على خطى الغوطة.. «الأسد» يسترجع «الحجر الأسود»

السبت 19/مايو/2018 - 06:15 م
طباعة على خطى الغوطة..
 
انطلقت الثورة السورية في 2011 نحو عسكرة المعارضة، في محاولة لإسقاط النظام السياسي، ومع دخول عام 2012 أخذت المدن والمناطق السورية تسقط تباعًا تحت سيطرة الجماعات المسلحة باختلاف توجهاتها الفكرية والتنظيمية.

وامتدت العمليات العسكرية بين الجيش العربي السوري والفصائل المسلحة لتصل إلى داخل العاصمة دمشق والمناطق المحيطة بها، خاصة الغوطة والمناطق الجنوبية، ففي جنوب دمشق اشتعلت الأحداث والمواجهات في مناطق «الحجر الأسود» ومخيم «اليرموك».

استمرت الحرب سجالًا بين الجيش العربي السوري والفصائل المسلحة، حتى ظهر تنظيم «داعش»، الذي وجه ضرباته للجميع، حتى تمكن من إقامة دولته المزعومة وعاصمتها «الرقة» في يونيو 2014، وفي أبريل 2015 نجح التنظيم في السيطرة على المناطق الواقعة جنوب مدينة دمشق، خاصة «الحجر الأسود» ومخيم «اليرموك»، مستغلًا الحالة التي كانت تمر بها المنطقتان من التدمير.

وفي نهاية 2017، تمكنت قوات الجيش العربي السوري من دخول الرقة ودير الزور، كما تمكنت قوات الحشد الشعبي العراقي من إسقاط معاقل «داعش» في العراق؛ ما أصاب التنظيم بانتكاسة كبيرة وانهيار دولته المزعومة، لذا لم يتبقَ لـ«داعش» سوى بعض الجيوب المتناثرة سواء على الحدود العراقية السورية في محافظة دير الزور، أو في المناطق الواقعة جنوب دمشق، مثل مخيم «اليرموك» و«الحجر الأسود».

وفي مطلع العام الحالي، بدأت تحركات الجيش السوري نحو تأمين العاصمة وتخليص جيوبها من الجماعات والفصائل المسلحة، ففي 12 أبريل 2018 نجح الجيش السوري في دخول الغوطة الشرقية وإجلاء التنظيمات المسلحة مثل «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» بعد سنوات من الحرب الدائرة.

محاور القتال
نجحت قوات الجيش السوري ولواء القدس الفلسطيني، بدعم جوي ومدفعي، في السيطرة على 80% من أحياء «الحجر الأسود»، وتسعى حاليًّا إلى حصر «داعش» في المناطق الشمالية من مدينة «الحجر الأسود» وإجباره على الاستسلام أو التوصل لاتفاق يضمن خروج مقاتليه من المدينة. 

وتفيد العديد من المصادر بأن مسلحي «داعش» في «الحجر الأسود» و«اليرموك» يبلغ تعدادهم حوالي 1220 مقاتلًا، سبق أن كان هناك اتفاق على خروجهم من تلك المناطق باتجاه البادية الشرقية وإدلب على الحدود السورية العراقية، إلا أن الاتفاق لم ينفذ لعوامل عديدة، أبرزها الخلافات بين الجماعات المسيطرة على تلك المنطقة (داعش - تحرير الشام - أبابيل حوران). 

خصوصية العمليات العسكرية
توافرت في «الحجر الأسود» عدة عوامل أضفت خصوصية على العمليات العسكرية داخل المدينة، أبرزها:
- حالة الانقسام بين الفصائل المقاتلة (داعش- تحرير الشام - أبابيل حوران)، الأمر الذي استفاد منه الجيش العربي السوري؛ حيث عمل على عزل تلك التنظيمات عن بعضها، سواء من الناحية العسكرية أو من الناحية التفاوضية.

- عدم وجود مدنيين؛ حيث تشير أغلب التقارير إلى خلو «الحجر الأسود»، وإن سكانها هربوا بعد استيلاء «داعش»، الأمر الذي قد يُعقد الأمور على عكس المتوقع، فوجود المدنيين يُعدُّ دافعًا لدى التنظيمات إلى الاستسلام وترك المدينة؛ أملًا في حماية المدنيين مثلما حدث بالغوطة الشرقية؛ حيث شكلت معاناة المدنيين عامل ضغط على التنظيمات.

- طبيعة المدينة العمرانية؛ حيث تُعدُّ «الحجر الأسود» مدينة عشوائية، إذ جرى توطين النازحين من منطقة الجولان بها بعد حرب 1967، وبالتالي تُعدُّ من أكثر المناطق عشوائية في سوريا، وهو ما يصعب عملية زحف قوات الجيش السوري.

دلالات اقتحام «الحجر الأسود»
لدخول الجيش العربي السوري وتحرير مدينة «الحجر الأسود» العديد من الدلالات الاستراتيجية والسياسية المهمة، أبرزها:
- تحرير دمشق: فلأول مرة منذ عام 2012 أصبحت العاصمة السورية دمشق مؤمنة ومحررة تقريبًا من كل التنظيمات والجماعات المسلحة المناوئة للنظام السياسي السوري، وهو ما يُعدُّ دفعة معنوية قوية للجيش العربي السوري، الذي يتوق إلى إعلان دمشق خالية من تلك التنظيمات.

- انتهاء «داعش»: حيث إنه بسقوط «الحجر الأسود» يكون التنظيم فَقَدَ أهم معقل له في جنوب دمشق، ما يعجل بإمكانية التخلص من البؤر الأخرى، سواء في جنوب دمشق، مثل «حي التضامن» أو مخيم «اليرموك». 

- دخول مخيم اليرموك: فمن المؤكد أن الخطوة المستقبلية للجيش السوري هي دخول مخيم «اليرموك» الفلسطيني وتحريره وإعادة سيطرة الدولة ليس فقط على المخيم، بل أيضًا على التنظيمات الفلسطينية العاملة في المخيم.

- تعظيم المكاسب: حيث تزامنت عملية تحرير «الحجر الأسود» مع عملية إخلال ريفي حمص وحماة من المقاتلين والمسلحين باتجاه إدلب.

- إدلب المعضلة القادمة: يُعدُّ تحرير «الحجر الأسود» و«اليرموك» في المستقبل القريب نجاحًا للجيش العربي السوري في استرداد وسط وجنوب وشرق سوريا، ولا يتبقى أمامه سوى «إدلب»، التي تُعتبر حاليًّا خزانًا لكل الجماعات المسلحة السورية.

أخيرًا، تبقى الأزمة السورية رهن التوازنات الإقليمية والدولية، فالدعم الذي حظى به النظام السوري من روسيا ساعده في مواجهة تلك التنظيمات المسلحة ومحاصرتها، وهو ما يُحتم على كل الدول إعادة النظر في سياستها إزاء الأزمة السورية، ووقف دعم وتمويل الجماعات المسلحة التي تُشكل تهديدًا حقيقيًّا ليس فقط للدولة السورية بل أيضًا لجميع الدول الإقليمية والدولية.

شارك