الإرهاب ، حيث عرفت جل التشريعات العربية الإرهاب من خلال النص على الأعمال المكونة  للجريمة الإرهابية و اتسم تعريفها بالعمومية حيث لم تتحرى الدقة ما جعل من مفهوم الإرهاب واسع للغاية و يبرر ذلك بمحاولة احتواء التطور السريع للجريمة الإرهابية، وتميزت التشريعات بالدول العربية عن نظيرتها في الدول الغربية بالتزامها بمبدأ الإقليمية فلم تتناول تطبيق نصوص القانونية خارج إقليمها.
ولذا يعد تكثيف الجهود الدولية وصولا إلى اتفاق يتضمن تحديد دقيق وشامل لمفهوم الإرهاب مراعيًا كافة جوانبه الجوهرية بحيادية تامة أي دون ربط الظاهرة بدين معين أو بطائفة منه أو بحضارة أو بعرق، وتمييز ظاهرة الإرهاب عن غيرها من المفاهيم ضمانا لفعالية مكافحته، سيما ما تعلق بالكفاح المسلح و المنصوص عليه ضمن المعاهدات الدولية و ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك يعد تجريم إرهاب الدولة سواء على المستوى الداخلي كالتعذيب والاعتقال و الاغتيال، وعلى المستوى الدولي من خلال دعم وتمويل الأعمال الإرهابية بدول أخرى، والالتزام باحترام حقوق الإنسان وسيادة الدول والمنصوص عليها صلب المواثيق الدولية، دون التذرع بالحرب على الإرهاب.
ولابد من صك تعريف وتحديده بمفهوم محدد قادر على تغطية كامل الأعمال الهادفة إلى منع ومكافحة التطرف والعنف، وبذل جهود تكتيكية لإحباط الهجمات وجهود استراتيجية لمكافحة الراديكالية المتطرفة التي تغذي الكراهية والعنف وتدعّم استراتيجيته وجاذبيته العالمية، أما آلية منع ومكافحة التطرف العنيف فلا تعتبر أداةً لمكافحة الإرهاب بل خياراً متوازياً ومكمّلاً في السياسات التي تتعامل مع الأنشطة المقلقة - ولكن ليس غير القانونية - التي تقع ما قبل الجريمة.
ومن الممكن لعب دوراً هاماً في مرحلة ما بعد الجريمة حيث تتم إعادة التأهيل والدمج في المجتمع. كما أن جهود منع ومكافحة التطرف العنيف تقلص عدد الأشخاص الذين يحتمل تجنيدهم لأعمال إرهابية عبر طيف الأيديولوجيات المتطرفة العنيفة. وبنفس القدر من الأهمية، فهي تعزز التماسك المجتمعي، ولا تعارضه، خلال معالجة مخاوف الأمن القومي.
ومن الضروري، التفرقة بين أجزاء "منع ومكافحة التطرف العنيف" التي تهدف إلى منع التطرف العنيف وتلك التي تهدف إلى مكافحة التطرف العنيف، مع وضع عملية منع ومكافحة التطرف العنيف ضمن السياق الأكبر المتعلق بتنمية مرونة المجتمع بوجه التطرف العنيف وضمن السلامة العامة وإدارة حالات الطوارئ القائمة، مع إقامة قنوات فعالة وموثوقة بين البرامج المجتمعية وقوى إنفاذ القانون المحلية وعلى مستوى الولاية وتلك الفيدرالية، وكذلك تحديد الأفكار المتطرفة مع الإقرار بأن "عوامل الدفع" (المظالم المحلية، والصحة العقلية، والمشاكل الشخصية) و"عوامل الجذب" (القرابة، والأيديولوجية المتطرفة، والخطابات) تلعب دوراً في التطرف والتعبئة على العنف وأن أهميتها النسبية تتفاوت من حالة إلى أخرى. 
ولا شك في أن بعض الدول لعبت دوراً محورياً في نشر الأفكار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط على مر السنين، وخاصة مصر أيام جمال عبد الناصر والمملكة العربية السعودية برجال دينها السُّنة، الوهابيين، وتضطلع حكومات الشرق الأوسط بدور جوهري في أي جهد لمعالجة هذه المشكلة. ونظراً إلى النفوذ الإقليمي الراسخ الذي تتمتع به مصر، لا بد لها أن تأخذا زمام المبادرة في هذا المسعى. ونذكر هنا ما جرى في يناير 2015، حينما دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي علناً إلى ثورة دينية ولقيت كلمته ترحيباً من واشنطن، ومن حسن الحظ، لا تزال هناك فرصة لإحداث بعض التغييرات، كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً حاسماً أيضا، لأن الاستخدام الأوسع لوسائل الإعلام البديلة يمكن أن يوفر وسيلة جادة لمواجهة الأفكار المتطرفة.

سياسات مكافحة التطرف في العالم العربي: 
بدوره قال «سمت» في قراءاته للسياسات العربية لمواجهة التطرف والارهاب، مما لا ريب فيه، أن الإرهاب يعد خطرًا استراتيجيًا يهدد كافة الدول، منذ أمد التاريخ، ويتطور بتطور الحياة ذاتها، فقطعًا طبيعة الجرائم الإرهابية في القرن التاسع عشر تختلف عمَّا وقع منها في القرن العشرين، وكذلك في القرن الحادي والعشرين، فباتت ظاهرة الإرهاب – اليوم – بفضل العولمة، ذات صبغة عالمية، ولم تبقَ التنظيمات الإرهابية تعمل في إطارها المحلي فقط، أي في إطارها الإقليمي أو الحضاري. ففي السنوات الأخيرة، شهد العالم كافة، والمنطقة العربية بصورة خاصة، موجات من الإرهاب لم يشهد العالم مثلها من قبل، وظهر جليًا مدى التأثير الذي أحدثه تنظيم “داعش” الإرهابي، عقب انطلاقه من العراق أولاً قادمًا من خلفيته القاعدية – فقد كان فرعًا لتنظيم القاعدة المتمركز في أفغانستان – متأثرًا بطبيعة الأحوال السياسية والاجتماعية في الداخل العراقي، فينجح في الاستحواذ على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، لينتقل إلى سوريا ثانيًا، حيث الصراع بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية، ليمتد صداه إلى كل المناطق المتوترة – اليمن وليبيا – والبلاد ذات الحدود الرخوة، كبعض البلدان الإفريقية على سبيل المثال.

العالم العربي وموجات الإرهاب المتعاقبة
وفي كل الأحوال، شئنا أم أبينا،  - بحسب وحدة الدراسات السياسية بـ «سمت»، فإن العالم العربي يعتبر أول المتأثرين بموجهات الإرهاب المتعاقبة. فعلى الرغم من نجاح ذئاب تنظيم “داعش” المنفردة، في تنفيذ عمليات إرهابية وإحداث جلبة في العديد من العواصم والدول الأوروبية والغربية، فإن  هدفه أولًا، شرذمة المنطقة العربية، كي يصل في النهاية إلى تحقيق باقي أغراضه، وفقًا لأيدولوجياته المضادة – بالتأكيد – لكل ما هو قائم حاليًا، والقائمة على تكفير الشعوب والحكومات، ودونها من الأفكار والمعتقدات التي لا تتفق مع صحيح كافة الأديان. ومحل الحديث هنا، يرتكز على إلقاء الضوء، على سياسات مكافحة التطرف والإرهاب في العالم العربي، ولذا سنتطرق إلى الاستراتيجية العربية التي وضعت داخل أروقة جامعة الدول العربية، وكذلك اتفاقية مجلس التعاون الخليجي في هذا الصدد، ومن ثَمَّ النظر في بعض من النماذج على سبيل المثال. ونورد هنا السياسات الخاصة بالعالم العربي، لنستطيع أخيرًا الوصول إلى نتائج محددة، قدر المستطاع، والإجابة عن السؤال الأهم: “هل حان وقت مراجعة هذه السياسات بما يتماشى مع طبيعة المتغيرات التي تؤثر بالضرورة على وضعية التنظيمات الإرهابية وآلياتها؟!”، وفقًا لما جاء في الورقة.

مساعٍ حثيثة رغم غياب خارطة موحدة
وفيما يتعلق بالمساعي الحثيثة للمجتمع العربي لمكافحة ظاهرة الإرهاب، ورغمها إلا أن غياب استراتيجية موحدة، أو خارطة عربية لمكافحته، يكاد يكون سببًا رئيسًا في ازدياد معدلات الجريمة الإرهابية بكافة أشكالها وصورها، بل وتفاقمها، إن لم تتمكن الاتفاقيات الدولية لدول العالم العربي، سواء ذات الطابع الإقليمي كاتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الإرهاب 2004، أو ذات الطابع العالمي مثل الاتفاقية المبرمة سنة 1963 بطوكيو المتعلقة بالجرائم المرتكبة على متن الطائرات، والاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل لسنة 1997، حسبما أشار المركز في تناوله أثناء محاولة اعادة قراءة تلك السياسات.
وفي الختام، نعتقد من ناحيتنا، أن المسئولية الواقعة على عاتق الدولة المصرية، بحد ذاتها كبيرة للغاية، نظرًا لحجم وثقل الدولة الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، فمن المعلوم أن دائرة العنف والإرهاب في العصر الحديث قد اتسعت، وتجاوزت النشاطات الإرهابية حدود الدول لتصبح ذات طابع دولي، مهددة بذلك أمن وسلامة البشرية، وبالتالي لابد من إضافة وحدات وتجهيزات خاصة ضمن عملية مكافحة الإرهاب، وعلاوة على ذلك الاهتمام بالتعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات والخبرات حول المنظمات الإرهابية من حيث أهدافها ودوافعها والأسباب التي أدت إلى ارتكاب الأعمال الإرهابية. ومن المهم لمكافحة الإرهاب، إزالة العقبات والصعوبات الدولية التي تعترض ذلك، وعلى الأخص إعادة النظر في موضوع منح حق اللجوء السياسي، وحق تسليم المجرمين.

شارك